Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ديمقراطية مشوهة تقرب من حرب أهلية في العراق

في مثل يوم غد العشرين من آذار (مارس) من عام 2003 اجتازت القوات الاميركية والبريطانية حدود العراق الجنوبية مع الكويت بعد ان نفذت طائراتها اوسع عملية قصف جوي لاهداف منتخبة داخل بغداد في مقدمتها القصور الرئاسية والقواعد العسكرية ليدخل العراق مرحلة جديدة من تاريخه الحديث تميزت بآمال لم تتحقق وفشل في تغيير نحو الافضل من خلال اسقاط دكاتور جثم على صدور العراقيين 35 عاما وحيث تحولت الديمقراطية التي تم التبشير بها الى "حرية" للقتل والتخريب وضعت البلاد على شفا حرب اهلية طائفية بدأ معها الغزاة يبحثون عن دكتاتور جديد لضبط الاوضاع التي تكاد ان تخرج عن السيطرة.

فقد شنت قوات التحالف الغربي حربها في العراق ضمن خطة عمليات حربية تقوم على أساس الهجوم من جهتين: إحداهما شمالية عبر الحدود العراقية التركية وثانيتهما جنوبية عبر الحدود العراقية الكويتية ومياه الخليج العربي حيث تقع مدينة البصرة العراقية. ولكن عدم موافقة مجلس النواب التركي على تموضع القوات الأميركية (أكثر من 60 ألف جندي) على الحدود التركية مع العراق والسماح فقط يفتح المجال الجوي أمام حركة الطيران الأميركي دفعا القيادة الأميركية إلى تغيير خطة غزو العراق والاكتفاء باقتصار الجبهة الشمالية على أعمال القصف الجوي على أهداف منتقاة وعلى أعمال الإبرار الجوي فوق بغداد أو غيرها من الأهداف المختارة في انحاء البلاد استمرت حتى دخول بغداد واسقاط نظامها في التاسع من نيسان (ابريل) من العام نفسه. وعلى امتداد السنوات الثلاث الماضية التي اعقبت ذلك السقوط شهد العراق متغيرات اساسية في حياته الراهنة طغت فيها السلبيات على الايجابيات ودخل العراقيون دوامة العنف والخوف الذي بدأ يهددهم بشكل جدي وخطير وحيث تحاصر كل جوانب بدايات حياتهم حرب اهلية اتخذت طابعا طائفيا غير معلن يخشى ان تتوسع لتتشكل نتيجتها مناطق معزولة لهذه الطائفة او تلك وبما يمهد لتقسيم سيلحق الضرر بالعراقيين كلهم ويضع المنطقة على اعتاب خطر يهدد كل شعوبها ودولها. فقد شنت الولايات حربها في العراق ربيع عام 2003 مستندة الى تبريرات تأكد كذبها تتمحور حول هدف معلن هو انقاذ العالم من اسلحة الدمار الشامل التي يملكها العراق والتي ثبت خلوه منها باعتراف دول الحرب ولجان الامم المتحدة المتخصصة.. ولتظل واشنطن تروج لهدف اخر هو تخليص العراقيين من النظام الدكتاتوري الذي كان يقوده الرئيس المخلوع صدام حسين وتطبيق ديمقراطية تحقق لهم بديلا عنه حرية واستقرارا ورخاء وكلها اهداف لم تتحقق لحد الان وما حصل هو العكس وحيث العراق يغوص شيئا فشيئا في بحور من الدماء التي تسيل يوميا وازمات سياسية يتناحر فيها الفرقاء من اجل مكاسب حزبية وعرقية وطائفية ضيقة وخدمات متدهورة ادخلت العراقيين اوضاع مزرية وتدهورا امنيا لايعرف فيه من يقتل من. ففي الوقت الذي كان ينتظر فيه العراقيون تحسنا في اوضاعهم العامة وفي مقدمتها الامنية والسياسية بعد هذه السنوات الثلاث فانهم دخلوا بشكل عنيف منذ حوالي الشهر صراعا مذهبيا بين اكبر طائفتين في البلاد الشيعية والسنية حيث المليشيات المسلحة التي تدعي الانتماء اليهما تخوض حربا ضد مقدسات العراقيين ورموزهم وبشكل يتساقط فيه مواطنون بالعشرات يوميا بين قتيل بالرصاص او ميت بحبل مشنوق.. فخلال الايام الثلاثة الاخيرة وحدها سقط 180 شخصا ضحية هذا العنف المجنون الذي تصاعد منذ تفجير الضريح في سامراء في الثاني والعشرين من الشهر الماضي وادى الى احراق عشرات المساجد وقتل حوالي الف و300 عراقي. وبذلك تحولت الديمقراطية التي ادخلتها القوات الاميركية الى البلاد على ظهر دبابتها الى ديمقراطية تشكيل المليشيات