Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

مأساة الآشوريين في العراق فوضى ميليشيات أم إرهاب دولة ؟؟؟

تكاثر الحديث في الآونة الأخيرة عن إضطهاد لـ"المسيحيين" في العراق، والهدف من إشاعة هذه العبارة هو تصوير المأساة على أنها ذات دافع ديني، بينما يرى "المسيحيون" في العراق أنها ذات دافع قومي، وهنا الصواب بعينه كونها موجّهة ضدهم كآشوريين بغض النظر عن انتمائهم الكنسي (الكنيسة السريانية أو الكلدانية، أو الآشورية الشرقية) ومع النظر إلى توزعهم الجغرافي داخل العراق. وهذا الإعتقاد بات سائداً ليس في الأوساط الآشورية فحسب، بل أيضا في الأوساط العراقية على كافة المستويات خصوصاً بعد كشف العديد من المعتدين والتبـيّـن بأنهم ينتمون إلى "أحزاب قومية كردية" (1) معادية للآشوريين، وليس "منظمات دينية إسلامية" معادية للمسيحيين، لذلك فإن الحديث عن إضطهاد "مسيحيين" لا يعطي الضحية حقها وهذا هو الخطأ الفادح التي تقع فيه وسائل الإعلام الغير آشورية.

***************

"إنها حرب الكلاب، لكنها تجعل من أميركا عظيمة حيث أن الأقوياء عديمي القلوب يرتقون إلى القمّة، بينما الضعفاء يحترقون كما يحترق النفط، لكي تبقى لاس فيغاس مشعشعة طوال الليل..." - هكذا تصف الصحفية الكندية نعومي كلاين * حروب أميركا التي كانت آخرها تحت شعار "تحرير العراق من صدّام" والذي رفعته الولايات المتحدة تارة بذريعة إنقاذ الشعب العراقي من الدكتاتورية والتسلـّط العائلي أو الحزبي على مقدرات الدولة، وتارة أخرى تحت شعار "الحرب على الإرهاب" الذي اعتبره كبار منظرّي السياسة الخارجية الأميريكية، حجة جورج بوش للسيطرة على العالم (2) ... لينتهي الأمر بالعراق إلى ديموقراطية القتل والأسلمة والتكريد والتخلـّف، لدرجة أن المراقب يتوقف عند محطات العهد السابق ليلاحظ زيف الوطنية العراقية لدى التيارات المعارضة لصدام في حينه، ولا نقولها دفاعاً عن صدام بل حسرة على ما وصل إليه العراق تحت حكم معارضيه ... كل هذا فيما الولايات المتحدة ثقف وقفة المتفرّج إن لم تكن المحرّض الذي بدأ يتنصّل من المسؤولية إلى حين ظهور ضوء أمل جديد في المرحلة الرئاسيـّة الأميركية المقبلة، وذلك بعد فرض الإتفاقية الأمنية على العراق بمساعدة الأيدي الأميركية في الدولة العراقية مثل الزعماء الأكراد وبعض زعماء الشيعة الذين دخلوا في لعبة "تبادل القبلات" بين إيران وأميركا من تحت طاولة الملف النووي الإيراني، ونتيجة ما سمّيَ "تحرير العراق" كانت كارثة وطنية أدّت إلى العبث بالنظام الإجتماعي والإقتصادي العراقي كما إلى هجرة الأدمغة العراقية (من نجا منهم) وتحويل الشعب العراقي إلى مجتمع فقير يعيش فوق أكبر خزان نفطي على وجه المعمورة على قشرة مساحتها 434 ألف كلم2، يرفرف عليها العلم الإسرائيلي في الشمال، والأميركي في بغداد، والإيراني في الجنوب...

أمّـا بالنسبة للتعامل العراقي – العراقي، فإن انتقال العراق المفاجئ من مرحلة التسلط العائلي أو الحزب الواحد إلى مرحلة التعددية والديموقراطية، كان السبب الأوّل في الفوضى التي تترجمت واقعاً من فوضى العقيدة (قومية كانت أم دينية) إلى فوضى الشارع (المغذى بالعقيدة الفوضوية) ومن ثم إلى فوضى البرلمان (المنتخب من الشارع الفوضوي) لنصل أخيراً إلى فوضى الدستور (المشرّع من البرلمان الفوضوي)، حيث أتى نصّ الدستور بدوره مشرّعاً قانونياَ في القضاء على ثقافات عراقية أصيلة من خلال مواد دستورية تعتبر الأكثر تخلفاً في تاريخ البشرية، وكل ذلك يعود إلى "مساومات" بين الأطراف المسيطرة على السياسة الداخلية العراقية، وهذا باعتراف مسؤولين حكوميين بارزين (3) شاركوا في تلك المساومات أثناء كتابة ما سمّي بـ"قانون إدارة الدولة" في ربيع 2004.

