التهميش، وثياب الامبراطور الجديدة
حكاية ثياب الإمبراطور الجديدة للكاتب الدنماركي هانس كريستيان أندرسون (1805- 1875م) باتت معروفة عالمياً، ودخلت ثقافات جميع الشعوب، وتدل على خبرة الكاتب العميقة في سايكولوجية البشر، ومدى سهولة خدعهم من قبل النصابين وقيادتهم إلى الهاوية. ملخص الحكاية: "أن إمبراطورا غبيا كان ينفق الكثير من ماله على شراء الملابس الغالية... طرق باب قصره ذات يوم محتالان ادعيا أنهما من أمهر الخياطين، وأن بمقدورهما حياكة ملابس جميلة ورائعة جداً، وذات خاصية سحرية كونها لا تبدو لأحد في الإمبراطورية بأسرها، ممن ليس مخولا برؤيتها كالحمقى والأغبياء. أُعجب الإمبراطور بالفكرة، وخولهما بالبدء في حياكة الثياب ... نفذ المحتالان خدعتهما، وأبدى الجميع إعجابهم الشديد بتلك الملابس السحرية المدهشة، وإن لم يروها خوفاً من اتهامهم بالغباء. وفي الموعد المحدد، ووسط صيحات الإعجاب المفتعل من المحتالين وبقية الحاضرين ارتدى الإمبراطور ملابسه الجديدة وخرج إلى الجموع المحتشدة أمام القصر احتفالاً بالمناسبة، خرج عاريا تماما كما ولدته أمه وسط إعجاب مفتعل من الجميع وهم يصيحون: يا لها من ملابس رائعة يا جلالة الإمبراطور !!!واستمر هذا النفاق يلعب بعقول الناس .. والوهم يلعب بعقل الإمبراطور، إلى أن صاح أحد الصبية قائلا: ولكنه بلا ملابس.
ولم يمض وقت طويل حتى صاح أحد الكبار: نعم إنه بلا ملابس .. ثم تبعهما آخر .. وآخر .. إلى أن خرجت الرعية بأسرها عن صمتها فصاحت وبصوت واحد: ولكنه بلا ملابس !!!
وعند ذاك فقط أدرك الإمبراطور أنهم على صواب.. ولكنه وبغبائه المعروف وعناده المعتاد .. كان قد تابع موكبه الكبير دونما اكتراث ... وذلك في محاولة منه للمحافظة على هيبته رغم تغير الظروف (1).
في الحقيقة، هذه الحكاية، تتكرر يومياً في كل مكان، ولكن بصيغ وظروف وأشكال ومضامين مختلفة، وأحسن مثال في عراقنا المبتلى بالبعث الطائفي الفاشي من تلامذة غوبلز، هو نغمة "تهميش العرب السنة في الحكم".
منذ سقوط حكم البعث الفاشي ونحن نسمع بلا توقف نغمة التهميش والإقصاء والعزل ترافقها حملة الشحن الطائفي. ولم يتوقف التصديق الغبي بهذه النغمة على شريحة من السياسيين المنتفعين بها في الداخل، بل وصلت حتى إلى مسؤولين كبار في الغرب (خدمة لأغراضهم)، بأن الحكومة التي "يهيمن عليها الشيعة" تطارد السياسيين السنة لأسباب طائفية!
