Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

رأي ، قداسـة البابا والتعميد وحال المسـيحية



لاأجـد نفسـي مخطئـا إذا عبّـرت عـن رأيي في قضية مسـيحية ذات أهمية كبيرة ، وأتدخل فيها لأنني كاثوليكي المذهب ، ولـو لـم أكن كذلك ربمـا لمـا تجـرأت الكتابة في هذه القضية وأمثالها إطلاقا . . وأكتب مدركا أن هناك مـن سيعترض على كلامي لما قـد يراه أكبر من حجمي المتواضع ، لأنـه يخالفني الرأي أو تغلب العاطفة لديه . . لكنني في كل الأحوال سـأكتب متأنيا لكي لا أغضب أحـدا مـا أستطعت إلى ذلـك مقـدرة .

لقـد دفعني لمـا أكـتبه ، الخبر الذي نشرته وسـائل الإعلام ونال ردود أفعال متباينة ، بيـن الإرتياح والتذمر ، وشخصيا لست مـن أي مـن الطرفين لأنني أعتبر أن الأمر لايسـتحق أهمية بمـا فيها حتى الإعلان عنـه ، والخبر يقـول " عشـية الفصح البابا بنديكت السادس عشـر اختار أن يعمد سـبعة شـبان بينهم الصحفي المصري المسلم مجـدي علام ( 55 عاما ) المقيم في إيطاليا " . . وأن التعميد تـم خلال قـداس عيد الفصح الذي رعاه قداسـة البابا بنديكت السادس عشر في ساحة القديس بطرس وبثـت وقائعـه شبكات التلفـزة في 67 بلدا .

الحقيقة لا يهمني غير المسلم ، فـإن بلدان غيـره وهـي ايطاليا والكاميرون والصين والولايات المتحدة والبيرو ، لاعلاقة لـي بـها ، ولكن لأنني وشـعبي ( الكلداني السرياني الآشوري ) ومسـيحيين آخريـن في منطقـتـنا نعيش حاليا أقلية بين المسلمين ، ولنا معهم أمور حياتية متنوعة فمن الواجب أن نجد في كل مـا قد يؤدي إلى عدم إرتياح المسلمين ، كلهم أو بعضهم ، إجراء ليس مسـتحبا عندنـا ، مهمـا وجد فيه صاحبه أمـرا عاديا ، لأنه ينعكس علينا سـلبا بسـبب اسـتغلاله من قبل الذين يتصيدون كل فرصة لتـنفيذ حقدهم ، حتى إن أخـذ المتفهمون من المسلمين بحقيقـة أنـنا لاعلاقة لنا بـه ، ولنا أمثـلة حصلت تجاه المسيحيين في العراق ولبنان ومصر وأماكن أخرى ، بسـبب تصريحات ورسوم وغيرها من دون يكون لمسيحيي منطقـتـنا علاقة بها أو حتى إرتياح لهـا .

نحـن نعلم العدد الكبير للمواقع والمجموعات التي تهاجم كتابة وتحلل " دم الكفار مـن الصليبيين " إلى حـد وجود فضائيات تساهم بكل إمكاناتها مع هـذه " الجوقة " ولـذا ، فـإن " الوقاية مـن شـر هذه الجوقة خير من أي وسيلة أخرى معها " . . ولكـي أشير إلى بعض مـاقرأته في المواقع " الحـاقـدة " أنقـل أجـزاء من أحـد مواضيع موقـع ( منـتديات الجامع الإسلامية ) الذي عنوانه ( ما يخفيه الفاتيكان في قضية مجدي علام ) بقلـم محمد جلال القصاص . . تقول مقتطفات بالنص من هـذا الموضوع الطـويل :
( الخبر أن صحفيا مصريا ترك الإسلام واعتـنق النصرانية ، وعمده بابا الفاتيكان . . اعلى سلطة دينية في النصرانية ، وقـد ناشد بابا الفاتيكان المسلمين للعودة للحوار بين الأديان . والخبر أن صحفيا مصريا ـ مجدي علام ـ يحمل الجنسية الإيطالية ، وحائز على بعض الجوائز من الدولة الصهيونية . . وأن دعاة النصرانية ملـئوا الفضاء فرحا وسرورا بـردّة مجدي علام . قلنا ونحن فرحين : لم يرتد شيخ من شيوخ الإسلام . . بـل عدو يحبكم منذ الصبا . . وأن في تعميده حماقة ، أو حقد أدى إلى حماقة إذ لو بقي كما كان يـنتسب للإسلام ويطعن فيه لكان أشـد علينا من أن يرفع صليبكم ويدهن بالزيت قساوستكم . . وصدق الشيخ الشعراوي حين قال : يأخذون سفهاءنا ونأخذ فضلائهم . . إن الفاتيكان وكل عبـاد الصلبـان منهزمـون . . أخي كل ما أقول إذا لم تستح فافعل مـا شئت ، وهؤلاء النصارى قليلي الحياء ، لـو أنهم ينظرون إلى من يسلم من علمائهم من أمثال غاري ميلـر و يوسف أستس و إبراهيم أحمد فيليبس وغيرهم من علمائهم . . ) .

