أنا عميل
أختلط الحابل بالنابل وعم الصياح وتعالت الأصوات داخل مقهى الأدباء وسط مدينة البصرة.
الناس في خارجها راحوا يتساءلون عن النبأ الساخن الذي هز أرجاء المكان.
القصة وما فيها أني هاجمت العساكر الذين أطاحوا بالنظام الملكي في العراق ناعتا إياهم بالفاشيين،والفاتحين لأبواب الجحيم،ما دفع المعارضون إلى الغضب والتوتر والانفعال مصحوبا بأعلى أصواتهم.
وسط ذلك الغليان، كان القليل من الحاضرين إلى جانبي فيما راح كبار المعارضين يتهامسون فيما بينهم عاقدين جلسة طارئة و لافتة على هامش ذلك الضجيج.
في تلك الأثناء، أعلن خصومي على لسان (شاعر) يجتر قصائده اجترارا، كان يوجه أنظاره نحوي ويقول :( أن من يدين أولئك العسكر لابد أن يكون واحدا من ثلاث: إما أن يكون عميلا لبريطانيا، أو من رجال النظام السابق، أو مواليا لأحد أحزاب الإسلام السياسي.!!).
إذن علي هنا أن اختار واحدا من هؤلاء الثلاث .
طلبت منهم أن يمنحوني يوما أو يومين لأفكر حتى أعلن لهم من أكون أنا بالضبط ؟.
عدت إلى منزلي لإجراء مداولات أو مشاورات تتعلق بهذا الصدد،قررت بعدها أن أعلن لهم أني عميل لبريطانيا.!!
أما لماذا لم يقع اختياري على كوني من أزلام النظام السابق أو اعمل لصالح واحد من الأحزاب الإسلامية ،فالسبب بسيط: أن في جعبة هاتين الجهتين أدلة وبراهين تثبت على عكس ما سأدعيه بالعمل لصالح أي منهما وبالتالي أخشى أن يصرحوا أن هذا الرجل ليس منا..
أنا عميل،اعمل لصالح بريطانيا،وعلي أن أطالب البريطانيين بدفع كافة مستحقاتي،فلا يمكن القبول بفكرة كوني عميل لأعمل لهم مجانا طيلة سنين عمري المنصرمة.
سألوا هتلر :من هم أحقر الناس الذين واجهتهم في حياتك؟ قال:أحقر الناس هم أولئك الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم ،أما البريطانيون فأمرهم يختلف عن هتلر، فهؤلاء يقدرون عاليا عملاءهم،لذا سأقابل القنصل البريطاني لأطالبه بدفع كامل أجوري وفوقها إكرامية تحددها حكومته باعتباري اخلص وأنزه عميل لم تشهده بريطانيا من قبل،ولا أدري ربما أحظى بمقابلة الملكة إليزابيث وربما تدعوني لقضاء ليلة هانئة معها على سنة الله ورسوله .
المعارضون لي علقوا صورة كبير العساكر على احد جدران المقهى،وذلك بعد يوم واحد من وقوع المجابهات الكلامية في تدبير أعده المراقبون تصعيدا لحالة التوتر بينما واقعا لم يكن كذلك بالنسبة لي، لكن الأمر الذي أغاضني وجاس في نفسي أن رمزهم ظهر في الصورة ضاحكا، فهو يضحك على ماذا؟ لا ادري.
بعد بضعة أيام دخلت إلى المقهى وشاهدت الصورة قد اختفت تماما.
سألت احد الصحابة الأجلاء عن مصير الصورة قال: الم تك تدري؟ أجبته : لا ادري والله، ثم سألني ثانية : الم يخبرك احد بما حصل؟ قلت له:أنت مالك يأخي، بالعباس أبو فاضل لم يخبرني احد ،اخبرني أرجوك ، قال:
أختلط الحابل بالنابل وعم الصياح وتعالت الأصوات داخل مقهى الأدباء تطالب بإنزال الصورة فانزلوها!!