Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

إشكالية الخلط بين المحاور الثلاثة لوحدتنا : القومية والسياسية والكنسية المذهبية

 

من اكثر المصطلحات إثارة للعواطف والأحاسيس هو ما يطلق عليه مصطلح ( وحدة شعبنا ) وهنا يكون المطلوب هو وحدة المسيحيين الذين ينقسمون على انفسهم سياسياً ومذهبياً وقومياً ، وهنالك من يطلق شعار الوحدة جزافاً ، ولا يذكر الجانب الذي يطلب فيه تحقيق هذه الوحدة  هل هي وحدة قومية . ام سياسية ام كنسية مذهبية ؟ ام جميعها ؟

إنه يطلق شعار الوحدة في الفضاء ، ولا يكلف نفسه ان يشرح لنا اي وحدة يقصد الكاتب ، إنه يقرر بقرار وتوجيه حزبي بأن كل من يحذف الواوات بين اسمائنا هو وحدوي ، ومن يبقيها فهو انقسامي ومتآمر ، وما علينا إلا السمع والطاعة والويل والثبور لم يعارض ، كما اصبح موضوع الوحدة مادة للكتابة لمن ليس له ما يكتب عنه ، فاصبح الحديث عن الوحدة حديث ديماغوجي اي لغة سهلة وشعارت فارغة ومزايدات ليس اكثر  .

نأتي الى هذه الجوانب محاولين تفكيك هذه المصطلحات وتشريحها لتسليط قبس من الضوء على كل منها .

اولاً : ـ  الوحدة السياسية :

السياسة عالم متقلب مبني على المصالح ويتبرقع بشتى الشعارات حسب ما تتطلبه المرحلة ، وليس للوحدة السياسية وجود على نطاق شعبنا المسيحي في العراق ، وإن ما اصطلح عليه فيما سمي ، تجمع احزاب شعبنا الذي كان يتمثل بكيانات كلدانية وسريانية وآشورية  بأنه يمثل وحدة شعبنا يعتبر خطأ فاضح ، فمجرد تأليف تجمع معين لأهداف سياسية آنية ، وحذف الواوات بين اسماء شعبنا على صيغة كلداني سرياني آشوري ( ك ـ س ـ ا) لم تكون سوى وحدة شعاراتية شكلية ، خالية من المضمون والجوهر وحينما خرج الحزب الديمقراطي الكلداني من هذا التجمع لا يعني ذلك انه اصبح حزب لا وحدوي . وقد اثبتت الوقائع ان ما يسمى تجمع احزاب شعبنا ( ك ـ س ـ ا) ، ليس سوى كيان مهزوز ، لم يكن له  اي تأثير على مجريات المخاطر المحيقة بشعبنا ، فعند المنعطفات المهمة كل حزب مضى في طريقه وأصبح التجمع في حالة من الأهمال يرثى لها ، وهو حالياً يشهد حالة من التمزق لانه كان مبني على اساس من الرمال ، فالظروف اجبرت كيانات متناقضة في الرؤية السياسية الى الجلوس معاً بعد الأحداث الدامية التي طالت كنيسة سيدة النجاة .

يمكن ان نعطي توصيف لمثل هذه الوحدة بأنها اتفاق مرحلي كأن يكون اشتراك في الأنتخابات بقائمة واحدة ، او الأتفاق بشأن مسألة ما ، وقد اثبت ما يسمى ( تجمع احزابنا شعبنا ) فشله الذريع في اول امتحان له وهو الأشتراك في انتخابات برلمان اقليم كوردستان في قوائم مختلفة ، وحتى حينما اشتركوا في قائمة واحدة في انتخابات مجالس المحافظات كان كل طرف يحشد الدعاية لأبن حزيه بل اكثر من ذلك يعمل على تسقيط الآخر في نفس القائمة  ، فالحزبية لم تقبل ان تضحي او تتنازل بشئ لما يسمى تجمع احزاب شعبنا ، وحتى اعضاء البرلمان من داخل ما يسمى تجمع احزاب شعبنا الكلداني السرياني الآشوري ( ك ـ س ـ ا ) فإنهم منقسمون على بعضهم داخل البرلمان ولا يشكلون قائمة واحدة بعكس القوائم الأخرى التي تتلاحم داخل قبة البرلمان ، إن كان برلمان كوردستان او برلمان العراق . فما يسمى تجمع احزاب شعبنا هو اسم بلا جسم اي حسب المثل العراقي : اسمه بالحصاد ومنجله مكسور . وإن الدعاية التي تحاط بهذا التنظيم هي اكبر من حجمه الحقيقي .