والجماعات المسلحة والقتل على الهوية ولتتحول الحياة السياسية الى تخندق طائفي وعرقي خطير مع اتساع الحرب ألاهلية التي يزداد لهيبها يوما بعد اخر خاصة مع دعم الدول المجاورة لقوى عراقية مختلفة وحيث ايران العدوة السابقة متحفزة لمواقع اقدام لها لها لدوافع داخلية وخارجية في هذا البلد المستباح. وفي الوقت الذي كان الضحايا يسقطون سابقا على يد نظام دكتاتوري معروف فان من يتساقطون حاليا يجري قتلهم من قبل مليشيات وجماعات تابعة لاحزاب غير معروفة وللقوات المتعددة الجنسيات.. ايضا. وبينما تركز فيه السياسة الأميركية حاليا على هدف تشكيل حكومة وحدة وطنية عراقية حاليا فان الخلافات تعصف بين القوى السياسية على من سيشكلها ومن سينضم اليها وحصة كل قوة منها فيها ومع كل يوم يمر يصبح وجود مثل هذه الحكومة المركزية غير ذي جدوى للعراقيين الذي اخذ الياس يقتحم نفوسهم بقوة وسط فراغ سياسي خطير. فقد تسبب الاحتلال منذ دخوله بغداد في تدمير الدولة العراقية وانهيار مؤسساتها واصبح الإسلام السياسي قوبا طائفيا وبشكل يقف معه الرئيس الاميركي جورج بوش وصانعي السياسة الأميركيين عاجزين عن وقف هذه التداعيات الماساوية في حياة العراقيين. لقد دفع هذا الفراغ السياسي بوش ليلة امس الى مطالبة القادة العراقيين بتشكيل حكومة وحدة وطنية في اسرع وقت ممكن.. كما دعا بوش الذي تحدث عشية الذكرى السنوية الثالثة لغزو العراق الاميركيين الذين يفقدون صبرهم بشأن العراق الى مقاومة الرغبة في الانسحاب وذلك رغم المصاعب والخسائر التي قد تقع في المستقبل واكد ان على العراقيين ان "يستأنفوا العمل وتجاوز الخلافات السياسية والدينية والفصائلية". وتقول واشنطن ان حكومة وحدة وطنية يضم السنة والشيعة والاكراد هي افضل وسيلة لتحقيق الاستقرار، مما سيمهد الطريق لبداية سحب جنودها في العراق البالغ عديدهم 133 ألفا. لقد تسبب العنف الاهوج والفراغ السياسي في هجرة للعقول العراقية العلمية الى الدول المجاورة على الخصوص زاد ععدهم عن الثلاثة الاف شخص بعد اغتيال حوالي 200 منهم بينهم أطباء ومهندسين واساتذة جامعات واختصاصيين مع تعرض أكثر من الفي امرأة الى الخطف والاعتداء والقتل واصابة حوالي 200 الف شخص ومقتل 60 الفا اخرين خلال العمليات المسلحة واعمال العنف خلال السنوات الثلاث الماضية وحدها. واضافة لذلك برز الى واجهة الاوضاع العراقية الجديدة بعد الغزو تفشي مظاهر الفساد المالي والاداري في مفاصل ومؤسسات الدولة وانتشار المحسوبية حتى احتل العراق المركز الثاني عشر فى قائمة الفساد المالى والادارى لعام 2004 -2005 وهى القائمة التى أعدتها منظمة الشفافية التابعة للامم المتحدة عن الدول التي تشهد فسادا إداري وماليا اضافة الى ازدياد نسب البطالة والتي ارتفعت الى أكثر من 70% وفقا لاحصائيات غير رسمية نشرتها وكالة اصوات العراق مضيفة انه بالرغم من تحسن رواتب الموظفين العاملين في مؤسسات ومرافق الدولة من 2500 دينار عراقي الى أكثر من 150 الف دينار عراقي (100 دولار) إلا أن هذا التحسن لم يشعر به المواطن ولعدة أسباب أهمها أرتفاع الأسعار بشكل عام وتدني مستوى الخدمات كالكهرباء والماء وغيرها. كما برزت أزمة الوقود بقوة في العراق الذى يحتل المركز الثاني عالميا من حيث الاحتياطى النفطي وبعد أن كان سعر اللتر الواحد من البنزين قبل سقوط النظام (40 فلسا عراقيا) ارتفع الى 150 دينارا ثم وصل الى 250 دينارا. فسلبيات السنوات الثلاث الماضية امتدت الى الخدمات الاخرى في مجالات الصحة والماء والمجاري حيث انتشرت في العراق أمراض كان قد تم القضاء عليها في منتصف سبعينيات القرن الماضي كالكوليرا والسل وغيرها مع انعدام الخدمات تقريبا في المستشفيات الحكومية وهجرة معظم الاطباء والكوادر الصحية نتيجة تردي