أزمة المركزي - هل قوة الدينار في صالحنا؟
4 تشرين الثاني 2012
أوضحنا في الحلقة السابقة أننا لا نهتم بفحص أمانة سنان الشبيبي، ونرجو أن يترك ذلك للقضاء، بلا هجوم أو دفاع عن الشخص وأخلاقه، وتوجيه النقد أو التقييم لسياسته فقط. ما يهمنا أكثر هو نقد وتقييم النظام العام والقوانين التي يسير عليها البنك المركزي ضمن النظام الذي تركه بريمر ليكون وصياً على أموال العراق. فالنظام أهم من القائم على تنفيذه، والخطأ فيه يكلف أكثر، وحله أصعب وتأثيره أطول. ويقلقنا إن كانت الوصية (النظام المالي)على شاكلة الموصي (بريمر)، كما هو الحال في العادة، لأننا سنحصل على نظام لتهريب "واختفاء" المليارات، وهي أهم ظواهر فترة بريمر عدا ولادة وانتعاش الإرهاب، والألغام الكثيرة التي وضعت لإبقاء العراق مشلولاً ومحطماً، ومازالت تتكشف تدريجياً يوماً بعد يوم.
ومشكلة الشبيبي والبنك المركزي تتمثل بإتهامات برلمانية وحكومية للشبيبي وموظفين آخرين في قضايا مالية تتعلق بفساد مزادات العملة وغسل الأموال وغيرها. وقد هب الكثير للدفاع عن الشبيبي ومهاجمة المالكي (وكل من دعى إلى التحقيق في الموضوع!) مركزين على السمعة الجيدة لعائلة الشبيبي وعلى حقيقة الخلاف السابق بينه وبين المالكي، حين رفض الأول طلب الثاني بتسليف الحكومة 5 مليارات دولار في الماضي، وامتدحوا بحماس موقف الشبيبي الذي استطاع الحفاظ على الدينار "قوياً" برفضه لإقراض أو تدخل الحكومة.
مبدأ التغطية الكاملة للعملة
لقد لفت نظرنا أثناء المناقشة، العديد من الملاحظات التي تستحق الوقوف عندها ومنها أن البنك المركزي يعتمد "التغطية الكاملة" للعملة العراقية من أجل "إبقاءها قوية" و لكي "تحتفظ بثقة السوق"، كما يقول المدافعون عنها، بل أن البنك يعتمد تغطية هي أكبر بكثير من مجموع العملة، بنوعيها المطبوعة والمطروحة في السوق. فيتجاوز الاحتياطي الحالي لتغطية العملة المرتين للعملة العراقية المتداولة، وقد يصل الى مرتين للعملة العراقية الكلية المطبوعة من قبل البنك المركزي، (هناك بحدود 5 تريليون دينار لم يتم انزالها الى السوق وهي مخزونة لدى البنك المركزي).
ولا ندري إن كان هذا خياراً شخصياً للدكتور سنان أم أنه ضمن قانون بريمر الإجباري على سنان والعراق. والسبب في تساؤلي هذا هو أن هذا الإجراء بحد ذاته، قد يكون خطأ فادحاً ومكلفاً وليس إنجازاً يحسب للدكتور سنان، كما يقول المدافعون عن سياسته.
لقد اكتشف المصرفيون منذ عدة قرون وقبل آدم سميث، أن لا ضرورة للتغطية الكاملة للمبالغ المودعة في البنك (والعملة نوع من الإيداع حيث أنها تمثل صكاً بقيمة كمية من الذهب أو ما يعادله)، وأن التغطية الكاملة تبذير لأموال يمكن استخدامها بشكل مربح للبنك. وبالتالي فأن هذا الإجراء، الذي اعتبره المدافعون عن سنان الشبيبي أحد أكبر فضائله، ليس بالضرورة كذلك لأنه يضع الأموال العراقية تحت أخطار وتكاليف الرأسمالية بشكل كامل، دون أن يسمح له أن يستفيد من أدواتها.
