اقتراح تركي يوحي لنا بالنشيد الوطني المناسب للعراق
تنبيه: هذه المقالة مرهقة للقلوب المتعبة والحساسة، ليس فقط بطولها وإنما بمحتواها أيضاً. يرجى التوقف عن القراءة عند الإحساس بالتعب، أو القفز إلى الخاتمة في الأسفل.
***
اقترحت تركيا على العراق أن يضع عائداته من النفط في البنوك التركية، لتقوم الحكومة التركية بتوزيعها على المركز وكردستان حسب النسبة المعمول بها: 83% للمركز و 17% لكردستان. وبغض النظر عن الإشكاليات التقنية والقانونية والمالية، فإن المرء لا يسعه إلا أن يشعر بالإهانة الشديدة لهذا الإقتراح. إن الدول لا تقترحه على دول تحترمها، بل على محميات تابعة لها. وهو يأتي هذه المرة ليس من دولة عظمى ابتلى العالم بها ولا يستطيع مقاومة عنجهيتها، وإنما من دولة بحجم مقارب لحجم بلاده!
تركيا تحدثت مع العراق كما يتحدث رجل مع صبي لا يعرف كيف يحافظ على نقوده ويوزعها على حاجاته. إنه ليس "اقتراح"، بل هو بصقة في الوجه، تقول أنكم غير قادرين على إدارة أموالكم وتوزيعها حسب قانونكم واتفاقكم، وأنتم أضعف من فرض النظام والقانون في هذه المسألة. لهذا كله شعرت بالإهانة.. لكن..
لكن لو نظرنا إلى الواقع، لما استغربنا كثيراً. هل لدينا دولة أو حكومة؟ خذ الفيضانات الحالية.. أليست تكراراً للفيضان السابق في العام الماضي بلا اي تغيير أو تحسن؟ بل ألم تقل الحكومة إنها غير قادرة على حل المشكلة وأن على العراقيين أن يقبلوا واقع أن يغرقوا كل شتاء؟ تماماً كما أقرت قبل فترة، بإلعجز عن توزيع الحصة التموينية التي صارت أقل وأقل وأسوأ، رغم أن ميزانية الدولة – ميزانية الشعب – تتزايد كل عام وصارت أضعاف أضعاف ميزانية الدكتاتور صدام حسين وحكمه الفاسد؟ أليس هذا إقرار ضمني بأن حكومتنا أفسد من حكومة صدام حسين نفسها؟
ألم يأخذ الإقليم مرة ونصف بقدر حصته التي تقرها كل إحصاءات الماضي، وبدون أي إحصاء، وأمام أنظار الحكومة، ثم ليقر برلمانه صراحة بذلك، وتبقى الحكومة عاجزة ليس عن محاسبته فقط، وإنما حتى عن وقف هذه اللصوصية المستمرة في التصاعد؟ وأخيراً قرر أن يزيد عليها أن لا يدفع أي نفط للحكومة ولم يصل الحكومة برميل واحد من "ثروة الشعب" التي إئتمن عليها الحكومة، ورغم ذلك فأن ميزانية اللصوص المضاعفة بالأصل، تدفع أولاً بأول، وراس الحكومة تحت رجليها؟ لقد جعلت هذه الحكومة من نفسها موضوع ابتزازات متعددة الأنواع أمام كردستان، بعضها عشوائي حسب الأزمات المتوفرة، وبعضها دوري ثابت يتكرر كل عام أو بضعة اعوام. مثلاً في كل انتخابات يهدد الإقليم بأنه سيمتنع عن المشاركة في الإنتخابات إن لم ..(ويضع شروطاً إضافية أقسى من أية شروط سابقة).. وفي كل إقرار جديد للميزانية يمر البلد بأزمة لا مفر منها، فلا يكفي تثبيت شرعية السرقة المستمرة، بل زيادتها بأكبر نسبة يقدر الجشع المخيف وغير المتناهي في كردستان، أنها "ممكن" دون أن ينسى "الطموح" للسنة القادمة. وكثرما تأخذ تلك الإبتزازات شكلاً مثيراً للدهشة، كآخر ابتزاز للحكومة أن تقبل بدفع المبالغ بالمليارات للإقليم بدون وصولات أو حسابات!
في كل مرة تدعي الحكومة أن لا مفر من الإنحناء والرضوخ إن أرادت أستمرار "العملية السياسية"، أما بقانون أو عملياً وغصباً عن القانون.