الوضع الامني ولجوء المرضى الميسورين ماليا للعلاج في الاردن وسوريا أو أوروبا. وفى مجال التعليم تدني المستوى التعليمي في الجامعات الحكومية بعد سيطرة الاحزاب الدينية على ساحات الجامعات وتحويلها لمنابر سياسية وعدم قدرة الكوادر التدريسية على عمل شيء حيث تعرض العديد منهم للتصفية الجسدية أو الهجرة خوفا من سوء الاوضاع. ان هذه التداعيات السلبية التي يعيشها العراق منذ ثلاث سنوات غطت على ماتحقق فيه من ايجابيات لعل في مقدمتها حرية تشكيل الاحزاب واصدار المطبوعات بعد 35 عاما من حكم الحزب الواحد وارجل الواحد الذي يمتلك وحده ايضا السيطرة على وسائل الاعلام لمصلحته والترويج لسياساته. فخلال السنوات الثلاث الماضية تأسس حوالي 400 حزبا شارك معظمها في الانتخابات التي شهدتها البلاد خلال هذه السنوات.. كما تم اصدار حوالي 200 صحيفة ومجلة ومطبوعة دورية اضافة الى انطلاق حوالي 15 محطة تلفزيونية خاصة وحزبية مع عدد مماثل من الاذاعات المحلية. لكن هذه الصورة المشرقة للاعلام العراقي الجديد بدأت تشوهها عمليات الاغتيال التي تطال الصحافيين على يد الجماعات المسلحة حتى بلغ عدد الصحفيين المقتولين في العراق ستين شخصا ومن مختلف الجنسيات حتى اصبح العراق البلد الأكثر فتكا بالصحفيين. واضافة الى ذلك فقد انتخب العراقيون ديمقراطيا برلمانين خلال السنوات الثلاث الماضية تمثلت فيه قوى عدة بعد ان كان برلمان النظام السابق مقتصرا على البعثيين والمتعاونين معهم.. ففي الثلاثين من كانون الثاني (يناير) عام 2005 والخامس عشر من كانون الاول (ديسمبر) عام 2003 توجه العراقيون الى صناديق الاقتراع متحدين الارهاب الذي هدد بافشال هاتين العمليتين الديمقراطيتين حتى اقتربت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات نسبة 70% من العراقيين الذين يحق لهم التصويت فيما وصل عدد النساء العراقيات في البرلمان الحالي 70 امراة من مجموع اعضائه البالغين 275. كما استطاع العراقيون من كتابة اول دستور دائم والاستفتاء عليه في الخامس عشر من تشرين الاول (أكتوبر) عام 2005 ضمنت لهم حقوقا شخصية لم يتمتعوا بها منذ سنوات واعترفت بحقوق الاقليات والاعراق وضمنت حرية التعبير والتملك والممارسة السياسية. اما على المستوى الخارجي فقد استعاد العراق علاقاته الدبلوماسية التي كانت مقطوعة مع معظم دول العالم.. وبدات السفارات العربية والاجنبية تفتح ابوابها بالرغم من المخاطر التي تهدد دبلوماسييها نتيجة تهديد المسلحين بقتلهم لايقاف هذا الانفتاح الدولي للعراق الذي تزامن مع الجهود الناجحة التي بذلت لالغاء الديون الخارجية التي خلفها نظام صدام حسين والتي بلغت 120 مليار دولار حيث جرت مفاوضات مع نادي باريس لالغاء قسم منها اسفرت عن خفض 80 % منها. لكنه من اللافت ان ماتحقق من ايجابيات في هذه الاصعدة لم يستطع التغطية على المخاطر التي تهدد العراقيين في حياتهم اليومية التي تواجه صعوبات في الاصل مع استمرار عمليات القتل اليومي المتصاعد الذي تقف القوات الاميركية والعراقية عاجزة عن وضع حد لها.. بالترافق مع تصاعد الحملة الدولية لانهاء احتلال العراق وخاصة في والتي شهدتها العشرات من الدول الاوربية على الخصوص امس وشارك فيها مئات الالاف من الاشخاص..وحيث تجد الادارة الاميركية نفسها عاجزة عن انقاذ العراقيين من اوضاعهم الصعبة ومعهم جنودها الذي يتساقطون يوميا بفعل مواجهات المقاومة وعملياتها المنظمة التي كبتها 2320 قتيلا لحد الان.. الامر الذي بدأت معه بعض الاوساط الاميركية تتحدث علنا بأنه لن ينقذ العراق من هذه الاوضاع الا رجل قوي يحمل مواصفات حاكم دكتاتور.. في عودة لخيار الدكتاتور الذي اسقطوه قبل سنوات ثلاث.. في تذكير بالمثل القائل.. وكأنك يازيد ماغزيت.

عن ايلاف Opinions