Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

القوش الصراع من اجل البقاء وموقف الزوعا المخجل من هذا الصراع

 

 habeebtomi@yahoo.no

قبل يومين كنت في تلكيف وتمشيت في بعض ازقتها وأحيائها وفي سوقها وليس من السهولة ان تعثر على تلكيفي ( كلداني مسيحي ) في هذه المدينة التاريخية التي مر فيها قبل اكثر من قرن ونصف من السنين السائح الفارسي الملقب بالمنشئ البغدادي وهو مترجم في القنصلية البريطانية في ولاية بغداد يومذاك ويكتب عن تلكيف حين مروره بها ويقول : انه يقطنها 2000 عائلة جميعهم من النصارى الكلدان ، اليوم اصبحت بحق مدينة عربية إسلامية تنتشر في كل اجزائها المساجد الإسلامية ، ولحد عام حيث 1957 حيث كنت اداوم في الصف الأول في متوسطة تلكيف لعدم وجود مدرسة متوسطة في القوش وقتئذٍ ، إذ لم يكن فيها اي ساكن عربي مسلم ولم يكن فيها اي اثر لأي جامع في المدينة .

ولسنا هنا بصدد تحديد المسؤولية لهذا التغيير الديموغرافي المجحف ، لكن على العموم يتحمل المسؤولية اهل المدينة نفسها ، والطرف الآخر الذي يتحمل المسؤولية هو الأخ المسلم الذي لم تكفيه ارض العراق برمتها فاضطر الى السكن في هذه المدينة ، والطرف الثالث في هذه المعادلة هو الحكومة العروبية العنصرية التي لا تستطيع ان ترى مدينة تحتفظ بثقافتها ودينها وهويتها المخالفة للثقافة والدين والهوية العربية الإسلامية .

اليوم تتجه الأنظار لإحداث تغيير ديموغرافي في البقية الباقية من البلدات الكلدانية المسيحية ، إذ ان المدن العراقية الرئيسية ( بغداد والبصرة والموصل ) قد اوشكت على التخلص من الكلدان وبقية مسيحيي العراق ، وذلك بغية خلق مجتمع متجانس فيه دين واحد فقط وهو الدين الإسلامي فكان بالأمس إفراغ المدن من اليهود واليوم يجري إفرغها من المسيحيين والصابئة المندائيين ، ويكرر التاريخ نفسه كما حدث في جزيرة العرب قبل حوالي 1400 سنة إذ اصبحت هذه الجزيرة محصورة للديانة الإسلامية فحسب ، ماسحة الوجه الديقراطي الليبرالي الذي كان سائداً في المجتمع العربي القبلإسلامي والذي يطلق عليه المؤرخون العرب اليوم بأنه عصر الجاهلية في حين كان بحق عصر الديمقراطية والتعدد والتعايش والتسامح . وكانت مكة قبل الإسلام محجاً لجميع الأديان والأمم في حين بعد الإسلام اصبحت مكة محجاً للمسلمين فحسب .

نعود الى مربط الفرس بما يتعلق ما تتعرض له مدننا وقرانا السريانية والكلدانية من محاولات التغيير في البنية السكانية وموقف الحركة الديقمراطية الآشورية المخجل في هذه المسألة ، وهذا لمسته اثناء زيارتي الأخيرة الى القوش ، وأنا شخصياً لا اريد الكتابة عما يخص هذه الحركة ( الحركة الديمقراطية الآشورية ) حيث ان اعضائها وكادرها يملكون حساسية مفرطة ضد اي نقد مهما كان هدفه ، لقناعتهم انهم وحدهم يملكون الحقيقة المطلقة وإن اي ناقد هو على باطل ، لكن المسالة التي تخص الإجحاف بحق القوش لا تسعفني إرادتي بإلتزام جانب السكوت ، فبادرت الى الكتابة .

كما هو معلوم ان الحركة الديمقراطية الآشورية حزب سياسي عراقي تأسس في العقود الأخيرة من القرن الماضي في دول المهجر وانتقل نشاط هذه الحركة او هذا الحزب الى كوردستان ، مستفيداً من الوضع السياسي المستقر بعد عام 1991 والذي كانت فيه ابعاد ديمقراطية واضحة بوجود برلمان وحكومة منتخبين وفق السياق الديمقراطي ووجود قوانين وأنظمة ديمقراطية في منطقة محمية بقرارات دولية .