وحتى موقع قناة الجزيرة ، نشر في 30 / 3 / 2008 ( تـم رفعه من الموقع بعد يومين ) موضوع من الجزائر كتبه مراسله تسـعديت محمـد حول مسلمين جزائريـين ، أحدهما محمـد أزواو والآخر اسـمه العيـد شـمومة ، وبحسب إدعائهما ، أنـهما تركا الإسلام فترة بسبب دعايات دير للأنجيليين في جبال المدية وسـط الجزائر وتحـولا إلى المسيحية وبعـد فترة عرفـا الحقيقة وعـادا إلى الإسلام . . لكن الأغرب أن الموقع فسح المجال لبث سموم الحقد على المسيحيين تحت عنوان ( تعليقات القراء ) التي بلغت أكثر من ثمانين في المائة من التعليقات ، ولكن عشرين في المائة منها كانت إمـا حيادية أو كارهة لهذا النهج من موقع القناة ، ومنها التعليق التالي الذي كتبه ( شخص مسيحي كما يظهر من اسمه ) جورج راجي الحداد ، الذي نصـه " أولا من السخافة أن أرد على الذين ينتـقدون المسيحية فهي أكبر من هيك بكثير ولـن ننزل إلى هكذا مستوى . . ثانيا أسـأل إدارة الجزيرة : هل هذه هي رسالتكم التحريض وهل أنتم فرحانين بهكذا مواضيع . . عيب عليكم وروحو شـوفو مواضيع ثانية فيها افادة للبشرية . . أعتـقد هذا هو دوركم وخاصة في هذا المجتمع العربي التعيس . " .

رأيي أنا ، أن قيادة دولة قطر ( الراعية لقناة الجزيرة ونشاطاتها ) تبدو في غالب الأحيان متناقضة في مواقفها ، فهي مثلا وافقت على بناء أول كنيسة ( وهي كاثوليكية ) في قطر على مساحة 22 ألف متر مربع وأن أمير قطر الشيخ حمـد بن خليفة آل ثـاني تبرع بثمـن الأرض وتـم إفتتاحها في 14 / 3 / 2008 بحضور نائب رئيس الوزراء القطري ، وقد أعطى أمير قطر موافقته لبناء خمس كنائس أخرى على رغم احتجاجات المتطرفين . . ومـن جهة أخرى جعلت قطـر قناة الجزيرة وموقعها ( مسرحا ) لأشكال المتشـددين الإسلاميين وجعلت مديرها العام وضاح خنفر ( وهو من أصل فلسطيني يحمل جنسية جنوب أفريقيا ) وإسـلامي معروف ، وأيضا جعلت أكثرية مراسليها من الإسلاميين ( بعـدما أزعجـت غير الإسلاميين منهم فتركها معظمهم ) ويكفي أن نعطي مثالا لمراسليها تيسير علوني ( سوري يحمل الجواز الإسباني ) الذي حكم عليه القضاء الإسباني بتهمة الصلة بتنظيم القاعدة ، ومصـورها سـامي الحاج ( سوداني ) الذي أعتـقله الأميركيون في أفغانستان وهو حاليا في سـجن غوانتانامو لتعـاونه مع أسامة بن لادن . . وشخصيا عملت حوالي ثلاث سنوات في قناة الجزيرة وتركتها بعدما وجدت أن التعـامل مـع عدد من العاملين فيها لمراسل ينقـل الحقيقة غير ممكن . . وقـد أوضحت تفاصيل ذلك بالأسماء والحوادث في أحـد مواضيعي في المواقـع . . علما أنـني عملت بعـد ذلك لأكثر من عام ( 2005 و 2006 ) في الجزيرة للأطفال ( وهي تختلف في التعامل عن قناة الجزيرة لأنها منفصلة عنها إداريا ) وتخليت عن العمل فيها بسـبب إلتزاماتي مع جريدة الحياة التي أعمل مسؤولا لمكتبها في منطقـة البلقـان .

