" شذرات مخفية من تاريخ المسيحية في العراق "/ح1
أيها الأخوة الكرام نظراً للطلبات المتزايدة على هذه الحلقات التي تم نشرها عام 2006 في الكثير من المواقع الألكترونية حيث بدأت اليوم تتداول بين أوساط كبيرة عبر الإيميل أي البريد الألكتروني الشخصي ودون الإشارة إلى كاتبها حيث تم رفع أسم الكاتب بشكل متعمد لكي يفهم بأن مرسل هذه المقالة هو الكاتب، ونظراً لتزايد الهجمة الشرسة على مسيحيي العراق مرة ثانية ولمنع جهودي من التعرض للسرقة كما يحدث الآن حيث تنشر المقالات دون الإشارة إلى أسم الكاتب كما فعل الدكتور البطل وغيره من أصحاب الشهادات العلمية ، لذا قررتُ إعادة نشر هذه الحلقات وبالتسلسل أبتداءً من الحلقة الأولى .مع التقدير .
رسالة إلى الأرهابيين
الحلقة الأولى
دأبت الحكومات العراقية المتعاقبة ومنذ تأسيس الدولة العراقية ولحد الآن على تشويه الحقائق التاريخية , لا بل وإلغائها في بعض الأحيان, وفي أحيان أخرى تنسيبها إلى غير أبطالها الحقيقيين ( أي سرقة تاريخ الآخرين وإلصاقه بهم ) معتقدةً بذلك إنها تستطيع أن تلغي الهوية الحقيقية لذلك التاريخ ، أو ربما إعادة كتابة التاريخ حسب هواهم وبالطريقة الهمجية التي يمكنهم بها من خدمة أهدافهم المبهمة المعشعشة في مخيلتهم المريضة .لقد دأبت تلك الحكومات على إظهار العراق بمظهر يختلف عن مظهره الحقيقي، إظهار العراق عربياً مسلماً منذ القِدَم ولم يكن غير ذلك مطلقاً !!! وكانت سياسات تلك الحكومات بما في ذلك الوزارات الفكرية مثل وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي وغيرها من المؤسسات الثقافية وحتى المناهج الدراسية كانت كلها تصب في خانة( التاريخ العربي والإسلامي) مما حشا فكر الأجيال المتعاقبة بأن العراق لم يكن في يومٍ من الأيام سوى بلد عربي إسلامي - مع أحترامي العالي وتقديري الكبير لكل العرب المسلمين فأنا لا أقصدهم بأي حالٍ من الأحوال بل أكن لهم المودة والأحترام والحب والتقدير .ولكن الحقيقة هي غير ذلك , فحقيقة العراق هي غير الحقيقة التي درسناها في كتب التاريخ المنهجية والتي تم تزوير الحقائق فيها . لقد كان العراق خاضعاً لأمبراطوريات عديدة ومتعددة، ومر العراق في ظروف مختلفة، وحَكَمَ العراق سلطات مختلفة وسكنت العراق أقوامٌ مختلفة، وغزت العراق أقوام متنوعة، ولكن يبقى للعراق تاريخٌ مشرّف وهوية يفتخر بها وتراثٌ يتغنى به وحضارةً يتباهى بها .فآثار الكلدانيين هي منذ آلاف السنين ولحد الآن، ولولا هذه الهجمة الشرسة والفترة المظلمة التي تعرضت آثار العراق فيها للدمار والسرقة والنهب والسلب لكانت متاحف العراق اليوم تَعجُّ بآلاف القطع الأثرية، ولكن هناك الزقورة وهناك الملوية وهناك عشتار وبابل وحمورابي وشرائعه ومسلته كلها تقف شوامخ أمام كل الهجمات الإرهابية، تقف بعز وشموخ أمام عوادي الزمن لتقول للأجيال المتعاقبة : هذا هو تاريخ العراق الحقيقي وتراثه، وهذه هي هوية العراق الأصلية والحقيقية , فمهما زَوَّر المُزوّرون فلن يقدروا أن يمحوا هذه الآثار .
