الانحياز الاعلامي والتغطية المحايدة
لطيف القصاب/ليس ثمة من ينكر في هذا العصر قدرة الوسيلة الاعلامية على التلاعب والتزوير، وكذلك قابلية بعض المحطات الاعلامية على شنق الحقيقة ورفع السوط الاعلامي عاليا بوجه الضحية اكثر من اي جلاد سياسي اخر، الى الحد الذي يصبح الاعلامي معه مثل المفتي الذي يشرعن قتل الشعوب وابادتها.
هذا ما يحدث مع الاسف الشديد في تعامل بعض القنوات الفضائية العربية مع مشاعر غالبية الشعب البحريني المطالب بحقه في التحرر والانعتاق من الواقع السياسي المستبد، بخلاف ما تعاملت به في القضية التونسية والمصرية، ولكن لماذا هذه الازدواجية الاعلامية العربية؟ هذا ما نحاول الكشف عنه في ما سيأتي من كلام.
غالبا ما كان الصراع بين السياسة والاعلام يحسم لصالح اللاعب السياسي على خلفية ما يملكه الاخير من زخم في المقدرات وعناصر الخبرة والمناورة والمطاولة وما يعاني منه اللاعب الاعلامي عادة من كوابح ومحددات لاسيما في اطار الادارة والتمويل.
غير ان المشهد العام لهذه المعادلة بدا انه يسير باتجاه التصحيح وقد ينتهي الامر في نهاية المطاف الى انتصار الاعلام بما يتضمنه من موضوعية وتوازن بحسب ما يراه بعض المتفائلين الذين يستندون بطرحهم هذا الى المكاسب الاجتماعية التي تحققت في الآونة الاخيرة في كل من تونس ومصر، وكانت وما تزال هذه المكاسب الاجتماعية تدين بالفضل الكبير الى النجدة الاعلامية العربية السريعة (بوجه خاص)، اذ ان الشعب العربي مؤهل لقبول الاخبار التي تصدر عن مؤسسات اعلامية عربية والتفاعل مع تعرضه له من حقائق ومعلومات اكثر بكثير من تفاعله مع المحطات الاعلامية الاجنبية لاسيما وان الشارع العربي معبأ منذ عقود طويلة بكراهية الاجانب.
لكن المشككين في قدرة الاعلام على تسيير او تقييد السياسة على الاقل يقدمون الملف البحريني دليلا واقعيا على انبطاح هذا الاعلام امام السياسة الجائرة، وعدم تبنيه لرسالته القاضية بعرض واقع الحال بحيادية وشجاعة. وهؤلاء الذين يتبنون هذا الموقف يحملون بعنف على بعض المحطات العربية التي تقاعست الى حد بعيد في نقل الحقيقة كما هي للمشاهد العربي وعند هؤلاء فان قنوات مثل الجزيرة والعربية فشلت فشلا ذريعا حتى الان في نقل الصورة الحقيقية لما يجري من احداث على الساحة البحرينية ان لم تكن قد تواطئت في محاولات ذبح مطالب الشعب البحريني المشروعة وابرزها المطالبة بالديمقراطية التي تنصف اغلبية السكان من جور واضطهاد الاقلية الحاكمة، ولولا وجود بعض القنوات الاجنبية المستقلة لتمت تصفية الانتفاضة الشعبية واسكات اصواتها في هذا البلد منذ امد بعيد.
الحق ان الذين يبحثون هذه الجدلية فيما بين السياسة والاعلام وبغض النظر عن تفاصيل الاحداث التي وقعت في البلدان انفة الذكر يغفلون عن عمد او سهو التعرض بالحديث الى وجود عامل ثالث مؤثر على نحو بالغ في معترك السياسة والاعلام هو الذي اوصل الحال فيما بين هذين الحقلين المهمين أي السياسة والاعلام الى الصورة التي هو عليها في العالم الاول.
ان هذا العامل ببساطة شديدة يتجسد في الجانب التشريعي الذي قيض للاعلام فرصة ان يكون ندا حقيقيا للسياسة ووفر درع حصانة قوي لحرية التعبير وانسياب المعلومة. فعمود راي في صحيفة اجنبية يمكن ان تدفع برئيس حكومة غربية مثلا الى تقديم استقالته الفورية بدلا من محاولات التضييق على كاتب المقال والتفكير بالقصاص منه بطريقة او بأخرى.
طبعا هكذا امر لم ولن يحدث لان الصحفي يمثل شخصية البطل الذي لا يقهره السياسي، وليس لذاتية الكلمات التي يقذفها هذا الكاتب او ذاك وما ينطوي عليها من اسلوب رشيق وفذلكة بلاغية، ولكن لان الصحفي متكئ على منظومة قانونية متكاملة تحميه من التعسف السياسي والاجتماعي والاقتصادي هذا من جهة، ومن جهة ثانية فان الكلمات الناقدة والصادقة في حال عدم الاهتمام بمضامينها ودلالاتها سوف تستدعي عاجلا لا اجلا نجدة الصور، وهذه في حال واقعيتها وحرفيتها ستخلق الفضيحة التي لن يصمد امامها اعتى المسؤولين قوة وباسا والذي لن يملك الا المثول امام المحاكم المختصة اذا لزم الامر.
وهنا هو مكمن قوة الاعلام الغربي الاساسية على وجه الدقة والتحديد، فقراءة سريعة للمشهد الاعلامي المتطور تعطينا يقينا راسخا بان ما يملكه الاعلام من عوامل قوة في التأثير العام مستمد من روح التشريعات القانونية التي مكنت من ظهور الواقع السياسي والاعلامي الغربي على ما هو عليه في حين ان الكوادر الاعلامية العربية في مجملها تنام وتستيقظ على كوابيس الاقصاء من العمل اذا ما هي نبست ببنت شفة صدق وصراحة تخالف ميول المالك للوسيلة الاعلامية سواء كان هذا المالك جهة حكومية او اجتماعية او مجرد جهة اقتصادية تحاول الاستثمار في قطاع الاعلام.
* مركز المستقبل للدراسات والبحوث
http://mcsr.net