Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أيها الحبر الأعظم البابا بينيدكت السادس عشر؛ شعبنا أيضا يستحق الإعتذار؟!

أن صفة الإعتراف بالخطأ تعتبر من ضمن أرقى الصفات الإنسانية لأنها تدل على مدى قوة الإنسان الداخلية وشخصيته المدركة لإستقلالها الفكري، أما بالنسبة للعقيدة المسيحية فمن دونها لا يصل الإيمان الى درجة النقاء والكتاب المقدس يطالب المؤمن دوما ان يعترف بخطاياه ليبدأ مشوار المصالحة مع الله وهذا يشمل أيضا القائمين على المؤسسات المختلفة لأن العصمة لله وحده وكلما تم الإعتراف بالخطأ والنقيصة كلما تقدم عمل الفرد او المؤسسة نحو الافضل لأن من دون الإقرار وثم الإعتراف بالخطأ فأن ذاكرة الأجيال الصاعدة تبقى متلازمة للأحداث الخاصة وبالأخص عندما يتعلق الأمر بامةَ او شعبٌ أُجبر ان يتقبلها عن مضض او عن غصب لذا فأن النتائج السلبية الناتجة من تلك الأحداث تصبح موروثا ضمن ثقافة تلك الأمة وتصبح مصدرا للشكوك والعداء كما هي الحال بين صفوف أبناء شعبنا والشعب الأرمني من جهة والأتراك من جهة اخرى علما بأنه مهما تفنّن المعتدي وراوّغ وإستمرت سياسة الإنكار وقلب الحقائق، فلابد عاجلا أم آجلا ان يعلن المخفي إما نتيجة تأنيب الضمير او تقدم الزمن او تغير الظروف والقوانين والمفاهيم وحينها فلابد ان يغلب المنطق وتظهر الحقيقة ولو بعد قرون طويلة فكما هو معروف في النهاية لا يحق إلا الحق.

قد يتساءل البعض متعجبا عن أي إعتذار يتحدث كاتب المقال وما دخل قداسة البابا ؟!

في العقود الأخيرة وبالأخص في زمن حبرية البابا يوحنا بولس الثاني وخليفته الحالي رأينا مبادرات جريئة نابعة من صلب التواضع المسيحي، بدأت حوارات جادة نابعة من تقبل الآخر من الكنائس المختلفة التي سادت بينها القطيعة منذ العصور الوسطى ومنها ما يعود الى العصور المسيحية الأولى لأن الأطراف المعنية أدركت بأن هذه القطيعة لا تتفق مع رسالة سيدنا يسوع المسيح ولم تقتصر هذه المبادرات للمؤسسات الكنسية بل تعدتها الى مسيرة تصحيح الأخطاء التي ظلت عالقة بذمة الكنيسة الكاثوليكية حيث قام البابا الراحل بالإعتذار لحقبة محاكم التفتيش في العصورالوسطى وما تسببت به تلك الحقبة من مآسي في اوربا وكذلك قيام البابا الراحل بطلب الغفران من اليهود وبعض الأقليات لما تعرضوا له من الإضطهادات والمذابح في الفترة النازية ولقد كان البابا الراحل ومن موقعه كرأس الكنيسة الكاثوليكية هوالمبادر لأنه تمتع بتلك الشفافية والروحية التي مكنته من تصفية القلوب وبناء الجسوروالإرتقاء بالكنيسة الكاثوليكية من خلال نبذ الماضي الذي ظل كحجر عثرة لإرساء الثقة بين الكنيسة وبين الأطراف التي لها مآخذ تعود جذور بعضها الى قرون عديدة تجاه مؤسسة الفاتيكان، مما لا شك فيه فإن ما قام به البابا كان له تأثيره الإيجابي على الكنيسة الكاثوليكية في العالم والمثيرفي تفاؤلنا هو إستمرار خليفته الحالي بنهج ذات الطريق حيث إعترف مؤخرا بأن المؤسسة الكنسية أساءت معاملة السكان الأصليين في أمريكا اللاتينية وليس مستبعدا ان يأتي اليوم الذي يتم التعامل مع الحروب الصليبية على نفس المنوال.

