Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حصانة البنك المركزي خطر على البلاد!

 

20 تشرين الثاني 2012
 
في حديث له مع جريدة "العالم" (1) كشف سنان الشبيبي، المدير السابق للبنك المركزي العراقي الذي تم سحب يده، ومن مكان مجهول خارج العراق، أن "لدى موظفي البنك المركزي العراقي، حصانة في أداء واجباتهم، تقيهم عن اي محاسبة، بموجب المادة 23 من قانون البنك المركزي"! (2)
 وبالفعل، فكلام الشبيبي صحيح، فتلك المادة تمنح الموظفين الحصانة، فتقول الفقرة 1 من المادة رقم 23 من قانون البنك المركزي : لا يتعرض أي عضو من أعضاء المجلس أو أي موظف أو وكيل للمصرف المركزي العراقي للمساءلة القانونية أو يعتبر مسؤول مسؤولية شخصية عن أية أضرار وقعت بسبب اي إهمال أو إجراء صدر منه أثناء تأديته لمهامه أو في سبيل تأديته لمهامه الرسمية التي تقع في نطاق وظيفته والتزاماته المحددة له.
لاحظوا أن "الحصانة" تشمل "أي موظف" وكل ما يقع بسبب "أي إهمال أو إجراء" أثناء تأديه مهامه أو في سبيلها. وهو نص مخيف في سعته، فيكاد يكون من الممكن تبرير أية سرقة أو قرار يتسبب في تدمير للإقتصاد، وحتى حين يمكن البرهنة قضائياً أن المعلومات كانت متوفرة لدى الموظف لإدراك نتيجة جريمته، فيمكن له دائماً أن يدعي أنه "لم يطلع عليها" أو "نسيها" أو "لم يأخذها بنظر الإعتبار" أو "حسبها خطأً" ، وكل هذه لا تزيد عن تهم بالإهمال، الذي هو حصين من نتائجه بفضل قانون البنك!
 
