الإنسلاخ الطوعي ومهنة التزمير في عرس الأخرين
للذين يعرفون ولا يعرفون شيئا عن الحكيم الأشوري الشهير بالول , فهوصاحب مقولة : لا تسحب يدك من أهلك أبدا, (لا گرشت إيذا مناشوخ), وحكيمنا لم يخلص إلى مقولته إلا ّ بعد أن قرأ وبعمق حكم أسلافه وتفاصيل حياة مجتمعاتهم وإستقرأ زبد ما إستنبطوه من دراساتهم في مضمار علاقات افراد العائله الواحدة والعشيره ثم المجتمع بكامله مراعيا ً دور مدارس ومفكري الحقب الزمنيه المتعاقبه في إحداث تغييرات لعديد من المفاهيم ألتي سادت كحصيله لما تتطلبه مراحل تطور الحياة والتي وجدت طريقها في تجديد وتنظيم شكل العلاقة المفضلّه ما بين افراد العائله والعشيره بهدف المحافظة على وجودها ثم ترسيم علاقة ذلك المجتمع ببقية المجتمعات والشعوب .من الطبيعي أن يكون بالول كأيّ فيلسوف أخر ,قد أضاف ممّا عنده وصحح أخرى بالإعتماد على تجاربه الخاصه وعلى ما إستجدّ في عصره من تقلّبات إجتماعيه و إكتساب عادات طبيعيه أو مستورده دام سريانها كي تستمر الحياة ويتم تلبية متطلباتها ,ومن الطبيعي أيضا أن يستحوذ الجديد من أفكار ونظريات على قسط من فرص التأثير والتغيير سلبا وإيجابا في حياة الفرد والمجتمع.
مما لا شك فيه ,أن معايشة الفيلسوف والمفكر لهموم شعبه هي ألتي تضاعف قدرته على تثبيت ما يتم التأكد من صحته وصلاحيته للحياة الحره على إمتداد العصور وصولا إلى واقع العصر الذي عاش فيه , أيّ أنه يعي على ما توالى من عواصف فكريةوعقائديه كادت أن تعمل سلبا في علاقات الفرد بمجتمعه وعلاقة المجتمع بالشعوب الأخرى التي تتحكم في رسم معاييرها وفي مختلف أزمنتها عوامل شتى منها إقتصاديه أو ثقافية او عقائديه, وبتواجد هذا الوعي ألذي لو تحلّى به كل مفكر او داعيه او فيلسوف , سيكون بالإمكان كما فعل بالول التشديد على ضرورة وأهمية إبقاء اليد ممدودة ً دون ملل ٍ لأيادي أهلها بمختلف مراتبهم وعقائدهم و ضرورة جعل الفرد مرتبط مصيريا بالأخرين من حوله , وإحتمال تحقيق ذلك أكثر ما بين الطبقات والعشائر التي تتوافر فيما بينهم قواسم ومصالح مشتركة تتعلق في مستقبلها و مصيروجودها ,و لابّد لهذه المشتركات أن تكون بمثابة الدافع المحوري الذي يحثها للسير بإتجاه توحيد الجهود مهما تعقدّت أساليب الحياة ومهما سعى البعض إلى تصعيد الخلافات فيما بينها وإلا فالزوال هو المصير المحتوم لهذه المجاميع .
إذن بالول الحكيم هنا ينطلق من الغريزه ألتي رافقت الإنسان منذ وجوده في حبه وعشقه للحياة و تعزيز ذلك في رغبة ضمان العيش الكريم الذي لا يمكن أن يتحقق من دون توافر عناصر القوة الحقيقية المتمثلّه في شد الأخ لإزر أخيه وجاره وابن عشيرته ووطنه وهكذا بالتدرج كما أسلفنا لنستخلص من ذلك بأنه يبقى الأقربون هم أولى بالمعروف ثم يليهم الأخرون كل حسب ما يستحق .