فهل حقاً يمكن تهميش مكونة كبيرة من مكونات الشعب العراقي من الحكم في النظام الديمقراطي؟ وماذا عسى لهذه الحكومة، ومهما كانت الهوية المذهبية لرئيسها، أن تفعل إذا قام قياديون سنة في السلطة مثل طارق الهاشمي، ورافع العيساوي، و أحمد العلواني وغيرهم بأعمال إرهابية؟ فهل تسكت عنهم لأنهم سنة، ولأن رئيس الحكومة شيعي كي لا يتهم بالطائفية؟ علماً بأن الجهة التي وجهت التهمة لهؤلاء هي (مجلس القضاء الأعلى) الذي رئيسه ومعظم أعضائه من السنة. كذلك قال الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القوات الأمريكية في العراق سابقاً، أنه كان على علم بتورط طارق الهاشمي بالإرهاب. أما رافع العيساوي فقد ظهر على شاشة التلفزة وهو ينقر على الدف ويرقص في ساحات الاعتصمات مع المعتصمين وهم رافعين رايات "القاعدة" ذات اللون الأسود. أما أحمد العلواني فبالإضافة إلى خطاباته الطائفية البذيئة في الشحن الطائفي على منصات ساحات الاعتصامات، والمسجلة على اليوتيوب، ألقي القبض عليه بالجرم المشهود وهو يواجه القوات الأمنية بتبادل النار. وهل هناك سلطة تحترم نفسها تسكت عن هؤلاء من أجل أن لا تتهم بمطاردة إرهابيين من مذهب معين؟
وهاهي الأنباء تفيد أن وزارة المالية الأميركية وضعت أربعة عراقيين من بينهم حارث الضاري (الأمين العام لهيئة علماء المسلمين في العراق) تحت طائلة أمر رئاسي يقضي بتجميد أرصدتهم وممتلكاتهم داخل الولايات المتحدة ومنع المواطنين الأميركيين من إجراء أي تعاملات تجارية معهم كونهم يهددون السلام والاستقرار في العراق. http://alakhbaar.org/home/2014/1/161527.html
فهل أمريكا جمدت أموال هؤلاء لأسباب طائفية؟ في الحقيقة أمريكا تأخرت عشر سنوات عن توجيه التهمة لحارث الضاري وعصابته، وهو الذي صرح على رؤوس الأشهاد قبل سنوات أن "القاعدة منا ونحن منها".
وهاهي النائبة عن كتلة "العراقية الحرة"، السيدة عالية نصيف، (اتهمت رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي بالعمل على "تأمين اجواء مناسبة لداعش" في العراق والمنطقة من خلال زياراته لبعض دول الخليج، فيما اكدت وجود دعم سياسي للمجاميع المسلحة المتواجدة في الانبار). والسيدة نصيف سنية وليست من كتلة رئيس الوزراء، ولكنها أثبتت أن ولاءها للعراق قبل أن يكون للطائفة.
http://www.alkashf.org/news.php?action=view&id=894
فما هي حقيقة "التهميش"؟
خلال 83 سنة من عمر الدولة العراقية الحديثة سيطرت على السلطة مكونة واحدة وهي مكونة السنة العرب (باعتراف أحد مؤسيسها وهو الملك فيصل الأول)، والذين اعتبروا أنفسهم وحدهم دون غيرهم، المخولين تاريخياً لحكم العراق، أما غيرهم من المكونات فمواطنون من الدرجة الثانية أو دون ذلك. وكان تبادل السلطة يتم بين الفئات المتصارعة من نفس المكونة عن طريق الانقلابات العسكرية. وهذا الوضع أدى إلى تشرذم الشعب العراقي إلى مكونات متصارعة فيما بينها، وإلى كوارث أوصلتنا إلى مجيء أسوأ طاغية في التاريخ ألا وهو صدام حسين للحكم والذي قاد إلى احتلال العراق عام 2003 لإنقاذ شعبه من الإبادة.
أما بعد 2003 فقد تأسس نظام ديمقراطي يحق لجميع مكونات الشعب المشاركة في السلطة، تبني صناديق الاقتراع بدلاً من صناديق الرصاص والانقلابات العسكرية لتبادل السلطة. وهذا الوضع لم يناسب فلول البعث الذين ينتمون إلى المكونة التي أدمنت على الحكم، لأنهم يرفضون مساواتهم ببقية مكونات الشعب، ولهذا رفعوا يافطة: "تهميش السنة"، وهي خدعة ابتكرها البعثيون من أجل استمالة أهل السنة إلى مشروعهم، ونجحوا في ذلك للأسف إلى حد ما، وساندتهم في الداخل شريحة واسعة من السياسيين معظمهم من خلفية بعثية في "كتلة العراقية" والتنظيمات التي فشلت في الانتخابات. كما وتلقوا الدعم من الحكومات العربية الرافضة للديمقراطية في المنطقة. فلم يتردد البعثيون في توظيف أخس الوسائل الدنيئة من أجل الوصول للسلطة، فاستخدموا قائمة من الشتائم الطائفية البذيئة ضد مكونة نشكل نحو 60% من الشعب على أقل تقدير، وتعاون جميع هؤلاء المتضررين من الديمقراطية في دعم الإرهاب من أجل إفشال العملية السياسية، وراحوا يمنحون محاربة الحكومة للإرهاب بعداً طائفياً، مطبلين بأن ما يجري في العراق هو ليس محاربة الإرهاب وإنما حرب بين الحكومة الشيعية والعرب السنة!!.