لمحة مختصرة عن العرب : إن أصل العرب ومدى علاقتهم بالشعوب السامية الأخرى لم يزل موضع جدل بين علماء الأجناس حتى الان .يقول الأستاذ جواد علي في مفصله التاريخي ما يلي :ويرى بعض علماء التوراة أن كلمة عرب إنما شاعت وأنتشرت عند العبرانيين .د. جواد علي .المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام . الجزء الأول الفصل الأول ص 50
.وفي الفصل الثامن – طبقات العرب – ص 63 يقول المصدر : أتفق الرواة على تقسيم العرب من حيث القدم إلى طبقات :عرب بائدة وعرب عاربة وعرب مستعربة .ومن حيث النسب إلى قسمين : قحطانية ومنازلهم الأولى في اليمن وعدنانية ومنازلهم الأولى في الحجاز . وأتفقوا على أن القحطانيين هم عرب منذ خلقهم الله . فهم الأصل والعدنانية الفرع منهم أخذوا العربية وبلسانهم تكلم أبناء أسماعيل بعد هجرتهم إلى الحجاز شرح الله صدر جدّهم إسماعيل فتكلم العربية بعد أن كان يتكلم بلغة أبيه التي كانت الآرامية أو الكلدانية . ص 79 نفس المصدر
.لقد ورد في كتاب الأغاني الجزء الخامس الصفحة 190 : إن المرقش أستعان بالحروف السريانية التي كان يستعملها مسيحيو عنبر ( بيروز شابور) والحيرة وحوّروها فأصبحت الحروف العربية
.يقول الأب لويس شيخو : ــ إن القبائل التي سكنت الجزيرة العربية لم تكن من أصلٍ واحد :وهذه القبائل لم تكن كلها من أصلٍ واحد فكان بينها قوم من أبناء كوش المنتمين إلى كنعان بن حام فسكنوا بعض جهات اليمن إلا أن معظمهم ينتسبون إلى يقطان أو قحطان من ذرية سام . وقد فرّق الكتاب الكريم بينهم – " ملوك ترشيش والجزر النائية يحملون إليه الهدايا ملوك سبأ وشبا يقدمون له العطايا " – مزمور 72 / 10فدعا الأولين سبا والآخرين شبا ويضاف إلى الساميين منهم أبناء أسماعيل بن أبراهيم أخصهم النبطيون والقيداريون وأبناء قطورة سرية أبراهيم ومنهم الميديون وكانت سكن هؤلاء في بادية الشام وشرقي بحر لوط وفي شبه جزيرة سيناء وقسم من الحجاز .الأب لويس شيخو اليسوعي – النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية – ص 5ثم أن العرب قبل توغلهم في الجزيرة العربية كانوا قد جاوروا الكلدان وأخذوا منهم عبادة النجوم – ص8 المصدر السابق
.أما الأستاذ يعقوب أفرام فيقول في ذلك : وكان العراقيون القدماء يقصدون من كلمة عرب تحديد الأتجاه الجغرافي بمعنى غرب في اللغة السامية الأولى لغة الأكديين الجزرية إذ عَنوا بها إتجاهاً جغرافياً حيث تغيب الشمس أو تغرب , وهذا المعنى هو ما تؤدي اللغة العربية الحديثة كلمة غرب وقصد بالجهة غرب نهر الفرات , أي أن العراقيين القدماء أطلقوا لفظة غرب على أهل البادية المرابطين غربي الضفة الغربية لوادي الفرات وجرى هذا الأصطلاح على ذلك منذ منتصف القرن التاسع قبل الميلاد فأطلقت كلمة عرب أو عربي على سكان مشيخة تقع غرب الفرات ثم تدرج المعنى في الأتساع المكاني فغدا يشمل جميع البادية الفاصلة بين العراق والشام بما فيها شبه جزيرة سيناء
.قال الطبري في تفسيره : كانت العرب وإن جمع جميعها أسم إنهم عرب إنهم مختلفوا الألسن بالبيان ومتباينوا المنطق بالكلام وإن ألسنتهم كانت كثيرة كثرة يعجز عن إحصائها .المفصل .د. جواد علي الفصل 137 ص 1091هذه مقدمة بسيطة للدخول إلى متن الرسالة الموجهة للسَلفيين والإرهابيين والمتزمتين وذوي النظرة الأُحادية فنقول لهم :هل تعلمون بأن المجوس الذين قدموا الهدايا ليسوع في يوم مولِدِهِ كانوا من العرب . لويس شيخو ص 20
وإن أول رسول دخل بلاد العرب هو القديس بولس الرسول فقد هرب من دسائس اليهود إلى جزيرة العرب . ص 22 المصدر السابق .
ومما يثبت إرتقاء النصرانية واتساع دائرتها في بادية العرب ان منها خرج أول قياصرة الرومان النصارى ونريد به فيلبّوس العربي الذي ملك على رومية من السنة 244 إلى 249 وكان أصله من بُصرى.ص32 الباب الثاني – المصدر السابق – ومن أعماله تشييد مدينة عمّان في حوران ودعاها بإسمه PHILIPPOPOLIS فكفى به فخراً لبلاد العرب أن أول قياصرة رومية المتنصرين كان مولده في ربوعها .
المصدر السابق ص 33 .