ويمكن شرح هذه النقطة بلمحة بسيطة عن الموضوع، وهي ليست عسيرة على الفهم رغم تداعياتها المدهشة وغير المتوقعة. فالنظام المصرفي الرأسمالي، ومنذ القدم، يعمل بالشكل التالي مبدئيا، لكي يثرى من اموال الآخرين، كما وصفه أحد كبار الناقدين:
لنفترض أنك وضعت مبلغاً في حسابك الجاري في المصرف، وهو ما يعني أن المصرف ملزم بتسليمك النقود (أو تحويلها لمن تشاء) في أي وقت. وفي هذه الحالة من المعتاد أن لا يدفع المصرف لك ارباحاً عنها، أو يدفع نسبة قليلة للغاية.
ولأنك قد تطلب نقودك في أي وقت، والبنك ملزم بتقديمها لك بلا تأخير، فهو قادر على الإستفادة من تلك النقود لأنه لا يستطيع التصرف بها. وبهذا يحتفظ البنك بالنقود كلها، أي يقوم بـ "تغطية" كاملة لها. هذا ما تقوله النظرية بشكلها الحسابي البسيط.
لكن المصرفيين سرعان ما اكتشفوا أن هذا "الصحيح النظري" لا يحدث في الحياة العملية. فما يحدث عادة أنك قد تطلب جزء من المبلغ في اي وقت، ثم تستعمله وتعيد مبلغاً آخر، وهكذا تتداور المبالغ في البنك. ومن النادر أن يطلب المودع، المبلغ كله مرة واحدة. أي أن البنك يكتشف أنه يستطيع التصرف بجزء من المبلغ دون أن يؤثر عليك ودون أن تكتشف أنت ذلك. فإذا كان البنك قد قدّر من خلال تجربته على سبيل المثال، أنك لا تسحب أكثر من نصف المبلغ المودع في أي وقت، فسوف يستنتج أنه يمتلك حرية التصرف بالنصف الآخر، دون التأثير على إلتزامه معك. ولنقل أنه يترك إحتياطاً، فيحتفظ في خزائنه بـ 60% من المبلغ (في مثل هذه الحالة نقول أن البنك يمتلك تغطية مقدارها 60%) ويتصرف بالـ 40% الباقية، أي يستطيع أن يقوم بتقديمها كقرض بفائدة إلى جهات أخرى مثلاً.، وهكذا يحصل البنك على أرباح من أموالك نفسها حتى حين لا يكون لديه أموال خاصة به.
والآن، إذا كان هذا الأمر صحيحاً في تعامل البنك مع شخص واحد او جهة واحدة مودعة، فهو صحيح أكثر بكثير عندما يتعامل مع الكثير من المودعين. حيث يصبح إحتمال سحب كل هؤلاء المودعين أموالهم في نفس الوقت، أمر غير محتمل إلا في حالة فضيحة مقلقة في ذلك البنك. أما في الحالة الإعتيادية التي تعمل المصارف على أساسها، فإن كمية السحب تمثل نسبة قليلة من المبلغ، وبالتالي يمكن زيادة نسبة المبلغ الذي يستطيع البنك أن يتصرف به من أموال المودعين.
وإذا قام البنك بالإتفاق مع غيره من البنوك على أن يدعموا بعضهم البعض عند الحاجة، فأن تلك البنوك تستطيع التصرف بنسبة أكبر من المال المودع دون أن تخشى الإحراج، لأن احتمال أن يسحب كل المودعين في جميع تلك البنوك نسبة كبيرة من أموالهم في نفس الوقت، هو احتمال ضعيف جداً، ولا يحدث إلا في حالة حدوث إنهيار إقتصادي يسبب رعباً لدى المودعين يجعلهم يفضلون الإحتفاظ بأموالهم في منازلهم، فيسارعون إلى سحبها من البنوك.
