دعوة لمواجهة إرهاب طالبان الشيعة في البصرة
لا شك أن الشعب العراقي يواجه الآن ردة حضارية والتي هي نتيجة أربعين عاماً من حكم البعث الفاشي الجائر. إذ هناك صراع بين الآباء من جيل 14 تموز، والأبناء الذين ولدوا ونشؤوا في عهد حكم البعث، وهم يشكلون نحو 85% من الشعب. فهؤلاء حرموا من التربية السليمة والحياة الطبيعية، فعاشوا فترة عزلة عن العالم، وحروب وجزع وجور وحصار...الخ حيث أعيد بالمجتمع العراقي إلى الوراء إلى ما قبل نشوء الدولة وتكوين الشعوب.وكما ذكرنا مراراً، أن الانهيار الحضاري، يرافقه عادة انهيار فكري واخلاقي واجتماعي..الخ. وفي هذه الحالة، يلجأ الإنسان إلى الغيبيات والخرافة والدجل والشعوذة والجريمة المنظمة.. والمشكلة أن كل هذا الانحراف الاجتماعي يتلبس بلبوس الدين. فبعد سقوط نظام البعث ظهرت المليشيات الإسلامية، السنية والشيعية، وبدعم خارجي وخاصة إيران التي تدعم المليشيات الشيعية وخاصة جيش المهدي. وقد برز تأثير هذه المليشيات على المجتمع العراقي بشكل مدمر، مما يصعب السيطرة عليه في ظل الفوضى العارمة وغياب حكم القانون.
إذ تفيد الأنباء أن مليشيات شيعية مسلحة من عصابات مقتدى الصدر، تسرح وتمرح في البصرة، تنشر في ربوعها الرعب، هذه المدينة التي كانت مثالاً في التسامح والتعايش والتآخي بين أتباع مختلف الأديان والطوائف طوال التاريخ. ولكن في هذا الزمن الأغبر، ظهرت علينا المليشيات الإسلامية لتفرض أحكامها القرقوشية على أهل البصر، وخاصة النساء حيث فرضت عليهن ارتداء الحجاب أو الزي الإسلامي على غرار الزي الذي فرضه النظام الإسلامي في إيران، وبأساليب مارسها طالبان أفغانستان أيام حكمهم الأسود لذلك البلد. وفرض الحجاب من قبل هؤلاء الأوباش لا يتوقف على النساء المسلمات فقط، بل وتجاوز إلى غير المسلمات من مسيحيات ومندائيات وغيرهن من أتباع الديانات الأخرى.
فقد نشرت صحيفة الصندي تاميز اللندنية في عددها الصادر يوم 9 كانون الأول الجاري، تقريراً بعنوان: (ميليشيات في البصرة تخير المسيحيات ما بين الحجاب أو الموت) وأذاعه راديو سوا بالعربية (الرابط أدناه). وقبل هذا التقرير، نشرت وكالات الأنباء عما يجري في البصرة من جرائم بشعة بحق الإنسانية، حيث تقوم مليشيات شيعية بفرض إسلام متزمت يشبه النموذج الإيراني والأفغاني في عهد حكم طالبان، والذي يريد هؤلاء فرضه في العراق بالقوة ابتداءً من البصرة. فقد جاء في التقرير أنه "شهدت الأشهر الخمسة الماضية مقتل نحو 40 امرأة على أيدي عناصر الميليشيات وألقيت جثثهن على قارعة الطريق بسبب سلوكيات يعتبرها البعض "غير إسلامية"، حسب تأكيد اللواء عبد الجليل خلف قائد شرطة مدينة البصرة. وقال خلف إن بعض النساء قتلن مع أطفالهن، مشيرا إلى قتل إحداهن مع طفلها البالغ من العمر ست سنوات وآخر عمره 11 عاما."
