جودت هوشيار لصحيفة ( المغرب ) التونسية : الدولة الكردية آتية
أجرت الصحافية اللبنانية روعة قاسم مسؤولة قسم الشؤون العربية والدولية في صحيفة المغرب التونسية حواراَ صحفيا مع الكاتب جودت هوشيار وفي ما يلي نص الحوار:
س1 : كيف تقيمون موقع الاكراد اليوم في ظل تحولات الربيع العربي؟
ج1 : يروق لمعظم الكتاب والباحثين العرب ، المهتمين بالشأن الكردي ، القول ان ثورات الربيع العربي ألهمت الكرد وحفزتهم لأستعادة الوعي القومي وهويتهم المتميزة والمطالبة بحقوقهم السياسية في الدول الأربع التي تتقاسم كردستان.
ان أقل ما يقال عن مثل هذه المزاعم انها ان دلت على شيئ فأنما تدل على ان نظرة المثقفين العرب الى القضية الكردية لم تتبدل من حيث الجوهر منذ سقوط الأمبراطورية العثمانية وحتى يومنا هذا ، نظرة الأستعلاء القومي وتجاهل النضال الدامي الذي خاضه الشعب الكردي في اجزاء كردستان بأسرها من اجل الحرية والأستقلال . وهذا ليس بالأمر الغريب ... ألم يسكت المثقفون العرب صمت أبو الهول ، عندما احرق صدام واباد اكثر من ( 4500) قرية كردية وقتل الكرد بالنابالم أو دفنهم أحياء في مقابر جماعية وبخاصة بعد نقلهم الى صحارى جنوب العراق . نعم سكت " المثقفون " العرب عن جرائم الأبادة الجماعية ( الأنفال ) و ابادة سكان بلدة " حلبجة " الشهيدة والبلدات الكردية الأخرى بالأسلحة الكيمياوية .
الوعي القومي تشكل لدي الكرد منذ زمن طويل . حيث شهدت اجزاء كردستان طوال المائة عام الأخيرة انتفاضات و ثورات عديدة ، تندلع في هذا الجزء من كردستان أو ذالك ، مطالبة بالحقوق القومية المشروعة ، و آخرها أنتفاضة آذار 1991 المجيدة التي حررت فيها القوى الشعبية اجزاء كبيرة من كردستان الجنوبية ( العراق ) من قبضة صدام وبضمنها مدينة كركوك ، وهي المدينة الوحيدة التي أستطاع صدام أستعادتها بعد ان زج أفضل فيالقه العسكرية لمهاجمة المناطق المحرررة بمساندة الطيران التي سمح له الأميركان بأستخدامه لقمع أنتفاضة الشيعة في الجنوب ومحاولة قمع أنتفاضة الكرد في الشمال .
ثورات الربيع العربي لم تلهم الكرد ، لأنهم ثاروا على صدام وهو فى اوج قوته وجبروته وكسروا حاجز الخوف قبل الغزو الأميركي للعراق يأثني عشر عاما ، عندما كان الشعراء العرب يتغنون ببطل العروبة وحامي البوابة الشرقية .
ثورات الربيع العربي لم تلهم الكرد ولكن خدمتهم بكل تأكيد . ففي الوقت الذي أحدثت فيه الثورات في تونس وليبيا ومصر واليمن انقسامات عميقة في مجتمعات تلك البلدان ، فأنها أدت الى تعزيز التلاحم النضالي بين الكرد في كردستان الكبرى . وعلى النقيض من المجتمعات العربية التى سيطرت فيها احزاب " الأسلام السياسي " على مقاليد الحكم ، فأن الأحزاب الأسلامية في كردستان لا تحظى بتأييد شعبي واسع ، والشعب الكردي يتطلع الى حكم علماني وديمقراطي وهو أكثر تقبلاً من شعوب المنطقة للقيم الأنسانية السائدة في المجتمعات المتحضرة في عالم اليوم .
ثورات الربيع العربي غيرت موازين القوى في الشرق الأوسط لصالح الكرد و المناخ السياسي السائد في المنطقة اليوم سيغير من خريطتها الجيوسياسية والاقتصادية ، والمجتمع الدولي بات على قتاعة بشرعية المطالب الكردية ـ التى تلقى تعاطفا وتأييدا من هيئات ومنظمات دولية وكبار رجال السياسة والفكر في الدول الغربية وقد ولى الى الأبد زمن قمع الكرد بالحديد والنار وطمس هويتهم و مصادرة حقوقهم السياسية ، ولن يقبل الكرد بعد اليوم العيش في ظل أي نظام يتنكر لحقوقهم المشروعة .