الأمر لا يقف عند هذا الحد. فهذا المبلغ "المسحوب"، لا يسحب عادة بالفعل، بل يبقى في البنك نفسه (أو غيره) باسم شخص آخر، وبالتالي يمكن الإستفادة من نسبة مماثلة منه مرة ثانية كقرض بأرباح. وإن حسبنا النظام المصرفي كمجموع، نجد أن المال يكاد يكون ثابتاً بكليته داخل النظام المصرفي، وأن (من يقوم بإدارة) النظام يحصل على أرباح مستمرة من عدة طبقات من المقترضين، حيث يكون قد أقرض نفس المال عدة مرات، وهذا ممكن مادام المقترض سوف يترك معظم المال فعلياً داخل النظام المصرفي لمعظم الوقت!
في حالة البنك الذي يحتفظ بغطاء كامل لودائعه، فأنه يتخلى عن الإستفادة من هذه الميكانيكية لتنمية رأسماله، ونفس الشيء ينطبق على من يقوم بتغطية كاملة للعملة كما يفعل البنك المركزي العراقي حالياً. وبما أنه ليس هناك أي مبرر للتنازل عن تلك الأرباح المتضاعفة، فأن المرء يشم رائحة احتمال احتيال في الأمر.
صحيح أن البنك المركزي له خصوصيته في هذا الأمر وليس لديه الحرية لتحديد سياسته وفق الأرباح وحدها، لكن القاعدة تبقى صحيحة بشكل كبير.
لقد كانت المصارف الحكومية يوما، تغطي عملاتها بشكل كامل، إن استطاعت، لتبقيها "قوية". لكن هذا النموذج لم يعد سائداً. وبدلاً من ذلك تسعى الحكومات اليوم إلى تخفيض عملاتها والضغط على المنافسين لإبقاء عملاتهم "قوية"، كما سنأتي على ذلك.
يقول البنك، ويؤكد المدافعون عن سياسته أن البنك المركزي العراقي يفعل ذلك من أجل كسب ثقة كاملة بقوة العملة. وهذا صحيح نظرياً، ولكن هل تستحق تلك "الثقة" الكلفة الكبيرة التي يتحملها العراق من أجلها؟ كلفة تجميد مبالغ هائلة والتخلي عن أرباحها؟
إن ما نراه لدى الدول الأخرى لا يشير إلى مثل ذلك الحماس للعملة "القوية". ورغم أن لكل دولة خصوصيتها، إلا أن على رجال المال والإقتصاد أن يبرهنوا أن العراق يختلف عن تلك الدول، وأن ذلك الإختلاف يبرر هذا "الدعم الكامل".
لننظر كيف يتصرف الآخرون:
حرب مالية عالمية من أجل خفض العملات وإجبار الآخرين على رفع عملاتهم
في نوفمبر 2010، تفشل الولايات المتحدة في الوصول إلى اتفاق داخل دول الـ "جي 20" (الدول العظمى العشرون) لمطالبة الصين برفع عملتها اليوان بسرعة أكبر، وفي نفس الوقت تستمر الولايات المتحدة في تخفيض الدولار بشكل متعمد من خلال طبع مئات المليارات من العملة متجاهلة إحتجاجات المانيا واليابان والصين والبرازيل وتايلاند وجنوب أفريقيا، حيث يقدم هذا الخفض أفضلية تجارية بالنسبة لها. (1)
وأشار محللون إلى التدهور السريع باتجاه "الحرب المالية" خلال فترة انعقاد مؤتمر صندوق النقد الدولي في تشرين الأول 2010 ، وتلعب الولايات المتحدة دور "موقد الحرب" بامتياز، حيث تشجع بشكل متعمد طرح الدولار للبيع في أسواق النقد الدولية بغرض رفع قيمة تبادل عملات منافسيها وخفض الدولار بما يرفع سعر صادراتهم ويخفض سعر صادراتها إلى أسواقهم. وتضغط الولايات المتحدة على الصين لزيادة سرعة رفع قيمة عملتها، متهمة الصين بالتباطؤ والتأثير السلبي على الإقتصاد العالمي. وحذرت الصين من ان سرعة اكبر في رفع عملتها سوف يؤثر سلباً على صادراتها بتداعيات سلبية على استقرارها الإجتماعي. (2)
ومن جهة أخرى تسود المنافسين مخاوف كبيرة بسبب طبع البنك الفدرالي الأمريكي لكميات كبيرة من النقود مما يؤدي إلى تخفيض قيمة الدولار مما يسيء إلى قدرة الدول الأخرى على المنافسة (3)
واتهم وزير المالية البرازيلي جيدو مانتيكا الولايات المتحدة باللجوء إلى "الحمائية" وهو ما يهدد بنتائج وخيمة على بقية العالم. وقال أن الهدف الحقيقي لتلك الإجراءات هو لخفض قيمة الدولار وزيادة الصادرات الأمريكية. وأشار مانتيكا إلى قرار بنك اليابان للتدخل في أسواق المال وضخ ما يعادل 128 مليار دولار من عملته الين، مقلداً ما تقوم به الولايات المتحدة، والذي يهدف إلى خفض قيمة العملة، كعلامة على التوتر الدولي المالي، وقال أنها "حرب عملات".
