الأقليات والقانون ودستور الدولة
المقدمة : برزت في عصر النهضة الأوربية اتفاقيات واعلانات حقوق الإنسان الأساسية، ومنها ما يخص الأقليات، منها اعلان الاستقلال الامريكي 1776، واعلان حقوق الإنسان في فرنسا 1789، بعدها أتت معاهدة فينا لعام 1815 التي حرمت تجارة الرقيق، بعدها جاءت معاهدة برلين 1878 لتتكلم عن حقوق الأقليات بشكل عام، ومن أهم المعاهدات التي أتت بعد ذلك فيما يخص حقوق الأقليات هي معاهدة "سيفر" 1920 التي تقول : الإلتزام بحماية حقوق الأقليات + مع منحهم حق تقديم الشكاوي الى محكمة العدل الدولية، الى هنا وصلنا الى ميلاد ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 الذي عبر عن ولادة عالم جديد مبني على الاحترام المتبادل لارادة الشعوب ورغبتها في السلام والاستقرار، بعدها الأعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، وهنا نكرر نص المادتين 1 و 2 لإغناء الموضوع : "يولد جميع الناس أحراراً متساوون في الكرامة والحقوق ،،،، ولكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات ،،،،، دون تمييز بسبب العنصر او اللون او الجنس او اللغة او الدين او الرأي،،، وهذا ما أكدته المواد 7 و 18 من هذا الاعلان،، وهكذا توالت الاعلانات والاتفاقيات مستندة الى هذا الاعلان الذي يعتبر الينبوع الأساسي لكافة المعاهدات التي تلته لحد يومنا هذا، منها على سبيل المثال لا الحصر الإتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري لعام 1973 - 1978، وقرا الجمعية العامة 1981 التي أكدت المادة السادسة منه على شمول كافة الحريات الأساسية منها حرية الفكر والوجدان والدين والمعتقد والعبادة والطقوس والكتابة والاعياد واقامة الشعائر،لمزيد من التفاصيل را/ بولس رمزي - حقوق الاقليات - الحوار المتمدن عدد 1923، ويكون اعلان 1992 للأمم المتحدة هو الذي تناول الحقوق الخاصة للأقليات في وثيقة منفصلة، والذي أمن حماية الدولة لوجودهم وهويتهم وثقافتهم وحقوقهم الفردية والجماعية،،،،الموضوع
من خلال هذه المقدمة بخصوص تعدد الاعلانات والمعاهدات وتطورها فيما يخص حقوق الأقليات، سنحاول أن نقرأ دور الدولة وتعاطيها مع الأقليات، وخاصة فيما يخص تطبيق القرارات المشار اليها في المقدمة، وبشكل أخص ما تضمنه الدستور العراقي حول الموضوع
ما هي الأقلية ؟ هي مجموعة من الأفراد الذين تربطهم خصائص قومية أو اثنية أو دينية أو لغوية تختلف عن خصائص غالبية سكان الدولة المعنية، وهذا لا يعني ان الأقلية تكون ضعيفة أمام الأغلبية، وخاصة ان إنطلقنا من واقعنا العراقي وما تتسم به أقلياتنا (المسيحيون 1,400 مليون واربعمائة الف نسمة- التركمان 1,350 مليون - اليزيديون 250 - 300 ألف نسمة - الصابئة 60 - 100 ألف نسمة - الشبك 80 - 120 ألف نسمة وهذه الارقام هي تقريبية، علماً لأنه يمكن ان نطرح من هذه الارقام نسبة 40% بسبب الهجرة والتهجير والقتل وعدم الامان،،) تتصف هذه الأقليات من تسامي في الفكر والأخلاق وتطبيق القوانين المرعية مع إيمانها بالآخر والاعتراف به وتكيفها في محيطها وما يتطلب منها العيش المشترك من تضحيات، ليس ما تحمله أديانهم من محبة وتسامح وتواضع بل كونهم سكان البلاد الأصليين، ليس هذا رأي خاص أو شخصي، بل هو لسان حال التاريخ والحضارة والعلم، هنا يحضرني ما فعله المهاتما غاندي بجمع الهنود بمختلف إنتماءاتهم المذهبية والطائفية تحت خيمة واحدة، ودفع غاندي حياته ثمناً للمساواة بين المسلمين الذين كان يتجاوز الـ 150 مليون مسلم وكانوا الأقلية أمام الهندوس!