إذاً ما يجري في العراق اليوم بحق شعوبه الأصيلة (الآشوريون، الصابئة، والإيزيديون) هو إرهاب دولة قائمة تأخذ دور غطاء لـ"فوضى ميلشيات" لأن تلك الميليشيات أيا كانت، هي ممثلة رسميا في المؤسسات الدستورية العراقية وهي من شاركت في كتابة ما سُمّيَ "قانون إدارة الدولة" وبعده ما سمّي بالدستور الدائم (المعروف لدى الآشوريين بـ"الدستور الكردو- إسلامي")، ما ساعد على تطبيق الأيديولوجبات الفوضوية (الأسلمة والتكريد) تم تغطيتها من قبل التيارات الحاكمة من كردية وشيعية تحديداً. وهكذا، صدَقت إحدى المنظمات الآشورية مؤخراً بوصف الوضع على أنه "انتقال الشعب الآشوري في العراق من مرحلة الإضطهاد الدكتاتوري إلى مرحلة التصفية الديموقراطية" (4) ، فإن وضع الآشوريين لم يعد قابلا للسكوت عنه، بحيث يعتبرون اليوم أكثر الشعوب اضطهاداً في العالم، فقد تمّ تهجير ثلثيهم بمخطط استراتيجي ذي أبعاد وأشكال مختلفة، منها المهذب المقبول أوروبياً وأميركيا، ومسيحياً بشكل عام، ومنها الوقح إنما المقبول عراقياً على مستوى الدولة وأقطابها الفئوية.

العوامل التي سهّلت اضطهاد الشعب الآشوري "بعد سقوط صدام" (على سبيل المثال لا الحصر):

أولاً : بساطة المجتمعات الغربية، أوروبية أو أميركية وغيرها، وبذلك انعدَم عامل الرادع الشعبي لحكومات دول القرار العالمي وهذا واضح في تبنى الكونغرس الأميركي "قانوناً شعبياً" (Public Law) (5) يجيز ضرب العراق، علماً أنّ حكومات الغرب لم تهتمّ يوماً بالعراق ولا أية فئة عراقية أصيلة كانت أم دخيلة، بل جلّ ما همّها عبر التاريخ كان "طريق الحرير" ثم طريق النفط، وما احتلال العراق إلا حلقة صغيرة في سلسلة "الفوضى البناءة" التي تتبناها الإدارة الأميركية على المستوى العالمي، وحتى العراقي منذ نيسان/2003، وفعلا بنت هذه الفوضى حتى اليوم حصنا سرطانيا مستعداً لجعل كركوك الولاية الأميركية الثانية والخمسين (6) في سبيل تحقيق أحلام فئويـّة قد تجلب الويلات لحالميها قبل غيرهم.

ثانياً : تقصير الشعب الآشوري بالرجوع إلى عدّة عوامل وأهمها تلك النفسية التي تتلخص بالخيبة من الأنظمة الحاكمة في كافة دول الشرق الأوسط وبدون استثناء، حيث انعكس ذلك على شعور بالضعف تجاه التيارات المتخلفة (سياسية، دينية أم إجتماعية) المحيطة بالآشوريين في العراق أو غيره، وما دفع بهذا الشعور إلى الأمام هو انعدام "العقيدة" لدى الأحزاب الآشورية العاملة في العراق، بحيث تأتي مطالب تلك الأحزاب من منطلقات وطنية إنما في عراق فئوي، مما ينعكس سلبا على الآشوريين في لعبة المحاصصة المفروضة شئنا أم أبينا، وغالبا ما تكون مطالب الأحزاب الآشورية آنيـّـة وليست مصيرية، وما احتجاجات الساسة الآشوريين على إلغاء المادة /50/ من قانون إنتخابات المحافظات، إلا تغطية لإنهزاميتهم وفشلهم على مستوى المطالب المصيرية وذراً للرماد في عيون الشعب الآشوري وخصوصاً المقيمين في المهجر والذين يشكلون قوة انتخابية يحسب لها الحساب الأكبر في الإستحقاقات القادمة، فحقوق الآشوريين هي أكبر بكثير من إدارة تعبيد الطرقات ولمّ النفايات في المحافظات...

