Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

درس في الهوية والقومية مع نماذج وأمثلة حية ما احوج شعبنا إليها في هذ الفترة العصيبة من تاريخه

 


ملاحظة: امل من القراء الكرام قراءة المقدمة والجزء الذي يأتي بعدها حول بعض خصائص لغتنا القومية ومن ثم التركيز على النماذج وشرحها وترجمتها التي تأتي لاحقا.


المقدمة


 القتال والصرع والمماحكات والمهاترات جارية على قدم وساق في مواقع شعبنا حول احقية هذا الإسم او ذاك او افضلية هذا المذهب الكنسي او ذاك. 


وإن كان الخطاب مؤشرا للواقع – كما يقول علماء اللغة – فإننا كشعب في وضع مزري للغاية: وضع لا يتفق مع كوننا ورثة لأجداد عظام كانوا أصحاب حضارة قد لا نجافي الحقيقة إن قلنا انها من أرقى وأسمى الحضارت التي ظهرت على البسيطة.

وكيف نعرف رقي أي حضارة لا سيما القديمة منها؟ الطريق الوحيد لإدراك ماهية أي حضارة بشرية تكمن في ما تركته لنا من فنون وتراث وثقافة وعلوم وأداب – وكل هذه تختزنها لنا لغتنا  القومية الساحرة وانا لا أخشى ابدا من إيراد تسميتها العلمية والأكاديمة الا وهي السريانية.

لن اغوض في التفاصيل الفنولوجية او المورفولوجية او السينتاكتية للغتنا الجميلة هذه – يبدو اننا كشعب خسرنا خاصيتنا العلمية والثقافية واللغوية التي ميزتنا عن بقية الأمم في يالماضي – لأن لا ظن هناك من يصغي للعلمية والأكاديمية ولكنني اقول إن السريانية من اكثر لغات العالم العريقة إحتواءا للعلم والمعرفة والفنون والموسيقى والفلكلور والأداب، أي ان اجدادنا العظام كانوا جزءا من شعب خلاق ومبدع وأصيل في كل مناحي العلم والمعرفة وأكثر شعوب الدنيا تشبثا بلغتهم القومية.

اما نحن احفادهم ابناء وبنات شعب واحد بتسمياتيه ومذاهبه المختلفة فقضيتنا قضية  وقصتنا قصة ووضعنا مأسوي إلى درجة اننا الأن الشعب رقم واحد في العالم من حيث تفشي الأمية في صفوفه – الأمية قياسا بقراءة وكتابة اللغة القومية.

خاصيتان لغويتنان فريدتان

وللغتنا القومية الساحرة خاصيتين لا تملكهما أي لغة اخرى في العالم. الأولى إنها لغة موسيقية، اي بحروفها الإثنين والعشرين واصواتها البديعة تفرش نفسها مثل السجاد الفارسي للموسييقى والغناء.

وفي حديث مع القس الكلداني بول ربان، وهو متبحر في طقس كنيستنا المشرقي والحانه البديعة، قلت له هناك وقع كبير جدا على السامع عندما تتلو البركة في نهاية القداس بالسريانية أكثر بكثير جدا من تلاوتها بالعربية، أجاب: "ألا تعلم ان لغتنا السريانية لغة موسيقية." لا فض فوك ايها الأب الجليل.

وإن اخذنا إسماء الملائكة التي نعرفها قياسا فإن الأسماء هذه جميعها سريانية وهذا الأمر بالذات جعل بعض العلماء المسلمين يشكون في كون لغة الملائكة – اي لغة الناس في الجنة – هي العربية لأن حسب وجهة نظرهم كيف يجوز ان تكون لغة أهل الجنة  العربية  – لغة القرأن –  وأسماء الملائكة سريانية.

لقد ذهبنا بعيدا في هذا المقال وربما اخذتنا الحمية الوطنية والغيرة على لغتنا القومية أكثر مما يجب. لا بأس لأنني محب للغتي التي هي وطني وهويتي وقوميتي.