كما ونقلت الصحيفة عن حادثة حصلت لثلاث طالبات مسيحيات في أول يوم للدوام بجامعة البصرة، "حيث تقدم رجل نحوهن طالبا منهن ارتداء الحجاب. وقالت إحداهن للصحيفة وتدعى زينة، إنهن لم يكترثن لما قاله، لاعتقادهن بأنه مجرد طالب متشدد يعبر عن وجهة نظره الشخصية لا غير. لكن في اليوم التالي، اعترض هذا الطالب طريقهن داخل الحرم الجامعي، وكان هذه المرة مرتديا ثيابا سوداء عادة ما يرتديها عناصر ميليشيات شيعية معروفة في المنطقة، ووجه كلاما شديد اللهجة قائلا: "طلبنا منكن في الأمس ارتداء الحجاب، فلماذا أتيتم من دون تغطية شعركم؟ وذكرت الطالبة إن الرعب دب في قلوبهن، وشرحن له سبب عدم ارتدائهن للحجاب، قائلات إنهن مسيحيات والديانة المسيحية لا تحتم عليهن ارتداء الحجاب. غير أن الطالب رد قائلا: "إنكن مسيحيات ويمكنكن فعل ما يحلو لكن خارج الحرم الجامعي، أما داخل الجامعة، فلا". وهددهن بالقتل، وعلى إثر ذلك، بات الحجاب لا يفارق رؤوس الطالبات المسيحيات الثلاث أينما ذهبن في البصرة."
والجدير بالذكر أن هذه التجاوزات لم تتوقف باضطهاد النساء المسيحيات، بل إلى فرض سلوك همجي على طلبة جامعة البصرة من الذكور، السنة والشيعة أيضاً. حيث ينقل تقرير الصندي تايمز: " ... يقول أحمد وهو طالب سني يبلغ من العمر 19 عاما، إنه قد طـُلب منه إطالة لحيته وتقصير شعره بما يتوافق مع المبادئ الإسلامية، حسب تعبيره. ويضيف أن الطلاب والطالبات ممنوعون من الجلوس جنبا إلى جنب، وإن حاولوا القيام بذلك، سيأتي من يعطيهم محاضرة في الآداب والفضيلة".
إن هذا السلوك الإجرامي الذي تقوم به الميليشيات الشيعية التابعة لمقتدى الصدر (جيش المهدي) له مردود معكوس ليس على سمعة مقتدى الصدر ومليشياته فحسب، بل وعلى سمعة الشيعة عموماً. فالمعروف أن صدام حسين قد اضطهد جميع مكونات الشعب العراقي مع الاختلاف بالدرجة، وكانت للشيعة حصة الأسد من هذا الاضطهاد، حيث اغتال حكم البعث والد مقتدى الصدر وعدد من أخوته وعمه، والمفترض أن مقتدى الصدر كان أول المستبشرين بإسقاط النظام الفاشي على أيدي القوات الدولية بقيادة أمريكا. إلا إن الذي حصل هو أن مقتدى الصدر كان أول من تمرد على العراق المحرَّر، وأعلن محاربة القوات الأمريكية بحجة محاربة الاحتلال، وهي كذبة مكشوفة لكل عاقل، فالذي أسس هذا الجيش وموله وجهزه هو النظام الإيراني من أجل إفشال العملية السياسية في العراق ومحاربة أمريكا بالوكالة على الأرض العراقية وبدماء العراقيين، مستغلين جهل مقتدى الصدر ومكانة أسرته الدينية المرموقة لهذا الغرض. فغرض إيران من تأسيس جيش المهدي هو استخدامه كآلة عمياء لإشاعة الفوضى وإبراز بطولاتهم الزائفة على الشرائح المسالمة من المجتمع العراقي، مثل القيام بقتل المسيحيين والصابئة المندائيين، وفرض الحجاب على النساء وإطالة اللحى على الرجال بالقوة، وقتل الحلاقين وتفجير محلات بيع الخمور، ومنع أشرطة وأقراص الأغاني والموسيقى، وكل من يخالف تعاليمهم القرقوشية.