والظريف في الحالة الآشورية هو أن المعارضة الآشورية في الخارج تـُـكمل إنهزامية الداخل، بحيث كلما تعالت الأصوات الآشورية في المهجر ضدّ سياسة الأسلمة والتكريد، قابلتها تصريحات تكذيب من الساسة الآشوريين في الداخل العراقي، وبذلك يعلو رصيد السياسي الآشوري أمام أسياده على حساب حقوق أمته، سواء كان ذلك لصالح سياسة التكريد "العلماني" في آشور المحتلة، أم سياسة "تطبيع الأسلمة" في باقي مناطق العراق. وقد لعب الإعلام الآشوري الفاشل دوره الهدام في إضعاف الحركة القومية الآشورية كونه أتى دائماً إعلاماً إنسانيا، ترفيهياً وفنياً، أما في حال التعاطي السياسي فهو غالبا ما يكون من منظار حزبي ضيـّق لا يتعدّى الدعاية للحزب أو أميره.

ثالتاً : العنصرية الدينية والقومية في المؤسسات الدستورية العراقية، والواضحة لأبسط الناس من خلال إيديولوجيات التيارات المسيطرة (تحت الإحتلال الأميركي) على القرار العراقي الداخلي، فليست تلك التيارات إلا من عملت طوال تاريخها على تقسيم العراق إمـّا بإنشاء كيانات قومية تبدأ بشعارات المظلومين، الجذابة لمشاعر الغرب العاطفي، علماً أنها هي نفسها من طردت الآشوريين من شمال العراق ولا تزال تصادر مئات القرى الآشورية (7)، أو من تيارات أخرى هدفت منذ تأسيسها إلى ضمّ أجزاء من العراق إلى إيران وهي نفسها من عذبت الأسرى الآشوريين في السجون العسكرية الإيرانية أثناء حرب الخليج الأولى إلى أن أسلم العديد منهم تحت الضغط النفسي والصحي والجسدي (8)... وهي نفسها من قامت بخطف الجنود العراقيين وتسليمهم إلى إيران أثناء حرب الخليج الأولى ... هذا هو باختصار، التاريخ "الوطني" للمعارضة العراقية وتياراتها الحاكمة اليوم، والتي يجب على "الآشوري- المسيحي" أن يشاركها بـ"وطنيتها" وإلا فليـُطرد من عراقه دون رجعة.

الأسباب المباشرة في إضطهاد الآشوريين في العراق

إن ما يحصل اليوم بحق الشعب الآشوري ليس غريبا عليه، فالتاريخ يشهد على المجازر بحق الآشوريين منذ سقوط كيانهم السياسي عام 612 ق.م، حيث غزت آشور أقواما عديدة منها الفرس ثم العرب ثم الأتراك والتركمان، وأخيراً الأكراد في القرن السادس عشر.. وخلال هذه القرون لم يسلم الشعب الآشوري من الإضطهادات بسبب انتمائه الديني والثقافي، حتى الكارثة الكبرى في الحرب العالمية الأولى حين تكالبت عليه قوى الأمر الواقع من أكراد وأتراك وإيرانيين حيث ذهب ضحية الإبادة حوالي 600.000 آشوري، أي ما يعادل نصف تعداده آنذاك، ثمّ مجزرة 1933 في شمال العراق، التي كانت تهدف إلى إبادة عروبية للقضية الآشورية.