في ميزانية 2012، ونتيجة تجارب مع اساليب حكومة كردستان تم وضع فقرة في القانون تحدد ما يجب على كردستان المشاركة به من نفط، (وهو أقل من نصف ما تحصل عليه من الـ 17% على اية حال). وأضيفت إليها فقرة تقول بأن أي نقص في تلك الحصة سوف يستقطع من ميزانية الإقليم. وقبل ساعات من التصويت على الميزانية تم سحب الجزء الثاني! وهو ما يعني أن هناك لوبي رشاوي تحرك سريعاً من أجل ذلك على النواب "الشرفاء"، ربما بالإغراء أو بالملفات. وأهم من ذلك أنه يعني أن كردستان كانت تبيت النية بعدم تقديم مشاركتها المطلوبة من النفط وهي ضئيلة! فعندما تكون لك حكومة وبرلمان مرشو وشعب تمت إصابته بالجنون الطائفي، فلماذا يدفع لك الآخرين أي شيء مهما كان ضئيلاً؟ وكان ما كان...
وفي ميزانية عام 2013 اصر البعض على تلك الفقرة، وتم تمرير القانون بمساعدة الخلاف بين التغيير والتحالف الكردستاني، وغضب هؤلاء غضباً شديداً وهددوا وأرعدوا... لكن يبدو أن أحداً ما قال لهم أن لا يهتموا للقانون، وأن لا يقدموا أي برميل وأن حصتهم ستصلهم كاملة. يبدو ذلك، لأن هذا ما حدث فعلاً، فمن هو القادر على إعطاء مثل هذا الوعد وتنفيذه؟ لقد سلم "العيساوي" "الشريف" لهم أول دفعة قبل أية محافظة اخرى، قبل ان يستقيل، واستمر الدفع بلا اية عرقلة لبقية العام، فدفعت الحكومة المتباكية على البنية التحتية التي لا تجد لها مخصصات، ما يقدر بأكثر من 12 مليار دولار إضافية بدون أي معنى أو مبرر، من أموال الشعب للصوص الشمال!
وقبل هذا سكتت الحكومة على استيلاء الإقليم على أسلحة جيشها، ولم تطالبه بإعادتها إلا اللهم بين الحين والآخر حين تجتاج إلى ملف ضغط في الصراع بين الكتل. بل حتى حين اشتكي وزير الدفاع على اسلحة جيشه المسروقة إجابه شيخ البيشمركة باحتقار، له وللقضاء والقانون العراقي، فما كان من رئيس الحكومة المدافع عن القانون إلا أن ركض لسحب الدعوة!
البلد كلها مخبوصة للمرة كذا، بقانون البنية التحتية والصراع بين من يريد الخير للشعب و أعداء الشعب الذين لا يريدون الخير له. تأتي إلى قانون البنية التحتية، فتجد نصاً من صفحة واحدة كتبت على عجل بكلمات عامة، توزع فيها المليارات على هذا القطاع وذاك. وتتصور أن ما قرأته هو ملخص المشروع وأن تفاصيل المشاريع لابد أن تكون قد ملأت مجلدات كتبها كبار الإقتصاديين، وإذا بك تسمع رئيس الحكومة يدعو المؤسسات والمحافظات لتقديم مقترحاتها للمشاريع! إذن فالمشاريع لم تحدد بعد، وأن التوزيعات اعتباطية لا تستند إلى كلف مشاريع مدروسة! ثم تفهم أن تلك الصفحة الواحدة هي كل "مشروع البنى التحتية" الذي تباكى عليه السنيد وهدد بالإستقالة من البرلمان إن لم يقر، وهدد رئيس الحكومة نفسه بـ "كشف" أسماء المعترضين عليه، كأنهم مجرمين، كما كان قد هدد سابقاً بكشف أسماء الإرهابيين إن لم يتعضوا!
والحقيقة أن المصوتين ضد المشروع قد فعلوا ذلك ليس حفاظاً على ثروة الشعب، لا سامح الله، بل لأنهم ينتظرون زيادة كعكتهم منه، والمزيد من التنازلات قبل أن يوافقوا على تلك المؤامرة.