فالصراع السياسي والإرهاب في العراق ليس بسبب التهميش الذي هو وهم من اختراع البعث، وإنما نتاج توافق عدة جهات تلاقت مصالحها الآنية في محاربة الديمقراطية في العراق، وهذه الجهات هي: أولاً، فلول البعث، ثانياً، السياسيون الذين يدَّعون تمثيل السنة، أي (كتلة العراقية)، يعتقدون أنهم وحدهم يحق لهم حكم العراق، وثالثاً، القاعدة. وما يسمى بـ(داعش) فهو تنظيم مكون من ضباط ومراتب الحرس الجمهوري الذي كان يضم غلاة البعثيين.
فللبعث قابلية فائقة وقدرة تكتيكية عجيبة في عقد التحالفات حتى مع أشد الخصوم الأيديولوجيين وفق ما تقتضيه مصلحته الآنية. ففي عهد حكومة ثورة 14 تموز تحالف البعث حتى مع المرجعية الدينية الشيعية والحركة الكردية ضد حكومة الزعيم عبدالكريم قاسم والحزب الشيوعي. وفي السبعينات تحالف مع عدوه التقليدي اللدود الحزب الشيوعي، وفي كل مرة ينقلب على الحليف بعد قضاء الحاجة. واليوم مع القاعدة والسعودية الوهابية.
فمن نافلة القول أن في النظام الديمقراطي لا يمكن تهميش أية مكونة، لذلك شن أعداء الديمقراطية حملة إعلامية واسعة لتشويه سمعة الديمقراطية العراقية مدعين بأن الحكومة هي من صنع أمريكا وإيران، ناكرين دور الملايين من الشعب العراقي الذين تحدوا مفخخات وتفجيرات الإرهابيين وذهبوا إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم لاختيار حكامهم. هذا الأسلوب في تبادل السلطة لا يناسبهم لذلك استخدموا لغة الإرهاب (الرصاص في مواجهة الانتخابات) والحط من الديمقراطية.
فهل حقاً هناك تهميش ضد السنة؟
هناك خمس رئاسات في العراق، أربع منها يرأسها سنة (رئاسة الجمهورية، رئاسة البرلمان، رئاسة السلطة القضائية ورئاسة حكومة الإقليم الكردستاني)، وواحدة فقط (رئاسة الحكومة المركزية الاتحادية) يرأسها شيعي ووفق الدستور الذي يحتم أن يكون رئيس السلطة التنفيذية من أكبر كتلة برلمانية. ولكن مع ذلك ليس هناك تهميش مطلقاً إذ كل مكونة ممثلة في الحكومة وحسب نسبة تمثيلها في البرلمان. أما المحافظات والأقضية والنواحي في المناطق الغربية التي يدعي البعثيون تهميشها فيمنع على الشيعي أو أي شخص يحمل اسم شيعي مثل عبدالزهرة دخولها. وهذه المناطق تدار من قبل حكومات محلية منتخبة من قبل سكانها السنة. أما منطقة الإقليم الكردستاني فممنوع على المواطن العراقي من غير الكردي دخولها إلا بعد حصوله على تأشيرة دخول (فيزة)، وكأنه داخل إلى دولة أجنبية، بينما يحق لمواطني الإقليم السفر والعيش والتوظيف في أي مكان من العراق.
ولدحض فرية التهميش، استلم هذه الأيام مقارنة تتداول عن طريق البريد الاكتروني، وهي مقارنة بين محافظتي الأنبار والبصرة، على شكل سؤال: (هل تعلمون؟؟؟؟)، إذ يسأل السائل:
هل تعلمون: أن محافظة الأنبار عدد سكانها لا يتجاوز المليون فقط، ولها خمسة وزراء في الحكومة الحالية، ونائب رئيس الوزراء، ولا تنتج دولاراً سنوياً للدولة وتدعي التهميش، وتصدر القتل والخراب والإرهاب للعراق؟؟؟!!!
