خطر الفتنة الطائفية وغياب المعالجات الجادة
تناول الكثير من الكتّاب والمثقفين العراقيين موضوع الطائفية من حيث البعد التاريخي وآثارها السياسية والإجتماعية، وقد نال هذا الموضوع اهتمام المنظمات الدولية أيضا، نتيجة افرازاته السلبية اليومية التي تلقي بظلالها على أرواح الشعب العراقي، ألا أن غياب الجدية والتضامنية عن المعالجات كان قد أسهم في امتداد الوباء الطائفي من الساحة السياسية الى ساحات عديدة أخرى، حتى شد الرحال الى بعض دول المنطقة في نهاية المطاف.
فرغم الاهتمام المتزايد بالموضوع الطائفي ألا أنه، وفي العراق خاصة يزداد الحس الطائفي تجذرا وينحى يوما بعد آخر بإتجاهات أكثر خطورة، خاصة عندما اتسعت آثاره من النطاق السياسي الى العمق المجتمعي كقضايا التهجير على الهوية التي جعلت وحدة المجتمع العراقي على كف عفريت، أو تلك التي خرج على أثرها نفر ضال معلنا فتح أسواق الخلافات العقائدية على أرصفة الشوارع العراقية.
ولا يمكن ايجاد تفسير لذلك دون الاعتراف بان مكافحة الوباء الطائفي لازالت بطيئة يتآكل على أثرها كل انجاز متحقق في هذا المجال، إن لم نقل لازالت مراوحة في الاطار النظري في بعض المواقع نتيجة الأثر السلبي للعامل الخارجي الذي يغذي أصل المشكلة الطائفية في العراق، فضلا عن العامل الداخلي المتمثل بوجود اطراف سياسية داخلية باتت أسارى الطرح الطائفي بوصفه ضمانة للبقاء في السلطة، أو تلكؤ بعض الأطراف داخل المجتمع العراقي عن أداء دورها كما يجب!.
وليس من المبالغة بشئ القول بأن الطبقة السياسية في العراق، باتت في معظم الأحيان جزءاً من المشكلة وبما يجعل التعويل عليها في اطفاء الحرائق الطائفية تكريسا للدوران في الحلقة المفرغة، فلربما يلعب فيه بعض السياسيين الوطنيين دورا غير مباشر ألا ان الأدوار الأساسية هي تلك التي ينبغي أن تقوم بها المؤسسة الدينية اضافة لمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الثقافية والاعلامية، فالتكامل بين أدوار هذه الأطراف هو الكفيل الضامن برسم المعالجات الجادة التي تكمن أبجديتها في خلق رأي عام مناوئ للطائفية وطارد لها من العراق.
مما يجدر الاشارة اليه في هذا المضمار، التحرك الجدي الأخير للمرجعية الدينية في النجف الأشرف المتمثلة في السيد السيستاني وتحريمه الإساءة للرموز الدينية للطوائف والأديان الأخرى، والذي سحب البساط من الكثير ممن نصّبوا انفسهم (حماة للمذاهب والأديان)، وكذلك ما رافقه من موقف واضح أيضا من السيد مقتدى الصدر في ذات المجال، وما قابله من تحرك جدي من الشيخ خالد الملاّ وآخرين .. ولكن هل ينتهى دور المؤسسة الدينية في العراق عند هذا الحد؟
ليس رغبة منا بالتسميات المذهبية لكننا نضطر احيانا القول بأن معظم علماء الشيعة هم داخل العراق مما يجعلهم أكثر تماسا واستجابة للحدث، وكذلك النزر القليل من علماء (السُنة)، لكن عددا لايستهان به من علماء السنة يتخذون من عواصم دول الجوار منصّات اعلامية دون الاقتراب والتفاعل مع نظرائهم الشيعة للإسهام في تحقيق نتائج ايجابية تحفظ أرواح العراقيين وتحقن الدم العراقي المراق. فإن عملية اخماد الفتنة الطائفية تعتمد بشكل أساسي على مدى انسجام الطرفين الأساسيين في المؤسسة الدينية مع بعضهما البعض (الشيعة و السُنة) ، ومدى قرب وتفاعل أحدهما مع الآخر، وهذا بلا أدنى شك هو من صميم مسؤولية الطرفين وليست مسؤولية طرف دون سواه.
ومن جانب آخر، فالمثقف العراقي لم يستطع هو الآخر، بناء نمطا من العلاقة مع المؤسسة الدينية تكفل التأسيس لفعالية جماهيرية تؤدي الى مكافحة الوباء الطائفي المستشري في الساحة العراقية مكافحة فعالة، بل على عكس المثقف المصري الذي استطاع نسج علاقة متميزة مع علماء الأزهر لإيقاف المد الطائفي في المجتمع المصري في وقت الأزمة، وجدنا المثقف العراقي منطويا حول نفسه، مبالغا في استقلاليته دون الانفتاح على بقية الفعاليات سواء السياسية منها أو الدينية.
كما نرى في المقابل، المؤسسة الدينية في العراق كانت وما زالت أقرب الى السياسي العراقي منه الى المثقف العراقي، ولا شك بأن غياب علاقة مجتمعية من هذا النوع أدى الى تبديد طاقة المثقف العراقي بدلا من استثمارها في الاتجاه الصحيح، حتى انتقلت وفي حالات عدة حمى الطائفية الى الساحة الثقافية العراقية نفسها في معظم الأحيان. فمن الطبيعي القول بأن المعالجة التي تستثني قصدا، أو يتخلف عنها تقصيرا أي من هذه الأطراف الأساسية : هي معالجات لا ترقى الى أن تكتسب صفة الجدية، فضلا عن أن يُرتجى منها اصلاح الخلل. فمسؤولية ايقاف المد الطائفي بوصفه السماد العضوي للإرهاب، هي مسؤولية تضامنية تطال الجميع، لاتقوى عليها بمفردها جهة، ولا يعفى من تبعات مسؤوليتها أحد.
ختاما : نهنئ الجميع بمناسبة عيد الأضحى المبارك .. وكل عام والإنسانية بخير