Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الغمزة الوديعه التي إستوقفتني


من ضمن حكايات سمعناها وما أكثرها , قصة طريفة أغلب الظنّ أنها حقيقية , كان يسردها لنا أباؤنا بقصد الفكاهة والتسلية دون أن يخطر لحظة ببالي أنها تخفي في ثناياها مقصدا ما ,لذلك و بكل صراحة , أقول بأنها قد بقت عالقة في ذهني لما فيها من طرافةوليس لأمر أخر .
الذي ذكرّني بهذه القصة هو المقال الأخير للأستاذ وديع حنا بتي (إستشهاد المطران رحو كابوس ثقيل أم......)المنشور على موقع زهريرا, والأستاذ وديع الذي عرفته أول مرة من خلال مكالمة تلفونية معه ضمن ندوه له كانت على قناة سوريويو, عرفته أكثر_ من خلال كتاباته_ بعمق أفكاره ولباقة أسلوبه و بلياقة همساته و بشاشة غمزاته ووداعتها, لذلك غدوت كالمدمن على قراءة ما يكتبه هذا الصديق وبكل شغف وتركيز نظرا لما أتحسسّه من فائده ومتعة في معظم طروحاته رغم إنني أختلف معه في بعض أفكاره , لكن ذلك يزيد من تأكيدي ورغبتي على متابعة ما يجول في فكره , أرجو أن يقبل منّي رأيي مشكورا دون إعتباره تملّقا ولا ردّا لأي جميل .

عودة إلى موضوعة مقالي, حيث إستوقفتني بالأمس فقرة ذكيّة إختتم فيها الأستاذ وديع مقاله المشار إليه أعلاه حين غمز قائلا:

(( كم جميل أن يحرص كل اباؤنا الروحييون وعناويننا السياسية والإجتماعيه , وأساتذتنا , كتابنا الافاضل, على عدم تخديش مشاعر الوحدة ألتي منحتها لنا دماء المطران الجليل الشهيد فرج رحو فلايغيب عن بال بعضهم سهوا أو عمدا,الإشاره إلى أن مسلسل هذه الجرائم بحق قياداتنا الدينية قد بدأ يوم فصل جسد الأب بولص أسكندر عن رأسه في فعل بشع,,,,,,إلى أخر الفقره)).

الحكاية أو الأقصوصة ألتي أنا بصدد ربط مغزاها بفحوى الفقره أعلاه و غمزة الأستاذ وديع في متنها, راجيا أن أكون قد وّفقت في إختياري من أجل تقريب الفكره ومحاولة متواضعه مني للتأكيد على المقصد الذي اتفق فيه مع كاتبنا العزيز ,عساني أن لا أكون قد أضفت على الغمزة عظة لسان, لكن لا بأس فالغمز والهمس وعظة اللسان أحيانا هي أصدق أنباءً من أن نشبع السلاطين ووعاظهم ضحكا علينا ليقولوا عنّا نحن الصغار أغبياء أوهم المخدوعون بنا .

الحكاية بما فيها تدور حول الراهب المتعففّ ألذي إنخرط بسلك رهبنة دير السيّدة في القوش , من شدة تقوى ذلك الراهب المؤمن و كثرة تعبّده و طاعته, كان يتمتع بحب وإحترام رئيس الدير وأقرانه من الرهبان , وهكذا الزوار ألذين كانوا بكل سرور وإمتنان يلبوّن قدر ما إستطاعوا من طلباته ألتي كان يصعب على الدير تقديمها له .