بمعنى آخر ان الوحدة السياسية هو قول فيه الكثير من الغلو وكل من يزعم بإمكانية تحقيق مثل هذه الوحدة فإنه يعيش في الخيال ، فالمكون الواحد كالمكون الآشوري ، كم هي الهوة عميقة بين الأحزاب الآشورية نفسها ، بل حتى الحزب الواحد كالحركة الديمقراطية الآشورية زوعا نشهد صراعاً سياسياً وتنظيمياً من داخلها بحيث انها سوف تنزل في الأنتخابات البرلمانية الكوردستانية القادمة بقائمتين ، فعن اي وحدة تتكلمون ؟ وإن اعترضنا نحن الكلدان على صيغة تجمع احزاب شعبنا ( ك ـ س ـ ا) قيل لنا انتم انفصاليون ، يا اخي انتم حزب واحد تنزلون في قائمتين فلماذا تلصقون تهمة الأنفصال بنا نحن الكلدان ؟

هذه هي السياسة وهذا ينطبق على الأحزاب السياسية في المكونات الأخرى ولو بدرجات متفاوتة .

ثانياً : ـ الوحدة القومية

الأتحاد السوفياتي السابق كان مبنياً على المعادلة الأجتماعية الطبقية اي تفعيل آصرة العلاقات البروليتارية العابرة لحدود الدين والقومية وبقيت تلك المشاعر متقدة ولكنها راقدة تحت رماد القمع او الإهمال في احسن الأحوال ، لتنطلق في اول فرصة سانحة ولنشاهد انهيار وتفكك الأتحاد السوفياتي دون إطلاق رصاصة واحدة ، وعلى انقاضه كانت ولادة دول قومية مستقلة ولم يوقف او يسعف تفكك تلك الدولة العظيمة بما تملكه من عناصر التقدم التكنولوجي ، او ما كان في ترسانته العسكرية الحربية من اسلحة . وهذا ينطبق الى حد كبير في تفكك دول يوغوسلافيا وجيكيوسلوفاكيا والأمبراطورية العثمانية التي تولدت على انقاضها دول  قومية مستقلة .

هنالك خطأ شائع يقع فيه الكثير ، مع الأسف ، وهو خلط بين المفهومين القومي والسياسي والمذهبي ، فحينما نقول على الكنيسة ان تقوم بواجها القومي تجاه شعبنا يفسر قولنا وكأننا نعني ان تنخرط وتتورط الكنيسة في مستنقع السياسة ، ويقع في هذا الخطأ مع الأسف كثير من رجال الدين ، والذي يخلط الأوراق هو الأحزاب السياسية الذين يحذرون الكنيسة الكلدانية (فقط ) بالأبتعاد عن الهموم القومية لشعبهم ، لأن ذلك  يعتبر مجال التورط في العمل السياسي . وهذا خطأ لأن محاور القومية هي في المشاعر وفي الثقافة وفي اللغة وفي الفولكلور والأسماء والملابس القومية والأعياد والى آخره فالمظاهر القومية نستخدمها عن وجدان ووعي كامن داخل النفس وذلك حينما يكون لنا مراسيم زواج محددة او ازياء قومية او رقصات او اغاني او موسيقى كل تلك المظاهر تمثل الجانب القومي للانسان اذ يتحرك فيها ضمن مجموعته القومية من ابناء قومه المشتركين معه بتلك الرموز والخصائص الثقافية التي ترمز الى قومه ، ومجموعها نطلق عليها الخصائص القومية لتلك الشريحة من البشر .

 لكن لا يمكن الأنكار بوجود من يسعى لاستخدام المشاعر القومية لأغراض سياسية ، فيعمل على شحن العواطف وإلهاب المشاعر القومية للتحشيد السياسي ، لقد استطاع  جمال عبد الناصر من إلهاب مشاعر الجماهير في الدول العربية حينما رفع شعار القومية العربية في خطاباته النارية واستخدمها في اهدافه السياسية ، وفعلاً نجح في كسب ود ومشاعر الملايين من البشر في الدول العربية  تحت اليافطة القومية العربية .