نعم إنها مؤامرة صريحة من تلك التي يصفها جون بيركنز في كتابه "القاتل الإقتصادي" في توريط الحكومات بديون كبيرة لمشاريع ضخمة والعمل على ان لا تعود تلك المشاريع بمردودات على البلد، ثم ابتزاز البلد ليبيع ثرواته للشركات بأثمان بخسة. أن شكل المشروع والظرف الذي يطالب به ينطبق تماماً على تلك المؤامرات. ولعل الدليل الحاسم والقاطع على ذلك، هو أن العراق ليس بحاجة لتلك الديون وأن الميزانية نفسها لا تصرف كلها فلماذا لم يستغل الفائض لتنفيذ تلك المشاريع التي يبكي عليها السنيد؟ لماذا تدفع لكردستان 12 مليار إضافية لسرقاتها الأخرى ولا تستعمل للبنية التحتية؟ أن أي من الصحفيين لم يطرح مثل تلك الأسئلة على رئيس الحكومة او الهتافين بمشروع البنية التحتية، ولا تبرع هؤلاء بشرح ذلك بأنفسهم...ويستمر الهتاف ويستمر تجاهل الأسئلة وتستمر مؤامرة القاتل الإقتصادي في طريقها.
هناك ايضاً المبالغ التي تدفع للأردن. فرغم الفقر واليتامى والأرامل يتبرع رئيس “الحكومة” للاردن بالنفط المخفض والمجاني، وأفقر فقراء شعبها يعيش في بحبوحة بالقياس لفقراء شعبه. والطريف في الأمر أن العراق مدين للأردن بمبلغ (ابتزاز دولي آخر) ورغم ذلك فالعراق، المدين، يساعد الأردن (الدائن)، ولا يوفي دينه من تلك "المساعدة" أو قبلها! فهل سمعتم في حياتكم بأعجوبة مدين يساعد دائناً، إلا من حكومة العراق؟ الأنكى من ذلك أن حكومة الاردن تذيق العراق والشعب العراقي والحكومة العراقية نفسها، الإهانة تلو الإهانة والأذى تلو الاذى، حتى أثناء تبرمك رئيس الحكومة العراقية بأموال شعبه لها، وتثير الأحقاد الطائفية وتوجه التمييز بالذات ضد طائفة رئيس الحكومة التي تمثل معظم ناخبيه، وإلى نوابه الذين تبقيهم على الحدود، وإلى تجريحه وتجريح الشعب العراقي بتمجيد الدكتاتور الذي كان يهبهم الهبات أيضاً، ولا من رد فعل لدى الحكومة ولا الصحافة. لا احد من الصحفيين يسأل عن السر، ولا أحد من الساسة يتبرع بالإجابة من نفسه! عفواً هناك رد فعل: زيادة "المساعدات"!
حتى الكويت طالبت بحصتها من فرهود البلد الضائع ونالت هي الأخرى ما تريد وأكثر، ورتبت الأمر مع وزير "خارجيتنا" في ليلة مظلمة.
وقصة العلب الفارغة لكشف المتفجرات قصة اخرى، تكفي وحدها لتشيب شعر الولدان، ولإقامة العزاء على البلد والشعب الذي يعيش فيه.....
وآخر تلك المهازل التراجيدية، أن نفاجأ اليوم بحقيقة انه لا توجد في العراق أية اسلحة تستحق الذكر بعد عشر سنوات من "الصداقة" ودفع المليارات للتدريب والشراء وإبقاء "الخبراء" لضرورة التدريب على الأسلحة! ثم: "لا أسلحة"! لنفاجأ بأن "أصدقاء" المالكي تركوه يواجه الإرهاب أعزلاً ليقدم القرابين من شعبه بسخاء يزيد عن أضاحي العيد، ولتتهم طائفة الأخرى بالإرهاب، وتتهم الأخرى الحكومة بالتماهي مع الإرهاب، ثم ليتبين ان الحكومة لا تملك أسلحة! ثم وبدلاً من ان يتعذر البائع عن عدم تنفيذه العقد، فإن المشتري يذهب إلى دار للبائع المتلكئ، لا ليحاسبه أو يغضب عليه أو يطالبه، بل ليقول له: "أصبروا علينا"!!
