حضرات السادة اعضاء ( شركات ) الخطف
بات من غير المناسب إطلاق صفة المجرمين على أفراد يمارسون عمليات خطف الناس الأبرياء ، ربما هذه العصابات هي منظمات او ميليشيات أو قد تكون شركات تمارس هذه المهنة المربحة ، وبعض المنظمات تحاول التمويل من هذا المصدر الذي يحقق الربحية السريعة دون أتعاب ، فإطلاق سراح الرهائن الكوريين من قبل طالبان كان مقابل 20 مليون دولار حسب تصريح زعيم بارز في طالبان ـ جريدة الشرق الأوسط في 2/ 9 ـ يقول : ان المبلغ سيصرف على شراء اسلحة وذخائر وسيارات مفخخة لشن هجمات انتحارية ، بمعنى ان هذه المهنة ليست حكراً على المجرمين العاديين .وفي عراقنا الذي تزدهر به صناعة الخطف والأرهاب ، وفي مقال سابق كنت قد أشرت على عمليات خطف المواطنين الأبرياء وابتزازهم واطلاق سراحهم او قتلهم بعد استلام الفدية من ذويهم من قبل هذه العصابات عفواً ( الشركات ) ، واعتبرت هذه الجريمة لصوصية حديثة ساعدت على انتشارها غياب الدولة وسيف القانون . لكن يبدو ان علينا تصحيح تلك المعلومات بأن نتعامل مع عصابات الخطف بمنظور آخر على ضوء اختطاف الوكيل الأقدم وأربعة من المدراء العامين في وزارة النفط العراقية ومن ثم إطلاق سراحهم .
اللصوص يسطون على المحلات والبيوت تحت جنح الظلام ويتحاشون المناطق القريبة من مراكز الشرطة والدوائر الحكومية ، لكن عصابات ( شركات ) هذا الزمن يقصدون الأماكن القريبة من مراكز الشرطة ، لا بل يقصدون الدوائر الحكومية وفي وضح النهار تحت الأضواء . وينفذون عملياتهم ( برهاوة ) وفي سيارات مكيفة ذات الدفع الرباعي الشهيرة والتي تشبه تلك التي تستخدمها قوات الأمن العراقية ، وأفراد العصابة لا يكذبون الخبر حينما يرتدون ملابس قوات الأمن العراقية أيضاً .
في هذه الأجواء المترعة بحرية التخطيط والتنفيذ ، كانت عملية اختطاف وكيل وزير النفط مع أربعة مدراء عامون يعملون في الوزارة . وفي الحقيقة ان عمليات الخطف باتت أحداث يومية ، خاصة بالنسبة للمواطنين العزل الأبرياء الذين لا يجدون من يذود عنهم لمواجهة هذه العصابات ، فيجري ابتزازهم بصورة خسيسة تنتهي بإطلاق سراح الضحية او يجري تصفيتها بعد استلام الفدية .
لكن في عملية اختطاف وكيل وزير النفط ورفاقه ، وقفت الحكومة الى جانبه ، وهذا عمل نبيل وإنساني من قبل هذه الحكومة . وفي هذه العملية فإن الحكومة العراقية تنفي دفع فدية لخاطفي وكيل وزارة النفط ، لكن عائلة وكيل الوزير تؤكد دفع الفدية والتي مقدارها 900 ألف دولار ، ودفعت الحكومة العراقية 650 ألف دولار مقابل 250 ألف دولار دفعتها عائلة الوكيل . وكل تفاصيل الخبر منشورة في جريدة الشرق الأوسط اللندنية يوم 30 / 8 / 2007 وأياً كانت الحقيقة ، فإن الضحايا عادوا الى عوائلهم سالمين وهذا خبر سار .