ومن نتائج تخفيض الدولار على الصين إضافة إلى التأثير على صادراتها، تقليل قيمة الـ 1200 مليار دولار التي تحتفظ بها بكين.
وقال ريتشارد فيشر، العضو غير المصوت في لجنة السوق المفتوح الفدرالية: "لا أحد لديه أية خبرة لقيادة الإقتصاد إلى مرفأ الأمان من المكان الذي وجدنا أنفسنا فيه(4)
ويكتب أحد المحللين: أن الولايات المتحدة تتبع سياسة إنفرادية في تأمين مصالحها على حساب الآخرين بإغراق السوق بالدولارات وخفض قيمة عملتها، والعمل بنفس الوقت على منع الآخرين من القيام بنفس الإجراءات، رغم احتجاجاتهم. وهذا ما عبر عنه قول وزير الخزانة الامريكي جون كونالي عام 1971 عندما قال بتهكم: "إنها عملتنا وتلك مشكلتهم".
ويرى سورجيت بهالا، الإقتصادي الهندي ومؤلف كتاب "خفض العملة طريقاً إلى الرفاه" ان تخفيض اليوان كان السبب الرئيسي للصعود الإقتصادي السريع للصين، وأيضاً الأزمة الإقتصادية الآسيوية عام 1997 وا الإزمة الإقتصادية العالمية عام 2008. (5)
إذن فدول العالم الرأسمالي لا تسعى إلى "تقوية" عملاتها ورفع قيمتها بل العكس، إلى الخفض، وهي تتوقع من ذلك أرباحاً بشكل أفضليات تجارية وأخرى مباشرة. ولو أن في قوة العملة فائدة لسعت الدول إلى تقوية عملاتها، وليس خفضها ومطالبة منافسيها بتقوية عملاتهم. فعندما تخفض دولة ما قيمة عملتها فأنها تكسب بشكل مباشر قيمة كل التخفيض مضروباً في كمية العملات التي تمتلكها الدول الأخرى. لكل هذه الأسباب نجد أن الدول تتجه إلى التخفيض وليس إلى تقوية عملاتها، فلماذا يفخر العراق بأنه يحتفظ بعملته "قوية"؟
صحيح أن الثقة بالعملة لها قيمتها أيضاً، لكن لكل شيء ثمنه، وعندما يتجاوز ثمنه قيمة فائدته يصبح سلبياً. فلو كلفت مقاولاً أن يبني لك بيتاً، ثم طلب منك خمسة أضعاف قيمة المنزل المعتاد في السوق فسوف تستغرب وترفض. ولو قال لك أنه منزل مبني ليتحمل زلازلين في نفس الوقت، لقلت له أن احتمال أن يضرب المدينة زلزالان في نفس الوقت، إحتمال قليل جداً، وأنك لا تحتاج لمثل هذه الضمانة المكلفة، رغم أنها صحيحة نظرياً. وبنفس الطريقة يمكن أن نقول بأن التغطية الكاملة مرفوضة لأنها تعطي ضمانات مكلفة لإحتمالات ضئيلة الحدوث. ويجب أن نذكر هنا أن "الزلازل" المقصودة في المثال لا تعني الهزات المالية التي حدثت وستحدث بلا شك في المستقبل جراء سيطرة البنوك ورأس المال على ثروات العالم في نظام رأسمالي وحشي كما حدث عام 2008. فعن هذا لا تحمي قوة العملة، وارتباطها بالدولار ثروة البلاد، بل العكس أقرب إلى الواقع كما أثبتت التجارب، فقد دفعت الإقتصادات الأكثر اندماجاً في السوق المالية العالمية الثمن الأكبر في تلك الهزة.
