القس أبو العز خضيري، فخر الكنيسة المسيحية المشرقية/ النسطورية
توطئة:
قبل الولوج في الموضوع، أحب أن ألقي ولو نظرة خاطفة على تاريخ الكنيسة المشرقية القديمة والمعروفة في كثير من الأحيان بالكنيسة النسطورية أيضا.
استنادا لتاريخنا الكنسي الذي يفيدنا بانتشار الديانة المسيحية في الشرق الأدنى وخصوصا في الهلال الخصيب كالنار في الهشيم، إذ في غضون قرنين وربما أقل غدت المنطقة في الغالبية مسيحية .
وفي القرون الاولى للديانة المسيحية وخصوصا في القرن الخامس تحديدا حيث احتدم الجدال العقائدي بين المسيحيين نتيجة المجاميع المسكونية التي عقدت من أجل تنظيم أمور الكنيسة الداخلية. ولكن من المؤسف قوله والذي حصل عوضا عن التفاهم والتلاحم حصل انقسام وانفصام كبيرين بين المؤتمرين وظهرت نتيجة ذلك عدة مذاهب مسيحية ومنها المذهب النسطوري الذي ينادي أن للسيد المسيح شخصين( إقنومين) مختلفين، واحدة إلهية والأخرى ناسوتية/ ܐܢܫܝܬܐ حيث تبعه جمع غفير ولا سيما في بيث نهرين/ العراق وبلاد فارس وارتأى رأيه المناذرة العرب أيضا حيث بحكم موقعهم كجزء مهم لا يتجزأ من جسم كنيستنا المشرقية النسطورية.
القس الربان أبو العز خضيري:
كان للكنيسة المسيحية المشرقية/ النسطورية أتباع كثر في منطقة الحيرة والتي كانت مملكة للعرب المناذرة والتي كانت تقع في جنوب الغربي من العراق الحالي حيث كان لهم ديرا وكنيسة حية نابضة لنشر المسيحية بين إخوتنا العرب تسمى – كنيسة ماري ميخائيل رفيق الملائكة/ ܥܘܡܪܐ ܕܡܪܝ ܡܝܟܐܝܠ ܚܒܪܐ ܕܡܠܐܟܐ – والتي كانت تحت إدارة ورعاية الأسقف يوحنا الأزرق وبمعاونة الراهب أبو العز خضيري.
والجدير بالذكر، أن اللغة السريانية كانت اللغة الرسمية لهذه الكنيسة وكذلك لشقيقتها * الكنيسة الأرثوذ كسية والمعروفة بالمونوفيزية /اليعقوبية والتي تؤمن بالطبيعة الواحدة للسيد المسيح له المجد.
في كتاب صلوات الكنيسة والمسمى كتاب " الخوذرا " من مؤلفات جهابذة الكنيسة النسطورية، هناك صلاة جميلة ورائعة باللغة السريانية من تأليف القس أبو العز خضيري والتي تقرأ في صباح يوم الأحد في تقديس الكنيسة عادة، وهذا نص منها:
" ܠܟ ܝܡܐ ܠܐ ܡܬܓܫܫܢܐ ܒܐܪܙܘܗܝ . ܢܘܗܪܐ ܡܢ ܢܘܗܪܐ. ܘܨܡܚܐ ܐܝܬܝܝܐ ܕܡܢ ܐܣܦܪܐ ܗܝ ܪܒܬܐ ܘܟܠܢܝܬܐ . ܕܒܐܝܡܡ ܓܠܝܢܗ ܚܕܬ ܫܡܝܐ ܘܐܪܥܐ ܘܟܠ ܕܒܗܘܢ . ܗܘ ܕܡܬܚ ܨܦܪܐ ܕܐܘܚܕܢ ܫܘܠܛܢܗ ܒܥܡܪܬܐ. ܘܒܢܘܗܪܐ ܕܙܠܝܩܘܗܝ ܛܠܩ ܚܫܟܐ ܟܠܗ ܡܢ ܝܬܒܬܐ: ܒܪܟܝܢܢ ܘܣܓܕܝܢܢ ܩܕܡܝܟ ܒܥܕܢܐ ܗܢܐ ܕܨܦܪܐ ܀ "
تعريب النص :
لك البحر الطم الذي لا نملك أسراره، ضياء من ضياء، والشروق الناتج من الكروية العظيمة والشاملة/ الشمس، وبجلاء نهارها تتجدد السماء والأرض وكل ما فيهما، والتي بسطت صباح دولة سلطانها بالمعمورة، وبضياء أشعتها التي بددت الظلمة من كل العالم، أجثو وأسجد أمامك في هذا الوقت من الصباح ܀
الدور الأبوي لكاهننا أبو العز خضيري له العز:
إن التاريخ الكنسي يخبرنا عن زيارة الخليفة عبد الملك بن مروان ** للعراق بعد ان استطاع الحجاج بن يوسف الثقفي من اخماد ثورة عارمة وكي يتفقد الأمور والتي كانت بمثابة نصر مبين له. وفي طريقه تفقد كنيسة مار ميخائيل رفيق الملائكة في مدينة الحيرة وشاهد بأم عينيه كيف كن العذارى من بنات وأبناء الحيرة يتلون الصلوات والترانيم الدينية وباللغة السريانية بقيادة مدربهم ومعلمهم القس أبو العز خضيري. وعندما غادر المكان طلب الخليفة من الأسقف يوحنا الأزرق أن يضم بعضا من العذارى الى قطيع حرمه .