أما ما يخصّ شعبنا بهذا الشأن لما تعرض له من قبل البعثات التبشيرية الغربية الكاثوليكية و البروتستانتية في القرون الوسطى التي حاولت ضمّ اكبر قدر ممكن من البشر لمؤسساتهم وكأننا قبائل تائهة في الأدغال لا تعرف المسيح علما بأن النتائج السلبية لتلك الهجمة فاقت في نتائجها السلبية على هجمات الغرباء الذين لم يكونوا على دين المسيح منذ القرن الأول الميلادي ولغاية إنقسام كنيسة المشرق الى مسميات وطوائف متنافرة والى مؤسسات كانت تحاك فيما بينها المؤمرات بحماية الغرباء المتربصين على وجودنا وإستمرار عطائنا. فلنسمع اولا ما قاله قداسة البابا إثناء إستقباله بطريرك الكنيسة الشرقية الأشورية قداسة البطريرك مار دنخا الرابع في روما بتاريخ 21 حزيران 2007 { الكنيسة الشرقية الأشورية هي جزءاً من كنيسة المشرق ـــ التي أعتبرت حينها كنيسة خارجة عن الإيمان القويم (هرطوقية) وإستحقت نقمة البعثات التبشيرية الغربية } .

” الكنيسة الشرقية الأشورية لها جذور عميقة في تاريخ البلدان التي إقترنت أسماؤها بتاريخ تصميم الرّب لخلاص الإنسانية. ففي أوائل نشوء الكنيسة, جاء المسيحيون في هذه البلاد بإسهامات مرموقة في نشر الإنجيل وخصوصاً عن طريق نشاطهم التبشيري في الأصقاء النائية من الشرق. واليوم ولمزيد الأسى نجد المسيحيين في هذه المنطقة يعانون من الأمّرين مادياً وروحياً. وبشكل خاص في العراق الذي هو موطن الأكثرية الساحقة من المؤمنين الأشوريين ".

وما يطالب به قداسة البابا بنديكتوس السادس عشراليوم لتضميد الجراح في نفس اللقاء ويقينا هو المطلوب كتابيا حيث يقول؛

" إن العمل للوحدة المسيحية هو في واقع الحال واجب توّلد عن وفائنا للمسيح راعي الكنيسة الذي وهب حياته "ليجمع أبناء الله المتفرقين الى واحد" (إنجيل يوحنا 11: 51-52) ومهما يبدو طول الطريق ومشّقته بإتجاه الوحدة, فأننا مدعوين من قبل الرّب لأن تشتبك أيادينا وقلوبنا حتى نستطيع معاً حمل شهادة أسطع له وأن نخدم إخوتنا وخواتنا أفضل, وخصوصاً في المناطق المضطربة من الشرق حيث الكثيرين من مؤمنينا ينظرون لنا نحن الكهنة بأمل وتوّقع ".
كلام رائع وذي أبعاد دينية عميقة من رأس الكنيسة الكاثوليكية اليوم ولكنه يبدوا إن كنيسة المشرق وقعت ضحية سياسة كنسية سادت حينها مؤسسة الفاتيكان وغيرها في اوربا حيث كان هناك صراع إستعماري بكل معنى الكلمة بين كنائس اوربا التي اصبحت اداة لتحقيق المآرب السياسية قبل وإثناء حرب الثمانين سنة 1568–1648التي أنهكت ودمرت اوربا المسيحية حيث هلك ما يقارب الثلثين من سكان اوربا ولولا معاهدة ويستفاليا ( التي أنهت الحروب الدينية بين البروتستانت والكاثوليك ) لكانت اوربا أصبحت من ممتلكات الدولة العثمانية، فهل نتوقع آنذاك ان تهتم المؤسسة الدينية الأوربية بالكنيسة الشرقية بل العكس تم إرسال ما يسمى بالبعثات التبشيرية التي إنقسمت الى قسمين منها من إعتبر كنيسة المشرق مهرطقة يجب سلخها عن جذورها وإلباسها ثوب النعمة من جديد ومنها البعثات التي لبست ثوب الدين لتمتهنُ من الداخل دورالذئاب لتنفيذ سياساتها وترويج مصالها الإستراتيجية، لذلك بدأ الزحف تجاه مناطق تواجد كنيسة المشرق في بداية القرن السادس عشرالتي لم نقرأ في كتب التاريخ بأنها إستطاعت أن تكسب على سبيل المثال ولو عائلة واحدة من غير مؤمني شعبنا بل إلتجأت الى التمتع بالدفء بيننا لأنهم إستغلوا سذاجة وبساطة شعبنا المطمئن والمساند لكل من إدّعى بالمسيحية، وبذا تم ضربنا في الصميم حيث نجح هذا العدو الداخلي بما فشل فيه العدو الخارجي ولقرون طويلة في خلخلة وتدمير البنيان الداخلي لهذا الشعب الذي أُمتحن إيمانه بالحديد والنار والدم. واليوم يأتي هؤلاء الذين لطخت أياديهم بدماء اخوتهم في اوربا لكي يعلموننا الأيمان؟! يا لسخرية القدر، وتم تقسيمنا الى كنائس وطوائف وبدا العدو ينفرد بنا مفترسا زارعا الانقسام والتشتت بين صفوف شعبنا وبهذا أصبحنا مهدّدين في كياننا بالانصهارمع الشعوب الداخلية والخارجية إضافة الى تكالب حملات الإبادة الجماعية الصغيرة والكبيرة على أبناء شعبنا وما زلنا نأمل برؤية الضوء في نهاية النفق المظلم ومن دون جدوى.