إذن القضية ليست بهذه البساطة، وقوة العملة ليست نعمة بالضرورة، وإن كانت كذلك فقد لا تستحق ثمنها، ومن الممكن جدا أن نكون من الخاسرين حين نقوي عملتنا، حتى أن إحدى محطات الإعلام البريطانية أطلقت حملة جدل تمتد لسنة كاملة بعنوان: "لنخفض القيمة وإلا..." تحاول فيها الإجابة عن السؤال: "من هم الرابحون ومن هم الخاسرون حين يكون الباوند قوياً، وهل تستفيد انكلترا من قوته؟"(6)
نؤكد هنا أن العراق ليس أميركا ولا الصين، وقد لا ينطبق عليه ما ينطبق عليهما، فهذه الدول تصدر البضاعة المتنافسة في الأسعار وهذا لا ينطبق على العراق وبالتالي قد لا يستفيد العراق مما يستفيد منه هؤلاء بالضرورة.
لكن العراق يستطيع، إن كان حراً فيما يريد، أن يصدّر نفطه أو جزءاً منه، بعملته، وبالتالي فسوف ينطبق عليه ما ينطبق على باقي المصدرين، وأهم من ذلك أنه لن يكون بحاجة إلى الإحتفاظ بالإحتياطي المالي لدعم عملته، حيث يكون نفطه هو الخزين "المالي" الذي يضمن قوة العملة النسبية. فما يريده المتعاملون معه، أن يتأكدوا أنهم إن قبلوا عملتهم مقابل بضاعتهم، فأن تلك العملة ستكون قادرة على شراء بضاعة بقيمة مقابلة، وهذا ما يلعبه "الإحتياطي" النقدي أو إحتياطي الذهب في الحالة المعتادة. ولكن في حالة دولة غنية بثروة هامة غير كاسدة، فأن تلك الثروة تمثل ذلك الإحتياطي بتقديمها الضمان المطلوب لمن يحتفظ بعملات هذا البلد.
والحقيقة أن فكرة بيع النفط أو جزء منه بعملة البلد ليست غريبة أبداً. فيروي الأستاذ موسى فرج أن وزير الإقتصاد العراقي المعروف في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم قد فعل ذلك بنجاح وتمكن بفضله من رفع قيمة الدينار المنهار ليبلغ 3,33 دولار.(7)
ولكن نقول ثانية: هل نريد عملة قوية؟ ليس بالضرورة، وبالتأكيد ليس بأي ثمن. الطبيعي هو أن يحسب العراق القيمة التي تعطيه أكبر مردود ممكن في مجمل سياسته الإقتصادية والمالية، وأن حساب تلك القيمة، والطريقة المثلى للوصول إليها، من واجب الإقتصاديين ورجال المال والسياسة العراقيين.
ما الذي نفعله الآن؟ نبيع النفط بالدولار، فإذا خفضت اميركا الدولار فان إيرادات العراق من النفط تنخفض بنفس نسبة التخفيض الأمريكي له! وكثرما تكون للإدارات الأمريكية أسباب سياسية عدوانية لتخفيض قيمة مردودات النفط، لتحطيم اقتصادات بعض الدول المناوئة لها، كما فعلت مع الإتحاد السوفيتي السابق ومع عراق صدام حسين وكذلك مع فنزويلا شافيز، وتفعل اليوم مع إيران. وفي كل مثل هذه الحالات سيتعين على العراق أن يدفع بعض ثمن هذه السياسة العدوانية، مع غيره من البلدان المصدرة للنفط.
