Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أبرئ نفسي من عار الصمت على سيدة النجاة

 

 

 

"اليوم الذكرى الثالثة للهجوم على كنيسة النجاة" ، هكذا يقرأ العنوان. تحدث الخبر عن عشرة إرهابيين يرتدون ملابس خاصة بالشركات الامنية، وجميعهم عرب، قتل أثنان منهم وفجر ثلاثة انفسهم واعتقل الباقون بعد أن قتلوا 52 شخصاً وجرحوا 73 .

"وكان للحادثة اثر كبير في نفوس المسلمين والمسيحيين" يحدثنا الخبر، ويخبرنا عن "جيران مسلمين يتعاطفون مع المسيحيين"، وتحدث عن ضرورة "حماية الأقليات" وعن "النسيج الإجتماعي" وقال أن المجموعة "اتخذت رهائن وطالبت بالإفراج عن معتقلين من تنظيم القاعدة" وأن  هذا حدث لأول مرة في العراق، وبضعة كلمات عن "التكفيريين". 

قائد الفرقة الذهبية للعمليات الخاصة اللواء فاضل جميل البرواري قال: "لبينا النداء! واقتحمنا انا ورفاقي كنيسة سيدة النجاة لتخليص أهلنا! واشقائنا المسيحيين الطيبين المسالمين، من المنفلتين الدمويين الجبناء! والذين فجروا أجسادهم العفنة بعد ان تمت إصابتهم من جنودنا”. وقال "يومها حملنا أرواحنا على كفنا لإنقاذ المسيحين نحن اخوتهم المسلمين نفتديهم بروحنا وأهلهم هم أهلنا ودمهم هو دمنا وعرضهم هو عرضنا". قال برواري أيضاً أنه مازال يذكر "صدى أصوات الذين فقدوا أحبائهم". وتحدث أيضاً عن شباب أرادوا "المخاطرة بحياتهم ومساعدة قوات الجيش لإنقاذ إخوتهم المسيحيين" وتساءل "هل هناك شيء أجمل من ان يكون الإنسان مخلصا للأرض التي أنجبته والناس الذين نشأ بينهم"

كل هذا كذب! 

فـ "المنفلتين الدمويين الجبناء" فجروا "أجسادهم العفنة" براحتهم وراء الستائر (يا للعجب!)، بعد إكمال مهمتهم التي منحتموهم الساعات الطويلة لإكمالها، قبل أن "تلبوا النداء" لتخليص "اهلكم وأشقائكم المسيحيين الطيبين المسالمين"! هكذا قال الناجون من المذبحة، فهل نصدقك ونكذب الضحايا؟ 

كل هذا كذب وتلفيق صلف، فما يمر اليوم هو ثلاث سنين من الصمت المخزي الجبان عن حقائق الإرهاب التي كان ثمنها الدماء الزكية لمصلي كنيسة سيدة النجاة. الحقائق التي صعبت على النفوس الهزيلة، فتم طمرها في التراب مع أجساد الضحايا! 

ما يمر اليوم هو ذكرى جوقة علامات الإستفهام التي لم تر النور، فظلت تحلق حول الكنيسة الضحية، تطارد الذين قتلوها بصمتهم وجبنهم وانعدام كرامتهم...كأنها ملائكة أو اشباح.... أو أرواح الضحايا!

"لماذا لم يتم الإقتحام إلا بعد ساعات طويلة من بدء دوي القنابل.....؟" 

"لماذا كانت الطائرات الأمريكية تحلق فوق الكنيسة.....؟" 

"لماذا فجر الإرهابيون أنفسهم وراء الستائر، بعيداً عن الضحايا، كما قال الشهود، إن كان هؤلاء تكفيريون يكرهون المسيحييين حقاً ويريدون قتل أكبر عدد منهم؟ هل يعقل أن يفجر إنتحاري نفسه بعيدا عن ضحيته....؟"