وتعليقنا على الخبر أن هذه العصابات تبلغ من القوة بحيث أصبحت نداً قوياً للحكومة وعكفت على ان تتحداها في أقوى معاقلها وفي وضح النهار ، وباتت الحكومة تفاوض الخاطفين وتساومهم . واية حكومة أخرى تريد ان تحتفظ بماء الوجه كان ينبغي عليها ان تستقيل بدلاً من جعل الأمر انتصاراً وأنجازاً لها .
أي إنجاز هذا الذي تفاوض الخاطفين وتدفع الفدية لهم ؟ ـ او حتى لو لم تدفع الفدية ـ
إن الطبيعي وما كان يعبر عن قوة وهيبة الحكومة هو ان تكون الحكومة العراقية قد داهمت اوكار هذه العصابات وحررت المخطوفين وألقت القبض على الفاعلين ، واعلنت اسماؤهم على الملأ ، لا ان تساومهم . ومهما كان الأمر فإنه يحق لنا على الأقل التساؤل :
لماذا لا يكون للحكومة نفس الموقف حينما يخطف الأنسان العراقي البسيط الذي لا حول له ولا قوة ، أم ان حكومتنا مسؤولة فقط عن المدراء العامين وما اعلى رتبة في السلّم الوظيفي .
اصحاب الأموال والشركات لهم حمايات خاصة يدفعون رواتب حراسهم والموظفون الكبار في الدولة لهم حراسهم تدفع رواتب هؤلاء الحراس من خزينة الدولة وهي بالأساس اموال المواطن العراقي .
فيما يبقى العراقي بدون حماية ، وكلهم يتغنون بالدفاع عن الشعب ، ولكن نسمع الجعجعة ولا نرى الطحين كما يقال .
مهنة الخطف الرائجة في العراق تمارسها العصابات الأجرامية بغياب سلطة الحكومة في الغالب بغية الأستحواذ على اموال الناس بعد المساومات بين عائلة المخطوف والعصابة . وهنالك عمليات الخطف المتطورة وهي من ( الوزن الثقيل ) والتي اشرنا اليها وهي التي تحدث في النهار وفي سيارات الدولة او السيارات الشبيهة بها والصفقات تكون عالية وهي ربما تكون لتغطية المصاريف العمليات الأرهابية .
إن الحكومة العراقية مدعوة للنهوض بواجبها بتوفير الأمن لكل المواطنين دون استثناء ، وعليها ان تدعم وجود دولة مركزية واحدة ، مع ضمان وقوفها مع مكونات الشعب العراقي دون تمييز ، فالحكومة إن كانت قد جاءت الى الحكم بفضل الأكثرية الشيعية فإن حكمها ينبغي ان ينطلق مصلحة عراقية جامعة ، إنها مسؤولة عن أمن الشيعي بنفس القدر بمسؤوليتها عن أمن السني ، والمسلم والمسيحي واليزيدي والمندائي ، وهي مسؤولة عن أمن الوزير والمدير العام بنفس القدر الذي تكون فيه مسؤولة عن أمن بائع الخضروات وسائق التاكسي ومنظف الشوارع إنها حكومة الجميع وليست حكومة طائفة مذهبية او دينية او نخبة وظيفية معينة .
إن الحكومة يقوي مركزها بالأعتماد على الشعب ومحاربة العصابات بدلاً مهادنتها والرضوخ لها . وإن كانت الحكومة تهادن هذه العصابات فإن المواطن المسكين ليس أمامه سوى الرضوخ لها وتنفيذ ما يطلب منه او الهروب والتشرد من منزله ومنطقته الى مكان آمن يوجد فيه حكومة تحميه .
عسى ان تعامل الحكومة خاطفي الناس الأبرياء معاملة أفراد عصابات إجرامية وليس أفراد شركات او لجان تجبر المواطن التعامل معها كجهات نافذة وترك الحكومة محصورة في أسوار المنطقة الخضراء .
وكان الله في عون المواطن العراقي المسكين .
حبيب تومي / اوسلو
habeebtomi@yahoo.com