سجل الحسين (ع )
في أحدى سنوات المشي متخفين عن عيون حرس الشيطان و في صحراء كربلاء تمشي القلوب خائفة متوجسة أن تتوقف الرحلة و ينقطع السبيل قبل الوصول الى كعبة الأحرار , يرشدهم الهيام الى واحة العشق الحسيني لترتوي الانفس من معين الطف , كان ( ابو زهراء ) يسير و ترافقه أبنته العليلة باتجاه كربلاء لتوفي بنذرها , بعيداً عن الطريق المملوء بالبعثيين و سرادقهم و الشمس تغوص في الرمال مخلفةً سماءً زرقاء محمرة , خاف الرجل من أصوات الذئاب البعيدة و هو يتمتم بأدعية و يتوسل الله بحق من يتوجه اليه ان يرشده و أبنته الى الطريق, و لم تكد الظلمة تحكم حتى رأى نوراً من بعيد إنه بيت ( ابو علي ) الذي يتقدم بيوت عشيرته بأتجاه الصحراء و سراجه العالي يرشد الناس اليه لا لشيء الا ليتشرف بإيواء زوار الامام الحسين (ع ) و يقوم بخدمتهم كما اعتاد طوال السنين الفائتة و في مثل هذه الايام , طرق (ابو زهراء ) الباب الذي كان مفتوحاً فاستقبل بكلمات الترحاب , زلفت ابنته الى داخل البيت مع النساء و دخل هو المضيف الذي كان يستلقي فيه مجموعة من الزوار سبقوه الى دار ( ابو علي) , بعد الصلاة و الراحة تناول الجميع وجبة عشاء (التمن و القيمة) و تبادل الزوار اخبار قطع الطريق من قبل الحزبيين و غيرها ثم خلدوا الى النوم مبكراً لأنهم كانوا متعبين من السير في الصحراء ,
دخل الرجلان من الباب المفتوحة للمضيف , كان أحدهما يشع وجهه نوراً حتى لم يكد يستطيع (ابو زهراء) الذي كان الوحيد مستيقضاً, ان يميز ملامحه و طغى النور الغرفة كأن شمس النهار أشرقت فيها كان الرجل الثاني يحمل سجلاً و قلماً , قال الرجل النوراني الى صاحبه سجل هذا يا حبيب مشيراً الى أحد الزائرين و اشار الى الاخر و تمعن فيه ثم قال سجل هذا يا حبيب حتى وصل الى ابو زهراء فتبسم في وجهه و قال سجل هذا و ابنته يا حبيب , ثم خرج الرجلان من الغرفة , فأستفاق ابو زهراء من نومه و عرف ان ذلك الرجل هو الامام الحسين ع فصرخ بالنائمين : أستفيقوا يا زوار ابا عبد الله انهضوا انها البشرى لكم و قص لهم رؤياه و كان كلما يتكلم يقاطعه ( ابو علي ) متسائلاً بلهفة : و انا .. و انا .. هل سجل أسمي الامام الحسين ؟؟ حاول ابو زهراء تجاهل سؤال ابو علي بكل الصور و بقي ابو علي يلح بالسؤال بلهفة شديدة و لكن ابو زهراء التزم الصمت و لم يجبه فأطرق ابو علي في الارض مطأطأً رأسه : انه لم يسجل أسمي ؟ اليس كذلك ؟
نعم اني اعرف السبب !! توجهت أنظار الجميع مستفهمة صوب عيون ابو علي المغرورقة بالدموع !! قبل اقل من عام جائني جار لي ألم به مرض عضال و طلب مني قرض من المال ليجري عملية جراحية فاعتذرت منه لاني لا املك الا بعض المال الموجود في صندق الامام الحسين ع و هذا المال مخصص لخدمة زوار الامام و لا استطيع التصرف بها , فتعهد ان يردها قبل الزيارة و لكني لم أعطيه المال خوفاً من التقصير في خدمة زوار الامام فرجع جاري خائباً و انا أظن اني أُحُسن صنعا , و في المساء رأيت الامام الحسين ع في عالم الرؤيا و هو غاضب مني و وبخني بشدة لأني لم أقضي حاجة جاري المحتاج و لم يقبل أعذاري و اعتذاري , هرولت الى جاري حاملا له المال و لكنه استطاع ان يتدبر المبلغ من شخص أخر , و ضاعت كل توسلاتي له أن يأخذ المال و ضاعت معها امنياتي بجوار حبيب قلبي الامام الحسين , لأني لم أعرف الحسين حق معرفته و انما حسب معرفتي ..
و لهذا لم أستغرب من عدم تسجيل أسمي في سجل الامام الحسين ( عليه السلام ) .