وهـنا أسأل كمسيحي كاثوليكي : هـل نحن بحاجة لإعطاء المجال للحاقدين من أمثال هؤلاء وغيـرهم ؟ نحـن نعلم أن الكثير من الكنائس في البلدان العربية والإسلامية نـأت بنفسها عـن تصريح سابق لقداسة البابا نفسه خلال محاضرة له في ألمانيا وهو نفسه حاول التوضيح تخفيفا من الجدل الذي أحدثه ، وكذلك شجبت الكنائس قضايا الرسوم والأفلام التي يعتبرها المسلمون مسيئة بحق دينهم وحقهم ، ولكن ذلك لـم يفد في إطفاء غليل الحاقدين الذين وجدوا فرصتهم سانجة ، وكلنا نعلم ماذا كانت نتائجها على المسيحيين في الكثير من البلدان العربية والإسلامية . . وإذا كان في إمكان أصحاب الرسوم والأفلام توفير حماية شرطة لهم في بلدانهم الأوروبية ، فـنود أن يعلموا أن هذا غير متوفر في البلدان العربية والإسلامية ، حيث لن نكشف سـرا أو نتهم أحدا إذا قلنا ، أنه ليس مستبعدا حتى أن توفر الشرطة الفرصة للحاقدين ضد المسيحيـين . . وأرجح أن كثيـرين غيـري مـن قراء هـذا الموضوع تصلهم عشـرات الرسائل يوميا مثلـي مـن أنـاس يطلقون على أنفسـهم ( جـروب لااله إلاّ اللـه ) تتضمـن أشـكال الإسـاءة للديانة المسيحية والتهجـم على رموزها وتهـديد معتـنقيها . . أمـا ماذا تعني كلمة ( جروب ) فيبدو أنه في أدمغـة أصحابها لأن قواميس العربية لاتـتضمن هكذا كلمة .

معظمنـا يعلم الضجة التي أثارتها رواية ( آيات شيطانية ) للكاتب البريطاني الجنسية الهندي الأصل سلمان رشدي ، فهل من اللائق أن تسمح السلطات الألمانية ( لجماعة ألمانية لا أدري نوعها ، ولكن بتقديري من الجماعات االتي تنتهج فوضى التعبير لإثارة الضغائن والمشاكل ) بعرض مسرحية مأخوذة عنها في مسرح قرب العاصمة برلين إعتبارا من 30 آذار ( مارس ) الماضي . . وشخصيا قرأت هذه الرواية قبل سنة من خلال ترجمة عربية لها ووجدتها حقا متـدنية المضمون والأسلوب الروائي ، واستـنـتجت أن الضجة التي أثيرت حولها هي السبب في شـهرتها لاغيـر .

نحـن نـرى ، أن رفع لواء " الحوار بين الأديان " هو هش من أساسه ، وأن هذه الهشاشة تصل حـد الإنهيار مع أي هـزّة ، وأن مشكلة المسيحية ليست أبدا مع الذين يدركون " سـماحة " الدين الإسلامي ، ولكنها مع الذين يكفّـرون كل من ليس مسلما ، لابـل وحتى من هو مسـلم ولكن ليس على شاكلتهم ، ويحللـون قـتله ، إذن المعاناة هـي مع هـؤلاء ومع تصرفـات البعض من الديانات الأخرى الذيـن يلتـقون مع هـؤلاء " المكفّـرين " بتوفير المجال لهم . . ولهذا المهم هو في سـد الطريق على هؤلاء أولا ومـن ثـم لن تكون هناك عقبة أمام " حـوار الأديان والحضـارات " .