فالمحير هو ان ما يسمى بالصفات الهرطوقية ( خارجة عن الإيمان الصحيح) التي سمحت لمؤسسة الكنيسة الكاثوليكية والبروتستانتية باستهداف كنسيتنا وتسببت بإنقسامها، أصبحت اليوم مجرد إجتهادات قابلة للحوار ولا تدعوا الى القطيعة بتاتا ورأينا كيف ان الكنائس الشرقية وكذلك الأرثودكسية والكاثوليكية والبروتستانتية تعقد حوارات لاهوتية وتتفق عل الكثير لأنها إكتشفت بعد قرون بأن عامل اللغة والثقافة الزمنية السائدة كان لها الدور الكبير في سوء الفهم...؟؟!! لذا فأن صفة الهرطقة التي وقعنا ضحيتها ليست واردة في المفهوم العصري وكذلك ادركوا بأن كنيسة المسيح هي واحدة ولكن ضعف القائمين عليها نتيجة الغيرة الخاطئة والعناد ولذة المناصب وكما يجري اليوم هو السبب، لذلك بدأ الأخوة بتفهم بعضهم البعض بصورة ديمقراطية اكثر. فالتغيير الجذري في حدث في ثقافة العصر الحالي سيجعل القائمين على هذه المؤسسات الدينية الشواذ قياسا بالمؤسسات العلمانية مختلفة التي تبنّت سياسة التوحيد تتحد فيما بينها لخدمة مصالح رعاياها بينما رجال دين القائمين على الكنيسة يمثلون اسمى المبادىء يتخلفون عن هذا الركب.
السؤال الذي يطرح نفسه هو:
هل كان شعبنا سيصيبه من الأهوال التي أصابته لو كان بقى موحدا؟
نعم ! لأن كنيسة المسيح وبالذات في الشرق هي كنيسة الشهداء وهي مستهدفة دائما من الأيدولوجيات البشرية الشاذة ولكن وكما ذكرت في المقال السابق ( أما آن الأوان لكنيسة المشرق أن تعيد النظر بأخطائها التاريخية) وبالرغم من الويلات، لكان وضع وحالة شعبنا أفضل بكثيرا مما هوعليه الان، لإستطعنا في ظل الوحدة الإستمتاع بكيان مستقل وحافظنا على شعبنا معززا في اراضيه التاريخية، حيث تعداد شعبنا لغاية القرن الثامن عشركان اكثرمن الأكراد على سبيل المثال، تصور قارئي الكريم كيف ان البقية الباقية من شعبنا الذي إنقسم على ذاته نجا بالرغم من تعرضنا لأشرس هجمة يتعرض لها اي شعب ولمدد طويلة فتخيلوا النتائج لو كنا متوحدين حينها وهذا ينطبق على وضعنا الحالي ايضا، ولكن الأنقسام جعلنا امام عدوين وهما العدو الداخلي والعدو الخارجي الذي لم يتوانى في التلذذ بذبح الطفل قبل الكبير وإستمتع بهتك أعراض العذارى وخسرنا كل شىء واصبحنا اليوم في مهب الريح وتحت رحمة الغرباء وإنطبقت مقولة الكتاب علينا بأن كل بيت ينقسم على ذاته متجه ُ نحو الإنهيار.

