ماذا وراء الإتفاق المفاجئ بين المالكي وكردستان؟
ما الذي جرى في أربيل ليعم فجأة، كل هذا التفاؤل بالحل لجميع المشاكل؟ أين ذهبت الإتهامات القاسية المتبادلة بالدكتاتورية وبعدم الرغبة في استقرار العراق وبعقلية البعث التي لا تتغير، وضرورة تغيير المالكي من جهة والإبتزاز واللصوصية والتعاطي مع إسرائيل، من الجهة الأخرى؟ وأين اختفت جبال التوترات التي كادت تشعل الحرب بين كردستان وبغداد في كل أزمة؟ كيف اتفقا بهذه السرعة وهما لم يكونا يطيقان حتى الحديث مع بعضهما البعض دون وجود وسيط أجنبي يهدئ النار التي في قلب كل منهما تجاه الآخر، وإذا اشترى أحدهما السلاح، شم فيه الآخر رأئحة الخردل واصابه الرعب!
الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في العراق يرحب بالمبادرة(1) ورحبت السفارة الامريكية في بغداد بها وأثنت على القادة العراقيون الملتزمين بتقوية دولتهم وعزل الإرهابيين(2) فما الذي جرى حقاً وكيف ولماذا؟
دعونا نحاول أن نفهم، ولنلق أولاً نظرة سريعة على نتائج لقاء المالكي والبرزاني(3) ونقرأ ما بين سطورها، وما تم التصريح به في المؤتمر الصحفي بين نوري المالكي ومسعود البرزاني في أربيل(4)
تحدث البارزاني أولاً فرحب بضيفه وقال: "اتفقنا على التعاون لحل جميع المشاكل التي تواجه العراق بشكل عام واتفقنا على ان نتعاون بعد الان بشكل اخوي وودي والدستور هو المرجع وهو الحكم في كل المشاكل او الخلافات التي قد تحدث، ... هناك تصميم على ان نذلل كل العقبات ونحتكم الى الدستور في حال وجود اختلاف على أي موضوع".
وشكر المالكي مضيفيه طويلاً وتابع "لم تقتصر مباحثاتنا فقط في هذا الجانب وانما فتحنا ملف الاوضاع العراقية بشكل عام ويهمنا ان يستقر العراق وان تهدأ الاوضاع التي فيها المنطقة لصالح بناء العراق ديمقراطيا اتحاديا،.... وتناولنا التطورات التي تعيشها المنطقة وتاثيراتها ومخاطرها علينا في العراق وما ينبغي ان نتخذ من اجراءات تعاونية لمنع انتشار ظاهرة الاضطرابات التي تعيشها المنطقة الى العراق".
تحدث المالكي عن "الرغبة المشتركة القوية باعادة اجواء التعاون والتكامل والبحث عن المشتركات وتفعيل القدرات التي نمتلكها من اجل حماية مكتسبات الشعب العراقي" ... وقال أنهم تحدثوا "عن العراق كل العراق"، وأبدى استعداده لمد اليد "بالعون والمساعدة ..لكل ضحايا النظام السابق...تخصص من الموازنة الاتحادية ". وأشار إلى وجود وزراة المؤنفلين ومؤسسة الشهداء والسجناء السياسيين وأبدى الإستعداد لإصدار قانون موحد للدعم.
وتحدث عن "إيجاد أجواء ومناخات إيجابية" وقال أن "هدفنا أن نصل إلى عملية استقرار ، قرارانا أن نتعاون قرارنا أن نتكامل" .. وأكد على "بحث كل المشتركات ... ودون ان نغفل أي مكون من المكونات في هذا الوطن".، أجاب موافقاً على "تحويل مدينة حلبجة الى محافظة" وأنه سيدعم الفكرة ".
وقال " نحن حازمون في هذه السنة ان نصل الى مرحلة التعداد السكاني لحسم القضية" و أكد تفعيل مشروع قانون حدود المحافظات الذي رفع من رئيس الجمهورية، وأن ذلك سيسهم في تحديد انتماء أية منطقة إلى الإقليم أو خارجه. وتحدث عن "اجواء من التفاهم والثقة المتبادلة والنية المعتمدة التي تصل الى حلول" ....