"هل رأى أي من الناجين انتحارياً يفجر نفسه...؟" 

"لماذا كذب فراس الحمداني، ومن قال له ان يكتب قصته الكاذبة، بأن الضحايا ذبحت بالسيوف....؟"

"ما الذي يهدف من وجه الحمداني إلى قصة السيوف المزيفة تلك...؟"

"لماذا لم توجه الحكومة والأمن، أي سؤال للحمداني عن قصته الداعمة لتركيز الإرهاب الإسلامي....؟"

"لماذا الإرهابيون كلهم عرب إن كان الحقد منتشراً ضد المسيحيين لدى العراقيين المسلمين؟"

"لماذا يرتدي القتلة ملابس الشركات الأمنية...؟" 

"لماذا لم تحقق القوات الأمنية في هويات من كانت تصادفهم عند تفريغ الكنيسة في عتمة الظلام والغبار كما شاهد الناس العملية مصورة؟ وما أدراها أن الإرهابيين لم يخرجوا مع الضحايا....؟"

"كيف يمكن ان يلقي الإرهابيون بالقنابل اليدوية لساعات على ضحايا تنبطح على أرض غرفة صغيرة، ويخرج منهم الكثير من الأحياء...؟" 

"كيف يمكن لمن قيل أنه يطلب إطلاق رهائن، أن يبدأ فوراً بإطلاق النار على رؤوس ضحاياه.....؟ "

"إن لم يكن طلب الرهائن حقيقي، فلماذا لم يقتل الإرهابيون ضحياهم بنصف دقيقة ويهربوا قبل أن تصل الشرطة....؟" 

"لماذا لم يحقق أحد في العراق فيما كشفته ثورة مصر من وثائق عن علاقة أمن مبارك الذي اعادت أميركا وإسرائيل هيكلته، بجرائم كنائس الأقباط في مصر وعلاقته أيضاً بجرائم العراق"

"لماذا لا يثير أي من هذه الأسئلة فضول أي صحفي أو سياسي عراقي، ولو بتساؤل عابر في مقالة أو مقابلة أو تقرير؟" 

.....

برواري يعيد قتل الضحايا بتزوير التاريخ والكذب في مشاعره، فما يمر اليوم هو ذكرى تواطؤ الفرقة “الذهبية” مع الإرهاب الذي ضرب الكنيسة، وكان مدربوها من الأمريكان يقودونهم من طائرات الهيليكوبتر في الجو ويأمرونهم أن يتركوا "القاعدة" تكمل عملها، فيذعنون! 

ما حدث لأول مرة في العالم وليس العراق فقط، أن تبقى القوات الأمنية تحاصر الرهائن ومختطفيهم لساعات طويلة منذ منتصف الليل وحتى اقترب الفجر، وهي تسمع دوي القنابل والرصاص وصراخ الرهائن في الداخل، وتمتنع عن الحركة، بحجة أن ليس لديهم خطة للإقتحام! في كل العالم، في كل الأفلام الوثائقية والروائية والإخبارية، نرى الشرطة تقتحم المكان بأسرع ما يمكن عند صوت أول رصاصة تعلن بدء المذبحة، لعلها تنقذ من تنقذ من الضحايا، إلا فرقتنا "الذهبية" المشبوهة، فإنها تمنح الإرهابيين الفرصة كاملة لإتمام عملهم! 

كانوا بحاجة إلى مسرحية دموية طويلة لتكون مؤثرة وصادمة مثل 11 سبتمبر!... تعلموا كيف يدفعون الناس لترك ديارها من تجربتهم المعروفة لتهجير اليهود من العراق وطوروها كثيراً خلال أكثر من نصف قرن، دون أن تتغير أخلاقيتها الدنيئة. وإن كانوا حينها مستعدين لقتل البعض من ابناء دينهم، فهم مستعدون لقتل عدد أكبر بكثير من "الأغيار". 