ويصعب على الكثير من الإعلاميين تحليل ما يجري اليوم في العراق بحق سكانه الأصليين، فقد ظهرت مؤخرا على وسائل الإعلام شخصيات سياسية أو دينية غير مؤهلة لإيصال الرسالة الحقيقية إلى المستمع والمشاهد، كون الضيوف هم دائماً إمـّـا من موظفي البرزاني الحاليين أو السابقين، أو رجال دين لا ناقة لهم بالسياسة ولا جمل، ولا يجيدون سوى البكاء والنحيب ومجاملة المجرمين، وإمّـا بعض من لهم التزامات شخصية ويرفضون تسمية الأشياء بأسمائها، وما يلفت النظر في هذه المسألة هو الإهتمام الكبير التي توليه سلطات الإحتلال الكردي لإسكات كل صوت معارض لمشروعها، فقد لاحظنا انعقاد مؤتمرات آشورية برعاية الأكراد، وخلق شخصيات بديلة عن أخرى انتهت مدة صلاحيتها، والهدف من ذلك هو الإغتيال السياسي لأية منظمة سياسية آشورية حتى لو كانت إنهزامية، بالإضافة إلى دفع هذه المؤتمرات (بطرق مباشرة أو غير مباشرة) إلى ابتكار تسميات تقسيمية للشعب الآشوري مثل تسمية (الشعب الكلداني الآشوري السرياني) أو الشعب المسيحي، والدافع من ذلك هو أولا القضاء على المطالب القومية الآشورية التي تتمثل بالمساواة في العراق (وهذا من أبسط حقوق المواطنة)، أما كمسيحيين، فلن يكون لهم حقوق سوى ما يسمّى بـ"الحماية الكردية" كون الإحتلال الكردي هو كيان علماني إلى أبعد الحدود، ولا تخفى على أحد الدعايات التي يعمل على بثها بعض الآشوريين المدفوعين من حزب البرزاني لتصفية صورة الإحتلال الكردي بحق "المسيحيين الكردستانيين" كما يسمونهم، وزيارات الكثيرين منهم إلى لبنان ولقاءاتهم بالزعماء المسيحيين تحديداً لما للبنان تأثيره "المسيحي" لدى الرأي العام المسيحي العالمي، أما العامل الآخر الذي ساعد إلى حدّ كبير على تشويه حقيقة ما يواجهه الشعب الآشوري فهو موقف الدول الأوروبية وأميركا، والإعلام الأوروبي بشكل خاص، الذي لا يركز إلا على الإنتماء الديني للشعوب، وبما أن الإحتلال الكردي علماني فهو بنظر الغرب "مثال للحريات في الشرق الأوسط" كما أوضح مسؤولون أميركيون وأوروبيون في أكثر من مناسبة، وطالما هناك ألف عائلة كردية اعتنقت المسيحية فالدنيا بالنسبة لأوروبا بألف خير، بدون أي اهتمام بالثقافة القومية الآشورية وتعرضها لسياسة التكريد، أرضاً وشعباً وهوية.

لماذا الأكراد ؟

يتلخص المشروع الكردي في ما يسمّى مشروع "كردستان الكبرى" التي تضم أقساما من سوريا وتركيا والعراق وإيران، وكان لهذا المشروع حساباً في اتفاقية "سعد آباد" بين تلك الدول عام 1937، ومنذ ذلك الحين حتى 2003 تضاربت المصالح بين تلك الدول واستغلت كل منها الأكراد لدى الدول الأخرى لصالحها إلى أن كان التعامل الكردي مع إيران ضد العراق في أصعب أيامه، سببا لما يعرَف بمجزرة حلبجة التي تحوّلت إلى ذريعة قوية للمطالبة بمنطقة آمنة وتحقيقها عام 1992 بعد ضرب العراق من قبل أميركا، وبعد تعاون حزب البرزاني مع تركيا على ضرب حزب العمال الكردي (المسمّى "كردستاني") لقاء موافقة تركيا على المنطقة الآمنة.

ولا يزال مشروع ما يسمّى "كردستان الكبرى" حلم عشرين مليون كردي موزعين على أربع دول متلاصقة، ويعدّ الكيان الكردي المحتل في شمال العراق الخطوة الأولى باتجاه المشروع الأكبر، حيث يستجمع الأكراد قواهم من جديد بعد الضربات التي وجهتها إليهم الأنظمة المتعاقبة في تلك الدول، ويتم اليوم تسليحهم وتدريبهم من قبل الموساد الإسرائيلي (9) وعلى مرمى حجر من حدود إيران التي طالما رفعت شعار مناهضة "العدو الصهيوني"، ويرافق ذلك حلم كردي آخر في سوريا وهو إقامة ما يسمّى "كردستان سوريا" بعد تغيير النظام السوري (بحسب مراهناتهم) على أن يتمّ ربط الكيانين الكرديين في العراق وسوريا ببعضهما.