نلاحظ أولاً أن المؤتمر وقراراته والتفاؤل الذي يخيم على فريقيه، بل والمحبة المتبادلة التي تشع من عيون المتحدثين، وإطلاقهما لقب "أبو فلان" كل على الآخر، والدعوات للزيارات وغيرها وجو الثقة العالية المتبادلة، وهكذا فجأة يتم الحديث عن حل "جميع المشاكل، ليس بين كردستان وبغداد فقط، وإنما كل التي تواجه العراق بشكل عام"! يتساءل المرء: لماذا لم يخطر ببالهم التعاون "بشكل اخوي وودي" إلا الآن؟ وذلك الدستور الذي كان دائماً موضع اختلاف في التفسيرات صار فجأة "هو المرجع وهو الحكم في كل المشاكل"!
ألم يحذر التحالف الكردستاني قبل أيام من اللقاء بأنه يكاد ييأس لأنه "قدم جميع السبل والطرق من أجل أن يكون هناك حوار لحل المشاكل" وهدد باللجوء "الى خيارات أخرى"؟(5)
قبل أن نطمح إلى فهم تلك النتائج والحلول المزمعة، علينا أن نحاول أن نتذكر ما هي المشاكل التي يفترض أنه سيتم حلها بين بغداد وكردستان، ونتساءل كيف سيتم حلها؟ فالملاحظ أن الكثير من المتابعين وحتى الأحزاب، يتخذ موقفاً من الصراع بين بغداد وكردستان، دون أن يكون له موقف محدد من نقاط الخلاف الذي أنتج ذلك الصراع، ودون أن يكلف نفسه عناء تحديد من المحق وفي أية نقطة! دعونا نعدد أهم نقاط الإختلاف باختصار:
1- تريد كردستان تغيير قانون النفط الحالي...
وإقرار قانون جديد يعترف بعقودها التي وقعتها سراً مع الشركات النفطية العالمية، ويتيح للإقليم والمحافظات اتباع سياسة نفطية مستقلة عن المركز في توقيع العقود والتنقيب واستخراج وربما تصدير النفط مستقبلاً.
والمشكلة أنه ببساطة لدينا شريكين يمتلك أحدهما 83% من ناتج الشيء، دون أن يحق له أن يقول كلمة في العقد الموقع لاستغلاله!! وأن تلك العقود تمت بغير درايته وموافقته ولا يعلم مدى التلاعب الذي جرى فيها..وهناك مؤشرات ودلائل قوية جداُ بأن تلاعباً وسرقات كبيرة قد جرت في تلك العقود وأنها كانت تقدم هدايا سخية لشركات النفط. الموافقة على كل هذا تعني الموافقة رسمياً على اية عقود قادمة مهما كانت غير معقولة وواضحة السرقة، وسيمكن لأدارة أية محافظة أن تمارس هذا الفساد بكل حرية! ولا شك أن المحافظات تنتظر نتيجة الصراع بين الإقليم وبغداد حول هذه النقطة لتبدأ معركتها مع بغداد ايضاً، وهذا من حقها. في هذه النقطة وحدها تحطيم لا يمكن لأي بلد ان يتحمله.
ومع ذلك قبلت بغداد بالتعامل مع هذا الواقع واتفقت مع كردستان أن تدفع بغداد كلفة الشركات المتفق معها بخارج إرادتها، كما سنأتي على ذلك في النقطة التالية.
السؤال هنا: هل قبلت كردستان فجأة التنازل عما اصرت طويلاً على المطالبة به من قانون النفط، أم ستقبل بغداد أن بقانون نفط يزرع الألغام التي لا يمكن التنبؤ بنتائج انفجاراتها، تحت بقية محافظاتها، وتكرر مع كل محافظة نفطية الصراع المرير الذي خاضته مع كردستان وشركان النفط؟ كيف سيكون الحال لو أن البصرة بدأت بذلك، وهي تستعد فعلاً للقيام بذلك؟ وهل يخدم هذا التحطم كردستان التي تستفيد من حصة غير طبيعية من نفط البصرة وغيرها؟
2- مستحقات الشركات....