في عصريّة أحد أيام شهر تموز, شاء حظ هذا الراهب العاثر أن يضيّع العدسة المكبّره ألمهداة له من قبل أحد زوّار الدير, و ألتي من دونها لم يك بإستطاعة هذا المتعبّد الورع أن يقرأ اية كلمة في كتب الصلوات والمزامير, فراح المسكين ساعات طوال يكيل الدير طولا وعرضا ما بين الممرات والصوامع بحثا ً عن عدسته المفقوده, ومن شدة حزنه وقلقه لفقدانه عدسته , نسي المسكين نفسه وهومنشغلا يبحث عن عدسته , حيث فاته موعد الذهاب إلى فريضة صلاة المساء الجماعيه , وبينما هو منهمكا في البحث عنها منكبّا على ركبتيه يتفحص الحشائش والأتربة , باغته رئيس الدير فجأة ً وبمعيته راهبين إثنين وهم خارجون للتو من الصلاة ,نهض راهبنا المسكين مرتبكا إحتراما لرئيس الدير, ليصحى على نفسه ثمّ ليتذكر بأنه قد تخلّف عن صلاة العشاء دون طلب الأذن من الرئيس, وكالعادة ما كان من الرئيس سوى سؤال الراهب عن سبب تغيبه وهو يتصور بأن الذي شغل الراهب عن صلاته هو مجرد لهوه في إلتقاط ألأنواع التي تؤكل من الحشائش, لكن الراهب,و بعد إعتذاره وأسفه لغيابه أجابه قائلا:لقد أضعت عدستي يا رابي!! ولازلت أبحث عنها وانا أصللّي وأطلب من القديس عنطانيوس (شفيع فاقدي الأشياء))كي يسعفني في العثور على عدستي لكن دون جدوى . نظر إليه الرئيس و الغضب يقدح من بين عينه ليقول للراهب مزمجرا بوجهه بإنه في قوله (( أضعتُ عدستي)) قد إرتكب خطيئة أخرى مضافة إلى تهمة تخلفه عن حضور الصلاة,إستغرب الراهب لرد الرئيس وسأله لماذا رابي ما هي الخطيئة الثانية ؟أجابه الريس,: كيف تقول أنك أضعت عدستك يا أخونا؟ هذا أمر حرام ومرفوض حسب تعاليم الدير !! ألعدسة هي عدسة الدير وليس عدستك!! حنى الراهب رأسه وهو في قرارته قد أيّد الرئيس فيما أورده , لذلك لم يبد أي إعتراض على ما ورد في كلام الرئيس , لا بل كررّ إعتذاره وأسفه لكل ما حصل وهو يطالب المغفره, في اليوم الثاني عثر راهبنا المسكين على عدسته , وفي الحال هبّ مسرعا إلى إخبار الريس بأنه قد عثر على ((عدسة الدير)), فرح الريس لما سمعه وبارك فيه إلتزامه بنصيحة المرّبي (رابي رئيس) .

مرّت الأيام ولمّا يزل الموسم صيفا,وحرارة الصيف حينئذ كانت تقضي بالنوم فوق السطوح لعدم توفروسائل التكييف كما هي موجودة اليوم, وفي إحدى الصباحات الباكره, وبينما كان الراهب المسكين ينزل من السطح حاملا في إحدى يديه شربة الماء الخزفية وفي الأخرى فانوس , تعثرت قدمه بجبّته الملامسة للأرض مما افقده السيطره ليسقط متدحرجا فوق اكثر من عشرين درج إلى أن وصل بجسمه أرضية الفناء وهو مكسرّ, راح المسكين يصرخ وهو يطلب النجدة : ألحقوني ,, ألحقوني يا إخوتي لقد إنكسر ظهر الدير,ظهر الدير قد إنكسر !!! فانوس الدير وشربة الدير وهو يصرخ ويبكي من شدة الألم, هرع الرهبان حال سماعهم نداءاته ومعهم رئيس الدير ليروا ماالخبر وإذا بهم أمام راهبنا المسكين يصرخ ويولول وهو يقول لقد إنكسر ظهر الدير, وباللغه السريانيه يقال (تويري خاصد ديرا), وعلى أثر ما سمعه الرئيس في صرخات الراهب ألذي أغمي َ عليه من شدة الألم وكثرة الكسور, هاجت أعصاب الرئيس وراح ينهر الراهب ويأمره بالكف عن هراء تكرار عبارة ظهر الدير(خاصد ديرا), ولكن راهبنا المسكين فاقد الوعي لا يستطيع ان ينبس بكلمة ,في هذه الأثناء تقدّم راهب كان من ضمن الإثنين اللذين سمعا ما قاله الريس عندما ضاعت ((عدسة الراهب المسكين)), تقدمّ الراهب من ناحية الريس وهمس بأذنه قائلا : رابي فرحتم حين عثرنا على العدسة لأنها أصبحت ملك طابو للدير؟؟ والأن صاحب العدسة يموت والدير لا شأن له به!! أليس ذلك إزدواجية في تعاملكم ؟

رحم الله شهداءنا جميعا, والخلود للقسسسيس الشهيد بولص أسكندر والاب رغيد والشهيد المطران رحو .









Opinions