العراق يبدو بهذه الحكومة، كشخص كلما ضربته على رأسه أكثر تذلل أكثر وأعطاك أكثر. ليس الأمر على مستوى العلاقة مع أميركا فقط بل مع ذيولها الصغيرة أيضاً. فعندما تبرع المالكي بمئة ألف برميل نفط للأردن (لا يعلم إلا الله ما وراءها) فأن رئيس وزراء الأردن رفض ان يشكره علناً واكتفى بالقول المتعالي بأنها "خطوة بالإتجاه الصحيح" ، فما كان من رئيس وزرائنا إلا أن هرول إلى الأردن ليوقع عقداً لمد أنبوب نفط إليها، وعندها أبدى لص الأردن ارتياحه، والله يعلم إذن ما كان ذلك الإتفاق. الله وحده يعلم، لأن أحداً لم يطرح أية اسئلة حول تفاصيل ذلك الإتفاق. من سيدفع تكاليف الأنبوب؟ ما الذي ستحصل عليه الأردن منه؟ ربما إسرائيل؟ مجلس النواب بشرفائه ومعدومي الشرف فيه، الذين قلبوا الدنيا في المطالبة بمعرفة تفاصيل عقد الأسلحة الروسية مثلاً، لم يطرح أية أسئلة، عن اتفاقية قيمتها أكثر بمئات المرات من تلك. الله يعلم ما الذي أرضى لصاً شديد الجشع لا يعتبر تبرعاً بمئة الف برميل سوى "خطوة إلى الأمام". هناك علامات فضيحة فساد هائلة في العقد، فهل تريدون أن تعرفوها؟ لماذا تريدون ذلك؟ ما الذي فعلتموه بالفضائح السابقة؟ لنوفر على أنفسنا فضيحة إضافية إذن...
أليس من حقنا أن نشعر أن نفط العراق يبدو كـ "حق" لكل ذيول إسرائيل أكثر مما هو حق للشعب العراقي، في ظل هذه الحكومة، كما كان الشعب المصري يشعر أن غاز بلاده ملك لإسرائيل حين كان حسني مبارك يحكمه؟ هل تتصرف هذه الحكومة كحكومة عراقية أم حكومة لتسيير مصالح ذيول إسرائيل في العراق؟ هل توحي تصرفات هذه الحكومة بأنها تشعر أن من انتخبها هو الشعب وهو الذي يقرر بقاءها، أم أنهم إسرائيل وذيولها وأن رضائهم هو المهم، أما الشعب فسيصفق في النهاية في كل الأحوال؟
قبل إرسال هذا المقال للنشر، لاحت معالم الإبتزاز الجديد لميزانية 2014 في الأفق، فقد قرأت خبراً بأن كردستان تطالب العراق بدفع مبلغ 384 مليار دولار "تعويضا عن أضرار لحقتها على مدى أربعة عقود على يد النظام العراقي السابق." وطبعاً ليس لدينا من يمثلنا لندعوه أن يطالب كردستان بثلاثة الاف مليار دولار تعويضاً عن دورها في إسقاط عبد الكريم قاسم وجلب البعث إلى العراق، ولا عن تعاون الجحش الكبير مع صدام في منافساته على السلطة مع الجحش الآخر، ولا عن اجتماعاته المعروفة اسبوعياً في الموصل مع مسؤولي أمن صدام لإستمرار تآمرهما على خصومهما.
لا يأمل لصوص كردستان بالطبع أن يحصلوا على هذا التعويض غير المعقول، لكنه هراوة أخرى تضرب بها هذا الشعب في هذه اللحظة التي لا حكومة له فيها على بلده. إنها تهديد إضافي يشعره بالضعف والتهديد والمذلة وتجعله أكثر قبولاً وسكوتاً عن المظالم السابقة، لعل كردستان تسكت عن الـ 384 مليار! وربما أكثر من ذلك أن تجد الحكومة مضطرة إذا حصرت بعد بضعة أشهر في لحظة تقرير من سيكون رئيس الوزراء القادم، أن تقبل باستمرار دفع حصة الـ 17% بدون أن تقدم كردستان أي نفط، وربما أن تعطي كردستان ما تريد من "مستحقات" الشركات دون وصولات. إذن هذه الحركة على الأغلب ليست سوى للتخويف و"أخذ البوش" من أجل تثبيت السرقات السابقة فقط، وربما إعطاء الحكومة المفضوحة فرصة لتبدو للشعب وكأنها دافعت عن أموالهم، وأنها ما تزال قادرة أن تقول "لا" لكردستان! نقول "على الأغلب" رغم أن الموضوع "غير معقول" لأننا في الحقيقة لسنا متأكدين أين ستكون حدود "غير المعقول" في هذا الإنهيار المريع للكرامة. فمن كان يتخيل قبل بضعة سنين أن كردستان يمكن أن تحتفظ باستمرار تدفق الـ 17% حتى بعد أن يقر برلمانها أن نسبة الكرد هي 12.6% وأن ساسة العراق بحكومة وبرلمانيين سيبتلعون تلك البصقة في وجوههم ويصمتون؟ من كان يتخيل أن تستلم كردستان كامل ميزانيتها دون أن تقدم حصتها من النفط رغم أن ذلك منصوص عليه في قانون الميزانية؟
لذلك فما دام رد فعل الشعب بهذا الإستسلام فليس مستبعداً أن تعقد الحكومة اتفاقاً مع كردستان على "تقسيط" الـ 384 مليار، أو أن تعترف بها كدين مؤجل يبقى سوطاً لجلد الشعب العراقي متى ما حصل على حكومة ما في المستقبل، لتطالب له ببعض حق.
