Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

في الميزان ... رهبان الديانات الوضعية وحراس معتقداتنا السماوية

يؤكد الكثير من علماء النفس على أهمية الحياة الروحية وخاصة العلاقة مع الله في تحقيق أستقرار للذات الآنسانية ، وتغني مثل تلك العلاقة المستقرة صاحبها من مشاكل مرضية ونفسية وجسدية قد تصيبه في حالة حدوث أختلال في عالم الروح أو الأكتفاء بالحياة فقط بمحتواها السطحي دون التركيز على ابعادها العميقة .
منذ عقود أدرك الغرب هذه الحقائق وبدأ في مراقبة الشرق ووضع الحياة الروحية لمجتمعات اسيوية كبيرة مثل الصين والهند تحت المجهر وبالرغم من انه لا يحق لنا البت في مصدر الأديان أو الحكم عليها ولكن عادة نسمي ديانات الشرق البعيد بالديانات الوضعية وهي متنوعة جدا كالبوذية والهندوسية والشنتو ( عبادة الأجداد ) وسلسلة طويلة لا تنتهي من المعتقدات والديانات التي لا يقل أتباعها عن عشرات الملايين .
هذه الاديان بالرغم من أننا نعتبرها وضعية لأفتقارها لمصادر سماوية أو أنبياء مدعومين بكتب مقدسة ذات تأثير واسع في نفوس أتباعها وخصوصا فيما يتعلق بالجانب الروحي الذي يساعد الانسان على أن يكون في غاية الشفافية والبساطة والتواضع والتسامح والخ من القيم الرفيعة التي نفتقر أليها اليوم نحن أبناء الديانات السماوية الثلاث والتي من المفروض أن تكون القيم الروحية فيها أعلى وأسمى .
ولو وضعنا أنفسنا كأتباع في كفة ميزان مع أتباع تلك الديانات فبالتاكيد ستكون النتيجة مختلة لصالحهم لأننا نعاني كمجتمعات بشرية من مشاكل كثيرة لا يشعرون بها مطلقا بسبب بساطة مفاهيمهم الدينية وسهولة تعاملهم مع الحياة بمفهومها الأنساني ، فلا يشترط أرتباط دين بأخر ولا يفترض تكامل الثاني مع الثالث . كل ذلك ليس مهما بقدر أهمية الفطرة والأخلاص للمعتقد أو الدين وهنا لا يمكن أن تفوتنا الأشارة إلى عدم وجود حالات مطلقة فلا يوجد مقياس ثابت وشامل والشواذ حاضرون دائما في كل الزوايا والقواعد ولكن يفترض بنا اليوم ان نستورد من الشرق قيمه الرفيعة كما يفعل الغرب خصوصا مع تزايد وتيرة العنف الأجتماعي والأحتقان السياسي وأفتقار مناطقنا في الشرق الأوسط للكثير من قيم الأخاء والتسامح وقبول الأخر وذلك حاضر حتى في تعابيرنا اليومية والواقع خير دليل على ذلك فحتى التعامل اليومي في الكثير من المجتمعات العربية والأسلامية طغى عليه العصبية وضيق الأفاق الأنسانية وغابت عنه المفاهيم المروجة لقيم السلام والتسامح .
ولكن تبقى البيئة الاجتماعية والخلفية الثقافية والتاريخية لها دور كبير في أرساء مثل تلك القيم والعامل الأساسي الأهم في تكوين نماذج أنسانية عظيمة عرفها ولا زال العالم يتعرف عليها أكثر فاكثر ، فربما لو كانت الأم تريزا مارست رسالتها في العراق كانت ستعطي حجرا للأرثذوكس وسمكة للكاثوليك ولو كان غاندي فلسطينيا لكان قد فجر نفسه في دار لحضانة الأطفال في أسرائيل . فكل العوامل المشار أليها سابقا لها فضل كبير في توجيه الأنسان وتهذيبه وتحديد مسار مواقفه تجاه معطياة الواقع وشخوصه ولعل مشاكلنا اليومية وضبابية مستقبلنا كمسيحيين عراقيين ما يجعلنا اليوم نصفق لرجل دين يساعدنا ماديا ونترك الأخر لأنه فقير او فيلسوف أو متعمق في الروحانيات التي أصبحت علما غامضا بنظر الناس البسطاء .
ونفس السبب يقف وراء جعل محمود عباس مجرد عميل في نظر البعض بعد تعالي أصوات المتشددين وحاملوا راية المبادئ السامية كما يسمون انفسهم والبعض الأخر يصفق بخجل لمحمد خاتمي ويستهلك حنجرته وكفيه في دقائق أصغاء لكلمة يلقيها متزمت ديني أو سياسي .
نحن اليوم فعلا وصلنا إلى مرحلة متقدمة من أمراضنا الأجتماعية والسياسية ولا نستطيع انكار التداخل بين هذه العوامل مضافا أليها الأثار التي يحتفظ بها الجانب الأقتصادي على مجمل شخصيتنا الأنسانية وسلوكها الوطني وبعد ان وضعنا أنفسنا كأتباع في الميزان ندعو القائمون على شؤون الدين في الرسالات السماوية التي نؤمن بها سواء تكاملت او تناقضت ، أن يفعلوا ذلك أيضا ويقارنوا بين تصرفاتهم العنصرية والأنانية وأفقهم الضيق الذي جعل المسيحي والمسلم واليهودي في دائرة مغلقة من الدوران الفارغ والبحث السخيف عن الحقائق التي قد لا تكون مهمة أصلا فالماديات والتقسيمات الطائفية باتت أهم من حرارة اللقاء والتصافح بين أبناء ديانة واحدة وليس على مستوى تنوعات والتشنج في المواقف والأعتزااز بالمواقع والكراسي الدينية أهم من تعبيد الطرقات أمام القطيع . والأنجازات لو وضعت في الميزان بالتأكيد ستكون مخجلة لحراس معتقداتنا السماوية فكل وسائلهم فاشلة ودموية وكل مساعيهم لن تجر متعاطفا واحدا مع قضيتهم لأنهم لم يجمعوا خمسة أفراد حولهم وليس الاف في مسيرة هادئة وطويلة على اضواء الشموع وأمام حرارة الشمس أو غزارة المطر كما يفعل أصحاب الرؤوس الحليقة ، رهبان الديانات الوضعية اليوم ولا تنسوا ان تراقبوا الميزان لن الأختلالات القادمة كثيرة .

عصام سليمان – تلكيف .
Assyrian_publisher@yahoo.com
Opinions