وهناك أيضاً نص بأن يدفع البنك تكاليف الدفاع عن أي موظف يتعرض للمحاسبة، الخ. ورغم أن موظفي البنك كمؤسسة عراقية، لا يفترض أن يحصلوا على أية امتيازات خاصة، خاصة أمام القانون الذي يؤكد الدستور أن الجميع متساوين أمامه، فيبدو أن الأمريكان حين أسسوا البنك ووضعوا له الأهداف وطريقة العمل، توقعوا أن يأتي اليوم الذي تصطدم فيه الحكومة المنتخبة مع أهداف هذا البنك وطريقة عمله التي تلتزم مقاييس "حرية السوق" فوق أي مقياس آخر، وللتأكد من ذلك حرصوا على أن يضعوا على رأسه شخصاً يقدس تلك "الحرية"، "الحرية" التي برهنت الأزمات المتتالية أنها ليست سوى "حرية" المؤسسات المالية والبنكية الدولية، لشفط قيمة العملة بأسهل الطرق، وجعلها قانونية.
ويمكننا أن نرى العوائق التي وضعها قانون البنك وطريقة وضع مرجعية البنك من خلال المقالة التي كتبها السيد إسماعيل علوان التميمي، تحت عنوان "في قضية الشبيبي ... تجاوزت السلطات الاتحادية الثلاث حدود اختصاصاتها"(3) والتي تكشف أن السلطات تجاوزت بالفعل القانون والدستور من أجل محاسبة الشبيبي ، لكن أهم من ذلك بكثير، أنها كشفت أن الحكومة والدولة وكل مؤسساتها، لا تمتلك طريقة لمعالجة أية جريمة مالية تقع في البنك، حتى لو اتبعت أفضل الصيغ القانونية والديمقراطية، وأنها تقف مشلولة أمام أية حالة فساد في البنك الآن أو في المستقبل. ففي النهاية ستقف المادة 23 بوجه أية محاسبة للمتهم، بل ربما لن يمكن حتى توجيه الإتهام إلى أحد!
الحصانة التي "تقي عن أية محاسبة" قضية خطيرة للغاية، وهي مسمار جحا في نعش الديمقراطية أو حتى الدولة كلها، والثغرة التي يمكن منها أن يمتص الخفافيش دمائها بشكل مستمر دون أن يسمح لها حتى أن تنشهم وتكشهم! بهذه الطريقة يكون القانون مركزاً للفساد ونشر الفساد وحماية الفساد وحقنه بالقوة والجرأة والمناعة.
وهذا القانون الذي وضعه الإحتلال، إهانة للشعب الذي تقف هذه الحصانة فوق إرادته وسلطته على ثروته وتحكمه ببلاده. فقد فشلت أمريكا في إبقاء قواتها في العراق لأنها اشترطت تلك الحصانة، التي اعتبرها العراقيون "مهينة" لهم. وأكثر من ذلك فإنها أقرت، بأن تلك الحصانة يجب أن تقر من قبل مجلس النواب، وهو ما لم تكن تأمل بتحقيقه رغم الفساد المستشري فيه، فحتى البرلماني الفاسد المستعد لكل شيء، له خطوط حمراء يخشى أن يعبرها خوفاً من انتقام الشعب منه. فإذا كانت الحصانة تتطلب تصويت البرلمان، فمتى صوت البرلمان على منح الحصانة لموظفي البنك، ليضعهم فوق القانون والمحاسبة؟ إني أجزم أن الغالبية الساحقة من البرلمانيين ليس له أي علم بتلك المادة لأنه لم يقرأ قانون البنك يوماً. وإن كان للبرلماني الكثير من المشاغل، فيفترض في اللجنة المالية المسؤولة في البرلمان أن تفعل ذلك وأن تنبه البرلمان والناس على وجود مثل هذا اللغم الأمريكي تحت النظام المالي والقانوني العراقي. لكن يبدو أن مما حققه الأمريكان هو "انتخاب" اللجنة المالية ولجنة الإستثمار، إضافة إلى لجنة الطاقة والنفط التي رأينا مواقفها المشينة في أكثر من موقف حول قانون النفط وحول خصخصة وزارة الكهرباء.