هل نلام أن نشعر أن ليس لدينا حكومة في هذا البلد؟
إذن هل من عجب أو عتب على تركيا أو أية دولة أن تقترح أن نضع عندها أموالنا لتقوم بتوزيعها علينا بمعرفتها؟ إنها تشعر أن ليس في العراق حكومة، وهو ما أشعر به بالضبط، فلماذا أعتب على الغرباء؟
وإذن فما دمنا لا ننوي أن نفعل شيئاً لأنفسنا، لنسارع يا أخوان ببلع كرامتنا الفارغة والإعتراف بالواقع ونقبل باقتراح الحكومة التركية لتكون هي حكومة لنا بشكل ما، وتقوم بتوزيع الأموال بيننا، بل أقترح أن نعطيها من حصة العراق نسبة كبيرة تجعل من مصلحتها أن تحفظ نسبة العراق كما هي بوجه اللصوص الآخرين، ولنحفظ على الأقل نسبة الـ 17% مهما كان رأينا بها. فليس هناك سبب يجعلنا نعتقد أن مسيرة الامور ستغير اتجاهها لصالحنا. صحيح أن الحكومة التركية برهنت أنها ليست سوى هراوة إسرائيلية في المنطقة، وأن تآمرها على العراق لا يقل عن تآمرها على سوريا، لكن لا خيار لمن لا إرادة له. لقد كان تقسيم فلسطين ظالماً، لكنه أقل ظلماً بكثير مما جاء لاحقاً. على العراقيين أن يدركوا بلا تأخير، أنهم فلسطينيوا المرحلة القادمة ويتصرفوا بحكمة، وليس هناك مبرر للإعتقاد بأن تلك الجهة التي تسيطر على العالم اليوم، ستعاملنا بشكل أفضل مما عاملت الفلسطينيين به.
المشكلة كبيرة وعميقة يا اخوات وأخوان، ولا تقتصر على عدم امتلاك الشعب العراقي حكومة. فليس لديه برلمان أيضاً يمثله في شيء، ليس لديه رئيس منذ سنة تقريباً، ولم يحس أحد بغيابه، لأنه زائد ووهمي ككل شيء في العراق. والعراق ليس لديه جيش يحفظ حدوده المستمرة في التآكل في كل اتجاه، فكل من يريد جزء أهلا وسهلاً به، فالمهم أن ترضى "الأمم المتحدة" و أميركا وأن نبرهن للعالم أننا "مسالمين" و "منفتحين" على العالم ولم نعد دولة بوليسية. وحتى لو جاءت حكومة أخرى وقرر الجيش أن يقوم بواجبه، فهو، وبعد كل تلك التنازلات والمليارات من الأموال في عقود التسليح "للأصدقاء"، لا يمتلك طائرة مقاتلة واحدة باعتراف رئيس حكومته، ولا أحد يعلم إن كان سيحصل على شيء مما اشتراه أم لا.