دستورالدولة والأقليات
بما أن جميع الناس يولدون أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، حسب الاعلان العالمي لحقوق الانسان، ومعظم دول العالم اقرته وقليل منها طبقته أو إعتمدته، وخاصة الدول التي تتحكم فيها الأحزاب الشمولية أو الميلشيات المسلحة أو الأحزاب الدينية أو وأو،،،، وما يخصنا الان هو دستور العراق الجديد وما يتضمنه من نقاط إيجابية لصالح الأقليات وأخرى سلبية رئيسية وخاصة في :
*** علاقة الدين بالدولة : هل نحن أمام جمهورية إسلامية بدون الإعلان عنها؟ أم دولة مستقلة ذات نظام جمهوري ديمقراطي اتحادي فيدرالي؟ المادة 1 من الدستور، من ناحية الواقع نحن أمام جمهورية اسلامية غير معلنة، بدليل تأثير رجال الدين على قرار الحكومة والدولة بشكل مباشر وغير مباشر، ها أمامنا وزارات بأسماء رجال الدين وحسب الميلشيات عفواً الأحزاب المسيطر عليها "مثل وزارة الصحة - الداخلية -----"، يضاف اليها صور رجل الدين المحبوب لكل منطقة من مناطق العراق الديمقراطي الفيدرالي المستقل! والكثير الكثير كل هذا بسبب نص المادة الثانية من الدستور(الاسلام دين الدولة الرسمي وهو المصدر الاساسي للتشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه) انه نص دستور الدولة الاسلامية الغير معلنة! ألم يسأل ممثلي الأقليات الذين وقعوا أو إنتخبوا أو صوتوا على الدستور الحالي أنفسهم انهم يصوتون على تهميش وجودهم وكيانهم وهويتهم ودينهم، سيطرة الدين على الدولة هو السبب الرئيسي والاساسي على ما وصلت اليه الامور في العراق منذ 5 سنوات والعشرات العِجاف الاخرى آتية إن ظل الوضع كما هو، لنضع أمام المشرعين وأصحاب القرار والشعب وخاصة الأقليات ما يلي:-
1- آمنا بالله بأن الاسلام هو دين الدولة الرسمي (ولو نعتقد ان ليس للدولة دين باعتبارها شخص معنوي ) ولكن لماذا يكون المصدر الاساسي "الوحيد" للتشريع؟ أين الأديان الأخرى (المسيحية واليهودية واليزيدية التي لم يسميها الدستور بالاسم! وهذا مأخذ آخر على واضعي الدستور وممثلينا أيضاً) هذه الاديان التي لها جذور ووجود قبل ظهور الاسلام بمئات السنين، إذا كانت النية تتجه لإلغاء الآخر فلماذا تشيرون في الدستور الى نظام ديمقراطي فيدرالي؟ لما هذا التناقض بين المادتين الاولى والثانية والعاشرة (حول الحريات الاساسية كونها مكفولة للجميع والحقوق والجميع متساوون،،،الخ)
2- السؤال الذي يطرح نفسه هو: أي إسلام يتكلم عنه الدستور؟ بمعنى أية ثوابت وأحكام يتكلم عنها بحيث لا يجوز سن قانون يتعارض معها؟ هل هي أحكام وثوابت سنية أم شيعية؟ أو هل ثوابت قم أم النجف أم ؟ أو هل هي حسب المذهب الحنفي أم الشافعي أم المالكي أم الحنبلي؟ ام ما جاء في مبدأ الامامة أو الخلافة الاموية؟ أم هو إسلام السلفيين والتكفيريين؟ هل هي ثوابت الجمهورية الاسلامية - القاعدة وتفرعاتها؟ أم هي ثوابت وأحكام الجمهورية الإسلامية - ولاية الفقيه؟ إذن كواقع عملي وليس كحبر على ورق لا يمكن (من المستحيل) أن يكون الاسلام هو المصدر الاساسي والوحيد للتشريع، لذا تكون حقوق الأقليات (الدينية - الاجتماعية - الثقافية - السياسية) مطمورة تحت أنقاض هذه الأحكام الإسلامية المتعددة، والحل هو عند لجنة صياغة الدستور ودور ممثلينا وكل الشرفاء والطيبين في العراق، مع أخذ درس للإنتخابات القادمة
*** علاقة الدولة بالأقليات : - كانت نتيجة عدم تلبية حقوق الأقليات في الدستور وعلى أرض الواقع هو السبب الرئيسي في مراوحة الدولة والحكومة لمدة أكثر من 5 سنوات والمدة مرشحة للزيادة لحين تلبية هذه الحقوق في الدستور وفي الممارسة العملية، ومن نتيجة ذلك أيضاً كانت:
آ - تدمير وحرق وتفجير 7 كنائس في يوم الاحد الاسود والدامي في 1 / 8 و 1 / 9 و 16 / 10 / 2004 - تفجير تللسقف الدامي - قطع رأس الأب بولس اسكندر - استشهاد كني وشمامسته - إستشهاد الأسقف المطران "رحو" ورفاقه - هتك عشرات الأعراض المسيحيات - خطف المسيحيات وتزويجهن بالاكراه - الاستيلاء على ممتلكات واموال المسيحيين بأسم الاسلام - تهجير آلاف العوائل من مناطق سكناها الى الشمال والى بلدان الجوار وبلاد الغرب،،،،،،،،،الخ