يومنا اليوم في ما يسميه البعض بالعراق الجديد , هو يوم فاق سواده حلكة تلكم الأيام ألتي مرّ بهاالعراقيون على مدى قرون عديده, خاصة ابناء شعبنا( الكلدواشوريين السريان) ومعهم الإخوة الصابئة والشبك والإيزديين والأرمن, وهنا لابد من تكرار المطالبه , والوقت لا يزال غير متأخر, بأن تجري نخب ومؤسسات هذه الشرائح مراجعة فورية لكل أجنداتها وهي تعي جيدا حجم المخاطر التي تنتظرها في القادم من الأيام وما يتوجب عليها التخطيط له , فهؤلاء هم أكثر شرائح العراق عذابا و مظلومية على مرّ القرون وبشهادة كل المنظمات الدوليه , يقع كل هذا الظلم والعنف بحقهم وبالعلن وهم المغلوبون على أمرهم يهابون ويخافون حتى السؤال عن سبب تقاعس من يحكم العراق ومسؤوليته عمّا يجري ,لقد سئمنا ترديد قوانة نظام صدام و بقايا أزلامه على أنهم هم السبب في كل ما يدور, لقد بانت الحقيقه والجميع يعرفها , نعم لقد تورّط العراقيون في إنتخاب هذه النخب,ومن يحاول طمطمة هذه الحقيقه بحجج وتبريرات واهيه , نقول له انه هو الذي يريد لهذه الفوضى أن تدوم ولا يهمّه حتى لودارت العقارب عكسيا وخيّمت علينا ثانية كوابيس صدام من أجل أن يبقى الأفندي في العلالي كما جلبه الأمريكان , وإلا فالحر له حوبه ولا يمكن أن يقبل على نفسه أن يكون سببا في قتل شعبه, وما أسهل ان يستقيل من منصبه كما فعلها المئات من العراقيين حين إسقطت وزاراتهم وتنحوا عنها في زمن العهد البائد!!
عوده إلى موضوع عنوان مقالنا, لنؤكد من جديد بأن الشعوب وكياناتها تصبح قابلة للإندثار والزوال في غفلة من الزمن , خاصة لو تفشّت في صفوفها ثقافة الإنسلاخ الطوعي بدافع المنفعه الشخصيه وهي حالة تعد كارثية وواجب الوقوف ضدها هو مهمّة كل إنسان شريف يشعر بإنتمائه إلى أرضه والى الذين من حوله , على مستوى العراق مثلا, الذي يحس صدقا بإنتمائه للأرض وبحاجته لشعبه لا يسمح لنفسه أن ينسلخ عن محيطه وأهله أو حتى السماح بترويج مثل هذه السموم , بالأخص في ظروف تتكالب فيها الأزمات والكوارث من كل حدب وصوب.
حين قال بالول ما قاله ,لابدّ أنه شمل في قوله أهله الأشوريون (كلدوأشوريينسريان أليوم) وهم أولى بمعروفه, , ومع ذلك لا زلنا اليوم نشهد ما حذرّ منه حكيمنا بالول , حالة إنغماس قلّه قليله ( لا نريدها ان تزيد) من المحسوبين علينا في مستنقع تحقيق المنافع الشخصيه ألتي بلغت أوج فضيحتها لدى البعض و للحد الذي أصبح فيها الجهابذ من أدعياء مالكي الأقلام الحرّه لا يطيبهم الرقص وإطلاق الأهزوجات إلا في مجالس مجون السلاطين من أصحاب مشاريع إستلاب حق الأخر , والعجب العجاب أن الجهبذ الزائغ لا ينعشه ألسكر إلا في دواوين سفاحّي أهله وبالخمره الممزوجة بدماء ألأباء وألأمهات وبناتهم وإخوانهم , ولو نطق قلمه , فتعظيم الغريب المتكابر وتمجيد مشاريعه باتت أسهل السبل لنيل المطلب في عرفه الثقافي ,و لو طلب من هذا النفر الظال أن يحضروا ضرّاء أهلهم المنهكين لمساعدتهم في تضميد جراحهم , تراهم يلبّون الدعوة على عجالة لكنهم يأتون و جعبهم مليئه بالعلقم وبمختلف أنواع السموم , يا ترى , أين هو الإنتماء من هؤلاء , واين تضطجع مصداقيتهم المزعومه ؟ ومتى كان سلاح المناضل حكر فقط في النيل من أهله جهارا والشعوذة في حضرة السلاطين ليلا؟ ؟ فأيّ سلاح سيشهر هرقلنا لو حمي الوطيس أو لو تجرّا لحظة ً وإدّعى نصرة أهله كما يتبجح زورا أحيانا ؟
إنّ الذين في نفوسهم عقدة الإستنكاف من إحياء أمجادهم على أرضهم الأزلية أو يخجلون من إِشهار إنتمائهم الصريح كي تتأسس عليه قاعدة العمل الجماعي مع إخوانهم من أجل إعادة بناء الذات , هؤلاء وليكن في علمهم سوف لن يحوزوا من الغريب المترّبص غير المذلّة والمهانة في النهاية وبيعهم ببخس السعر ربما لن يلقى له سوقا بحيث حتى سوق النخاسة سيرفضهم , و ما أبي رغال وابن العلقم ومسيلمة الكذاب إلاّ أمثلة معروفه و على الراقصين فوق جراح أهلهم أن يتوقفوا قليلا ليتأملوا و يعتبروا قبل فوات الأوان , فسيف الزمان لا يرحم المتقلبين حسب ما تعزفه اوتار الأوباش .