ولإثبات التورّط الكردي في إرهاب العراقيين المقيمين بين الكيان الكردي المحتل في شمال العراق، والحدود السورية، ما علينا إلا العودة بالتاريخ لمدة أربع سنوات على الأكثر، حين انسحبت القوات الأميركية من مناطق واسعة من محافظة نينوى (الفاصلة بين الكيان الكردي في العراق والحدود السورية) وسلمتها حصراٌ إلى مسلحي الأحزاب الكردية، وبعدها بالتحديد بدأت عمليات التفجير في مناطق الآشوريين (سهل نينوى ومدينة الموصل) ومناطق الإيزيديين (منطقة سنجار)، ومناطق التركمان (تلعفر)، وذلك باتهام التنظيمات الإسلامية التي أنكرت قيامها بهذه العمليات وذكرت بأن من يقوم بها هم الأكراد، علماً أن هذه التنظيمات لم تخجل يوما مما تفعله وهي عادة تصدر بيانا فخورا بعد كل عملبة إرهابية كانت أم مقاومة مشروعة. وبعد هذه التفجيرات والإعتداءات بدأت هذه المجموعات المهمـَـلة من الحكومة العراقية بالمطالبة على مضض، بالإنضمام إلى الكيان الكردي "الآمن" وقد بدأ بذلك بعض رجال الدين الآشوريين (بدون موافقة الرئاسة العليا للكنيسة)، مثل مطران ألقوش على الكلدان ميخائيل مقدسي، وتلاه شيخ الإيزيدية تحسين بك مطالبا بضم منطقة سنجار (الحدودية مع سوريا) إلى الكيان الكردي.

إذا لمحافظة نينوى قيمة استراتيجية كبيرة لدى الأكراد بحيث أن السيطرة عليها ستكون امتداداً للكيان الكردي مع كيان مماثل في سوريا، والسبيل الوحيد لنيلها بدون الإصطدام مع العرب هو إرهاب المجموعات الغير مسلمة، والأصيلة في المنطقة، من بعبع إسمه "الإسلام" من أجل إجبارهم على المطالبة بالإنضمام إلى كيانهم، وما حصل بعد إلغاء المادة /50/ من قانون الإنتخاب للمحافظات يعتبر معطى آخر لليقين حول تورّط الأكراد في الإرهاب، فبعد إلغاء تلك المادة مباشرة، قامت الأحزاب الآشورية المتعاونة مع الإحتلال الكردي بإجبار (عن طريق التهديد المهذب) الآشوريين المقيمين ضمن الإحتلال الكردي بالخروج في مظاهرات تطالب بـ"الحكم الذاتي للمسيحيين" في سهل نينوى على يتمّ ضمها للكيان الكردي، وبعدها تعاظمت الهجمة في الموصل في محاولة لإثبات استحالة عيش المسيحيين براحة بدون الإنضمام للأكراد، ورغم ذلك رفضت كافة طوائف الشعب الآشوري هذا الضغط وأعلنت على الملأ أن الحكم الذاتي يجب أن يرتبط مباشرة ببغداد وليس بأي كيان آخر (10) .

وحين نقول بأن الأكراد هم وراء الإرهاب بحق الآشوريين في الموصل فهذا لا يبرّئ بعض التيارات الإسلامية المتخلفة، ولكن هذه التيارات لم تفصح حتى الآن أي استراتيجية موجّهة ضد "المسيحيين"، بل على العكس، لقد أثنت في بياناتها الأخيرة على مواقف "نصارى العراق" في عدم التعامل مع "الكفرة المحتلين"، وقد وزّعت عدة منظمات إسلامية بيانات تنكر تورّطها بقتل المسيحيين وتهجيرهم ومنها حكومة ما يسمّى "دولة العراق الإسلامية" التي اتهمت الأكراد بالوقوف وراء مقتل رجال الدين الآشوريين من مختلف الطوائف، كما تهجير الآشوريين من الموصل.

وإنه حقاً من المضحك المبكي كيف يتمّ التعامل مع هذا الواقع، فكلما قامت حملة تهجير، يترك العراق عشرات الآلاف من الآشوريين، ثم تبدأ الحكومة بدعوتهم إلى العودة فيعود أقل من 10% منهم، وبعد فترة تتكرّر اللعبة إلى ما شاء الله .. حتى وصل اليوم عدد الآشوريين المهجرين منذ 5 سنوات إلى حوالي 500.000 في زمن "الديموقراطية"، بينما في عهد "الدكتاتورية"، هاجر 300.000 خلال 35 سنة.