س2 : ما هي علاقتكم مع الاتراك وما رايكم في اتفاق السلام بين انقرة واكراد تركيا؟
ج2 : : بعد انتفاضة آذار 1991 كانت المنطقة الكردية في العراق تعاني من حصار مزدوج : الحصار الدولي المفروض على العراق و حصار النظام الصدامي الذي كان حصارا قاسيا ووحشيا , وكانت الدول المجاورة ( تركيا وايران وسوريا ) تعقد اجتماعات دورية – بمشاركة النظام الصدامي - لبحث كيفية خنق التجربة الكردية الوليدة ، بل ان تركيا كانت لها قوات عسكرية في المنطقة الكردية وتشن هجمات مكثفة ضد قواعد حزب العمال الكردستاني على الحدود العراقية – التركية وتتوغل داخل الأراضي العراقية – متى شاءت - لملاحقة مقاتلي الحزب بموافقة النظام الصدامي .
لم تكن هناك موارد كافية لتطوير المنطقة او حتى تأمين مستوى معقول للمعيشة ، ويمكن القول ان العلاقات الكردية – التركية لم تكن كما يتمناها الكرد من حسن الجوار و الأحترام المتبادل والمصالح المشتركة .
كانت تركيا تخشى التجربة الكردية والوليدة ، ولكن الموقف أخذ يتغير تدريجيا بفضل طول نفس الكرد وصيرهم ومحاولتهم الدائمة لتطبيع وتحسين العلاقات مع دول الجوار وفي مقدمتها تركيا
وقد نجح الكرد بعد بذل جهود مضنية ودؤوبة ، في تطوير العلاقات المتعددة الجوانب مع تركيا وبخاصة في المجال الأقتصادي ، حيث تعمل اليوم مئات الشركات التركية في اقليم كردستان – العراق .ولا ننسى ان معظم هذه الشركات تعود لرجال اعمال كرد من كردستان الشمالية . اما في مجال الطاقة وبخاصة النفط ، فأن الحكومة المركزية في بغداد تحاول تضييق الخناق على الأقليم وتحجيم دوره وخلق صعوبات لسكانه ، حيث قلصت حصة الأقليم من المشتقات النفطية مما اضطرت معها حكومة الأقليم لأستخراج النقط ونقله الى تركيا لغرض تصفيته وتصنيع المشتقات النفطية واعادتها الى الأقليم لتلبية الأحتياجات المحلية .ان الدستور العراقي النافذ ينص على تخصيص 17% من ميزانية الدولة العراقية للأقليم ولكن من الناحية العملية ،فأن حصة الأقليم أقل من هذا بكثير ولا يتجاوز 11% بعد استقطاع ما يسمى بالنفقات السيادية . وحتى هذه النسبة الأخيرة معرضة لمزايدات سياسية من قبل حزب الدعوة الحاكم في العراق و تتخذ كوسيلة ضغط على حكومة الأقليم .
ان القبول بهذا الوضع يشكل خطرا على مستقبل كردستان و حياة شعبه وكان لا بد من البحث عن وسيلة للتحرر من أبتزاز الحكومة الأتحادية ، وقد لجأ ت حكومة الأقليم الى تأمين الموارد اللازمة لنطوير البنى التحتية والنهوض الأقتصادي عن طريق أستخراج وتصدير النفط المنتج محلياً بالتعاون مع عدد من كبريات شركات النفط في العالم ، وهو استغلال مشروع للثروة النفطية الكردية وينسجم مع نص وروح الدستور العراقي النافذ .
أما بصدد اتفاق السلام بين انقرة واكراد تركيا ، فأن هذه هي المرة الأولى التي تعلن فيها الحكومة التركية عن عزمها على حل القضية الكردية بشكل سلمي ، وهذا بحد ذاته تطور مهم . وكان الرئيس التركي عبدالله غول قد أعلن إن “تركيا يجب ألا تدفن رأسها في الرمال”، في إشارة إلى ضرورة الانفتاح على الواقع الكردي ، وتلاه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي أكد في كلمة أمام نواب حزبه، إنه “لو أن أنقرة تصدت لحل المشكلة الكردية قبل أن يفقد آلاف الناس حياتهم فأين كانت لتكون اليوم”؟ وأضاف انه “يجب السؤال عن مكمن الخطأ وأين هي السياسات الخطأ والمواقف الخطأ”؟، مشيرا إلى انه يريد أن يحل المشكلة بعقل مشترك، وتابع انه “أياً تكن الأخطار فلا بد من حل هذه المشكلة من اجل تركيا ومواطنينا”.
