Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

صناعة الفساد في العراق

 تدخل الظروف الزمانية والمكانية عاملا أساسيا في تحديد العقويات المترتبة على الأفعال الجُرمية بمختلف أنواعها، وقد يتضح ذلك فيما تحتويه النصوص القانونية من حدود دنيا وحدود قصوى للعقوبة. وفيما يتعلّق بالفساد ومع عِظم ما يتركه من آثار إجتماعية وإقتصادية في الأماكن الأخرى ألا أنه في العراق، بالإضافة الى ما يمكن أن يسهم به من تعطيل للنمو الإقتصادي وتفكيك للعلاقات الاجتماعية، للفساد آثار مدمّرة أخرى أيضا، تتجاوز ذلك بكثير نتيجة لما يمكن وصفه أي (الفساد في العراق) بأنه السماد العضوي الكفيل بتوفير تربة خصبة لنمو وديمومة الفعل الإرهابي الذي أبتلي به العراق لما يقارب عقد من الزمن والى اليوم.

وتستلزم تلك الآثار الاستثنائية التي يتركها الفساد في العراق، معالجات أكثر من جادة وعقوبات هي الأخرى إستثنائية أيضا.

لقد بات واضحا بأن دخول المحاصصة كمعيار أساسي لتشكيل الإدارة في العراق، شكّل بحد ذاته سببا رئيسيا في استفحال ظاهرة الفساد في مفاصل الدولة العراقية  خاصة مع عدم اتساق النهج السياسي لمعظم اصحاب المناصب الادارية مع واقع التجربة الديمقراطية ، أو افتقار البعض الآخر منهم للقدرات الادارية اللازمة لملأ حيز المسؤولية الملقاة على عاتق المرشح أو الشاغل لهذا المنصب أو ذاك.

أمرا كهذا جعل من الادارة في العراق فريسة للتحزب السياسي خاصة مع بقاء هوية الاقتصاد العراقي عائمة بين الأنظمة الاقتصادية الأساسية في العالم سواء الأنظمة الاشتراكية منها أو أنظمة الاقتصاد الحُر، كما أسهم مفهوم (الهوية العائمة للإقتصاد) هو الآخر في تعميق الاختلالات الادارية وتكريس ظاهرة الفساد الاداري التي أصبحت سر ديمومة الارهاب في العراق بما خلّفت من ثغرات استطاع صنّاع الارهاب التغلغل من خلالها الى عمق المنظومة الأمنية وإختراق أجهزتها ودوائرها الاستخبارية في معظم الأحيان.

بعد عقد من الزمن وعند مقارنة وضع الدولة العراقية لما قبل التغيير 2003 بما هو عليه الآن، فيمكن القول بأن العراق كدولة قد انتقل من نهج القبضة الحديدية ومفهوم (الدولة المارقة) الى ما يراد تكريسه اليوم، وبما يمكن وصفه بمفهوم (الدولة السائبة)، القابعة بين فكي كماشة الإرهاب والفساد.

ومما يثير الأسف أن العراق في حربه المفتوحة على الارهاب (المتخادم مع الفساد) لم يستطع الى اليوم وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته إزاء ما يتعرّض له الشعب العراقي من قتل يومي على أيدي المجاميع الارهابية المدعومة من دول معلومة ومشخّصة من قبل الجميع (الممالك الوراثية في المنطقة). في المقابل وعلى الجبهة الأخرى فالحرب على الفساد لا زالت تفتقر الى آليات إصلاحية واضحة وفعالة لقهر بؤر الفساد، إن لم نقُل بأن مثل هذه الحرب ما زالت مؤجلة الى إشعار آخر لإحتمالية أن يطال الشروع بها مسؤولين كبار داخل الدولة العراقية و وجوه بارزة داخل النخب السياسية.

 ولا شك أن التأجيل المستمر للحرب على الفساد رغم آثاره الخطيرة ومع افتقار الساحة القانونية لإجراءات رادعة تتناسب مع الآثار الظرفية الزمانية والمكانية للفساد في العراق ، سوف يتضاعف معها قوة الفعل الإهابي ويسهم كذلك بالتدريج في اضعاف الآليات المؤسسية لمكافحته. وذلك ما حصل بالفعل، فقد أضحت الأطراف والجهات الرسمية التي أوكل لها القانون مهمة التصدي للفساد سواء الرقابية أو التشريعية بل والتنفيذية يجسدّون اليوم أقبح جوانب المشكلة بما يمكن القول بأنهم المعرقل الأساسي لإحداث الإصلاح الاداري الشامل القادر على تجفيف المنبع الحقيقي للإرهاب، المتمثل في الصناعة الرائجة للفساد التي لم تعد مقتصرة على الموظفين الحكوميين الصغار والقواعد الدنيا في هرم السلطة بل تدرّجت لتحضى هذه الصناعة المشبوهة (صناعة الفساد) برعاية خاصة جدا من مسؤولين كبار في رأس هرم الدولة العراقية.

أخيرا وليس آخرا، أن الحرب على الفساد تستلزم بالدرجة الأساس وجود ادارة فعالة ومؤسسة سياسية فاعلة، وليس من السهل إيجاد هذا وذاك للنهوض بالواقع المأساوي في العراق دون استبعاد آلية المحاصصة الحزبية في الاختيار، و دون وضع الرجل المناسب في المكان المناسب لقطع دابر الفساد والإرهاب على حدّ سواء.

 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
كلنا مريم إذا نطقت هادي جلو مرعي/ هكذا ذهبت مريم،الصغيرة مع أبيها الى الطبيب ،وكان الوقت عند غروب شمس بابل التي لم تشأ أن ترتفع ثانية لتمنح مريم فرصة حياة جديدة عفواً ومغفرة ياإلهي... أنا إلهُكَ في البدء: الحقيقة إننا نعيش في مجتمع مجنون _ وخاصة في مجتمعنا _ يدفعنا إلى حافة الانفجار، ومن النادر أن تجد إنساناً وسط هذا الصخب والجنون لا يشكو من التوتر والقلق والتوجس على المستقبل، يشكو الإكتئاب والحزن والناس وسوء معاملتهم وحبهم لأنانيتهم المهلكة ، وعصبيتهم المقيتة ، وكبريائهم القاتلة، وطائفيتهم المميتة ،ومحسوبيتهم المصلحية ،ومحاصصتهم الطائفية، ومناصبهم المسروقة ، ومراكزهم المباعة ، كما ويشعر البشر بأنهم تائهين لا أهداف لهم، وإنْ وُجدَتْ فهي متناقضة مبعثرة، ولم تعد هناك لذّة في العمل أو منفعة في الحياة... إنها سلسلة متصلة من الضيق والغضب والضغط والانفعال وأخيراً الموت . هل يستحيل على الدولة أن تصدر قانوناً للتقاعد فيه الحد الأدنى من العدالة رياض شعان/ يُدهشني أن يستغرق كذا قانون حيوي أساسي لعيش شريحة واسعة من شعب كانت أساساً في بنيان المجتمع العراقي القائم بما فيه من ثروات الإِنْسَان مِنْ علْيائِهِ شذى توما مرقوس/( عَنْ حَيَواناتِ التَجارُب ) الإِنْسَانُ كَائِنٌ يُحِبُّ العُنْف ويَسْتَلِذُّ بِهِ ، إِنَّه يَحْمِلَهُ تَحْتَ جِلْدهُ وفي مَساماتِهِ،
Side Adv2 Side Adv1