أجل، إن السلوك الهمجي الذي اتبعه جيش المهدي في العراق وبالأخص في البصر، أساء لسمعة الشيعة، وأعطى مجالاً لخصومهم بالقول أن الشيعة ما أن يرفع عنهم الظلم حتى ويتحولوا إلى ظالمين، ولن يفيد معهم سوى حكم صدام حسين. وهذ يؤكد ما قاله المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
كما وكتب لي أحد الأصدقاء عندما اطلع على تقرير صحيفة صندي تايمز، قائلاً: ".. وهل من أجل هذا صرفتُ 25 عاماً من عمري في مقارعة الفاشية البعثية في العراق وتحملت التشرد في الغربة، لكي تحل محلها فاشية إسلامية أسوأ من حكم صدام حسين؟" حقاً إن عصابات مقتدى الصدر وغيرها من المليشيات الفاشية الإسلامية لا تقل همجية ووحشية عن سلوك البعثيين إبان حكمهم، بل هم أشد رجعية وتخلفاً، ولا غرابة أن راح البعض يترحم على صدام حسين. فإلى متى يبقى المسؤولون الحكوميون ساكتين عن هذا الشر الوبيل؟
تفشي الفوضى والطغيان
إن ما يجري في العراق الآن وخاصة في المحافظات الجنوبية، هو تفشي الفوضى العارمة من قبل مليشيات مقتدى الصدر وفي وضح النهار وأمام مرأى المسؤولين الحكوميين. وهذا له تأثير مدمر على العراق الجديد، إذ كما يقول الشاعر العربي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم... ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ويقول الفيلسوف الإنكليزي جون لوك: «حيث ينتهي القانون يبدأ الطغيان».
وعليه، فما تقوم به مليشيات إسلامية مسلحة، وبالأخص مليشيات مقتدى الصدر المنفلتة، من أعمال هو الطغيان بعينه لأنه ضد القوانين الوضعية والشرائع الدينية السماوية. وهؤلاء الجهلة هم عبارة عن وحوش ضارية في ثياب بشرية، استغلهم الإسلاميون السياسيون وخاصة عملاء الاستخبارات الإيرانية الذين تغلغلوا في جميع مفاصل الحياة في العراق ولهم وجود مؤثر وملحوظ في المحافظات الجنوبية، يستغلون جهل أفراد هذه المليشيات ويوجهونهم ضد مصالح شعبهم، فينشرون الرعب والقلق في البلاد بذريعة تطبيق التعاليم الإسلامية.
الجاهل عدو نفسه
إن أفراد هذه المليشيات على خطأ فضيع لأسباب عديدة: أولاً، الحجاب ليس فرضاً من فروض العبادة في الإسلام، إذ لدي دراسة من باحثين مسلمين حريصين على سمعة الإسلام، تثبت أن الإسلام لم يطالب بالحجاب. فقد جاء ذكر الحجاب في القرآن في خمس آيات، كلها لا تعني حجب شعر رأس المرأة أو وجهها، بل تعني الستارة. وهذا يعني أن الحجاب ليس عبادة بل عادة وحسب رغبة المرأة نفسها. ثانياً، وحتى لو افترضنا أن الحجاب من العبادات، فالإسلام يقول: "لا الإكراه في الدين.." ويقول "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" ويقول:"فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر".. ومن هنا نعرف أن هناك هامش من الحرية في الإسلام والناس أحرار في هذه الأمور.
