القدرة الشرائية للكلمة
abu-rtema@hotmail.com
كما أن هناك قيمةً شرائيةً للعملة كذلك توجد قيمة شرائية للكلمة.. لماذا يضطر أحدنا حين يريد إقناع الآخرين بصدقه أن يقسم جهد أيمانه..ألا يكفي أن يقول كلمة الصدق وحسب فيصدقه الناس؟!
إن تفشي الكذب والمجاملات الزائفة ولغة المبالغة والتهويل في المجتمع هي التي ترخص من القيمة التأثيرية للكلمة فيضطر أحدنا إلى المبالغة في التأكيد والتكرار واليمين لإقناع الناس أنه يعني ما يقول وأنه ليس مجاملاً هذه المرة أو كاذباً أو مبالغاً كما جرت العادة في المجتمع..
ينكر علينا القرآن إرخاصنا لقيمة كلماتنا فيقول "لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" تصوروا حين يصل أحد الناس إلى درجة من الصدق حتى أنه لا يقول كلمةً إلا وهو يعنيها دون مبالغة وتهويل، حينها لن يكون مضطراً للمبالغة في التأكيد لأن كلمةً واحدةً منه تتفوق على ألف يمين يحلفه الآخرون كذباً كما أن الورقة الواحدة في العملة الصعبة تفوق في قدرتها الشرائية أكواماً مكدسةً من أوراق العملة الرخيصة..
احذر من المبالغة واحرص على الدقة فلا تقل مثلاً كل الناس يفعلون هذا وأنت تعلم أن نصفهم فقط هم الذين يفعلون، ولا تقل لأحد سأمر عليك بعد نصف ساعة وأنت تضمر بأنك ستتأخر ساعتين أو ثلاثة ولا تعط أحداً وعداً تعلم أنك لن تنفذه، ولا تقل لأحدهم تفضل معي إلى البيت وأنت تعلم أن ظروفك إلى البيت لا تسمح باستقباله في هذه الساعة لأنك بمثل هذه الأفعال تفقد مصداقيتك بين الناس وترخص من قيمة كلماتك وتكتب عند الله كذاباً..
حين أعلى الصديق يوسف قيمة كلماته لم يحتج لإثبات براءته سوى أن يقول "هي راودتني عن نفسي" دون يمين وتشنج ومبالغة في الدفاع عن النفس فكان أن صدّقه العزيز، وفي مشهد مقابل في نفس السورة حين أرخص إخوة يوسف من قيمة كلماتهم بالكذب فإنهم فقدوا مصداقيتهم فلم يستطيعوا إقناع أبيهم بصدقهم حتى حين كانوا صادقين فعلاً رغم سيل التأكيدات المبالغ فيها التي ساقوها "ياأبانا...إن ابنك سرق...وما شهدنا إلا بما علمنا..وما كنا للغيب حافظين..واسأل القرية التي كنا فيها..والعير التي أقبلنا فيها.. وإنا لصادقون.." بعد كل هذه التأكيدات رد عليهم أبوهم مكذباً "بل سولت لكم أنفسكم أمراً".
والله أعلم..