وعندما علمن العذارى بهذا الخبر المزعج والذي وقع عليهم كالصاعقة، سرعان ما تقاطرن حول أبائهن الروحيان، كل من الاسقف يوحنا الأزرق و القس ابو العز خضيري كي ينقذهن من هذا المأزق المرعب. وهكذا قاما كل من الأسقف يوحنا الازرق والقس أبو العز خضيري بطمأنتهن في الصلاة والصيام لمدة ثلاثة أيام كي يبعد الله عنهن هذا الشر المستطير.
وهكذا العناية الإلهية بالفعل أخذت دورها الفعلي في إنقاذ هؤلاء الصبايا البتولات بانتشار الخبر عن إغتيال الخليفة التي تسببت بموته وموت الفكرة معه .
صدام الخليفة عبد الملك بن مروان والجاثليق النسطوري***:
حدث هذا في أيام بطريرك الكنيسة المشرقية مار حنان يشوع الاول والملقب بالأعرج ( 685- 700 ميلادية ) وبالمناسبة في زيارة الخليفة كما ذكرنا اعلاه، حيث تقدم المواطنون بالولاء للخليفة في استقباله كالعادة ومن الجملة كان البطريرك النسطوري. وعندما تصافحا معا، فاجأه الخليفة بهذا السؤال: " ما رأيك في الإسلام ؟ " طبعا البطريرك النسطوري كان له علم تام بما جرى على رعيته وبناته وأولاده في كنيسة الحيرة حيث لم يستطع أن يكتم ما في قلبه من انزعاج وقال على الفور: " إنه دولة سياسية أنشأها السيف، لا ديانة أيدتها المعجزات على نحو الديانة المسيحية ... " عندها ثار غيظ الخليفة وأمر حالا بأن يقطع لسان البطريرك . وكاد الأمر أن ينفذ لولا تدخل بعض المنفذين في البلاط والمصدر الكنسي هذا على لسان ابن العبري لم يذكر اسمهم، ولكن من المرجح أنه منصور بن سرجون – والد يوحنا الدمشقي والشاعر الأخطل مرافقا الخليفة وكلاهما مسيحيان بالديانة .
المصدر :
منصور بن سرجون والمعروف بالقديس يوحنا الدمشقي من منشورات الفكر المسيحي بين الامس واليوم 6 – المطبعة البولسية – شارع لبنان، بيروت 1991
* المؤرخ اللبناني فيليب حتي كان أول من أطلق هذه التسمية – الشقيقة – على الكنيستين، ولكن شخصيا أذهب أبعد من ذلك وأضيف واقول الكنيستان التومأتان لما بينهما من أواصر القربى وفي منطقة جغرافية واحدة غالبا.
** عبد الملك بن مروان بن الحكم ( 26 – 86 هجرية/ 646 – 705 ميلادية ) وهو خامس خلفاء الأمويين من الذين أخذوا مدينة دمشق مقرا لهم.
*** حنان يشوع الأول الأعرج / ܚܢܢܝܫܘܥ ܐ ܚܓܝܪܐ ( 685 – 700 ميلادية ) وهو البطريرك الأربعين من سلسلة البطاركة للكنيسة المشرقية النسطورية.