بعد سقوط النظام في عام 2003 طرحت الحركة الديمقراطية الآشورية نفسها كحزب يمثل كل المسيحيين ، وأوهمت الناس بأنها كانت تحمل السلاح ضد النظام السابق ،في الوقت الذي لم نسمع فيه ان هذه الحركة قد أطلقت رصاصة واحدة واشتركت في معركة واحدة ما ضد النظام السابق ، ونحن بانتظار من يسعفنا او يعلمنا عن معركة واحدة وتاريخ تلك المعركة لكي يكون للحركة الديمقراطية الآشورية مصداقية حينما تدعي ذلك ، لكن حسب معلوماتي الى اليوم ان الحركة لم تشترك في اية معركة فعلية ضد النظام السابق .

لكن مع الأسف الحركة دأبت على إثارة قضايا ورفع شعارات ذات طابع وبريق شعبي من قبيل وحدة شعبنا المسيحي لكي تكسب دعم الشعب المسيحي من الكلدان والسريان ، وتبين بمرور الزمن ان الحركة كانت تريد من شعار الوحدة أشورة كل المكونات من كلدانية وسريانية وجعلها آشورية بحجة اننا اصحاب الدين الواحد ولغة واحدة ، لقد تبين انه مكر سياسي ليس إلا ، وتريد ان تكون هي الحزب القائد الأوحد ، ولا اريد ان أتدخل في الشأن الداخلي لهذه الحركة التي يتبين مما يترشح من الأخبار الداخلية التنظيمية لهذه الحركة بأنها تعاني من التحكم المركزي المتشدد ذات الطابع الديكتاتوري .

ومع كل ذلك ليس لنا مصلحة في معاداة هذه الحركة ، فهي كباقي الأحزاب السياسية العراقية تعمل في الساحة ، لكن المآخذ على الحركة انها لم تتعامل بأخوة وعدالة مع حقوق الشعب الكلداني ووقفت بالضد من حقوق الشعب الكلداني في كل المحافل ، ولعل الصراع المستميت من اجل الهيمنة على المناصب وكمثال غير حصري منصب رئيس الوقف المسيحي والديانات الأخرى غير الأسلامية ووقوفها بالضد من إرادة المؤسسة البطريركية الكاثوليكية للشعب الكلداني خير مثال على محاولة هذه الحركة للهيمنة على مصائر المسيحيين كافة وجعلهم توابع خاضعة لهيمنة الحركة ، وبصراحة تتبنى وتروج الحركة لفكر إقصائي بحق الكلدان والسريان وتلغي هويتهم القومية ، وهذه افكار إقصائية لا تحترم عقلية الناس ، وإن زمنها قد مضى وكان مكانها مزبلة التاريخ ، لكن يأتي اليوم من يعرضها من جديد وكأنه صاحب مخترع حديث يفيد الإنسانية .

نعود الى مسألة محاولات التغيير الديموغرافي في القوش ، لقد كانت البداية في توزيع الأراضي في القوش في العهد السابق بشكل عشوائي دون مراعاة الخصائص الثقافية والدينية لهذه البلدة ، وكانت هنالك محاولة أخرى في إسكان قبائل عربية في قرية بيندوايا ، لكن بسقوط النظام استطاع اهل القوش الطيبين من تلافي تلك المخلفات بطريقة وأخرى ، واليوم تتكرر المحاولات بشكل وآخر ، ولكن الألاقشة الأصلاء يقفون متكاتفين وبصف واحد ضد تلك المحاولات المشبوهة ، ولكن الغريب ان الحركة الديمقراطية الآشورية هي الوحيدة التي تغرد خارج السرب والآلاقشة مستاؤون من هذا الموقف الغريب العجيب من الحركة التي تدعي تمثيل المسيحيين في المحافل السياسية والبرلمان .

مقدماً أقول لكتاب وإعلام الحركة بأننا لا نريد ان المزايدة على الحركة لكن نحن تهمنا مسألة التغيير الديموغرافي في مدننا الكلدانية بشكل عام وفي القوش الحبيبة بشكل خاص ، وموقف الحركة كان التخاذل في هذه المسألة وهي واضحة كحقيقة 2+2 = 4 فليس في المسألة اي اجتهاد او مزايدة انه نقد بناء ويجب على الحركة ان تتقبله وتعترف بخطأها وتقدم لأهل القوش اعتذارها وتقدم لنا شكرها ، لأننا نشخص نواقصها وأخطائها بكل شفافية .