عرض إبراهيم غرايبة كتاباً سمي الوطن العربي .. النواة والإمتدادات عبر التاريخ يقول فيه " ...جزيرة العرب أو النواة : ومن القبائل والشعوب العربية التي عرفت هناك : الآراميون الذين سيطروا على خطوط التجارة عبر الفرات ودجلة قبل الميلاد بألف سنة والكلدانيون الذين سيطروا على طريق التجارة الذي يربط العراق بالخليج العربي , وقد وصل الآراميون والكلدانيون على شكل قبائل رحل تمكنت من الأستقرار تدريجياً وأندمج الكلدانيون مع البابليون وأستخدموا لغتهم للكتابة وأما الآراميون فقد أحتفظوا بلغتهم ثم بدأ تأثيرهم يتنامى في داخل بلاد آشور ومؤسساتها حتى أنه توجد نصوص آشورية كُتبت باللغة الآرامية ". الوطن العربي – النواة – عدد من المؤلفين. 2003
هل تعلم أيها ألإرهابي بأن السيد المسيح له المجد وأتباعُهُ في العراق لم يَحمِلوا سَيفاً ولم يقتلوا شخصاً لكونه مسلم أو يهودي أو من أية ديانةٍ كانت، ولم يغنموا حبة واحدة، ولم يشتركوا في أية غزوة، لأن سيف المسيح ورسالته كانت تتلخص في كلمة واحدة ألا وهي – المحبة – وبواسطة هذه الكلمة وصلت رسالته إلى مشارق الأرض ومغاربها .
وهل تعلم بأن المسيحيون الذين تضطهدونهم اليوم وتخطفونهم وتقتلونهم، تقوم أيديولوجيتهم على أساس احترام الإنسان لأخيه الإنسان بغض النظر عن مُعْتَقَدِهِ ودينه وجنسه ولونه , بينما نظريتك أيها الإرهابي مؤسسة على الدين الواحد والرسالة الواحدة والنظرية الوحيدة .
لقد غير السيد المسيح له المجد مجتمع أتباعِهِ بطريقة منطقية وعقلانية وأخلاقية دون الإساءة إلى أحد أو قطع رَقَبة أو يد أحد، بل قال : " مَنْ كانَ مِنْكُم بِلا خَطيئة فليرمها بأول حجر ." لم يَقُل المسيح كَذَبَ الَّذين قالوا .......
المسيحيون يحملون أغصان زيتون دليل وشعار للمحبة والسلام وأنتم تبادلونهم بالمفخخات وقطع الرِّقاب وحَز الرؤوس !!! فأي شعار يحمل معاني الإنسانية !!! مَنْ مِنْ الأثنين هُم سكان البلاد الأصليين ؟ ومن الذي غزا الثاني ؟ لماذا لا تطرقوا باب الحوار لو كنتم على حق ؟ أم إنكم بالمفخخات تقلبون الباطل حق ؟كم منكم ومن العراقيين وبمختلف مكوناتهم وطبقات ثقافاتهم يعرفون بأن أول مَنْ طالَبَ بحقوق المرأة ودافع عن حقوقها هي إمرأة كلدانية مسيحية جُبِلَتْ من تُراب بابل عاصمة الكلدان الأولى الخالدة بحماية أسدها أسد بابل , إمرأة كلدانية عراقية أصيلة , فكم من العراقيين يتذكرون أسم مريام نرمي وهل يعرفون بأنها أول إمرأة طالبت بهذه الحقوق قبل أكثر من ستين عاماً ؟ هل خطر ببالكم ذلك ؟ وهل تعرفون بأن مريام نرمي هي أول إمرأة كلدانية عراقية أصيلة أصدرت أول جريدة متخصصة بشؤون المرأة العراقية وذلك عام 1937 بأسم " المرأة العربية " .يقول شمران العجلي : وكان أول من أصدر الصحف في العراق هم النصارى , ويعتبر الأب أنستاس الكرملي من ألمع وأشهر وأبرز الصحفيين . شمران العجلي – الخريطة السياسية للمعارضة العراقية ص 23 دار الحكمة .كم منكم يعرف هذا الأسم " يوسف سلمان " الأسم اللامع في صفوف الحركة الشيوعية العراقية لا بل مؤسس الحزب الشيوعي العراقي والمقترن أسمه بالمقولة التالية حينما قدموه للإعدام شنقاً حتى الموت " الشيوعية أعلى من أعواد المشانق " بالحقيقة إن هذا الإنسان كان مسيحياً كلدانياً عراقياً خالصاً لربما أكثر أصالةً من كثير من العراقيين المتجنسين . وإلى أن نلتقيكم في الحلقة الثانية لكم مني أطيب التحايا الكلدانية الخالصة وأسماها .
نشرت هذه المقالة في العديد من المواقع الألكترونية بتاريخ . 28/8/2006
نزار ملاخا alkosh50@hotmail.com