وفي الضجة التي صاحبت قضية الهاشمي، أثيرت قضية الحصانة وإن كان يملكها، فقالت الحكومة على لسان أكثر من واحد من رؤوسها أن الحصانة ليست للمسؤولين، مهما كانوا كباراً، وحتى رئيس الحكومة ليس له حصانه، فهي لا تمنح إلا لأعضاء البرلمان، باعتبارهم ممثلي الشعب المنتخبين، فهل سنان الشبيبي ممثل منتخب للشعب؟ بل هل أن أصغر موظف في البنك هو ممثل منتخب للشعب؟ من أين جاءت الحصانة إذن؟ هل هناك غير "انتخاب بريمر" وانتخاب من انتخبهم بريمر ليمرروا سياسته المدمرة للعراق حتى بعد رحيله عنه، بما ترك من ألغام تحت كل مؤسسه فيه؟
هذا القانون العجيب، لا يعطي حصانة البرلماني المنتخب لأصغر موظف في البنك فقط، بل أكثر من ذلك. فعندما يخالف البرلماني القانون، يمكن للبرلمان أن يسحب حصانته عنه، فمن يسحب حصانة موظفي البنك عنهم إن ارتكب أحدهم جريمةً مالية؟
في الدستور العراقي تنص المادة (18)  رابعاً :ـ "... وعلى من يتولى منصباً سيادياً أو امنياً رفيعاً، التخلي عن اية جنسيةٍ اخرى مكتسبة،...". وقد وضعت فقط خوفاً من ما قد تعطي الجنسية الثانية من حصانة جزئية من المحاسبة والقانون العراقي، فكيف إذن تمنح هذه الحصانة الكاملة الصريحة لمواقع خطيرة للغاية، ولكل من يعمل تحت أمرتها، وفي موضوع المال، مركز اهتمام وتركيز أجهزة الفساد في اي مكان في العالم؟
لقد قال أحد اليساريين الحقيقيين يوماً، "أن جريمة إنشاء بنك، لها من النتائج الوخيمة على المجتمع ما يزيد كثيراً على نتائج جريمة السطو على بنك"، ويبدو أنه كان يعلم عن ماذا يتحدث. فالنظام البنكي، بأشكاله الحالية المتطرفة "التحرر" من المحاسبة، هو، مثل قوانين "حرية السوق" عموماً، شكل قانوني للسرقات الكبرى في العالم. سرقات تتم لنهب أموال الناس وتحويلها إلى جيوب المليارديرات بشكل قانوني وبعمليات "نظامية" يقوم بها موظفون "أثناء قيامهم بواجبهم" الذي يحدده ذلك القانون! وبالفعل جهز البنك المركزي العراقي، ولعله ليس الوحيد في هذا في العالم، بقانون غريب يحمي القائمين على تنفيذ سياسة مؤسسات المال، بحصانات ليست ضرورية إلا لمن ينتظر منه القيام "بجرائم" (مالية) كبيرة بحق البلد وثروته وشعبه، دون أن يخرج عن "واجبه" الذي حدده له ذلك القانون، تماماً مثلما ينتظر من الجنود الأمريكان في أي مكان، تنفيذ عمليات قد تعتبر جرائم في تلك البلاد، لذا توجب طمأنتهم على حصانتهم من المحاسبة قبل الطلب منهم القيام بتلك الجرائم.
ما كشفته أحداث ملاحقة الشبيبي، وبخاصة محاولات الدفاع عنه من قبل العديد من الإقتصاديين ومن القائمين على البنك العراقي أنفسهم، ان نظام البنك وأهدافه وضعت بشكل يتسبب في هروب رأس المال كنتيجة حتمية ومعروفة في مثل ظروف العراق، مثل ظروف كل البلدان النامية غير المصنعة. ويأتي المدافعون عن الشبيبي واستقلالية البنك بتلك الحقيقة كدليل على أن الذنب ليس ذنب الشبيبي وموظفيه، لكنهم لا يشيرون إلى خطأ قانون البنك نفسه وخطره على الإقتصاد العراقي، ورغم ذلك يسيرون في تنفيذه ويعتبرونه "واجباً" لهم! ()
وعندما يرتفع صوت لمحاسبة هؤلاء، ترتفع من سباتها أصوات إضافية للإحتجاج والدفاع عن هؤلاء وعن نظامهم، كما لم ترتفع دفاعاً عن أمور أكثر أهمية! كل ذلك من أجل أن "يرضى عنا البنك الدولي"، ونكسب "ثقة المستثمرين"، (حيث لا مستثمرين)، ونحافظ على خرافة "إستقلالية البنك" وتسليم تلك الإستقلالية بلا مناقشة أو محاسبة، لشخصيات اختارها أكبر لص مر على العراق، بريمر!
 