بينما محافظة البصرة عدد سكانها يتجاوز المليونين، وليس لها وزير واحد في الحكومة الحالية، وتغطي من خيراتها 80% من ميزانية الدولة سنوياً، ورغم هذا لا تدعي التهميش، وتدعم سيادة القانون والأمن في العراق!!!!؟؟؟
لذلك ونحن نسأل: أيها السادة أين التهميش ومن هم المهمَّشون الحقيقيون؟
تصور الأمر معكوساً وخذ مثلاً
بعد ثورة 14 تموز 1958، عرف الشعب العراقي أشرف وأنزه زعيم حكم العراق في تاريخه الحديث، وذلك باعتراف الذي قتلوه حسب ما نقل لنا الباحث الفلسطيني الأمريكي الراحل حنا بطاطو في كتابه القيم عن تاريخ العراق الحديث. حاول الرجل لأول مرة في تاريخ العراق أن يعامل العراقيين جميعاً كمواطنين من الدرجة الأولى ودون أي تمييز في الحقوق والواجبات بسبب الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي. فحاربوه، وأغلب الذين حاربوه هم من نفس المنطقة التي تُرفع فيها اليوم يافطة التهميش. قتلوه شر قتلة ولم يتركوا له قبراً، علماً بأن الرجل كان من خلفية سنية، وكادت حكومته تخلو من وزراء شيعة، ولكن كان ذلك عن طريق الصدفة وليس بدوافع طائفية. قام البعثيون بقيادة البلطجي صدام حسين بمحاولة اغتياله عام 1959، فنجا منها بأعجوبة، وعندها أعاد الشاعر محمد مهدي الجواهري قراءة ونشر قصيدة قديمة له كان قد نظمها بعد انقلاب بكر صدقي عام 1936، فرآها مناسبة لظروف ثورة تموز، حذر فيها الزعيم عبدالكريم قاسم من التساهل مع العدو الغاشم، قال فيها:
تصور الأمر معكوساً وخذ مثلاً.... مما يجرونه لو هم نُصروا
تالله لاقتيد زيــدُ باسم زائــدة ....ولأصطلى عامر والمبتغى عمرُ
وهذا بالضبط ما حدث بعد انقلابهم الدموي الفاشي في 8 شباط 1963، حيث قاموا بالمجازر، وقتلوا الألوف من الوطنيين خلال بضعة أيام، وبعد أن ضاقت السجون بالمعتقلبن السياسيين أحالوا المنتديات والساحات الرياضة وحتى بعض الشوارع إلى معتقلات. أما خلال حكمهم الأسود الثاني (1968- 2003) فقد أحالوا العراق كله إلى أكبر سجن ومقابر جماعية في العالم.
أقول وكما قال الجواهري، تصور الأمر معكوساً، فماذا كانت الحكومة ستفعل لو كان يهيمن عليها دعاة التهميش من قادة ساحات الاعتصامات من أتباع داعش الذين معظمهم بعثيون، ولهم علاقة بكتلة العراقية، لو قام أهل المحافظات الوسطى والجنوبية بالاعتصامات في مدنهم، وارتكبوا جرائم التفجيرات في المناطق ذات الأغلبية السكانية السنية؟ وهل سمحوا للشيعة ولو بمجرد النطق بكلمة (تهميش)، علماً بأنهم (الشيعة) كانوا مهمشين حقيقيين لأكثر من ثمانين عاماً؟ لا تقل لي أن معظم منتسبي حزب البعث وقياديين في حكومة البعث كانوا شيعة، فما قيمة سعدون حمادي الشيعي كرئيس للوزراء، أو محي الدين معرف الكردي كنائب لرئيس الجمهورية في دولة يرأسها الطاغية صدام حسين الذي يعامل نوابه ووزراء كخدم و فراشين يسحقهم متى ما شاء؟
خلاصة القول، إن الإدعاء بتهميش أية مكونة من الشعب العراقي هو فرية وفبركة لا وجود حقيقي لها، الغرض منها إلغاء الديمقراطية، والعودة بالعراق إلى حكم المكونة الواحدة، والحزب الواحد، والحاكم الواحد، وإحياء عهد الانقلابات العسكرية في تبادل السلطة. وهذه الخدعة تشبه تماماً رديفتها التي ورط بها المحتالان الإمبراطور الغبي في حياكة ثيابه الجديدة.
فالإمبراطور عاري بلا ملابس!