الشباب الذين عرضوا المخاطرة بحياتهم يا برواري، إنما فعلوا ذلك غضباً واشمئزازاً منك ومن فرقتك التي كانوا يرونها تستمع إلى القنابل والصراخ وتبقى تدور حول الكنيسة وتتظاهر بالإتصال والإنشغال لساعات طويلة.. حتى جاءت التعليمات من الجو، وفجأة، إذا بـ "الذهبية" تمتلك خطة كاملة للإقتحام وتقتحم!

لا تكذب علينا وعلى التاريخ، فلم تحمل روحك البائسة على كفك الملطخة بالدم يا فاضل جميل البرواري، وسيعرف العراقيون يوماً لحساب من كنت تعمل أنت وفرقتك النتنة! فما زال الناس واهالي الضحايا يذكرون الحادثة كما حدثت بكل تفاصيلها وليس كما ترويها مسرحيتك "الإنسانية" الكاذبة. ويوماً ما سيزول هذا الخوف والجبن المسيطر على البلاد وعلى العالم من الإرهابي الأكبر، وسيقول الشعب كلمته بشأنك وشأن أمثالك من الذين تدربوا على يد الناتو، للإرهاب وليس لمحاربة الإرهاب.

في هذه المناسبة، قال البطريرك ساكو ان”هناك مخططًا للشرق الأوسط الجديد لتقسيمه إلي ديانات وكانتونات طائفية وعرقية”. إنتبه يا ساكو لئلا تقتلك "القاعدة" التي قتلت الشهيد فرج رحو بعد أن قال مثل ما قلت، وقال أنه لن يغادر، وأهم من ذلك انه قال بلا مواربة: "أن الأمريكان هم وراء الإرهاب"! ولذلك قتلته "القاعدة"! 

 النائب عماد يوخنا، اتهم السفارة الامريكية في العراق بالعمل على  افراغ البلاد من المسيحيين بتقديمها التسهيلات والاغراءات ومنحهم تأشيرات الفيزا الى امريكا، مبينا ان “استمرار سفر العوائل المسيحية بهذه الطريقة ينذر بخطر كبير ، وهو افراغ العراق من مكون مهم وهي حالة مرفوضة وظاهرة سلبية غير مقبولة”. هل احتج رئيس حكومتنا لدى سفارة "أصدقائه" على هذا الخطر الكبير الذي يهدد المسيحيين في العراق، أم أنه علاقات صداقته تأتي قبل وجود المسيحيين في أولويتها؟ هل تحدث "وزيرنا" زيباري مع رئيسه الحقيقي في السفارة عن تلك النقطة؟ هل تمزحون؟ أقسم بشرفي أنه يتآمر معه!

وقال يوخنا أن تفجيرات الإرهاب تستهدف جميع العراقيين، ودعا إلى “طي صفحة الماضي" و الى "مصالحة الحقيقية". 

لم يصل النائب الشجاع إلى اتهام أميركا بالإرهاب مباشرة، لكن "القاعدة" قد لا تتسامح حتى مع هذا الكلام الخطير عن السفارة، فانتبه يا عماد! فقد تلحقك "القاعدة" بالشهيد رحو والشهيد دي ميلو والشهيد مبدر الدليمي، وأمثالهم كثر..من هؤلاء تختار "القاعدة" ضحاياها، ولهذا يصمت الجميع عن تفاصيل الجرائم، وعن حقيقة "القاعدة" وما أدراك ما "القاعدة"! 