نوجهُ دعوتنا اليك أيها الحبر الجليل أن تلمس جروحنا الدامية حيث انك اليوم على قمة هرم المؤسسة التي كانت طرفا رئيسيا في ذلك الإنقسام الذي نعلم يقينا بأن أمثالك المتّصفين بهذه الروحية المسيحية وكما بدا من خلال إستقبالك لمار دنخا الرابع وتأكيدك على الوحدة لما سمحت بذلك الزلزال المدمر لمسيرة شعب كان من الأوائل في قبوله رسالة ربنا المخلص وخسارته كل شىء من أجل إيمانه، وليس خافيا بأن أغلب أبناء شعبنا بدا يفقد الأمل بالكثير من القائمين على هرم مؤسساتنا الكنسية والمدنية في أن يرتقوا الى المستوى المطلوب لمواجه الإستحقاقات التي تناسب ما يواجهنا كشعب يفقد رصيده ضمن مكونات الشعب العراقي بشكل لم يسبق له مثيل ويتشرد شعبنا في بقاع الارض لأنهم وكما يبدو مشغولون بإمور يعتبرونها أهم من وحدة شعبنا وما زلنا كشعب نضّيع الفرص وتهدرالطاقات نتيجة الصراعات الهامشية الغير معلنة بين طوائفنا بينما معاول الأعداء تضرب عميقا ويتم إستغلال هذه الثغرات في جدار أمتنا مما يزيدنا تقهقرا وضعفا.

وختاما، أملنا كبير بأن قداستكم سيشملنا ضمن تلك القائمة التي ستوليها عنياتكم من اجل طوي صفحة الماضي الأليم لأننا الأكثر تضررا من الذين تم طلب معذرتهم وغفرانهم وتأمر بكشف المحتوى الحقيقي للأرشيف الخاص بتلك الحقبة التاريخية التي تسببت بهذا الإنقسام وتأمر بتصحيح الخطأ مما يمّكن هذه الكنيسة العريقة من إداء رسالتها المطلوبة وبذا تضع قادتنا الدينين أمام الأمر الواقع وحينها لن يبقى أمامهم الكثير من المبررات ويكونون مسؤولين أمام المسيح وأمام التاريخ وعندها لن يكون مستبعدا أن يعود الكرسي البطريركي لكنيسة المشرق الموحدة الى تلك البقعة التي إنقسم منها في القرن السادس عشر الى بلدة القوش التي حضنته لمدة قرون مجيدة وهذا هو الأنسب لكي تحمل رسالتها بين شعبها وشهدائها عوضا عن التفكير لا سامح الله في الإتجاه غربا نحو بلاد المهجر والرب يهبك كل النعمة لإكمال مسيرة الخدمة التي نذرت حياتك من أجلها.

ملاحظة:
لقد قرأت تواً البيان الصادرمن أساقفة المنطقة الشمالية للكنيسة الكلدانية في بلدة عين سفني وحقيقة شعرت بالأمل لأن محتوى البيان يضع الكثيرمن النقاط على الأحرف ولمسنا الجرأة في قول بعض الحقائق التي تخص شعبنا ومما يجري لمؤسسة كنيستنا داخليا وأدعوا من لم يقرأ البيان الى دراسته بتأني لأن هناك الكثير في ثناياه التي تؤكد صدق مخاوف الأكثرية من أبناء شعبنا والبعض من كتابنا الذين كتبوا عن بعض الجوانب المتعلقة بهذا الخصوص، ونرجوا ان تكون هذه الخطوة حافزا لتدارك الأمورقبل أن تتحول مؤسستنا وكما يبدوا الأن الى جبهة خارجية وجبهة داخلية معارضة ونطلب من الأباء الأجلاء بالمزيد من أجل الإرتقاء بكنيستنا الكلدانية نحو الهدف النهائي في لم شمل كنيسة المشرق بكل طوائفها وهذا ما تنتظره الأغلبية من شعبكم ويقينا هذه هي رغبة المسيح ربنا أيضا.

sy@cecaust.com.au
3 / 7/ 2007 Opinions