والأن أترككم مع نموذجين من تراثنا اللغوي والثقافي والفني – مع نشيدين من أناشيدنا السريانية – أداء جوقة الكنيسة الكلدانية وفرقتها الطقسية في السويد. أرجو اولا ألإستماع إليهما ومن ثم تطبيق الممارسة التي تجعلنا شعبا واحدا وكنيسة رسولية مقدسة جامعة بإختلاف تسمياتنا ومذاهبنا:

نموذجان

النشيد الأول: تاو او حبيواي

ألحان: ليون برخو

تأليف: مجهول (تراث كنسي)

أداء: جوق الكنسة الكلدانية والفرقة الطقسية في السويد

 http://www.youtube.com/watch?v=tUkRc5qj5t0&feature=youtu.be

 النشيد الثاني: تاودي لطاوا 

ألحان: تراث كنسي (حسب أداء دير السيدة)

كلمات:  مار نرساي (تراث كنسي)

أداء: جوق الكنسة الكلدانية والفرقة الطقسية في السويد

 http://www.youtube.com/watch?v=eKFvD83xV3Q&feature=youtu.be

 

والأن ساقدم لكم كلمات النشيد الأول وأكتبها بالكرشوني اي بالحروف العربية كي أسهل الأمر لأن أغلبيتنا لا يقرأ حروفنا. وسأترجم معاني الكلمات الصعبة بالعربية واضعها بين قوسيين. الغاية هي كي اوضح لكم ان لغتنا الجميلة قريبة جدا من لغتنا المحكية إن كنا نتقنها بنقاء وصفاء. وهذا الأمر بذاته حالة غريبة لأن قلما يحدث ان تكون لهجة دارجة في القرن الواحد والعشرين قريبة بهذه الدرجة من لغة فصيحة كانت دارجة قبل حوالي 2000 سنة. وإن بذلتم جهد بسيط في قراءة النشيد سترون انه بإمكانكم إنشاده مع الجوق الكلداني في السويد:

النشيد الأول: تاو او حبيواي

تاو (تعالوا) او حبيوَي                  بنيْ مَعموديثا

نوروخ ونسكود لِه                      لمارا دورياثا (الكون)


بيه بْهانا عيذا                           ريشْ كلْ يْوماثا

كَذ رخيوْ عَل عيلا (حمار)           شيطْ (أدنى) كْلْ حَيْواثا (حيوانات)


إثا دملّبْ لَنْ                            رازْ مَكيخوثا

وطلاييهْ وشوريهْ (الأطفال)         قْعاو (صرخوا) بَحذا ملثا (كلمة)


أوشعنا بْرَوما                         أوشعنا بْعومقا

بْريخْ دإثا وأثيهْ                       بَشميهْ دْفاروقا (فاروق أي المخلص))



النشيد الثاني: تاودي لطاوا 


هذا النشيد ينسب إلى مار نرساي وهو من عباقرة ادبنا السرياني، متصوف وقديس وفيلسوف ولاهوتي من الطراز الأول لا أظن وفي رأي المتواضع انجبت المسيحية بقامته. وأطلق أجدادنا عليه لقب "قيثارة الروح القدس." وتأليفاته السريانية وأناشيده تمثل قمة الإبداع الأدبي والشعري وهي تشكل جواهر طقس كنيستنا المشرقية بفرعيها الكلداني والأشوري. الأشقاء السريان تجنبوا تأليفاته لأسباب مذهبية التي اقضت مضاجعنا منذ القدم  وإلى اليوم شأنها شأن التسميات.

ونشيد تودي  لطاوا صعب بعض الشيء، ليس من  ناحية اللغة ولكن من ناحية الفلسفة واللاهوت والفكر حيث يختزل ويختصر المسيحية ولاهوتها في أبيات لا تتجاوز 16 بيتا. وهي قصيدة موزونة بدقة متناهية وغير مقفاة، تظهر تفوق فيلوسفنا هذا ليس على أقرانه ومعاصريه بل حتى على الذين أتوا من بعده من الغربيين وغيرهم من الفلاسسفة واللاهوتيين المسيحيين. والترجمة تميل إلى الحرفية بعض الشيء لتقريب روعة النص وسلاسته وغناه من حيث المعنى والفكر والفلسفة واللاهوت إلى القارىء. حقا إنه يستحق تمثالا في كل مناطق تواجدنا وإيقونة في كل كنيسة من كنائسنا.

 تاوديْ لطاوا دْحَررْ كِنْسَنْ مِنْ عوْدوثا دويشا ومَوتا

شيّنْ عمّنْ كنشَي رَوْما درَكْيْزينْواو مطُلْ عَوْلَنْ

الشكر للطيب (من أسماء الله الحسنى بالسريانية) الذي حرر جنسنا من عبودية الشرير والموت

أصلح ذات البين بيننا وبين القاطنين في السماء الذين كانوا قد غضبوا علينا بسبب أثامنا

بريخْ حنّنانا دْخَذْ لا بْعَيّنايي نْبَقْ بَوْعاثنْ وَحْذي بْحَيْيَينْ

وصَرّْ دِمْواثا دابّيْذوثََنْ وَذْبونايَنْ بعرْبا دطعا 


مبارك الحنون (من أسماء الله الحسنى بالسريانية) الذي دون طلب منا خرج باحثا عنا وفرح بحياتنا