أمام هذا الواقع، على الشعب الآشوري أن يعي متطلبات الحفاظ على وجوده وأن يعرف كيف ينتخب ممثليه هذه المرّة، فطالما أنه عاجز حالياً عن الرّد بالطرق المماثلة على أعدائه (وهذا حق مشروع)، أو تنظيف البيت الآشوري بالسبل اللازمة، عليه أن يكون على الأقلّ قارئاً جيداً لما يجري من حوله ليقوم بإثبات وجوده عن طريق طرح "قضية آشورية قومية" وليس "مطالب سياسية"، والمطلب القومي ليس إلا المساواة في العراق لا أكثر، وهو ما يضمن كرامة الأمة الآشورية في وطنها أسوة بباقي الفئات، وذلك في إقليم آشوري تابع مباشرة للحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للفدرالية التي أكد عليها الدستور العراقي.

وإلى ذلك الحين يجب تخصيص منطقة آمنة للشعب الآشوري في العراق، وتحديداً في مناطق تواجد أملاكه في المثلث الآشوري بين الزاب الكبير ودجلة، على أن يتم إخلاء أراضيه المحتلة في نوهدرا (المكرّدة إلى "دهوك")، وإعادة اللاجئين الآشوريين في سوريا والأردن وتركيا ولبنان إلى ديارهم، ليصار تأسيس إلى تأسيس "إقليم آشور" في منطقة المثلث، وهذا المطلب هو مطلب شرعي للحركة القومية الآشورية منذ انطلاقتها حتى اليوم، حيث تقوم عدّة منظمات آشورية بالعمل على طرح هذا المطلب في العراق والعالم إلى حين تحقيقه بأية وسيلة. وفي النهاية، إن العراقي الوطني الشريف هو من يحافظ على الثقافة العراقية الأصيلة والمجموعة التي تمارس تلك الثقافة.


الهوامش:

America’s real business in Iraq, Naomi Klein*

1- تقرير لوكالة الأنباء الآشورية العالمية عن ثبوت التهم على أربعة من عناصر حزب البرزاني، أيضا صحيفة الواشنطن تايمز في عددها المؤرّخ : 25/أوكتوبر/2008، والتي اعتبرت الآشوريين المقيمين في مناطق الإحتلال الكردي "رهائن بيد الأكراد".
2- "السيطرة على العالم أم قيادة العالم ؟" - زبيغنيو بريجنسكي، ص: 156 – دار الكتاب العربي، 2004
3- وزير "حقوق الإنسان"، بختيار أمين (كردي)، في مقابلة مع قناة "العربية"، 09/حزيران/2004 حيث هدد بمقاطعة الأكراد للحكومة في حال رفض الفدرالية.
4- بيان لـ"جبهة إنقاذ آشور" – رقم 4/2008، تاريخ : 18/أوكتوبر/2008
5- يعتمد الكونغرس الأميركي نوعين من التشريعات : القوانين الشعبية المرتبطة برغبة الشعب أو حاجاته (Public Law)، والقوانين الخاصة المتعلقة بأمور إدارة الدولة (Private Law) التي لا ترتبط برغبة الشعب، وقرار ضرب العراق كان قانونا شعبياً.
6- وعد من الزعيم الكردي الراحل مصطفى البرزاني لوزير الخارجية الأميركية في السبعينات، هنري كسنجر، مقابل إقامة دولة كردية في شمال العراق بناء على وعد من الـ سي-آي- إيه.
7- لقد بدأت عملية تكريد آشور في العام 1961 تحت شعار "الثورة الكردية" حين كانت نسبة الآشوريين في دهوك تبلغ حوالي 60 % ، أما اليوم فتبلغ نسبتهم في المحافظة حوالي 8% بالإضافة إلى حوالي 300 قرية آشورية محتلة من دخلاء أكراد وبعلم سلطات الإحتلال الكردي.
8- كانت مخيمات الأسرى تسمّى بـ"مخيّمات طريق القدس" حيث جمعت الأسرى العراقيين، وكانت بإدارة تيارات شيعيـّة نافذة اليوم في حكم العراق أكثر من غيرها، وهي التي أشرفت على أسلمة الأسرى الآشوريين آنذاك.
9- شبكة الـ BBC News ، تقرير مصوّر بتاريخ 26/أيلول/2006
10- تصاريح لرؤساء الكنيستين الكلدانية والشرقية الآشورية.


آشور كيواركيس - بيروت
Opinions