فهؤلاء جعلوا من أنفسهم "حصانة" إضافية لخيارات بريمر، إضافة إلى الحصانة "القانونية" التي وضعها الأخير. وهناك حصانة أخرى، هي "حصانة الإعلام" الأمريكي التأسيس والتمويل، والذي جعل من الدفاعات التافهة لهذه المجموعة، قيمة وانتشاراً، رغم أنها لم تمس التهم التي وجهت إلى البنك ورئيسه، بل اكتفت بالتأكيد على أصالة الرجل وفصله وكيف أن أخاه كان شهيداً وأن أباه كان من كبار رجال العراق، وبالتالي فهو بالضرورة رجل حصين أخلاقياً "لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه". وخصصت إحدى أهم الصحف في العراق والتي صارت من أقربها إلى الإحتلال ومشاريعه، ملفاً كاملاً للحديث عن أبي سنان الشبيبي، في أستغلال قبيح لسمعة والده، كما استغلت سمعة وتضحية أخيه، رغم أن لا علاقة لأي منهما بالموضوع إطلاقاً!
ودافع مجموعة من الإقتصاديين عن الشبيبي، ليس بدفع الحقائق مرة أخرى، وإنما بالإشارة إلى أنه كسب رضا وتأييد وجوائز عديدة من مؤسسات المال العالمية، لكنه ليس سوى تقييم من اللصوص الكبار، لا يفترض ان يتعد به! فلطالما وزعت التقييمات والمكافئات في عالم الإقتصاد لكل من قدم خدمة للنظام الرأسمالي في تنظيم وتبرير عمليات سطوه على محتوى المال ومساعدته على الخروج من "أزماته" عندما يبالغ كباره في جشعهم فيهددون النظام كله بالسقوط. وكثرت تلك الجوائز والتقييمات بشكل خاص بعد فشلهم في إيجاد جواب على كشف ماركس لسرقة فائض القيمة من العامل. وحين يئسوا من تبريرها قرروا عدم بحثها، والإتجاه إلى أسئلة أخرى عن تعظيم الأرباح، والتاريخ الحديث مليئ بالجوائز وحتى جوائز نوبل، اعطيت لمؤلفات ونظريات تافهة في الإقتصاد، وحتى مجرمين دوليين مثل شمعون بيريز في السياسة، فهل يجب أن نحترم شمعون بيريز لأنه فاز بجائزة نوبل للسلام؟ إنني أفضل تقييمه كما فعل الكاتب العالمي ماركيز حين وصفه بأنه صاحب "جائزة نوبل للقتل"!
وفوق كل هذه الحصانات، هناك حصانة التهيديد الإقتصادي، لو تمت محاسبة رئيس البنك المركزي. فهدد الإقتصاديون العراق بالويل والثبور لخسارته لـ "سمعته" المالية، وضياع "الفجوة الإيجابية" (؟) و "مكانة" البنك. بل أن وزير السياحة العراقي قال أن السياحة سوف تصاب بضرر كبير نتيجة لذلك! في نفس الحديث الأول أعلاه، عزا الشبيبي الانخفاض الكبير في حجم الطلب على الدولار بعد اقالته، إلى أنه "انعكاس للإقالة التي أدت إلى خشية رؤوس الأموال، وتوجس اصحابها من تغيير كبير قد يطرأ على إدارة الاقتصاد، وخوفهم مما ستفعله الحكومة بالبنك المركزي".
ولعل ما هو أقوى من هذه الحصانات وتلك، "حصانة القوة والتهديد" التي تمثلت بجولة مستشار للأمن القومي الأمريكي على الرئاسات العراقية الثلاثة، ألجمهورية والحكومة والبرلمان، ليبلغها واحداً واحداً، ويوضح لها ضرورة "الإلتزام بالشفافية الكاملة" في محاسبة الشبيبي! إننا يمكن أن نفهم المعنى الحقيقي الذي يقصده المستشار، حينما نتذكر أن دولته هي من قامت بإطلاق سراح صاحب أكبر سرقة تم اكتشافها في تاريخ العراق قام بها وزير، وبواسطة السطو المسلح على الشرطة وأثناء اقتياده إلى الإعتقال بعد إدانته بالسرقة، وتهريب ذلك الوزير الذي يمتلك الجنسية الأمريكية إلى الخارج، حيث مازال يعيش متمتعاً بنتائج سرقته تلك، والتي قام بتنفيذها تحت إشراف "الشفافية" الأمريكية نفسها. فالكلمات لها معان أخرى تماماً، حين يستعملها الأقوياء!
وكأن كل هذه االحصانات والقوة التي لا أذكر أن متهماً عراقياً حصل عليها في حياته، لا تكفي، فهذا الدكتور كاظم حبيب ايضاً يوجه رسالة مفتوحة ونداء إلى محاميات ومحامي العراق ونقابة المحامين في العراق و محامون بلا حدود- يدعوهم فيها الى الوقوف بوجه مثل هذه التجاوزات غير القانونية وتشكيل لجنة عراقية على المستويين العربي والعالمي للدفاع عن الدكتور سنان الشبيبي، بالإستناد إلى وثائق البنك واعتماداً على بنود الدستور العراقي وقانون البنك المركزي العراقي ولوائح شرعة حقوق الإنسان , إضافة إلى اعتماد التقاليد والأعراف الدولية في أسس التعامل بين الحكومات والبنوك المركزية!
ليضيف "إن هذه الخطوة ستكون مساهمة كبيرة لوضع حد لمثل هذه الممارسات غير الديمقراطية في العراق وتذكرنا بدور المحامين ونقابتهم في الخمسينات من القرن العشرين حيث كانوا يتولون الدفاع عن الناس الشرفاء الذين كانوا يتعرضون لاضطهاد السلطة الغاشمة وأجهزتها الأمنية." (4)
 
