الفقيد العزيز الرفيق حامد أيوب ودماثة الخلق والأدب الشيوعي الجم
بعد أن استأذنت من الرفاق في استعلامات مقر حزبنا الشيوعي العراقي في ركن الدين بدمشق الشام ودخلت عليه قام من كرسيه من خلف المكتب وسلم علي بحرارة رفيق ، وخلق عراقي وكأننا نعرف بعضنا البعض الأخر منذ زمن طويل وليس في تلكم اللحظة فقط .
قلت له كنت في مقر المدى قبل قليل عند الرفيق أبو نبيل ( الأستاذ فخري كريم زنكنه ) واخبرني بان علاقته بي قد انتهت بوصولي للشام وطلب مني الحضور إليكم في المقر . كان ذلك في صيف عام 1995 وأنا قادم من إيران حاملا كل همومي ومشاكلي التي استعصى علي حلها في ( جمهورية المسلمين ) ، حيث لم اصدق نفسي وأنا أشم هواء عاصمة الأمويين بأنني أعيش طليقا بعد عذابات التوقيف والمحاكمة والمطاردة الأمنية والمخابراتية ، والتحقيقات المستمرة بين آن وآخر لان أحدا همس بالكلمة السحرية لولاة الأمر في " قسم مكافحة الأفكار الهدامة " بأنني "شيوعي " ، ولولا قوة أولو الأمر في مقر عملي وهو مستشفى المرجع الإيراني آنذاك آية الله العظمى الكلبايكاني لكنت في خبر كان .
كان ذلك الرجل الرائع الذي استقبلني بتلك الحفاوة والتكريم والخلق العالي الدمث هو الرفيق الدكتور حامد أيوب مسؤول مكتب دمشق آنذاك للحزب الشيوعي العراقي . شرحت له الأمر وما جرى لي باختصار فصمت متحيرا ، ثم قال لي الرجل وبكل ود وارتياح المهم وصلت بأمان وعسى أن تلحق بك عائلتك عن قرب ، وسألني هل لي معارف أو أصدقاء هنا " وأخبرته بأنني لا اعدم العديد منهم وهم إما من محلتي في البصرة أو أصدقاء . وقبل أن أودعه خارجا طلب مني أن لا انقطع عن المرور بالمقر ، وإذا عن لي أن احضر يوميا فذلك أفضل وأنا موجود بخدمتك دائما وتعال ( سولف يمي حتى لا تضوج ) . وبصوت خفيض سألني إن كنت احتاج لشئ أو مال فشكرته وخرجت بعد أن بهرني بحسن لقاءه وأدبه ودماثة خلقه رغم انه لا يعرفني تماما إلا لكوني أخبرته شفهيا بأنني قادم من طرف الرفيق أبو نبيل.
وبمرور الأيام وطوال ترددي على المقر ولقائي شبه اليومي بالفقيد كنت أحس بعلاقة رفاقية أخوية لشيوعي يستحق لقب إنسان يتحلى بكل الصفات الحميدة . وكان يشجعني ويواسيني بعد أن منعت السلطات الإيرانية عائلتي من السفر والالتحاق بي معتبرة إنني هربت من إيران خارج نطاق القانون ، بالرغم من إنني خرجت منها بطريق رسمي مبيت من قبل عراقي من الأحزاب الدينية رتب كل شئ مع مسؤول مخابرات الجوازات وسلمني جواز سفري المصادر .
وبعد أكثر من شهر تمكنت عائلتي من الوصول لدمشق الشام ، وبدا الفقيد أكثر مني بالبحث عن مصدر للرزق كوني الآن أعيش مع رهط من الأطفال وأمهم ، وأحسست به أكثر اهتماما وجديه مني في البحث والتفكير ، وفي تلك الأثناء أعيد ارتباطي بالحزب بعد أن رفعت رسالة عن طريقه لقيادة الحزب في اربيل ، وأصبحت في صلة فردية مع الفقيد .
وفي يوم وعند وصولي للمقر قال لي وينك ؟ ، كان هنا قبل قليل احد رفاقنا وهو من مدينة العمارة ومن سكنه سوريا وتحدثت معه بشأنك ، وأبدى استعداده لمساعدتك في العمل اذهب إليه فهو يعيش في قرية بمدينة درعا ويملك " منجرة " – معمل نجارة - واسم القرية " المسيفره " - بكسر السين - ، وهي من قرى حوران . وذهبت للرجل أبو محمود كما كان يكنى للقرية ووجدته نسخة شيوعية طبق الأصل من صاحبه الدكتور حامد أيوب في الخلق والكرم والأدب ، ويضع القرية وأهلها بإصبعه ، ويعرف كل المسؤولين بمدينة درعا لكن بعد القرية وكونها في درعا ، ونيتي في ترك الشام للخارج ، لم تشجعني كل هذه الأسباب على الاستقرار فيها رغم إن الرجل كان كريما جدا معي وأبدى استعداده لتشغيل ابني الصغير معه كمورد بسيط للرزق أولا ، وأملني بعمل قريب لي ثانيا .
وكنت أحاول أن اذهب للسكن مع صديق بصري لي متزوج في هنكاريا ، وأبدى الصديق الكريم رغبته في المساعدة ، وكنت وأنا في الكويت أزوره في مقر سكنه في قرية نائية عن العاصمة بودابست لماماً . وعند التحضير للسفر حضرت في احد الأيام للمقر فاخبرني أبو سعد بان رفيقا من رفاق الكويت وصل أمس من داخل الوطن وهو من الناصرية ، وكان بانتظارك ، قلت له أكيد الرفيق أبو ماجد " عبد القادر " ، فقال هو بالذات وسر كثيرا عندما سمع بوجودك .
وقبل سفري كنت والرفيق المرحوم أبو ماجد نقطع دروب دمشق الشام مستذكرين أيام الكويت ، وعلاقتنا الرفاقية الرائعة ، وللحقيقه فقد كان المرحوم أبو ماجد شهما وشجاعا ، ويتحلى بأخلاق ابن الجنوب الطيب .
وقبل سفري وكان ذلك آخر لقاء بي وبالرفيقين الفقيدين أبو سعد وأبو ماجد فقد حملني كل منهما رسالة لرفيق له في هنكاريا ، أرسلني الفقيد أبو سعد برسالة ترحيل وطلب للمساعدة إن أمكن لرفيقه البصراوي ( الدكتور عبد العزيز وطبان ) ، وأبو ماجد لرفيق من مدينته الناصرية وكان للأخير دور بارز في احتضاني ومساعدتي طوال مدة مكوثي الطويل في بودابست .
وبعد تلكم السنين لا زلت أتذكر الموقف الأخلاقي والإنساني والرفاقي لتلك الشخصية الشيوعية الطيبة ، وصاحب الأخلاق الحميدة ، والأدب الجم الرفيق الدكتور حامد أيوب .
الذكر الطيب للرفيق العزيز ، والصبر والسلوان بفقدانه لآله ورفاقه وأصدقاءه ومحبيه ، فقد كان إنسانا بمعنى الكلمة ، فتحية للفقيد العزيز والشيوعي المخلص لحزبه ورفاقه .
* كاتب وصحافي عراقي يسكن النمسا
www.alsaymar.org
alsaymarnews@gmail.com