وبشأن شعبنا المسيحي في العراق فهنالك القومية الكلدانية التي تعتبر القومية الثالثة في الخارطة القومية العراقية ، وفي سنة 1920 حينما انعقد مؤتمر سيفر قرب باريس ، كان هنالك وفد كلداني يطالب بضمان حقوق الشعب الكلداني في المعاهدة التي ابرمت ، وفعلاً كان في المواد 62 و63 و64  من تلك المعاهدة إشارة واضحة لحقوق الكلدانيين والآشوريين والكورد .

 اليوم في ظل الأصطفافات القومية والدينية والمذهبية فهنالك نزعة قومية نامية لدى شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآشوريين إضافة الى الأرمن ولدى جميع المكونات العراقية .وإن كان هنالك من يخلط القومية بالسياسة فهنالك ايضاً من يخلط بين المشاعر القومية والتوجهات المذهبية الدينية والتي سوف نتطرق اليها في النقطة التالية .

لقد تضمن الدستور العراقي إشارة واضحة الى الحقوق القومية للكلدان والآشوريين والأرمن لكنه همش السريان ، والدستور الكوردستاني لم يكن بمثل هذا الوضوح للاشارة الى القوميات العرااقية الأصيلة كالقومية الكلدانية كمثال غير حصري .

على الساحة العراقية فإن الأرمن قد حسموا امورهم ولهم لغتهم وقوميتهم فلا مجال لأحتوائهم قومياً ، وسياسياً استطاعوا ان يعززوا مركزهم في اقليم كوردستان حينما حصلوا على كوتا قومية . والى جانب ذلك يسعى الكلدانيون والسريان الى حد ما ليكون لهم كوتا قومية اسوة بالتركمان والأرمن والآشوريين ، إن كان في اقليم كوردستان او في البرلمان العراقي .

وقبل الأنتقال الى النقطة الأخرى نشير الى بعض المواقف القومية لكنيستنا الكلدانية عبر التاريخ المعاصر

لنأخذ موقف البطريركية في زمن البطريرك يوسف اودو ( 1793 ـ 1878 ) : حيث استمات في الدفاع عن لغته الكلدانية وعن الكنيسة في ملبار وعن تاريخه ، اليست هذه مواقف قومية ؟ هل كانت هذه شؤون دينية او لاهوتية بحتة ؟ لماذا يدافع عن طقسه ولغته في حين ان مخاطبة المسيح يمكن ان تكون بأية لغة إن كانت لاتيينية او كلدانية لماذا الأصرار على الكلدانية ؟ اليس هذا موقف قومي ؟ وهل يعتبر البطريرك يوسف اودو متدخلاً في السياسية حينما دافع عن حقوق شعبه الكلداني ؟ 

ثالثاً : ـ الوحدة الكنسية ( المذهبية )

المذاهب الكنيسة معروفة وهي : الأرثوذكسية والبروتستانتية والكاثوليكية والأنكليكانية ، والنسطورية . وفي الحقيقة هنالك تنافس ، بل صراعات بين هذه الطوائف المذهبية خصوصاً فيما مضى من الزمن ، ولا مساحة للتطرق لتلك الصراعات في مجال هذا المقال ، لكن نلخص قصة واحدة اوردها الكاتب هاشم صالح في جريدة الشرق الأوسط اللندنية في مقاله : هل يمكن تجاوز الطائفية في المدى المنظور ؟ وهي تشير الى جانب واحد من ذلك الصراع .

فعن الصراع الكاثوليكي البروتستانتي يتحدث عن كتاب من تأليف كاتبة بروتستانتية اسمها فريدريك هيبرار ، وهي ابنة أحد كبار المفكرين البروتستانتيين في فرنسا ويتحدث الكتاب عن قصة زواجها بشاب كاثوليكي تعرفت عليه بالصدفة في الجامعة. وعندما أرادت تقديمه إلى عائلتها كان من الأسهل عليها أن تقول إنه يهودي أو حتى عربي مسلم وليس كاثوليكيا! وقد شعر والدها وكأن الطامة الكبرى قد نزلت على رأسه عندما عرف أنه ينتمي إلى المذهب المضاد: أي مذهب الأغلبية الكاثوليكية.

 ماذا يا ابنتي: أتأتيننا بواحد كاثوليكي إلى البيت؟ العدو التاريخي! هل تعرفين كم اضطهدونا وعذبونا واحتقرونا على مدار التاريخ؟ ومع ذلك فقد أنجبا الأولاد وعاشا أجمل حياة ولا  يزالان ...