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
رابط لموجز قصة ثياب الامبراطور الجديدة
http://shqawatbanat2010.yoo7.com/t8-topic
***************
ملحق
قبل عام استلمت رسالة من صديق مسيحي رائع يقيم مع عائلته في إحدى الدول الأوربية، والرسالة من زوجته إلى صديقتها المسلمة السنية نرمز لها بـ (أم مروان)، وكان صدام قد أعدم زوجها العسكري برتبة فريق بعد أن أغدق عليه بالأوسمة الرفيعة لما أبداه من تفاني في الحرب العراقية- الإيرانية. ولم يكتف صدام بإعدام زوجها بل اعتقل الأبناء والأم وعرضهم للتعذيب. وبطريقة ما استطاعت أم مروان وأبنائها الخروج من السجن الكبير والهجرة إلى الغرب.
ولكن رغم كل ما تعرضت له هذه السيدة من العذاب على يد نظام البعث الصدامي الفاشي إلا إنها حاقدة على النظام العراقي الجديد لا لشيء إلا لأن رئيس السلطة التنفيذية شيعي.
هذه الرسالة من زوجة الصديق المسيحي إلى صديقتها أم مروان تعاتبها على موقفها السلبي من العهد الجديد. والرسالة تعبر عن موقف وطني وإنساني متحضر ونبيل، ونظراً لأهميتها رأيت من المفيد نشرها، وبدوري أتقدم بالشكر الجزيل للصديق وزوجته الرائعين على موافقتهما على نشر الرسالة ودون ذكر الأسماء.
**********************************
نص الرسالة
عزيزتي أم مروان
كان عندنا واحد بلطجي اسمه صدام، لا خريج ولا عنده شهادة، وصار قائد الامة العربية ورائدها،
وكان عندنا واحد بائع ثلج وصار نائبه. وكان عندنا واحد نائب عريف وصار رئيس التصنيع العسكرى ووزير الدفاع ورئيس المؤسسة الذرية. وكان عندنا واحد نائب عريف شرطي وصار وزير الدفاع وغيرها من الوظائف التي بضمنها علي كيمياوى.
متى ننسى هذه الامور ونتركها للآخرين ونعطيهم مجالاً لاثبات انفسهم في ظروف حصلت بعد 2003 اى ما يسمى الديمقراطية الفتية التي لم يعرفها العراق ولا اى دولة في المنطقة، أم الافضل ان نعود الى حكم الفرد المطلق الذى تعودنا عليه وكان هو الكارثة الحقيقية؟
لا ننسى ان زعيماً وحيداً وصل العراق وكان عراقيا لا يفرق بين اى عراقي سواء كان سنيا او شيعيا او كرديا او تركمانيا او مسيحيا او من باقي الاقليات، كل همه كان ان يعامل العراقيين جميعهم كعراقيين بعيدا عن هذه المسميات لكي يبني دولة حقيقية تسمى دولة المواطن العراقي، بغض النظر عن كل هذه المسميات، وكان اشرف من كلمة الشرف نفسها لرقته وحساسيته وشرفه وحبه للبلد ولشعب هذا البلد. وكان سنيا سنيا سنيا، ولكن مع هذا تمت محاكمته محاكمة تمثيلية صورية في الإذاعة وقتله بدقائق معدودة لا محاكمة حقيقية ولا محامين. ومن الذى قام بقتله مع الاعتذار عن الجواب: الجانب السني. ولماذا؟ لانه لا يجوز لشخص في الحكم التصرف بمثل ذلك (أي معاملة كل العراقيين بالتساوي) وهذا غير مقبول.
انا اذكر تلك الفترة التي كانت مفترق الطرق بالنسبة لمصير العراق وما وصلنا اليه الآن، وأقولها كل مرة للكثير من الاصدقاء، سواء الشيعة او السنة. لماذا هذا الحقد تجاه شخص يقوم بخدمة العراقيين بدون استثناء بعيدا عن انتماءاتهم مهما كانت، سواء الدينية او القومية او المذهبية؟.