ب - ما حدث للطائفة اليزيدية من تفجيرات - سنجار وقتل جماعي - عمال النسيج، وقتل على الهوية والاعتداء عليهم عشائرياً
ج - حقوق الشبك والكرد الفيلية، وما حدث لإخواننا الصابئة وما تعرضوا له من شبه إبادة جماعية مع الاستيلاء على اموالهم وهتك اعراضهم كلها تأتي من ضمن ما جاء في الدستور من تهميش لحقوق الأقليات،،،،،،،
3-ما الفرق في ما جاء في آ - ب - ج وبين ما فعله "حسين كامل" في كربلاء 1991، وماذا كان موقفنا وموقفكم، وماذا تفعلون اليوم بنا! والفرق بين قرار حكومة نوري السعيد 1954 وبيان 13 المشؤوم عام 1963، والمواد 132 و 133 - إجتثاث البعث - (من الافضل ان يكون هناك قانون لذلك وليس مواد في الدستور)، إذن ما الفرق بين ذلك وبين قرار الحكم السابق في 31 آذار 1980 بحظر حزب الدعوة واعدام كل من ينتسب اليه، إن كان الجواب هناك فرق! قولوا كيف والواقع يقول عكس ذلك؟ كفى أن تكون الأقليات جسراً تعبرون عليه متى شئتم من الشمال الى الجنوب وبالعكس، وحقوقهم مهضومة ومطمورة ومصادرة في كل زمان، فهل نرى إسلام بدون عنف؟
النتيجة والخلاصة ،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ما ذكرناه في أعلاه يؤكد كواقع ملموس هناك :
1- حاجة ماسة لدراسة حقوق الأقليات وتثبيتها في الدستور العراقي بما يتلائم مع العيش المشترك والقوانين والمعاهدات الدولية، مع التأكيد على الدولة العراقية بضرورة التوقيع على المعاهدات التي لم يتم التوقيع عليها من قبل الحكومات السابقة، وخاصة قراري الأمم المتحدة لعام 1992 و 1993 و اتفاقية 1995 بخصوص الأقليات، و2001 لمكافحة العنصرية
2- تخصيص عدد من مقاعد البرلمان لتمثل الأقليات التي لا تقدر ان تحصل على الاصوات اللازمة للفوز بمقاعد في البرلمان وخاصة اذا اعتبر العراق دائرة واحدة، وحتى مناطقية او عدة دوائر انتخابية، وتوزع هذه المقاعد حسب النسبة المئوية لعدد سكان كل طائفة، وهنا يأتي دور منظمات حقوق الانسان والمجتمع المدني
3- هل فرض الحجاب هو من ضمن حقوق الانسان وحريته؟ ام خارج عنها؟ إن سألنا رئيس جامعة بغداد – أ. د موسى جواد الموسوي – الذي يريد تطبيق الشريعة الاسلامية – ولاية الفقيه – مستنداً الى المادة الاولى للدستور – الاسلام هو المصدر للتشريع! مناقضاً الفقرة "العراق نظام جمهوري ديمقراطي، أين الحريات وحقوق الانسان في الدستور؟،،،، من هنا يبرز خطورة وضع الرجل الغير المناسب في مكان العلم والثقافة التي هي اساس تطور المجتمعات، ايها الاستاذ الدكتور – رئيس الجامعة : ايكون الحجاب والممنوعات هي حجب الشعر والعيون والوجه التي هي من جمال الله؟ ام هي حجب السرقة والتحرش الجنسية في الجامعات، ام هي حجب الاجبار على ترك الدين، ام هي بزواج الاربعة والمتعة والغلمان، ام هي بحمل السلاح في الجامعات، ام هي بفرض ثقافة واحدة مذهبية ، ام هي تعليم كيفية رضاعة الكبير؟ أفتونا أيها المثقفون!
4- انظر ايها الدكتور- رئيس الجامعة – الى قول وزير الاوقاف الجزائري بخصوص قضية (قويدر- 6 شبان اعتنقوا المسيحية في الجزائر) حيث يقول : "من كفر ليتحمل كفره – قرآن كريم"، ويتابع : إذن من يريد ان يصير أو يصبح مسيحياً فليكن – تطبيق المادة الاولى من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وما جاء في مقدمة هذه الدراسة، اليوم تطور الامر الى تحريم استخدام القنابل العنقودية – مؤتمر دبلن – وسيادتكم تحجبون جمال الله والطبيعة، رأيكم سيدي
5- إن أردنا التقدم واللحاق بمركب التطور الحاصل نعمل على فصل الدين عن الدولة، صحيح هم الكثيرين الذين كتبوا و أكدوا عن هذا الموضوع، لأنه الموضوع الرئيسي كمفتاح لكل حل ديمقراطي مستقبلي، والا نبقى نراوح ان لم نرجع الى الوراء، نضيف هنا لا بد من نبذ العنصرية والمذهبية، انه مرض "سرطان" الطائفية يا سادة
shabasamir@yahoo.com