خبراء سياسيون : العراق سيتحول قريباً إلى محكمة كبرى للسراق والمفسدين والفاشلين
ما زال العراق يعيش مخاضاً سياسيا عسيرا ، ففي الوقت الذي تتمسك القائمة العراقية بحقها الدستوري كما تدعي في تشكيل الحكومة ، يستمر الحوار ما بين أطراف الإئتلاف الوطني الجديد لتجاوز الكثير من العقبات وأكثرها معضلة إختيار المرشح لرئاسة الحكومة القادمة . ومع أن القائمة العراقية أشبه ما تكون بمن ينفخ في ( قربة مثقوبة ) لعدم قدرتها من تجاوز تصويت البرلمان على مرشحها السيد أياد علاوي لو قدر له أن يمنح فرصة لتشكيل الحكومة ، يضل التحالف الشيعي الجديد هو الآخر يدور في حلقة مفرغة بسبب إصرار حزب الدعوة على عدم ترشيح غير المالكي للحكومة القادمة ، وإصرار المجلس الأعلى والتيار الصدري على رفض المالكي لتولي الحكومة مرة أخرى بأي شكل من الأشكال . الخبراء يرجعون أسباب رفض المجلس والتيار الصدري لتولي السيد المالكي مرة أخرى للتجربة المرة التي خاضوها معه وإنفراده بالقرارات وتهميش حلفاءه واستحواذ عناصر الدعوة على المناصب الخاصة مع انعدام الكفاءة والنزاهة ، لدى غالبيتهم . ناهيك من أن السيد المالكي قد فشكل بشكل كبير في محاربة الفساد ، كما انجازاته المزعومة في الجانب الأمني بقيت مشكوك فيها لحدوث اختراقات أمنية مستمرة ، وسبق وأن أخفق في وعده باعتبار سنة 2008 هي سنة لمحاربة الفساد بل تحولت تلك السنة إلى تفشي كبير للفساد وفي وزرائه بالذات وعلى رأسهم وزير التجارة عبد الفلاح السوداني المحسوب على حزب المالكي .مصدر مقرب من الإئتلاف الوطني قد أخبر ( مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات) من أن حصول اتفاق على المالكي أو الجعفري أو عادل عبد المهدي أصبح أمرا في غاية البعد مالم تحصل معجزة ، ولذلك فإن اطرافا في التيار الصدري والمجلس الأعلى بدأت تتحدث عن تنازل عن مرشحيهما لصالح مرشح تسوية ، لدفع حزب الدعوة للتخلي عن إصراره في تقديم المالكي كمرشح أوحد لتولي الحكومة القادمة ، ومع أن غالبية المنتمين لإئتلاف دولة القانون بدأوا يدركون صعوبة تحقيق ذلك ، إلا أن حزب الدعوة ومن خلال هيمنته على الحكومة لحد الآن ينتظر معجزة ما تزحزح قناعات حلفائه الجدد في رفض مرشحهم الأوحد ، وهو يراهن على عامل الزمن في تحقيق ذلك مستفيدا من التجربة السابقة في رفض الجعفري وتولي المالكي بسبب تأخر تشكيل الحكومة عن حدودها الدستورية . اما بالنسبة الى الفرقاء السياسيين، فياخذون على المالكي شخصيا انه استفرد بالقرار وانه اقصائي النزعة لدرجة تهميش شركاءه الذين حملوه على اكتافهم الى سدة الحكم .
ولم يك هذا الموقف الوحيد الذي أخاف العراقيين من توليته مرة أخرى ، بل ثمة أمر آخر تميز به السيد المالكي وأثر على مصداقيته كراع عادل لكل أبناء وطنه ، وهو أنه أدار ظهره بشكل يرفضه الخلق الإنساني والوطني والمروءة فضلاً عن الخلق الديني لكل كوادر الدعوة الكفوءة والعاملة والتي سبق وأن اختلفت مع المكتب السياسي لأسباب ما ، فيما فتح أبوابه للفاشلين من أدعياء الدعوة وأصحاب المصالح ، ورفض لقاء أي كادر عامل ومخلص ومتفان من أجل العراق ، وبقيت ذراعاه مفتوحتان لغيرهم من العناصر التافهة بل وحتى البعثية ، والغريب في الأمر � �ن غالبية من قاطعهم المالكي وحاشيته هم من اصحاب الكفاءات والإعلاميين الذين لهم أثر واضح على المشهد السياسي ، بل وأثرهم غدا جليا الآن على مصداقية الدعوة بين أوساط المثقفين والأكاديميين ، وهذا يدل على أن مستشاريه لم يمتلكوا ستراتيجية متوازنة للعلاقات مع الآخرين ، وأن عمل الحكومة وعمل مستشاريها كان ارتجاليا لم يستند على برنامج علمي محدد .