وقد لا تصدق، هؤلاء "معماريون واكاديميون عراقيون" قلقون بأن "يطاح بمشروع مبنى البنك المركزي العراقي" (مشروع زها حديد) بعد الاطاحة بالشبيبي! (5)
كاظم حبيب لم يقل كلمة واحدة عن القانون الأمريكي سيء الصيت الذي يجعل من موظفي البنك فوق القانون، لكنه بالعكس، يأمل باستخدامه للدفاع عن الشبيبي وحمايته من المساءلة، وينتخي من أجله محامي العرب والعالم! وهو يذكر محامي العراق ونقاباتهم ومواقفهم المشرفة قبل نصف قرن لإنقاذ الشرفاء من "السلطة الغاشمة وأجهزتها الأمنية"، وكأن نقابات المحامين كانت تناظل دفاعا عن مدراء البنوك، جنباً إلى جنب مع مستشاري الأمن القومي الأمريكي!
ما نريد قوله أخيراً، ولم نتطرق بعد إلى تفاصيل التهم التي تم كشفها، والتي من حق الناس أن تعرفها في انتظار حكم القضاء النهائي، بالرغم من كل هذه الضجة، أن النظام الذي أسس على اساسه البنك المركزي، يتسبب بخطر على الإقتصاد العراقي، ليس فقط من خلال تسهيل التسرب المستمر لمحتوى العملة، أو العملة نفسها إلى الخارج، وإنما أيضاً من خلال الإنكشاف التام أمام ما يسمى "الأزمات" المالية التي يتفق الجميع بلا استثناء، وبضمنهم أشد الإقتصاديين إيماناً بالرأسمالية وحرية السوق، على أنها ستتكرر كثيراً في المستقبل. وستضرب الأزمات اقتصادات العالم مرة تلو المرة، وسيدفع الثمن أكثر، من كان "مكشوفاً" أمامهما أكثر من غيره. أي المؤسسات الأكثر ارتباطاً بالبنوك الغربية وخاصة الأمريكية منها، حيث تنطلق الأزمات، وأكثرها التزاماً بقوانين حرية السوق وحرية انتقال رؤوس الأموال، كما كشفت التجارب السابقة.
كل المؤشرات منذ الإحتلال وإلى اليوم تقول أن الأمريكان لم يعملوا من أجل مصلحة العراق ورأوا مصلحتهم في شله إقتصادياً وسياسياً. وفي موضوع العملات نفسه، كان أول عمل قام به الأمريكان في العراق هو إعادة بيع النفط بالدولار، وكان باليورو، في الوقت الذي كان اليورو فيه في ارتفاع وكان العراق بأمس الحاجة إلى كل سنت! (أشارت الفايننشيال تايمز إلى الخبر في 5 حزيران 2003)، ثم ذكر الموضوع في كتاب مهم بعنوان (Petrodollar Warfare) حول وضع الدولار ومستقبله حينها.
لذلك فسواء أدين سنان الشبيبي أو لم يدانوا، فأن النظام الذي يقوم عليه البنك نظام في غير صالح البلد، ولا أشك أنه صمم عمداً لإمتصاص ثروته، وكهراوة لضربه إن جاءت حكومة تريد مصلحة شعبها يوماً. فالمجرم الأول في هذه القضية هو النظام نفسه والقانون نفسه الذي يحدد عمل الموظفين ويجعلهم كأنهم عصابة تنفيذ لا ترتبط بالبلد وأهله، بقدر ما ترتبط بمؤسسات المال العالمية التي كلفتها بتنفيذ تعليمات تؤمن وضع ثروات لبلد تحت تصرفها في أية لحظة، و بقائه مشلولاً تحت ضغط الإقتصاد الريعي، غير قادر على النهوض باقتصاد إنتاجي سليم، ولحين نضوب ثروته النفطية.
إن مسؤولي البنك، وإن لم يكونوا مسؤولين قانونياً عن أعمالهم وقراراتهم، إلا أنهم مسؤولين أخلاقياً عن عدم تحذيرهم الحكومة والبرلمان من احتمالات تأثيرات هذا النظام. فالبنك هو بطبيعته بيئة ممتازة لنمو الفساد، ويتوجب وجود آلية قوية ودقيقة للمحاسبة والمتابعة والملاحقة لمواجهته وردعه.
في عام 2008 شب حريق كبير في بناية البنك المركزي (6). وكالعادة في مثل هذه الحالات يشك في أن وراء الحادث سرقة وإتلاف للأوراق. وفي مقالة لاحقة كتبت مقارنة عن الفساد في بغداد ونظيره في كردستان الذي لم يكن بحاجة إلى إحراق شيء، لأنه محمي من السلطة. وفي بغداد، عندما يريد موظف فاسد إخفاء جريمته يعمد لإحراق الأوراق، أما الآن فهو محمي بالقانون نفسه ولم يعد هناك ضرورة لإحراق أي شيء!
يجب إزالة هذه الحصانة الناشزة ورفضها كما رفضت حصانة الجنود الأمريكان. يجب تغيير سياسة البنك المنفلتة وراء "حرية السوق"، دون أن تعطى تلك الحرية لجهة حتى للحكومة المنتخبة، بل يجب أن تتخذ قرارات البنك المركزي الأساسية من خلال تشكيلة من جهات ذات شرعية انتخابية وأخرى مهنية، ويكون للحكومة والبرلمان صوت قوي فيها، تقوم بتحديد سياسة البنك، وتحديثها حسب الظروف وخطط الحكومة، وتضع آلية سليمة لمحاسبة موظفيه بعيداً عن حماية وضغوط شرطة الأمن القومي الأمريكي، وأن يتم ذلك عاجلاً وقبل الأزمة المالية القادمة، وبغض النظر عن نتيجة محاكمة الشبيبي، وسنذكر المدافعين عن هذا النظام والمتغاضين عنه حينها ونحملهم مسؤولية ونتيجة موقفهم!
 
(1)
http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=52599
(2) قانون البنك المركزي
http://www.cbi.iq/documents/CBI_LAW_AR_f.pdf
(3)
http://www.burathanews.com/news_article_175595.html
(4)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=332194
(5)
http://www.altahreernews.com/inp/view.asp?ID=12115
(6) حريق في البنك عام 2008
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_7213000/7213199.stm  
 

 

Opinions