أمـا كيف يكون سـد طريق الحقد وبث السـموم على هؤلاء ، فـأرى . . أن يبادر قداسة البابا وبالتعاون مع رؤساء الطوائف المسيحية الأخرى ( غير الكاثوليكية ) ومع المراجع الإسلامية المدركة لسماحة الدين الإسلامي من كافة المذاهب الإسلامية إلى عقد مؤتمر " لتقييد حرية الحاقدين والمفسدين " من كل الديانات والمذهب ، وتشكل لجنة عمل فاعلة وسريعة وجدية للتحرك باتجاه الأمم المتحدة والمنظمات العالمية ودول العالم ، لإصدار قرار دولي ملزم للجميع يضع حدودا وضوابط واضحة لحرية التعبير ، سـواء في أماكن العبادة أو النشر أو الصحافة والإعلام والمواقع ، وإنزال عقوبات صارمة وسريعة بحـق المخالفين للقرار الدولي وغلق المواقع التي تخالفه ، وإنهاء الفوضى القائمة حالـيا تحت غطاء " حرية التعبير " التي هي في الحقيقـة " فوضى التعبير " علما أن كل فوضى هي " فقدان التوازن وغياب السلطة والغرق في التضعضع والإضطراب والإنفلات في كل شئ " وهذه هي حقيقة ما يطلق عليها جزافا " حرية التعبير " اليوم . . وبإنهاء هذه الحال السيئة سيكون إرتقاء السلم الأصوب في الإصلاح . . علما أن إغلاق أي موقع ليس صعبا على شركات الأنترنيت التي تتحكم في مجالات المواقع التي تقوم بالترخيص لها ، ولا يمكن لأي موقع العمل من دون مجال على شبكة الأنترنيت .

وفي رأيي أيضا ، أن الواجب يتطلب في الصدارة " الحفاظ على الموجود القائم فعلا في المسيحية " وفي حال توافر إضافات جديدة طوعية ينبغي أن تـتم مـن دون ضجيـج ، إذ من المؤلم أن نرى المسيحية عموما ، وضمنها المذهب الكاثوليكي ، في تراجع متواصل في أوروبا وأميركا حيث ينبغي أن تكون معاقل المسيحية ، أمـا أسباب ذلك فلست في حاجة لإظهارها وإن كانت غالبيتها واضحة للعيان . .

سـأثير أمثلة لهذا التراجع ، كما قلت قبل قليل ، أن أحد أسبابه هـو " فوضى حرية التعبير " وكصورة لذلك أذكر الدانمارك ، حيث الرسوم التي أفادت غليل الحاقدين ، كنت قـبل فترة هناك وأحدق في المخازن ولاح لي ( حذاء نعـال من الإسفنج ) وعليه صورة لمريم العذراء ، واستغربت أن أجد هذا في دولة تعتبر مسيحية . . وقرأت في 27 / 2 / 2007 في بي بي سي ومواقع أخرى بناء على ترويج يهودي اسرئيلي وصهيوني عالمي أن المخرج جيمس كاميرون أنهى فيلما وثائقيا عن كشف قبر المسيح وأسرته ( زوجته وأولاده ، مذكورة أسماء ) بالقرب من القدس ، وقـرأت أيضا أن إعلانا للترويج لمحطة تلفزيون ( بلوج تي في ) الموجهة للشباب في بلجيكا عرضت في محطة ( آر تي إل ) الرئيسية وصالات السينما البلجيكية إعلانا تلفزيونيا يظهر المسيح كشخص هـبّـي ( فوضوي ) يتعرف على نساء نصف عاريات في أحـد الملاهي الليليـة ، وأن مسابقة للفن الديني في أستراليا كان من بين الرسوم التي عرضت فيها صورة لأسامة بن لادن في شكل يشـبه المسيح وتمثال لمريم العذراء وعلى رأسها برقع . .

وهـناك أيضا إباحـة كـل المسيـئات في الدول الأوروبية والولايات المتحدة باسـم ( الحرية الشخصية ) فتـنشر الفساد بكل أنواعه الذي يتعارض مع مبادئ المسيحية من دون حسيب أو رقيب ، والأدهى أن رجال دين مسيحيين تورطوا فيها ومنهم في سـان ديجو بولاية كاليفورنيا الأميركية حيث وافقت الكنيسة الكاثوليكية ( الخبر منشور في 7 / 9 / 2007 من قبل وكالات غربية ) على دفع مبلغ 198 مليون دولار لتسوية 144 قضية ضد بعض رجالها الذي اتهموا بارتكاب انتهاكات جنسية وكانت الكنيسة الكاثوليكية في لوس انجلوس الأميركية قد وافقت أيضـا قبل ذلك بشهرين على دفع مبلغ 660 مليون دولار لتسوية 508 قضية انتهاكات جنسية ، ولـديّ الكثير من هذه الأنواع والممارسات ، إضافة إلى أن قسما مـن الكنائس سمحت بأسـوأ الحرام كزواج المثـليـين . . وهكذا دواليك ، مـا أثار الإستياء لدى الكثيرين من أتباعها .

