Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الشطحة الصوفية الرابعة بعد الألف في أسفار حسان بن علي القحطاني

أحاول أن أتحدث عن الصمت الصوفي عندما لا أجد مناصا من الاعتراض على أمر في حالة استحالة ذلك ، والصمت الصوفي كما يعرفه شيوخنا الأولين ( صمت الضمير عن جميع التفاصيل ) ، وهذا الصمت يصنف بأنه احد أنواع الجوع والذي يطلق عليه ( جوع الأحرار لكمال السلوك ) ويقصد به السلوك الإنساني . بينما يصنفون أنواع الابتلاء والاختبار بأنها ( اختبارات للعبد ) إما بالخير أو بالشر . لذلك قال شيخي محي الدين ابن عربي في كتابه رحلة الإبدال :
بيت الولاية قسمت أركانه*** ساداتـــــنا فيه من الإبدال
ما بين صمت و اعتدال دائم*** و الجوع و السهر النزيه العالي
وإذا تحدثنا عن الإحسان فالكريم جل وعلا قال ( وما جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ، وقال تعالى في مكان آخر ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ) . بينما يقول المثل المطلق ( اتق شر من أحسنت إليه ) والأخير ليس بحديث مرسل عن النبي الكريم كما يظن البعض .
والمراتب الروحية للنفس البشرية تتوق للمعرفة البشرية وتتمنى العلو ولو كانت في درجات غير علية ، لذلك تتهادى بعض الأرواح المغلقة والمشبعة بالجهل ، وتتهجم على الآخرين مدعية الفهم والعلم بروح بعيدة عن الفهم والواقعية وتدعي الفهم وهي أمية – من أمية العلم والفهم المعرفي – .
وأسهب بعض شيوخنا في الحديث وذم المناظرة مع أهل الجهل ، فقال ابن المكيالي بهذا الصدد :
افدي الغزال الذي في النحو كلمني .. مجادلا فاجتنيت الشهد من شفته
واورد الحجج المقبول شاهدها.. مناظرا ليريني فضل معرفته
ثم اتفقنا على رأي رضيت به .. والرفع من صفتي والخفض من صفته
والإخلاص صفة المنهمكين في العلم والتبحر به ، وهي صفة روحية جمالية يفسرها شيوخنا بالقول بان : الإخلاص ضد الرياء والمرائي يعمل ليرى و أما المخلص فهو يعمل ليصل بعيدا عن الميل للهوى و الشهوات مجتنبا الدعاوي ملتزما الأوامر . فالإخلاص هو سكون التقوى في قلب العبد فتتنزل عليه بركات العلم و تطرد عنه الجهل وادعاء المعرفة..فلا يكون همه رياسة ولا مقام عال ، بينما يشغله الادعاء بالفهم والعلم عن حالة ويتركه عرضة لاهواءه .
والجاهل كما نعرف جميعا (الجاهل عدو نفسه , فكيف يكون صديقاً لغيره) ، وقد أحسن نابليون الوصف عندما قال (حسنة الجاهل أنه دائماً في حالة رضىً عن نفسه ) ، والجهل المعرفي من اشد حالات الجهل . فالأدب عند شيوخنا أدب ظاهر وأدب معرفي باطن ، فالأدب الظاهري ربما يكون نفاقا أو رياء أو استعطافا ، أو تخفيا وراء عبارات طنانه عن جهل ، والمقصود بالأب الجم هو كنس القلوب من كل ما يشوبها من حقد وكراهية وحسد للغير ، فالمريض ليس مريض الجسد بل مريض القلب ، وأهل الصدق هم وحدهم من ينعمون بنعيم الصحة بعيدا عن شهوة المال والحسد وكره الآخرين والتشنيع عليهم ورميهم بالجهل وعدم المعرفة كما يفعل الجهلاء .
والتغني بالمعرفة من دون علم يؤدي بصاحبه للخوض في أمور يجهلها فيقع فريسة جهله ويصبح جهله آفة عليه ، ويتيه في عالم الخسران .
والحكمة في افتتاح الله حرف الباء في القرآن الكريم لها عدة معان ٍ منها انكسار الباء وتواضعها وتساقطها ، لذلك كان التواضع صفة للإنسان الناجح ، عندما يجتنب الإكثار من قول ( الأنا ) ، ولذا قال أمير المتقين علي بن أبي طالب (أنا النقطة تحت الباء ) ، والباء أيضا حرف شفوي تنفتح الشفة به ما لا تنفتح بغيره من الحروف الشفوية، ولذلك كان أول انفتاح فم الذرة الإنسانية في عهد : ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُم ) - الأعراف : 172 - . وذلك قال شيخي عبد القادر الجيلي (الكيلاني ) : ( جعل الحق حرف الباء أول القرآن في كل سورة ) .
والنصوص المعرفية تتسامى دائما عن الجهل المدقع وتترفع عنه ، كونه نتاج خيال شعري يدفع بالكلمات ويرصفها في تتابع موسيقي جميل بينما يكتب البعض من الجهلاء عبارات غير منتقاة لا تستطيع حتى الوصول ( للهتاف السياسي ) الذي وصف احدهم به كتابات احد الجهلاء من عديمي المعرفة العلمية والمتسلقين عن جهل مراكز المعرفة .
والشاعر الصوفي هو رومانسي حالم بدقائق العلم والمعرفة ، يلغي أحيانا في شطحاته الزمان والمكان ويستلهم الخيال الرومانسي في نصه ، وقد نبَّه روجيه ارنالديز إلى فكرة ( أن صوفية الإسلام قد كشفوا عن العمى الذهني وهم يواجهون المشاكل الفلسفية الحقيقية ) . والشطح في لغة العرب هو الحركة، يقال: شَطَحَ يَشطح إذا تحرك، فالشطح لفظة مأخوذة من الحركة، لأنها حركة أسرار الواجدين إذا قوي وجدهم، فعبّروا عن وجدهم ذاك بعبارة يستغرب سامعها ويقف احيانا مشدوها لغرابتها لكنه يكون كما المناجاة بين العاشقين ، ولهذا قال شاعرنا :
حديث الروح للأرواح يسري .... وتدركه القلوب بلا عناء
وعلى هذا النمط قال شيخنا أبو يزيد البسطامي : (الجنة جنتان جنة النعيم وجنة المعرفه فجنة المعرفه أبديه وجنة النعيم مؤقته ) .

آخر المطاف :( سئل ذو النون المصرى عن التوبه فقال:توبة العوام من الذنوب,وتوبة الخواص من الغفله. ) .



* شروكي من بقايا القرامطة وحفدة ثورة الزنج

www.alsaymar.org
fakhirwidad@gmail.com

Opinions