وشبّه عودتنا من ضياعنا وهلاكنا بمثل الخورف الضال

يَرْتا وَوْرا قَرَيْ لَخْيانَنْ دَطْعا وَبْنا وميثْ وإثْنَحَمْ

وحَدّيْ لخِنْشى روحانايي بَثْاياوْثَنْ واوْنوْحامَنْ

الوريث والإبن (من اسماء المسيح الحسنى) دعا كياننا الذي كان ضائعا وميتا  وأحياه

وأبهج بذلك المجاميع في السماء بتوبتنا وانبعاثنا

لا مِثْمَلّلَلْ حُبَّا رَبّا دْحاوي صِيدِيْنْ راحِمْ كِنْسَنْ

دْمْنّه دكنّسَنْ عوَذْ مِصْعايا ورَعْي لعلْما عَمْ رَبّوثه

لا يمكن وصف المحبة التي أظهرها تجاهنا محب جنسنا

حيث جعل من جنسنا واسطة كي يكسب العالم رضى جبروته

رَبَي منْنَنْ منْ كُلْ برْيَنْْ حذتّا دَسْعَرْ صدْ ناشوثَنْ

دعَوده لبَخْرَنْ هَيْكَلْ قودْشا دَنْمَلِبه سخْدَث كُلّلا

ما صنعه تجاه إنسانيتنا يفوق كل ما لدينا ولدى الخليقة

حيث جعل من جسدنا هيكلا (لروح) القدس كي يتحدث به كل من يسجد له

تاو أرْعانه وَشْمَيّانه تهَرْ واتْدَمَّرْ برَبوثْ دَرْغا

دْمْطا كنْسَنْ لرَوْما رَبّا دالاهوثا دلا مدْدَركا

تعالوا ايها الأرضيون وتاملوا وتفكروا بالرتبة السامية (التي منحها لنا)

حيث وصل فيها جنسنا إلى السماوات العليا للألوهية التي لا تدرك

شمَيّا وأرْعا وخُلما دَوهونْ نَودونْ عَمْنْ لمَورِوْ كنْسَنْ

دْحَدثْ صَلْمَنْ  وَقْرَنْ بَشْمه وشَعْبذْلانْ كٌلْ

السماء والأرض وكل ما فيهما يشكرون الذي رفع من شأن جنسنا

حيث حدّث صورتنا وأطلق علينا إسمه ووضع كل شيء في خدمتنا

شاوى لشوحا هَوْ داريمَنْ لعِلْ منْ كُلْلا

نِمْرْ كُلّلنْ له تشْبوحتا لعالمْ عالمينْ امِنْ وامِنْ

يستحق التسبحة هذا الذي رفعنا فوق الكل

لنردد كلنا سوية له التسبحة لأبد الأبدين امين وأمين

واخيرا

هذه لغتنا وهذا ترثنا وهذه ثقافتنا وهذه هويتنا وهذا وطننا. هذا التراث السامي والفكر النير واللحن البديع ليس ملك أي إسم من أسمائنا واي مذهب من مذاهبنا. هذا الغنى الثقافي واللغوي ليس ملك الكنيسة والكهنة والشمامسة وغيرهم من الإكليروس. إنه ملكنا جميعا فيه نرى أنفسنا ونعرف من نحن. هؤلاء العمالقة علينا الإحتفاء بهم وتكريمهم كما تحتفي الأمم الأخرى بموسيقييها وشعرائها وكتابها.

كم كنت أتمنى ان نركز على ما تحتويه لغتنا السريانية الساحرة لنا من كنوز لا أظن يملك مثلها اي شعب أخر في الدنيا بدل مهاتراتنا حول التسمية والمذهبية. وبدلا من هذه الصراعات العقيمة حول التسمية والمذهبية كان الأجدر بنا شحذ الهمم لتعلم وتعليم لغتنا الساحرة.

التسمية والمذهب لم ولن يساهما في تكوين هوية أي شعب في الدنيا. يستند عليهما فقط الذين يشكّون في هويتهم وغير الواثقين من أنفسهم.

وفي الختام: هللويا هللويا هللويا لكنيستنا المشرقية المجيدة الرسولية المقدسة الجامعة بمذاهبها وأسمائها المختلفة وهللويا لفيلسوفنا ومفكرنا وكاتبنا وشاعرنا المبدع مار نرساي، قيثارة الروح القدس، وهللويا لشعبنا المسكين المضطهد من الكل من الشرق والغرب وحتى من نفسه.

 

Opinions