وقـرأت في أحد المواقع الإسلامية ، أن ثُـلث سكان العاصمة البلجيكية بروكسيل تحولوا إلى الإسلام ، وأنه بحسـب التوقعات فإن الإسلام سيصبح الدين الأول في بلجيكا بحدود ثلاثسن سـنة ، وأن لندن في طريقها لتصبح مدينة مسلمة ، وأن في إيطاليا حاليا أكثـر من مليون ونصف المليون من الإيطاليين الذين تخلوا عن المسيحية وتحولوا إلى الإسلام . . وهكذا تناول الموقع غالبية الدول الأوروبية . . وعندما قرأت في الصحف والمواقع الغربية بتاريخ ( 9 / 9 / 2007 ) خبرا بعنوان ( بريطانيا تنحط أخلاقيا ؟ ) يقول : " أظهر استطلاع للرأي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ، أن ثمانية من بيـن كل عشـرة أشخاص فـي بريطانيا يعتقـدون بأن بلادهم تـنحط أخلاقـيا لأن الديـن ( المسيحي ) لايولي أهمية في إرشاد المعايير الأخلاقية للأمـة . . " يمكـن أن نعـرف لماذا تنهـار بريطانيا ومثلها غالبية دول أوروبا وتـتخلى الغالبية من سكانها عن الأخلاق والمثل التقليدية المتوارثة ( وهي الآن الأكثرية في المجتمعات الأوروبية ) التي تقود التدهور العام وهـروب البعض نحو دعايات الديانات الأخرى .

ليس مهما لـديّ أن تكون الأرقام التي ذكرها الموقع الإسلامي موثوقة أم لا ، ولكن الوقائع تؤكد بعض الأدلة حول ذلك . . مثلا ، كنت قبل فترة في سويسرا وذهبت كعادتي غالبا كل يوم أحد لحضور القداس في الكنيسة الكاثوليكية في بلدة كلوتين ( ضاحية زيورخ ) فكان عدد الحضور بحدود الأربعين شخصا ، وبالصدفة ألتقيت مع صديق عراقي مسلم ، في مدينة زيورخ وكان يوم جمعة ، فأخذني إلى ( مسجد ) مركز الشيخ زايد الإسلامي ، وكان عدد المصلين حوالي ثلاثمائة شخص عرب ومن بلدان إسلامية وسويسريون ، وقال لي إمام المسجد أن عدد المسلمين في كانتون زيورخ يبلغ سبعين ألفا ولهـم أحدعشر مركزا إسلاميا مثل هذا المركز ، وأنه " يشهر إسلامه في هذا المركز ما معدله خمسة سويسريين أسبوعيا " . . كما علمت مـن مصادر موثوقة أن جماعات دينية مسيحية ( غير كاثوليكية ) عرضت على المسلمين في الدانمارك وبريطانيا بيـعهم كنائس قديمة لها ( بحجة أنها لـم تعـد في حاجة إليها لخلوها من المصلين منذ فترة ) وهذا الخبر يؤكد أولا مشكلة الديانة المسيحية في أوروبا ، وثانيا لماذا عرضها على المسلمين وليس مثلا على الحكومات ومؤسساتها للإستفادة منها كمتاحف لشؤون مسيحية إذا كـان لابـدّ مـن بيـعها ؟ .

