الفضيلة بمواجهة التطرف
الفضيلة بمواجهة التطرف
وليم وردا
من الحقائق الجوهرية التي لا يمكن الشك بها أن جميع الأديان في الدعوات الموجهة للإنسان ، وفي النصوص الروحية أنما تحث على المحبة والإخوة والتضامن واحترام الحقوق الإنسانية لكن المشكلة هنا تكمن في التأويل وفي دور بعض رجال الدين الذين يسعون الى تسويق افكار ومضامين وتصورات تحث على الكراهية والحقد والضغينة ونزعة التسلط والاستحواذ ومحاولة تهميش الافكار التي لا تلتقي مع اهدافهم .
اذا المسألة في الانسان الذي صنع التطرف والاصولية المقيتة بالتعكز على وفق تفسيرات خاطئة تصب لصالح هذا الفرد أو ذاك وبذلك حصل تشويه متعمد لكثير من النصوص الايمانية بطريقة عدوانية تحكمها نزعة الهيمنة وادعاء التفويض والرسم بما يلبي هذه الاهداف العدوانية البغيضة وليس على ما يتضمنه جوهر الاديان .
ان التطرف الذي نشهده الان بلبوس دينية ومذهبية لا يمثل من جوهر الاديان شيئا ، فهذا التطرف هو بطروحات بشرية ليس إلا وبمقابل ذلك فان اية قراءة جدية ايمانية حقيقية للاديان ، لكل الاديان السماوية تجد انها تحث على المحبة والسلام والرحمة والعفو وقيم النبل والشهامة والانتصار للمظلومين والمضطهدين ، وبذلك فان المؤمنين الحقيقيين هم الذين يلتزمون بتلك القواعد المبدأية الروحية بعيدا عن اية توجهات قائمة على الضغائن وتكفير الآخرين مع ملاحظة لا بد منها ، ان البعض يتحدث باسم الله مع ان الله لم يعط تفويضا إلا للأنبياء ، والأنبياء بجميعهم يدعون الى الرحمة والسلام والامتثال لتعاليم الرب .
وفي إطار آخر لا بد من التصحيح والرد بالحقائق على الذين يقولون ان الصراع الديني وان نزعات التسلط ومحاولات الالغاء قائم من اقدم العصور في هذه المنطقة.
ان للرد على ذلك، يكفي ان نقول ان التنوع الديني قد حكم المنطقة منذ عصور سحيقة والا كيف بقيت كنائس واديرة ومعابد شامخة الى جانب جوامع ومساجد في مجاورة تاريخية لم يمسها السوء ، وكيف حافظ العراقيون مثلا على قيمة التنوع الديني التي تميزه، اذا لم يكن التسامح والتعايش والتضامن هو الذي ظل يحكم العلاقات بين كل اصحاب الديانات .
ان نزعات التكفير والاقصاء والالغاء نزعات طارئة على المشهد الديني في المنطقة واذا كان البعض يشير الى عدد صغير من الاحداث التاريخية التي ترى في هذه النزعات سجلا طويلا ، فان الواقع لا يعكس الوقائع التاريخية بأغلبيتها العظمى التي تشير الى أن التنوع الديني والانسجام في هذا التنوع هو السائد ولذلك من الخطأ التحليلي ان يتم التعميم على ذلك ، ومن هنا المطلوب لرجال الدين والنخب المثقفة العمل بروح المسؤولية التضامنية التي تعلي من شأن التسامح والرحمة والتواصل والانسجام بين أصحاب الشرائع .
نحن الان في مفترق طرق في هذه اللحظة التاريخية، فأما ان نعود الى روحية الاديان بالصفاء والنبع الايماني الذي قامت عليه بوصف الله محبة وبوصف الانسان خليفته في نشر المحبة والسلام ، أو أن نستسلم لنزعات الكراهية والحقد الذي يروج لها الإرهابيون الأصوليون وبذلك نكون قد تحولنا الى وقود لتلك التوجهات البغيضة، بل ونكون قد تخلينا عن القيم الدينية الحقيقية .
لا فرصة للأديان إلا بتأكيد الوسطية والعدل ونشر فضيلة التسامح والمحبة والإخاء ، أننا بحاجة ماسة الآن الى استخدام المزيد من الوسائل الاعلامية على تنوعها في مواجهة فضائيات التكفير والغلو والاصولية المقيتة ومحاولات شيطنة الآخر .
ان فرصة من هذا النوع لا يكفي لها ان تواجه التكفيريين الارهابيين الأصوليين بالسلاح ومطاردة وضرب البؤر العدوانية التي اقاموها هنا او هناك من العاالم ، نحن امام فرصة تاريخية حقيقية في ان نمنع الارهاب الاصولي من الاستحواذ على حاضرنا ومستقبلنا في العراق وسوريا وفي غيرها من مناطق العالم وأسلحتنا العسكرية والمعرفية والروحية ليست قليلة أصلا .
( الأصل في المقال حديث للأستاذ وليم وردا ضمن برنامج " حدث وحديث " على قناة ANB الفضائية مساء يوم الأحد 4/9/2016 )