خيانة بغداد
كنا ومنذ العام الماضي نتباكى ونريد هطول المطر ، فقد يبست الأنهار ومات الزرع وجف الضرع ، وغرقت مدن العراق بعواصف الغبار ، واختفى عزة الدوري الذي كان ينتظر هذه المناسبات ويختار يوما تتراكم فيه الغيوم ليعقد مع مريديه صلاة المطر ، وحين يهطل يرفع برقية للقائد الضرورة إن الله استجاب لنداء القائد وحقق رغبة الشعب في استثمار زخات المطر في الزراعة وحاجات أخر .
والعجيب إننا وبعد عزة الدوري الذي كان يدعي الدروشة والانتساب لعلي وعمر ظهر بدلا عنه عشرات الآلاف من المعتمرين للعمائم من مختلف الألوان ويدعون الانتساب للنبي ورغم صلواتهم وطول خطبهم في صلاة الجمع وفي المناسبات التي لا تنقطع طول العام فان الرب لم يستجيب لهم وشهدنا العام الماضي جفافا هو الأخطر في تاريخ البلاد وبدلا إن يهطل المطر هطل علينا الغبار، لكن الله ترحم علينا فسقط اليوم المطر، ولعل في ذلك رحمة لمن يستحقونها ونقمة على مسؤولين في أمانة بغداد والبلديات والكهرباء ، وأراد الله إن يكشف عن المستور ويفضح أمر المليارات المختلسة والتي قيل أنها أنفقت على مشاريع أعمار كبرى في مقدمتها شبكات الكهرباء و المجاري .
فقد غرقت بغداد مع أول زخة مطر وخاصة مدينة الصدر التي يحسدها البعض ضنا منهم أنها مدللة عند حكومة الائتلاف وهي بمثابة ( العوجة) في الزمن الجديد ، لكن طفح المجاري في أول ( مطرة) قد كشف المخفي واتضح إن شبكات المجاري مجرد نكتة ليس في هذه المدينة إنما في عموم مدينة بغداد والتي انفق عليها المليارات ولو أنها استخدمت بنزاهة لتحولت العاصمة إلى باريس الشرق ويقال ذات الشيء عن المحافظات.
وهذا الأمر لم يعد جديدا أو سرا لكن الغريب إن تسكت الحكومة ويصمت البرلمان على هذه الفضيحة التي تتضمن علامات استفهام كبيرة عن مدى وجدوى مشاريع الأعمار ، ولعل الذين اقترحوا توزيع أموال النفط على الشعب كانوا محقين فعلا ، وكان من الأفضل إن تذهب هذه المليارات لجيوب الناس ليعمروا فيها بيوتهم ومدنهم بأيديهم وبدون انتظار إن تمتلئ كافة الكروش القذرة بمال السحت الحرام .
لقد كشف المطر الذي تعطلت مع زخته الأولى شبكات الكهرباء وتوقفت اكبر شبكات النهب الدولي عن العمل ونقصد خطوط الموبايل غير المباركة والمسكوت عنها من كل الجهات الذين قبضوا الثمن مسبقا ومازال الشعب يبحث عن شبكة للاتصال أو الإنقاذ .
لقد غرقت شوارع العاصمة بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت مؤخرا ، ولم تزل حتى اليوم معظم الشوارع مغلقة لوجود كميات هائلة من المياه، يعاضدها الآلاف من القطع الكونكريتية ، وعشرات السيارات المتعطلة بسبب وصول المياه إلى محركاتها.. وإذا كانت المجاري معطلة والشبكة غير مؤهلة بسبب سياسات النظام المباد، فهل يقنع ذلك مواطناً عراقياً يعلم جيداً إن أمانة العاصمة خصصت مبلغ مليار دينار عراقي لنادي يلعب (طوبة) في حين أنها تعجز عن تخصيص (تناكر) تقوم بسحب المياه الراكدة التي غطت اغلب شوارع العاصمة، خاصة إطرافها وأين كان الوكيل الجديد وقت هطول المطر وعندما هبت الرياح العاتية وجلبت معها ً ركاماً من الغيوم، والأمطار وحبات البرد الذي نزل بعدد سكان البلاد .
أليس بمقدور أمانة العاصمة إن تترك لعبة الضحك على الذقون التي تجيدها بإتقان، وتدع بعض الحدائق لحالها ، وتلتفت إلى المناطق المحترقة، وتترك الشوارع المبلطة أصلا لتلتفت إلى سواها من الأحياء التي تفتقد جميع أنواع الخدمات (ماء ، شوارع، مجاري) ، أين مليارات الدولارات التي صرفتها الحكومة على قطاع الخدمات ..؟ لا احد يعلم بينما العاصمة تحولت إلى (خرابة) بسبب سياسات البعض.. أو ليس الوقت قد حان لاتخاذ إجراءات حكومية رادعة اقلها إقالة المتنفذين ووكلاء الأمانة ومدراء الدوائر البلدية الذين أجادوا العمل في قبض الرواتب نهاية كل شهر، ولعبة التفرج على عذابات الناس البسطاء المظلومين.
نحن بانتظار زخات مطر جديدة ستكشف لنا بان ما كان مخفيا حتى الآن هو الأعظم ، وها نحن بانتظار المطر عسى إن يغسل البلاد وينظفها من القاذورات والفاسدين والمفسدين .
firashamdani@yahoo.com