الواقع الذي نحن فيه هو اننا مقسمون كنسياً وهنالك جهود تبذل بين آونة وأخرى في سبيل توحيد كنيسة المشرق ، لا سيما الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية مع الكنيسة النسطورية التي اتخذت اسم كنيسة المشرق الآشورية ( النسطورية ) ، والكنيسة الشرقية القديمة ( النسطورية ) ، وقد بذل المرحوم البطريرك مار روفائيل بيداويد جهوداً كبيرة لخلق وحدة كنسية لكنائسنا ، الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية ، والمشرق الاشورية والشرقية القديمة ، لكن يبدو ان المحادثات في نهاية المطاف وصلت الى طريق مسدود .

اليوم كانت باكورة ومنهجية غبطة البطريرك مار لويس الأول روفائيل ساكو كانت مبادرته الرائعة بالقيام  بزيارة الكنائس الآشورية في استراليا  مستحثاً  السير نحو خطوات وحدوية مهمة للتقارب ولتضييق الهوة بين الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية وكنيسة المشرق الآشورية ، وفي الحقيقة ليس في ألأفق ما يشير الى تحقيق تقدم يذكر كثمار لتك الجهود المباركة . وما يترشح من الأخبار أن كنيسة المشرق الآشورية تشترط للتقرب بأن تعمل الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية على الأبتعاد عن تلاحمها مع كنيسة روما ، لكن الكنيسة الكاثوليكية لشعبنا الكلداني متمسكة بتلاحمها مع الكنيسة الكاثوليكية الجامعة .

أقول :

المفروض ان تكون اجواء التقارب والوحدة بين كنائسنا اسهل من تحقيق الوحدة القومية او الوحدة السياسية فما هو معروف في كنائسنا ، انها متقاربة في الطقس وفي اللغة وفي اللاهوت . هذا ما يبدو للعيان لنا نحن العلمانيون ، لكن من المؤكد ثمة خلافات اخرى ليست طافية على السطح ، وفي الحقيقة ينبغي ان يكون الأساقفة الأجلاء والآباء الروحانيين والبطاركة الموقرين ، يجب ان يكونوا اكبر من تلك الخلافات لكي يكونوا مثال وقدوة لشعبهم ، فهم يمثلون نخبة اكاديمية ومثقفة  ومتسلحة بروح الأيمان والمحبة ، وهم رجال الدين ينبغي ان يسود بينهم روح التضحية ونكران الذات ، ليكونوا لنا قدوة نقتدي بها . فوحدتهم من المؤكد سوف تؤثر ايجابياً على نواحي الحياة الأخرى بما فيها النواحي القومية والسياسية .

ونحن بانتظار المبادرات الأخوية المبنية على الشفافية والصدقية ، لكي نؤسس وحدة حقيقية في كل مجالات الحياة ، فنحن نشكل اقلية صغيرة في وطننا وأعدادنا آيلة نحو النقصان بسبب مرض الهجرة الخطير ، ويتحتم علينا التفاهم والتضامن والتكاتف وتحقيق وحدة حقيقية مدروسة من كافة جوانبها ، لكي لا تفشل في اول امتحان لها .

د. حبيب تومي / اوسلو في 10 / 07 / 2014

habeebtomi@yahoo.no 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
الدولة المفترض بنائها في العراق دولة قدرة لا دولة مدى مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/ في كتابه القيم (بناء الدولة) يميز الكاتب الأمريكي المثير للجدل (فرنسيس فوكاياما) بين قوة الدولة ومداها، فيقول: إن مدى الدولة".. يشير إلى الوظائف والأهداف المختلفة التي تضطلع بها في العراق، الخيانة الوطنية عمل وطني! د.عبدالخالق حسين/ في البدء، أود التوكيد أني ضد إطلاق الاتهامات جزافاً على أناس لمجرد أنهم يختلفون معي في الرأي، فـ"الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" كما تفيد الحكمة. التغيير الديمغرافي مرض مزمن في العراق كاترين ميخائيل/ مارسَ النظام الدكتاتوري المقبور اساليبه وأدواته بسياسات عدوانية فاشية ضد الشعب العراقي بكل ألوانه وأطيافه ومنها عمليات التغيير وطن مقابل كرسي حوله ذكور النحل سمير اسطيفو شبلا/ انها معلومة عملية عن ذكر النحل كونه اضخم افراد العائلة (الخلية) ولكنه اقصر من الملكة! لا يملك اية الة لسع أو غدة لافراز الشمع - لا
Side Adv2 Side Adv1