وعندما اعلن اوجلان ندائه التأريخي في 21 آذار العام 2013 ، الذي تضمن البدء بحل القضية الكردية بخطوات متقابلة بين الجانبين الكردي والتركي . تساءلت في مقال لي تحت عنوان " نداء أوجلان التأريخي للسلام، ألقى الكرة فى ملعب أردوغان " هل قدم اوجلان تنازلات مبكرة ؟
ذلك لأن النداء تضمن الموافقة على انسحاب مقاتلات ومقاتلي حزب العمال الكردستاني الى خارج الحدود التركية ( عمليا الى أقليم كردستان – العراق ) من دون اي ضمانات لقيام الحكومة التركية من جانبها بخطوات عملية لتحقيق المطالب الكردية وفي مقدمتها تعديل الدستور التركي الذي لا يعترف الا بوجود القومية التركية و تعزيز حقوق الكرد و توسيع نطاق تعليم اللغة الكردية واستخدامها في كافة مجالات الحياة في المناطق الكردية و اطلاق سراح المعتقلين الكرد وغيرها من المطالب المشروعة التي تنص عليها المواثيق الدولية لحقوق الأنسان .. ولكن الحكومة التركية لم تقدم على اتخاذ أي خطوة عملية في هذا الأتجاه . كما ان هذه هي المرة الأولي في تأريخ الحركات التحررية ، يجري فيها الأتفاق بين الحكومة وبين زعيم معتقل . ان اوجلان لا يمتلك حريته وكل ما يصدر عنه تحت رقابة حكومية مشددة لا يمكن أعتباره اتفاقا بين طرفين . وأخشى ما أخشاه ان يكون كل هذا مناورة من اردوغان لكسب أصوات الكرد الأنتخابية في الأستفتاء الذي سيجري العام 2014 حول التعديلات الدستورية التي تتيح له تولى منصب رئيس الجمهورية . صحيح ان ثمة ضغطا دوليا على حكومة حزب العدالة والتنمية لحل القضية الكردية في تركيا بالطرق السلمية ، ولكن حزب المعارضة الرئيسي " الشعب الجمهوري " والأحزاب القومية التركية المتطرفة تعارض بشدة أي اتفاق مع الكرد . لذا لا يمكن التكهن بما يؤول اليه الأتفاق اذا لم تقدم الحكومة التركية على اتخاذ خطوات عملية ملموسة لصالح الكرد. وقد هدد اوجلان مؤخراُ بأعادة النظر في هذا الأتفاق في ضؤ تلكؤ الحكومة التركية في تنفيذ وعودها للزعيم الكردي الأسير والتي من شأنها – في حالة تحقيقها عملياً - ان تساعدعلى كسب ثقة الجانب الكردي ومواصلة عملية السلام .
.س3 : دور الاكراد في الثورة السورية ومعركتهم اليوم مع جبهة النصرة؟ ورؤيتكم للمرحلة المقبلة ، وهل سيتستمر برايكم صمود الاسد؟
ج3 : لعب الكرد السوريون دورا بارزا في تأسيس الدولة السورية وبرز منهم رؤساء ووزراء ونواب و مفكرون و مبدعون ، ولكن منذ مجيء حزب البعث الى السلطة بأنقلاب آذار 1963 ، دأبت الحكومات السورية المتعاقبة على أتباع سياسة الصهر القومي و طمس الهوية الكردية واستخدمت أساليب القمع الفاشية لأخضاعهم وسلب حقوقهم .
الكرد السوريون كسروا حاجز الخوف وأنتفضوا في عام 2004 وقد قمع النظام هذه الأنتفاضة بكل وحشية . كما ساهم الكرد في الثورة السورية الحالية بهمة وفعالية منذ بدايتها ونجحوا في تحرير المناطق الكردية في سوريا .ولكن القوى الظلامية – التكفيرية سرقت ثورة الشعب السوري وركبت الموجة واستطاعت ا الهيمنة على القرار السياسي والعسكري للمعارضة السورية و والتكفيريون يوجهون اليوم فوهات بنادقهم الى صدور الأطفال والنساء الكرد ويرتكبون مجازر تقشعر له الأبدان .
ان الشعب الكردي بأسره يتابع بقلق بالغ تطورات الأحداث الدامية في كردستان سوريا ، كما ان المجازر التي ارتكبتها جبهة النصرة و القاعدة بحق المدنيين الكرد وحدت بين الفصائل الكردية المختلفة في كردستان الغربية . وجبهة التصرة حسب مصادر موثوقة من صنع نظام بشار ،الذي كان يدرب اعضائها ويرسلهم طوال السنين الماضية لقتل أبناء الشعب العراقي وهو يستخدمهم اليوم في شق صفوف المعارضة .
ان الكرد السوريين لا يريدون سوى استعادة حقوقهم السليبة و العيش في مناطقهم بحرية وكرامة ، ولكن من المؤسف حقا ان المعارضة السورية عموما تسير على خطى بشار في انكار حقوق الكرد وتطلعاتهم المشروعة في العيش في ظل نظام فدرالي ديمقراطي .