ومهما تكن حقيقة هذه المعلومات ، لكـن بتقديري ، أن إعـلان الفاتيكان الذي نشـر في 30 آذار ( مارس ) الماضي يشكل صدمة لوضع المسيحية المستقبلي ، والذي يقول " إن الإسلام تجاوز الكاثوليكية ، حيث تشكل نسبة المسلمين الآن أكثر من تسعة عشر في المائة من مجموع سكان العالم مقارنة بأقل من سبعة عشر ونصف في المائة للكاثوليك " لكن الفاتيكان يعلن " على أية حال أن المسيحيين من مختلف الطوائف ككل لايزالون أكثر من المسلمين ، وأوضح الفاتيكان أنه أخذا في الإعتبار كل الطوائف المسيحية بما في ذلك الكنائس الأرثوذكسية والأنجليكانية والبروستانتية فتكون نسبة المسيحيين 33 في المائة من سكان العالم ، وذكر الفاتيكان أنه بينما يبدو عدد الكاثوليك بالنسبة لسكان العالم ثابتا تقريبا فإن عدد المسلمين يزداد بسبب المعدلات الأعلى للمواليد " . . وشخصيا أرى أن عدد المواليد هو أحد الأسباب الرئيسية ، وليس السبب الوحيد ، ولكن حتى هذا السبب يمكن معالجته لأنه مرتبط بالتدهور العام لسلوك المجتمعات المسيحية الغربية ، حيث أدى الفسـاد العام إلى العزوف عن الزواج ، وحتى إن حصل الزواج فإمـا طفل واحد أو لا ، لأن غالبية الزيجات صار نصيبها الطلاق وإنجاب الطفل سيؤدي إلى دعاوى قضائية في شأن حضانته . . ولهذا صار التعويض في تبني أحد الزوجين لطفل من أفريقيا أو من البلقان أو أماكن العالم الأخرى . . ولـذا فإن الزواج والإنجاب والمشاكل المسيحية وغيرها صارت كلها شبكة واحدة يؤدي ضبطها وإصلاحها إلى خطوات مهمة صائبة في حل معضلات المسيحية ، وبالتأكيد أن أوروبا والولايات المتحدة هي مفتاح هذا الحل ، لأن التراجع المتواصل للمسيحية في أوروبا والولايات المتحدة ، سيكون زلزال الكارثة الذي لاتفيد معـه كل الطوارئ .

المشـكلة تكمن في أن الذيـن يعيشون في دول أوروبا الوسطى والشمالية والولايات المتحدة ( وهي بلـد لملـوم مهاجرين ) يتصورون أن مشاكل العالم كله يمكن حلـها بموجب نماذج بلدانهم ، وهـم بذلـك يتجاهلون الفروق بين المجتمعات والعقليات والحضارات ، مـن دون أن يدركوا أن في أوروبا نفسـها تناقضات سـواء داخل دولها أو مناطقها ، وأن بين الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية فـوارق جمّـة ، ولكـن رغم ذلـك فإنـه ـ كمـا يبـدو ـ أن مصالحهم لاتـتطلب معالجة جذور المشاكل وإنـما التركيز على قشـورها مثـل ( الحـوار بيـن الثـقافات ) وكأن مشـاكل العالم يحلها عـدد مـن الأشـخاص يجلسـون ( ويصدرون البيانـات ) والنـاس تطيع لأنهم يمثلون النخب وكفـى . . نعـم أن النخب مهمـة ، ولكن مـن دون إهمال إستـئصال جذور المشاكل وهـم الأشـخاص الذين يثيـرون والوسائل التي توفر لهـم إندلاعها وانتشـارها .

وأخيـرا . . عـذرا سـيدي قداسـة البابا ، فلـولا كونـي أحـد الذين يشـاهدون المعاناة لمـا ولجت دهاليزها ، وإن كنت اليوم بعيـد بعض الشئ عـن حومة المكابدة ، ولكنني لاأستطيع الإنفصال عـن الذين يقاسـون منـها ، سـواء كنت قريبا منها أو بعيدا عنها . . ولا تعميـد مجـدي علام ولا الترحيب بتحول تـوني بلير مـن المذهب المسيحي الأنغليـكاني إلى الكاثوليكي ( نشـر في 23 / 12 / 2007 ) يخفف المعاناة ، وهـو أيضا لـن يعظّـم شـأن الكاثوليكية التي هي عظيمة الأسس لأنها لاتـزال مذهبا لحـوالي 17 في المائة مـن سكان الأرض ، ولـذا فالأهمية في صيانتها وصمودها والمنتمين إليها أمام عواصف هـذا الزمان . . وفـي كا الأحوال فالديانة المسيحية هي في مبادئها الأساسية علاقة بين الإنسان وربـه ، وليست للدعاية والنشر والترويج " وإذا صـليتـم فـلا تكونـوا كالمـراءِيـن فإنـهم يُـحبون القيـام في المجامـع وفـي زوايـا الشـوارع يُـصلون ليَـظهروا للنـاس . . . " .


Opinions