ولكن لا يمكن لأحد ان يعطي جواب مقنع لهذا السؤال بعد هذه السنين المريرة الكارثية التي مرت على وطننا الحبيب وما آلت اليه الأمور. حدث ما حدث، وانهار الصنم على يد الأمريكان. هل المفروض ان نبقى نشتم ونسب الامريكان على ما قاموا به لوصول من وصل للحكم لأن البعض منهم شيعة وبالأخص في رئاسة إحدى السلطات؟ وماذا لو كان في الرئاسة رئيس وزراء سني؟ هل كانت ردة الفعل نفسها؟. اتمنى أن نعطي الفرصة للآخرين مهما كانوا قبل ان نحكم عليهم.
انا وزوجي كنا في بغداد نهاية العام الماضي واستمتعنا بأوقات لم نستمتع بها ونحن في دولة أوربية متقدمة، من الكرم العراقي من قبل الاحباء، سواء الاقرباء او الاصدقاء، والتنقل بحرية بدون عوائق او خوف، ولم يحدث ما يعكر صفوة زيارتنا التي طالت اكثر من ثلاثة اسابيع. انا لا اقول انه ليس هناك مشاكل او نواقص ولكن متى كان هناك كل شيء كامل في العراق؟ هل في زمن صدام واعوانه الذين اذاقوا العراقيين شتى المصائب التي لا يمكن لأى بشر أن يراها حتى في أحلامه المرعبة؟؟
عزيزتي أم مروان، انت اكثر من عانى من كلنا لأننا لم نعاني مثلك فأرجو على الاقل ترك هذه الامور للمستقبل، لان العراق محارَب من كل الدول التي تجاوره سواء كانت ايران او الدول العربية "الديمقراطية" الاخرى، طبعا الديمقراطية للكشر التي تسمى السعودية وعلى رأسها ملكها عبدالله بن عبدالعزيز السعود. وتصورى دولة مسماة على اسم العائلة وأمراؤها الذين هم بالألوف. هل المطلوب منا ان يكون العراق بهذا الشكل؟
ما المراد من هكذا معلومات؟ هل نريد الرجوع الى حكم البعث او صدام او عزة الدورى الذين خربوا البلد، وكانوا السبب بتركنا اوطاننا؟. هل تركت انا وعائلتي واولادى وانتِ واولادك البلد في ظل الحكام الحاليين الذين ننعتهم بكل هذه الاوصاف الحقيرة؟ ارجو ان لا تفهمينا غلط انا لا انزه احداً والكل يخطأ، ولكن الخطأ الذى لا يمكن ان يٌغفر هو كيف يتم تخريب بلد مثل العراق في نهاية السبعينات الذى كان في مقدمة كل الاقطار العربية، ويعتبر الاول في المنطقة العربية باستيعابه اكثر من اربعة ملايين من العرب يعملون فيه ويحولون الاموال لأهاليهم في بلادهم وعبر قنوات مصرفية بدون أىة صعوبة عدا تحويل اموال خارج المصارف، لقد أحالوا هذا البلد العظيم الى واحد من افقر البلدان في العالم وبضمنها الصومال، مع العلم ان البلد من اغنى بلدان العالم بثرواته؟. هل كان هذا بسبب الحكام الحاليين يا ترى كما يشاع؟. ارجو المعذرة والذى اشعر به ان الموضوع لا علاقة له بذلك وانما لكون ان جزءً من الحكم وخاصة رئاسة الحكومة بيد شيعي؟ وهذا يبدو غير مقبول لديكم، لا الآن ولا في المستقبل ما لم نستوعب الحقيقة اننا كلنا عراقيين قبل ان نكون سنة او شيعة او مسلمين او مسيحيين او تركمان او ازيدية الى غيرها من طوائف. انا وعائلتي مسيحيين ولكن اذا احد سألني عن هويتي اقول انا عراقية والمفروض بكل انسان مهما كان انتمائه، سواء كان مسلما أو مسيحيا او يزيديا او صابئيا او تركمانيا او كرديا ان يقول انا عراقي، وبعكسه فإن النتيجة ستكون كارثية وهو تقسيم العراق الى دويليات من السهل ابتلاعها من قبل دول الجوار. فهل هذا هو المراد منا نحن العراقيين لكوننا لا نقبل الآخرين ممن لم يكونوا من نفس الدين او الطائفة او العرق؟ انا شخصيا لا يمكن أن اقبل بذلك، ولا يمكن يوما ان اتصور ان ذلك سيحدث يوما من الايام وان حدث لا اتمنى ان يحدث وانا على قيد الحياة.