Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المالكي.. ثائر أم ثأري ؟

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي قاد صولة الفرسان التي بدأت في يوم الثلاثاء 25 مارس 2008 بمساعدة ودعم لوجستي من قبل القوات الأمريكية ، والذي أعلن عن استراتيجته الرامية لفرض القانون وحصر السلاح بيد الدولة ومنع المظاهر المسلحة، والذي قام بتوجيه ضربة قاصمة للمليشيات الخارجة عن القانون أو تلك التي تريد أن تفرض سيطرتها على الشارع العراقي و خاصة في البصرة جنوب العراق و مدينة الصدر شرق بغداد، إنما كسب ود الناس و جذب عواطف البعض الذي استبشر خيراً بعهد تمناه أن يكون جديداً يعم فيه السلام والأمن في ربوع الوطن بعد هيمنة المشاهد الدموية الأكثر قتامة بعد التغيير الذي حصل في العراق عام 2003 وما تلاه.
و على أساس صولة الفرسان و خطة فرض القانون، ارتفعت أسهم المالكي وحزبه وقفزت إلى أعلى المستويات سواء في انتخابات مجالس المحافظات، أو في الانتخابات التشريعية 7-3-2010 التي حاز فيها المالكي لوحده على ما يزيد عن نصف مليون صوت، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تقدير الشارع العراقي لمن يظن أو يعتقد بأنه قد فعل الخير من أجله و من ثأر لكرامتهم و ثأر لحقوقهم التي غمرت أو كادت المليشيات أن تغمرها من خلال فرض الأتاوات والأوامر التي تدخلت في كل شيء حتى في قضية الملبس والمظهر الخارجي وخاصة على النساء الساكنات ضمن الموقع الجغرافي الذي كانت تهيمن عليه تلك المليشيات، ولهذا كان المالكي ثائراً بنظر الكثير من أبناء الشعب العراقي أو هكذا اقتنعوا.
يقول البعض إن المالكي الذي قام بالتوقيع على قرار إعدام صدام حسين وأسرع بتنفيذ الحكم به دون الرجوع أو انتظار شرعية ومصادقة رئيس الجمهورية على حكم الإعدام هو نفسه اليوم من يدفع المتظاهرين و يثقف بثأرية ضد رئيس الجمهورية جلال طالباني الذي كان له الفضل الأكبر في ترشيح المالكي لمنصب رئيس الوزراء في دورته الأولى بدلاً من الجعفري المرشح الرسمي للإئتلاف العراقي الموحد في حينها ولكن بدفع من الأمريكان وبفعل برود العلاقة وتشنجها بين الجعفري والطالباني تم إبعاد الأول عن المنصب واستبداله بالمالكي المستبعد أصلاً عن مثل هكذا حسبة في حينها، و اليوم ها هو طالباني يذوق من نفس الكأس ذات المشرب المر إن لم تكن أكثر مرارة، لكون المالكي تجاوز كل الخطوط الحمر والأعراف الدبلوماسية وبدأ يضرب تحت الحزام، و يدفع جماهيره لإحراج طالباني بضرورة التوقيع على أحكام الإعدام المتراكمة، والتي وكما يبدو أنه قد خول نائبه الثالث خضير الخزاعي الذي أثيرت حول تعيينه نائباً ثالثاً لرئيس الجمهورية بتوقعي أحكام تلك القرارات المكتسبة للدرجة القطعية.
فهل كان المالكي ثائراً و هو يوقع قرار إعدام صدام حسين باعتباره رئيساً للوزراء من دون انتظار توقيع رئيس الجمهورية، ولم يعد ثائراً الآن وهو ينتظر توقيع رئيس الجمهورية لتنفيذ أحكام الإعدام الأخرى؟
و بسؤال آخر: هل كان قرار المالكي بإعدام صدام ثأرياً أو دعائياً لكسب ود الأغلبية التي كانت تشعر بالحيف من ظلم وجور سياسات صدام حسين أو كان يعمد من ذلك إلى تحقيق ثأره مع صدام الذي أبعده عن بلده العراق على مدى عقود وحكم عليه بالإعدام غيابياً لكونه كان معارضاً لحكمه ؟؟
الفرق بين "الثائر و الثأري" لا يعدو أن يكون هو نفسه الفرق بين الإلتزام بقضية وطن أو قضية شعب أو قضية إنسانية و بين الذي يأخذ الأمور بشكلها الذاتي النرجسي و تكون ردود فعله تجاه الأشياء مصبوغة بصبغة شخصية و ردود فعله تشوبها العصبية والعصابية أحياناً أخرى، والتي لا تنفك أن تكون إلا انعكاساً لعواطف جياشة في الحب والكراهية وفي مثل هكذا حال فالكراهية وحدها هي المحرك والباعث الدافع للسلوك.
لو رجعنا قليلاً إلى الوراء بصورة خاطفة لنظرنا إلى ما فعله صدام حين استقدم ضباط ومراتب الجيش والحرس الجمهوري في عام 1991 لقمع الإنتفاضة الشعبية التي اندلعت عقب غزو الكويت، وهو كان يوحى لأهل الفرات الأوسط و الجنوب من حيث يشعر ولا يشعر بأن من يمسك بمقاليد الحكم بصورة فعلية هو صدام بفرديته وشخصه وعائلته وأقاربه بالدرجة الأولى، و من يسانده من محافظات له في بعضها امتداد عشائري وقبلي وفي بعضها الآخر امتداد طائفي، وهذه مشاعر وإن كانت مكبوتة لدى بعض العراقيين ولكنها اليوم تطلق سراح المكبوت بين الفينة والأخرى وبشكل يختلف في انتظامه و في توجهه.