الشارع العراقي في الأيام الأخيرة بدأ ينظر إلى ظاهرة تمسك حزب الدعوة بالسيد المالكي باستغراب ، فاللعبة الديمقراطية ليس فيها مرشح أوحد لأي جهة تشارك في العملية الديمقراطية ، كما أن مصلحة الشعب يجب أن تكون هي الغالبة على توجهات السياسيين ، وليست مصلحة حزب أو شخص ، وخاصة أن تأخير تشكيل الحكومة سيضر بمصلحة البلد ، ولعل ما حصل من تداعيات فشل وزارة الكهرباء في توفير هذه الخدمة لحد الآن هو من أحد آثار تأخر تشكيل الحكومة ، ومن يدري ربما سوف تتضاعف آثار تمسك السياسيين بمصالحهم على حساب المصلحة العامة إلى كوارث لا تحمد عقباها .
فالمصلحة العامة توجب على الأطراف السياسية التخلي عن أي مطلب يعجز تشكيل الحكومة ، لكن ما هي دواعي تمسك حزب الدعوة بمرشحه الأوحد مع علمه أن قبول الأطراف الأخرى اصبح مستحيلاً وقد ظهر ذلك واضحا من خلال السجالات السياسية والحوارات بين الطرفين المتحالفين . وما هي الأسباب التي تجعل حزب الدعوة يعرض العملية السياسية برمتها للإنهيار طالما يبقى السيد المالكي بعيدا عن متناول منصب رئيس الوزراء ؟
خبراء سياسيون يؤكدون أن الأمر بالنسبة لحزب الدعوة يتعدى قضية تولي السيد المالكي لدورة حكومية أخرى ، إلى أمور خطيرة تتعلق بآلاف قضايا الفساد خلال االسنوات الأربع الماضية ، وأن من المحتمل أن يتحول العراق بعد تشكيل حكومة جديدة إلى محكمة كبرى ، لن يفلت منها أي مفسد صغير كان أو كبير بما فيهم المالكي والدائرة القريبة منه ، وخاصة أن الشعب العراقي خلال السنة الأخيرة ، قد بدأ يدرك أسباب معاناته وانعدام أبسط الخدمات لديه ، لقد بدأ الشارع العراقي مقتنعاً في أن الفساد وهدر المال العام واستحواذ الآلاف من البرلمانيين والمسؤولين وخاصة من تلك الدوائر القريبة من السيد المالكي ، سببا في بؤسه وتأخر البلد في الكثير من المجالات الاقتصادية والخدمية مع ضخامة الأموال التي كانت في حوزة الحكومة والتي تقدر بأكثر من 400 بليون دولار .
لقد استيقظ الكثير من المسؤولين الكبار على حقيقة ، أن قضية انعدام الخدمات وخاصة الكهرباء أيقضت لدى الشعب ماردا كان نائماً وهو المطالبة بحقوق الوطنية المشروعة ممن يعرض نفسه كقائد ، وأن الإستحقاقات الوطنية التي تترتب على المسؤولين ما عادت غائبة عن اهتمام المواطن العراقي الذي يعاني الأمرين بل أصبحت حاضرة لدى الحناجر والعقول . كما أن الحصانة التي كانت توفرها لهم حكومة السيد المالكي ستسلب منهم مجرد أن يتولى شخص آخر منصب الحكومة القادمة ، وبغض النظر عن مصداقية ما تناولته بعض المصادر من أن حزب الدعوة اشترط من أجل تخلي السيد المالكي عن ترشحه بتعهدات مكتوبة من الأطراف الرئيسية بعدم مسائلته ومسائلة عائلته والمقربين منه للقضاء بسبب هدر المال العام أو قضايا فساد ، فبغض النظر عن هذا كله ، فإن العقل الجمعي للشعب العراقي بدأ يسير باتجاه فتح كل ملفات الفساد ولكل المسؤولين ، مع توقع خلاص القضاء من أي ضغوط من قبل الحكومة القادمة . كما أن الكثير من قضايا الفساد التي حاولت حكومة المالكي تميعها كقضية وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني وغيرها من القضايا المسكوت عنها ، سوف يعاد النظر فيها ، علما أن ثمة أطراف في حكومة المالكي متورطة فيها حسب ما أوردته الكثير من الم� �ادر من الداخل.
ويبدو أن الأمور تسير في غير صالح إئتلاف دولة القانون ، فقد أكدت اخر الأخبار أن الإئتلاف الوطني بكل أطرافه استهجنت طلب المالكي بتعهدات خطية ، واعتبرت ذلك خيانة للأمة التي هي صاحبة الشأن في النظر بقضايا الفساد أو عدمه ، وأن صاحب الأمر الفصل في ذلك هو الادعاء العام للمحاكم العراقية التي تعتبر المؤتمن على مصالح الشعب .
مركز العراق الجديد للإعلام والدراسات في بريطانيا – قسم التقارير 26 حزيران 2010
http://www.thenewiraq.com/tni/view.asp?ID=3259
info@thenewiraq.com