لقد كان موقف الحركة الديمقراطية الآشورية المخجل والمتخاذل من مظاهرة القوش السلمية ضد التغيير الديموغرافي هو موقف سياسي بحت يفضح ادعاءات وشعارات الحركة في الدفاع عن حقوق المسيحيين ، لا سيما في مسألة حساسة وهي مسألة التغييرالديموغرافي التي يُعمل بها على قدم وساق ، لكن الحركة آثرت مصالحها الذاتية الحزبية الضيقة على مصلحة الشعب المسيحي من كلدان وسريان وأرمن ، وحسب رأيي المتواضع ان الحركة كانت بالضد من المظاهرة كونها في القوش ، لأنها ببساطة الحركة تريد الهيمنة على القوش الكلدانية ، وتسعى الى أشورة قوميتها الكلدانية وبنيتها السكانية الأساسية . لقد ثبت ان الحركة تريد ان تحقق مصالحها ومن بعدها ليكن الطوفان ، وهذا ما اثبتته الحوادث على مدى السنين الماضية . لقد منحنا اصواتنا نحن الكلدان لممثلي الزوعا ( قائمة الرافدين ) فتبين ان رئيس قائمة الرافدين الأستاذ يونادم كنا يلغي تاريخ الشعب الكلداني الذي اوصله الى مبنى البرلمان ، ويلغي قوميته وهويته ، فهل هنالك برلماني آخر في العراق او في الكرة الأرضية يتنكر الى تاريخ وهوية الشعب الذي انتخبه ؟ إنه امر مخجل حقاً .

اثناء وجودي في القوش قبل أيام علمت ان السيد يونادم كنا قدم الى القوش وعقد اجتماع مع اعضاء حزبه ، ولم نسمع عن لقاءات اخرى ، ولو علمت في وقتها لطلبت منه باعتباره قريب من مركز صناعة القرار فهو عضو البرلمان العراقي وقيادي كبير يمثل المسيحيين في الإعلام وفي المحافل الدولية وفي البرلمان ، وأنا أحد ابناء الشعب الكلداني المغلوب على امره والمهمشة حقوقه ، لسألت سيادته سؤال :

لماذا تنكر تاريخ الشعب الكلداني وتنكر هويته القومية في حين انت تمثله في المحافل السياسية والإعلامية والمؤتمرات وهو الذي منحك صوته وأوصلك الى قبة البرلمان ؟

والسؤال الآخر الذي اطرحه له :

لماذا تجنب حزبكم الأشتراك في مظاهرة القوش السلمية المناهضة للتغير الديموغرافي في المنطقة بل ان حزبكم كان له موقف غامض من مسألة التغيير السكاني في بغديدة وبرطلة ؟ وبما اني مواطن بسيط من القاعدة الجماهيرية ، وإن سيادته في القيادة المسؤولة عن مصائر العراق والمكون المسيحي بقومياته ، فإنني أسئلتي تبقى قائمة له ولحزبه .

اقول :

إن القوش رغم المصائب والأهوال التي ألمت بها عبر العصور فقد ظلت قائمة محتفظة بهويتها ، وإن تزوير التاريخ بإصدار نسخة مزورة من كتاب القوش عبر التاريخ لمؤلفه الكلداني الأصيل المطران يوسف بابانا بغية تغيير التاريخ ، والسكوت المخجل على عمليات تغير البنية السكانية لألقوش وغيرها .. كل هذه الأفعال محكوم عليها بالفشل ، واثناء تواجدي في القوش بشكل متواصل لم اجدها يوماً مثل هذا اليوم حيث الأتفاق المجتمعي وبين كل الأطراف الدينية والحزبية والرسمية والشعبية ، باستثناء الحركة الديمقراطية الآشورية التي غردت في هذه المسالة خارج السرب كما سبق ذكره آنفاً ، حيث يتفق الجميع على شرف صيانة وحدة القوش الكلدانية وعدم المساس بتركيبتها الأثنوغرافية والدينية ، وإن من يحب القوش يجب عليه احترام هويتها الكلدانية وإرادة شعبها وعدم المساس بخصوصيتها الثقافية والهوياتية .

د. حبيب تومي في29 ـ 10 ـ 12

 

Opinions