لا حاجة بنا يا أخي عماد إلى "المصالحة" فنحن لم نتخاصم يوماً. إنك لا تصدق بالتأكيد ان مجرمي كنيسة سيدة النجاة من منفذين ومخططين هم منا أو لهم اية علاقة بديننا أو مفاهيمنا أو أخلاقنا؟ إنهم ليسوا حتى من متطرفينا فتاريخنا المشترك الذي لم يخل من المتطرفين لم يكشف يوماً نماذج مماثلة ابداً ولا قريبة منها، فمن اين جاء هؤلاء القتلة، ومن أين تلقوا تعليماتهم؟ تلك الفضائع لا تجد مثيلاتها إلا في جرائم الكونترا في أميركا الوسطى في ثمانينات ريكان الرهيبة التي كانت السي آي أي تدعمها بنقود الفضائح لأنها رغم التعتيم والكذب من مواليها، كانت شديدة الإفتضاح بجرائمها المروعة مما جعل دعمها العلني مستحيل سياسياً. إن القتلة هم نفس القتلة الذين تجدهم في العراق ونفسهم في سوريا، وأساليبهم نسخة طبق الأصل عن تلك، ومدربوهم هم نفس الذين دربوا الكونترا في نيكاراغوا، وجاءوا للعراق في طلائع المجرمين الذين أرسلتهم أميركا لتمزيقه : نيكروبونتي وستيل وفريق عملهما الذي تدرب على الإجرام في أميركا الجنوبية والوسطى! جرائمهم هناك لها "بصمات القاعدة" كما يقولون الآن. و"الكونترا لم تكن سلفية، اليس كذلك؟" كما لاحظ احد قرائي في تعليق له على مقالة لي. 

وأية "صفحة في الماضي" تريد أن نطويها يأ اخي النائب؟ فلم تختلج مشاعر عراقي مسلم يوما بأي إحساس تمييزي ضد المسيحيين، ولا يذكرونهم إلا بالخير. المعتوهين الذين قتلوا باعة الخمر كانوا سيقتلون المسلم أيضاً لو فعل ذلك، وليس هناك أية عقوبة قتل لمثل هذا في الإسلام، فمن أين أتى هؤلاء بتعاليمهم؟ ولماذا لم يظهر قبل الإحتلال أي معتوه من هؤلاء في العقود الماضية التي لم يخل فيها العراق من الخمر والملاهي؟ 

لايقلقنا تاريخنا الماضي، ولا نقاء مشاعرنا الحاضرة، لكن الذي يبعث الخجل والخوف هو الحاضر. هو تلك الأسئلة التي تطارد الملايين من ضمائرنا متوسلة، فلا يستجيب لها ....سوى شخص واحد!...  نعم أقولها بلا تواضع زائف:أنا فقط! وحدي من أعار تلك الأسئلة مداد قلمه نفساً يردع عنها الإختناق في قبرها الإعلامي الرهيب. بالتأكيد لست فرحاً بذلك الحال، بل يلفني الألم والأسف وشعور بالوحدة القاتلة والقلق الشديد على مصير عالم استهلك آخر رصاصة من ذخيرته الأخلاقية. 

أكاد أيأس من صحوة هذا العالم على المصير الذي يسير إليه، وأريد هنا فقط أن أبرئ ذمتي يا "آدم" من دماءك، ودماء كل طفل جاء إلى الدنيا فوجد آباؤه يرتعدون أمام الوحش ويهتفون بـ "صداقته" وهم يقدمون أطفالهم له أضحيات ليرضى عنهم. جئتَ يا آدم ورفاقك هذه الدنيا، فوجدتم أن ما أعددناه لكم لم يكن يصلح لحياة كريمة، بل كان مسلخاً وماخوراً للبغاء والكذب، فغادرتم سريعاً غير آسفين. حسن فعلتم، فما حال الأحياء من أهلكم في هذه الدنيا بأفضل منكم في قبوركم. ها أنا أبرئ نفسي من دمائكم الطاهرة، دماء كل الأطفال والأبرياء من الكبار الذين سقطوا ويسقطون في كل مكان في العراق وسوريا وكل العالم. إبرئ نفسي من ضجيج الكذب المدوي ومن خزي الهرب من الأسئلة. أبرئ نفسي من تزوير تقارير الجريمة، ومن عار الصمت الذي يلف هذا المكان...ومن مصير الصامتين في كل زمان!

4 تشرين الثاني 2013

Opinions