ومن ناحية أخرى فأن معظم الإحتياطي العراقي يتمثل بالعملات الأجنبية وليس بالذهب، ومعظم الإحتياطي من العملات هو بالدولار الأمريكي، واي خفض للدولار سيتسبب في خفض قيمة ذلك الإحتياطي بنفس النسبة ايضاً!
أي أن الحكومات العراقية، وبسبب سياستها المالية الحالية، ستكون تحت رحمة الحكومات الأمريكية والبنك الفدرالي الأمريكي من مختلف الجهات، وسيدفع العراق، وبشكل أكبر من غيره من البلدان، ثمن ترليونات الدولارات الأمريكية التي تطبع بشكل متتابع ويتوقع أن يستمر ذلك في المستقبل مرات عديدة في ظروف المديونية الأمريكية الهائلة والمتزايدة، وكلفة السياسة العدوانية العسكرية الأمريكية على العالم، ولسيطرة رجال المال والقطاع الخاص على النظام النقدي الأمريكي، وإمكانهم تحقيق أرباح لا حدود لها من خلال تلك المناورات في قيمة الدولار، أو ما يسمى بـ "حرب العملات" التي يديرونها ضد العالم. إنها سرقة منظمة من قبل أميركا لثروات وجهود البشر في كل مكان في العالم، والعراق يضع نفسه بهذه السياسة بالتأكيد في مقدمتها. ولو أحتججنا على تلك السرقة بخفض الدولار لقالوا لنا كما قالوا للعالم: "إنها عملتنا وتلك مشكلتكم"!.
يبقى القرار فيما إذا كانت قوة العملة وتغطيتها الكبيرة في صالح العراق أم لا، وإلى اي مدى، بحاجة إلى دراسة معمقة ومبررات واضحة لانتهاج السياسة النقدية العراقية المختارة ومتى تصبح نسبة التغطية أكثر كلفة من فائدتها. لكن من شبه المستحيل أن يكون التطرف الأقصى المتمثل بـ "التغطية الكاملة" ، الذي يمثل أقصى كلفة، (دع عنك التغطية المضاعفة الغريبة التي ينتهجها المصرف المركزي!) هو الخيار الأفضل، وبالتالي فأن الكثير من الأموال العراقية تذهب هدراً لشراء "بيوت تقاوم زلزالين في نفس الوقت" في "منطقة الفيضانات" وخارج نطاق الزلازل.
فإذا تبين من تلك الدراسة أن العراق خسر بالفعل من جراء تلك الإجراءات، وهو ما يبدو أمراً مؤكداً هنا، فأن هذا سبب إضافي للتحقيق مع الشبيبي وبقية مسؤولي البنك المركزي، فليس هناك في هذا الأمر المعروف إحتمال "خطأ"، والمرجح أن تكون مثل هذه "الأخطاء" في مثل هذه الأمور، "أخطاء" متعمدة، أما بسبب الفساد أو التآمر على البلد.
أما إن كان قانون البنك يلزم موظفيه بانتهاج تلك السياسة الخاسرة فيتوجب تغييره فوراً مهما أرسلت اميركا من "مستشارين للأمن القومي" (كما فعلت فعلاً)، وأما بالنسبة للشبيبي وموظفيه فقد كان عليهم أن يحذروا الحكومة من ذلك القانون ويقترحوا تغييره على البرلمان والحكومة، وعلى امتناعهم عن ذلك يجب أن يحاسبوا أيضاً!
(1) http://www.wsws.org/articles/2010/nov2010/econ-n13.shtml
(2) http://www.wsws.org/articles/2010/oct2010/econ-o18.shtml
(3) http://www.wsws.org/articles/2012/sep2012/usfe-s24.shtml
(4) http://www.wsws.org/articles/2012/sep2012/usfe-s24.shtml
(5) http://www.informationclearinghouse.info/article32653.htm
(6) http://www.opendemocracy.net/ourkingdom/oliver-huitson/devalue-or-else-new-ourkingdom-debate-on-british-currency
(7) http://69.162.102.83/inews.php?id=1051792