فالبعض من حقه أن يربط الأمور ببعض الوقائع والحوادث، ليصل إلى استنتاج يجد فيه أن المالكي يفعل الشيء ذاته اليوم، حينما استقدم شيوخ وعشائر من أهل الجنوب، وفقاً لما تم نشره في وسائل الإعلام وما تناقله الشارع العراقي، لكي يضرب أو يحرض أو يصمت على فعل هجومي ضد متظاهرين مطالبين بتحسين الخدمات في بغداد، ويجعل من قضية المجرم فراس الجبوري الذي نفذ عمليات اجرامية ذات مغزى طائفي وإجرامي وإرهابي في آن واحد، بمثابة مسمار جحا لتعليق إخفاقات الفترة السابقة لحكومته وحكمه و إبعاد الأنظار عن حقيقة ما يعانيه العراقيون من نقص في الخدمات واستشراء للفساد وترسيخ لسياسة المحاصصة وانتشار لحوادث الإغتيال والقتل بمسدسات كاتم الصوت أو العبوات اللاصقة والعمليات الانتحارية، فضلاً عن قضية فراس الجبوري التي لا تختلف عن باقي القضايا الجنائية إلا في مستوى بشاعتها و تسليط الضوء عليها إعلامياً لجعلها قضية رأي عام و سيفاً يلوح به أو يستخدم لمآرب وغايات لا مجال للكلام عنها هنا.
فلو انتبهنا الى تصريحات بعض الشباب المتظاهرين الذين خرجوا يوم الجمعة 10-6-2011، وقالوا عبر لقاءات ميدانية من كاميرا فيديو وقد بدت عليهم آثار الضرب على منطقة الرأس، بأن شيوخ عشائر من أهالي الجنوب كانت تقلهم سيارات تابعة للحكومة من وإلى ساحة التحرير، هم من قاموا بالإعتداء عليهم، واصفين إياهم بأنهم "من أهل المحافظات" تلك اللفظة التي ترسخت في وعي العراقيين والتي جذرت لها سياسات ووسائل إعلام صدام حسين لتفريق أهل بغداد عن أهل المحافظات و خاصة محافظات الجنوب والفرات الأوسط، فكانت النكات الساخرة المتداولة في فترة التسعينات والتندر بتناول الأحاديث التي تحاول أن تنال أو تنتقص من مظهر شباب الكليات الذين كانوا كغيرهم يعانون من شظف العيش والحصار الإقتصادي المفروض دولياً ضد العراق، تأتي من خلال لفظة "محافظات" لوصف أولئك الشباب القادمين من الوسط والجنوب، لغرض الدراسة في جامعات وكليات العاصمة بغداد.
ولفظة "محافظات" لفظة إيحائية تعني اولئك الذين لا يملكون مؤهلات المدنية والتحضر التي يمتلكها سكنة وأهل بغداد كما يعتقد مطلقو تلك اللفظة، وكان البعض يفسرها بأنها طريقة اقتصاص لها مدلولات سياسية ضد محافظات الجنوب والفرات الأوسط التي انتفضت ضد نظام صدام حسين عام 1991، بعد حرب الخليج الأولى التي أعقبت غزو الكويت.
ويثار تساؤل آخر: هل تصرف المالكي هذه المرة أيضاً بصورة ثأرية أيضاً ؟ لإعادة مشاهد رسخها النظام السابق لدى المجتمع سواء كانت حقيقية أو مبالغ بها والتي من خلالها قام بتوريط بعض أهل العراق لضرب العراقيين الآخرين في أماكن جغرافية تعكس إلى حد بعيد غالبية الإنتماءات الطائفية، وهذه المرة وكما يسوق في السر أو في العلانية ولكن بصورة إيحائية بأن المتظاهرين والمطالبين بتحسين الخدمات هم في غالبيتهم ليسوا من طائفة رئيس الوزراء المالكي ؟؟
ولا يخلو المشهد الحالي من تصعيد آخر وخطير قام به السيد المالكي ضد الدكتور أحمد الجلبي على خلفية إصرار الأخير ترشيحه لمنصب وزير الداخلية الأمر الذي يرفضه المالكي، وكانت أوجه التصعيد متعددة المشاهد، كان آخرها قرار عزل الجلبي عن رئاسة هيئة المصالحة والعدالة وتوجيه المالكي التهم بالفساد ضد مصرف التجارة العراقي الذي يديره حسين الأذري المقرب من الجلبي، الأمر الذي نفاه الجلبي وطعن في تلك المزاعم، متسائلاً: "لماذا لم يقم المالكي بفتح تحقيقات في قضايا خطيرة جداً تمس المال العام، لها أبعادها المريعة في الفساد كما حصل في مصرف البصرة الذي امتنع عن سداد ديونه لمصرف الرافدين العراقي الذي أقرضه ما يقرب من 350 مليار دينار عراقي، أي أكثر من رأس مال المصرف بمقدار 15 مرة.

فهل المالكي ثائر أم ثأري ؟

***

حسين الحسيني

hussein@alalemya.com


Opinions