أجمل ما في الأمر أنه كان هناك مطالبات بقطع "المساعدات" عن العراق! أية مساعدات؟ أنا لم أسمع بها؟ فلا بد ان تكون رشاوي للمسؤولين لا تعلن، إلا إذا كان المقصود تلك الأموال المخصصة لبناء معاهد تخريج العملاء في العراق على طريقة مدرسة الأمريكان؟ لقد قال رئيس سابق للموساد في مؤتمر أنهم حققوا في العراق أكثر مما كانوا يطمحون، فما هو الذي حققوه في رأيكم؟ بناء مستشفيات مثلاً؟
قواتنا الأمنية التي بلغت المليون وتكلف المليارات كل عام وتدربت عشرة سنين على "أحدث تكتيكات الناتو" بمبالغ نزعت من افواه الفقراء، لا تستطيع أن تحفظ إرهابيين في سجن، أو حتى أن تلقي القبض على مقاول لولا "احمد" حفظه الله ورعاه. وزارة الخارجية تمثل أعداءه أكثر مما تمثله، ووزيرها يتصرف كوزير مستقل، او كموظف في السفارة وليس في الحكومة وله صلاحيات أكبر من رئيس الحكومة وكثرما يصرح بصلافة واضحة بعكس ما يصرح به الأخير ويبتلعها الرئيس كل مرة.
"سفيهنا" في الأردن يتغنى بتبرعاتنا القبيحة لحكومتها وبأكاذيب علاقتنا "الأخوية" معها وتاريخها "العريق"، رغم أن أية حكومة أردنية لم تحمل لنا يوماً إلا السموم والحقد. تعتدي شلة من عملاء إسرائيل على سفارتنا في الأردن، فتعتذر سفارتنا منهم كما هو متوقع. “سفيهنا” في واشنطن يريد أن يقنعنا بأن أميركا الملتزمة بالأجندة الإسرائيلية المدمرة في المنطقة، سوف تحولنا قريباً إلى "يابان"! ويبدو أن "الفيلي" نسي مرة أخرى أن يتظاهر ولو شكلاً بأنه سفير للعراق وليس لكردستان التي تنتعش على حساب العراق بخطة أمريكية إسرائيلية واضحة. ويبدو من كل ما ذكرناه أعلاه، فإننا فعلاً في طريقنا إلى أن نصبح "يابان". وكخطوة أولى فقد بدأ أصدقاؤنا بتعريضنا لبركاتهم النووية المنضبة، وآخر الإحصاءات تقول أن نسبة الولادات المشوهة نتيجة يورانيومهم المنضب في الفلوجة بلغت 14 ضعفاً ما بلغته هيروشيما بعد ضربها من قبل نفس الوحوش البشرية. إذن "أصبروا علينا" .... قليلاً وربما نصبح أغنى من اليابان 14 مرة!
أما القضاء العراقي الذي أسسه الإحتلال فعاهرة تتسابق الكتل على شرائها أو إيجارها. وخير برهان على ذلك أن رئيس محكمة الجنايات العليا السابق قام بتوجيه تهمة "الإبادة الجماعية" لنسيبه وأخيه ليبتزهما بالمال! وقد كتب الضحية إلى مجلس الوزراء ومكتب رئيس الوزراء ومجلس النواب ورئاسة القضاء، وكررنا نحن ذلك ايضاً وفضحنا الفضحية الموثقة بوثائق موقعة من قبل رئيس المحكمة المذكورة، وعليها شهود أحدهم نائب في البرلمان العراقي... ولم يحدث شيء! لم يكن في اي من هذه المؤسسات شريف يجد أن من واجبه أن يكشف الحقيقة! إنها ليست فضيحة للقضاء وحده، بل لكل تلك المؤسسات المذكورة.
بقي أن نقول أن رئيس المحكمة المذكور والمحسوب على رئيس الحكومة المالكي، يمتلك الجنسية الهولندية. وقد عرفنا من خلال الضحية أن القضية يتم متابعتها من جهة أمنية ما في هولندا، ولا نستبعد أن تكون ملفاً بيد اعداء البلد يتم إضافته إلى الملفات التي يتم ابتزاز رئيس الحكومة بها مستقبلاً.