كما وأتذكر عندما وصل المرحوم آية الله محمد باقر الحكيم إلى البصرة بعد سقوط حكم البعث من منفاه في إيران، فمن ضمن ما قاله في خطاب له أمام الجماهير التي خرجت للترحيب به، قائلاً، أنه رغم ترحيبه بالزي الإسلامي للنساء، إلا إنه ضد فرضه عليهن بالقوة وأنه يريد عراقاً ديمقراطياً. لذا فما تقوم به مليشيات جيش المهدي وغيرها من العصابات المنفلتة من أعمال، هو جرائم وحشية ضد الإنسانية وضد الدين وضد الشعب ولا يخدم أي جهة سوى النظام إيراني والتخلف وأعداء العراق.
ما العمل؟
وبناءً على ما تقدم أقترح على المسؤولين، سياسيين ودينيين، اتخاذ الإجراءات الصارمة التالية لمواجهة هذا الفلتان الأمني ووقف النزيف، وحماية الحياة، ولوضع حد لمحنة ومعاناة أبناء شعبنا من مختلف انتماءاتهم، وذلك باتخاذ الإجراءات التالية:
1 - بما إن هؤلاء المجرمين من منتسبي المليشيات الإسلامية يرتكبون جرائمهم باسم الإسلام، فالمطلوب من رجال الدين، وخاصة أولئك الذين من درجة آيات الله، وبالأخص آية الله السيد علي السيستاني، حيث له تأثير روحي على المليشيات الشيعية، وبما إننا نعيش عصر الفتاوى حيث صارت الفتاوى تلعب دوراً كبيراً في سلوك الناس في هذه المرحلة المتخلفة والعاصفة، لذا أقترح على السادة رجال الدين إصدار فتوى صريحة وواضحة لا لبس فيها، تقضي بتحريم فرض الحجاب بالقوة، وتجريم كل من يحاول فرضه بالقوة على النساء. كذلك منع فرض اللحى وأزياء معينة على الرجال بالعنف، وبذلك يمكن تبرئة الإسلام والمسلمين من جرائم هؤلاء الجهلة من جهة، وحماية أرواح الأبرياء من جهة أخرى. كما ويجب نشر هذه الفتوى في جميع وسائل الإعلام وعلى شكل إعلانات كبيرة واضحة في الأماكن العامة.
2- على المسؤوليين من رجال الشرطة والأمن مواجهة وملاحقة هذه المليشيات بالقوة المناسبة أينما وجدوا، ومعاقبة كل من يخرج على القانون بلا رحمة. وأي تساهل في هذه الجرائم يعتبر مشاركة فيها. فهؤلاء المجرمون يتمادون في الجريمة لأنهم يعتقدون أنهم بمنأى من العقاب. ففي العراق وفي هذا الزمن الرديء من أمن العقاب مارس الإرهاب .
3- كذلك تقع مسؤولية حفظ الأمن على عاتق منظمات المجتمع المدني، وقادة الأحزاب السياسية وأئمة وخطباء المساجد والصحافة وكافة وسائل الإعلام ومؤسسات التربية والتعليم على مختلف المستويات، والمطلوب من جميع هذه الجهات شن حملة واسعة بلا توقف في إدانة هذه الظاهرة المنحرفة الغريبة على اخلاقية مجتمعنا، والقيام بحملة توعية ضد هذا السلوك الهمجي، وتثقيف الشباب بروح الوطنية والتسامح، وتحصينهم من شرور التطرف والتزمت الديني.
4- وأخيراً، وهذا تحذير لعقلاء الشيعة وقادتهم السياسيين والدينيين في العراق، إذا لم تسارعوا وتلجموا سفهاءكم من أمثال العميل الإيراني، الصبي مقتدى الصدر ومليشياته الفاشستية المنفلتة من عصابات الجريمة المنظمة وفلول البعثيين "التوابين" الذين اتخذوا من جيش المهدي ملاذاً لهم لمواصلة ارتكاب جرائمهم ضد بنات وأبناء شعبنا، فمستقبلكم كالح وستدفعون الثمن باهظا،ً وعندها ستندمون ولات حين مندم ! واعلموا أن الساكت عن الحق شيطان أخرس.