صمود الأسد نابع من تشظي المعارضة السورية والتدخل الأجنبي في قراراتها . وقد ارتكبت هذه المعارضة خطاً قاتلا باحتضان ارهابي النصرة والقاعدة . حيث نجح بشار في تخويف الغرب بهم ، وما لم تفك المعارضة السورية ارتباطاتها الكارثية بالنصرة والقاعدة ، لن تحظي بدعم المجتمع الدولي على نحو جاد و سيظل بشار في الحكم الى ان يطيح به انقلاب عسكري وهو الأحتمال الأرجح .
س4 : ما هي علاقتكم بباقي الاكراد في المنطقة وهل تطمحون الى تاسيس دولة مستقلة؟
ج4 : ان أقليم كردستان ( العراق ) اليوم ، جزيرة للأستقراروالأزدهار وواحة للأمن والأمان في الشرق الأوسط وفي العراق على وجه الخصوص حيث لجأ اليها مئات الآلاف من الأخوة العرب من وسط وجنوب العراق هربا من الجحيم العراقي ، كما أحتضن الأقليم أكثر من 130 ألف لاجيء سوري . الأقليم ينهض من جديد بعد عهود طويلة من الأهمال المتعمد من قبل الأنظمة الحاكمة في العراق ويكتسب هذا الجزء الناهض المزيد من الشرعية والأعتراف الدوليين وتوجد في العاصمة أربيل اليوم ممثليات دبلوماسية لأكثر من ثلاثين دولة بينها عدد من الدول الغربية الكبرى ( الولايات المتحدة الأميركية ، بريطانيا ، ألمانيا ، فرنسا ) وروسيا الأتحادية .
واصبح الأقليم – على حد تعبير باحثة أجنبية متخصصة في الشؤون الكردية – مكة الأحزاب السياسية التي تأتي للحصول على الدعم والمشورة والوساطة .
كل هذه المكاسب حصل عليها الكرد بأنهار من الدماء ونضال بطولي على مدى عشرات السنين وهي ليست منة من احد .
قلت فيما تقدم ان الأقليم يحتضن الأخوة الكرد من كردستان الشمالية (كردستان تركيا) حيث يقيمون ويعملون بكل حرية في مدن الأقليم وبخاصة العاصمة اربيل العريقة التي تنهض من جديد بسواعد أبنائها ، كما اصبح الأقليم قبلة لكل الأخوة الكرد من سوريا وايران و للكرد المغتربين في انحاء العالم .
بالنسبة الى الشق الثاني من السؤال ، أقول ان الكورد من أقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط وكانت لهم دولهم واماراتهم حتي اوائل القرن السادس عشر ، حيث قسمت كردستان بين الأمبراطوريتين العثمانية والفارسية بعد معركة " جالديران " الشهيرة في العام 1514 ، ثم قسمت مرة ثانية الى اربعة أجزاء بعد الحرب العالمية الأولى بموجب اتفاقية " سايكس بيكو " الموقعة بين الحلفاء المنتصرين في العام 1916
ان حق تقرير المصير ، الذي نصت عليه المواثيق الدولية ،حق مشروع لكل شعوب الأرض . وقد جرى أظهر الأستفتاء الذي جرى في اقليم كردستان – العراق ، بالتزامن مع الأنتخابات التشريعية فيها العام 2005، ان حوالي 95% من سكان الأقليم يريدون الأستقلال عن العراق . وكانت هذه النتيجة متوقعة ، ولو سألت اليوم أي كردي في جميع انحاء كردستان الكبرى ، ستجد ان الجواب واحد لا يتغير وهو " انه يحلم باليوم الذي ستتحد فيه كردستان المقسمة وتتشكل دولة كردية ديمقراطية " والكرد اليوم يقتربون من تحقبق هذا الحلم ولو على جزء واحد من اجزاء كردستان .
من حق الكرد ان يقرروا مصيرهم بأنفسهم وان نكون لهم دولتهم على ارض وطنهم كردستان اسوة بشعوب العالم كبيرها وصغيرها والدولة الكردية آتية لا محالة. ومن المتوقع ان تشهد العاصمة اربيل قريبا المؤتمر الوطني الكردي من اجل تنسيق المواقف بين الأحزاب والحركات الكردية في العراق وسورية وتركيا وإيران، وبمشاركة ممثلي إتنيات كردية في عدد من دول الاتحاد السوفياتي السابق. وهذا المؤتمر هو ثمرة لجهود يبذلها القادة الكرد للم شمل الكرد بعد عهود من التقسيم والتشظي .
جودت هوشيار
jawhoshyar@yahoo.com