هذا هو الحال فإلى من يتجه الشعب العراقي إذن؟ حتى منظماته غير الحكومية تستلم الدعم من السفارة ومن المؤسسات المشبوهة ذات التاريخ الطويل في التآمر على الشعوب في واشنطن! ليس له حتى "يسار" يدافع عنه في الأزمات القاسية كما لشعوب العالم، ويجبر اعداءه على حساب حسابه ويوقفها عن التمادي في قهره، فيسارنا ذبح منذ نصف قرن، وما بقي منه من "يسار تائب" مرهق، لا يفتح فمه إلا نادراً، وعندما يفعل تتمنى لو أنه بقي ساكتاً! إذن فالعراقي لا يمتلك حكومة ولا يمتلك معارضة أيضاً ولا جيشاً ولا قضاءاً ولا نواباً ولا يساراً، فأية أدوات بقيت له يمكنه أن يدافع بها عن حقه ومصالحه؟ هل من عجب أنها تسير من انهيار إلى انهيار؟
سارعوا إلى قبول اقتراح تركيا أيها الأخوان، قبل أن يندموا ويسحبوه...وإن فعلوا فأطلبوا من "دولة شقيقة" أن تفعلها.. أطلبوها من الأردن، ففيها لصوص محترفين، او أطلبوها من "قطر" مثلاً أو الإرمارات... من أية دولة او دويلة لها علاقة إيجابية مع إسرائيل وفيها “حكومة ما” ..
****
لم أكتب منذ فترة عن الوضع السياسي في البلاد على غير عادتي. فقد أصبحت الحقائق مرهقة جداً والإحساس باليأس والمذلة شديد ومؤلم وفوق طاقة أي شخص يحس ببقية كرامة أن يتحمله. فكرت وأنا في أسير في الطريق: الطريقة الوحيدة للبقاء على قيد الحياة هي بتجاهل الأسئلة المتعبة كما يفعل الجميع اليوم في العراق وخارج العراق، والإلتفات إلى أمور أخرى.
لكن المشكلة أنك حين تترك الأسئلة، لا تدري عن اي شيء تكتب. لا يبقى أمامك إلا أما أن تنسى كرامتك كإنسان، أو أن تتناسى السياسة قليلاً. اخترت الثانية، وصرت أفكر في مواضيع أخرى لكن ليس بعيداً جداً. تذكرت مسابقة تصميم العلم الجديد، ومشاركتي فيها بمقترح، لكنها كأي قضية تهم الشعب في العراق، ماتت! وتذكرت أن العراقي لا يعرف حتى اليوم، عيده الوطني، لأن الحكومة محتارة بين إرضاء الشعب وإرضاء السفارة. وتذكرت أيضاً مشكلة النشيد الوطني... هذه أيضاً بقيت بلا قرار...فكل مسألة مهما كانت تافهة (إلا التي تهم ذيول إسرائيل، مثل عقود الطائرات أو أنبوب نفط الأردن، او مؤتمر قمة للحثالات العربية)، فإنها مشروع فشل جديد في العراق، ومشروع إحباط وتأكيد للشلل التام! تساءلت: "الم يستطيعوا أن يجدوا قصيدة مناسبة لذلك في بلد يعج بالشعراء"؟
ثم تذكرت أن المسألة ليست بهذه البساطة، فهناك المكونات التي يجب أن تحشر واحدة واحدة في تلك القصيدة، كما في العلم، دون أن يصبح أي منهما "زرق ورق"، وهذا طلب تعجيزي.
وأنا في خضم التفكير والتأمل، وبدون أن أنتبه، وجدتني أردد لحناً عراقياً علق في رأسي خلال كل الطريق، تبينت أنه كان لحن أغنية : "جي مالي والي"! ما أجمل اللحن وما أقوى تعبيره عن حال العراق. فكرت: لم لا تكون تلك الأغنية إذن نشيدنا الوطني؟...حقاً لماذا نبقى تقليديين؟ لماذا يجب أن يكون لنا نشيد كبقية البلدان في محتواه يتحدث عن الأمجاد والعز والكرامة مادمنا لسنا كبقية الشعوب ولا نملك بلداً كبقية البلدان ولا حكومة؟ لماذا لا نبحث عن "الخصوصية العراقية" في نص ولحن نشيدنا الوطني؟ خصوصية تعبر عن شعور المواطن العراقي بصدق... ما رأيكم بـ "جي مالي والي" نشيداً وطنياً لنا؟ خاصة وأننا نحفظه جميعاً عن ظهر قلب لكثرة ما رددناه بيننا وبين أنفسنا. هل نقوم بحملة لمطالبة “الحكومة” بذلك؟.. آه نسيت...معذرةً... ربما سيمكننا طلب ذلك مستقبلاً من .. الحكومة التركية..؟
19 تشرين الثاني 2013