تريد كردستان من بغداد دفع "مستحقات" الشركات الأجنبية العاملة في كردستان، ورغم عدم اعتراف بغداد رسمياً بشرعية عقود كردستان لكنها خضعت للأمر الواقع واتفقت مع كردستان على صيغة تحتفظ فيها بغداد بحق التصدير وتدفع لكردستان تكاليف التطوير والإنتاج للشركات العاملة فيها، بعد أن تقدم كردستان حسابات تلك الشركات. ثم وافقت بغداد أن تدفع مقدماً جزءاً من تلك التكاليف المدعاة، قبل تقديم حساباتها، لحين تجهيزها. ما سبب المشكلة أثناء تقديم الميزانية للبرلمان، هو أن كردستان لم تقدم تلك الحسابات التي دفعت بغداد أقساطها، وتطالب بغداد بدفع المبالغ الكلية بدون تقديم حسابات!
كيف اتفقوا على هذه حل المشكلة؟ هل ستقبل كردستان بتقديم الحسابات، أم ستدفع بغداد المبالغ التي ستدعيها كردستان، "على الثقة" ؟
3- تريد كردستان إجراء تعداد سكاني ،
والمشكلة أن انعدام الثقة التام يجعل من المستحيل إجراء تعداد سكاني بأية درجة من المصداقية. فكردستان قادرة تماماً على تزوير تعدادها وبدرجة كبيرة، ولا توجد طريقة لمنعها من ذلك، وحتى إن سمحت أن تسيطر القوات الإتحادية على منع التجول في المدن، فربما لا تستطيع الحكومة تقديم عدد كاف من تلك القوات في وقت واحد. المشكلة في التعداد السكاني أن الغش فيه يثبت الظلم إلى الأبد، وضمن الأجواء الحالية فأن الدعوة لإجراء تعداد سكاني لا تعني سوى الدعوة لشرعنة وتثبيت الظلم الذي تمكنت كردستان من فرضه في ظرف مناسب لها، وإلى الأبد. ولا حاجة للقول بأن كردستان "لن تقبل" تعداداً يعطي نتيجة تقل (كثيراً) عن الـ 17%، لأنها ستخسر بذلك العديد من المليارات التي حصلت عليها والتي ستحصل عليها مستقبلاً. كذلك فأن احداً في بقية العراق لن يصدق بأي تعداد يعطي الكرد أكثر من 12% (وهو أقرب رقم إلى التقدير الواقعي الذي يبلغ 11%، تجرأ السياسيون في بغداد على طرحه)..
المالكي قال أنه عازم على إجراء التعداد، فهل يثق بنتيجته مهما كانت؟ هل هو مستعد لمجابهة العرب من ناخبيه الذين لن يصدق أي منهم أي شيء عن هذا التعداد، حتى لو كان صحيحاً، إستناداً إلى ما عرفوه عن كردستان و "براغماتيتها" ؟ وهل لو تبين من الإحصاء أن النسبة هي 11% فسيقبلها الكرد؟
4- تفعيل المادة 140 ...
وإعادة نقل المواطنين الذين تم تهجيرهم بين كردستان وباقي مناطق العراق، والتعويضات المتعلقة بها.
رغم إشكالاتها الكثيرة وتفسيراتها ، فيمكن تفهم حق كردستان في هذه النقطة، المشكلة هي في النقطة السابقة ، الإحصاء السكاني، الضرورية للعمل على المادة 140. فكيف ستحل هذه المشكلة؟
5- خلاف كبير جداً في تحديد المناطق المتنازع عليها
(والتي تسميها كردستان "المناطق المستقطعة من كردستان"، وبضمنها كركوك وخانقين والسعدية وجلولاء ومندلي وأجزاء كبيرة من سهل الموصل وأجزاء من صلاح الدين والكوت ..). ومشكلة هذه النقطة هي في تزوير التعداد السكاني أيضاً فبتزوير التعداد المتوقع تتم شرعنة احتلال الأراضي التي تتم الآن بالقوة. كيف اتفقوا على حل هذه المشكلة وعلى حساب من؟
6- موضوع الـ 17% -
هذا الموضوع مرتبط بشكل مباشر وحاسم بالتعداد السكاني، ويعده العراقيون العرب إبتزازاً صريحاً ووقحاً، وتحول إلى نقطة كرامة أيضاُ بعد تقديم برلمان كردستان لنسبة سكانه على أنها 12.6%، ورغم ذلك ترفض كردستان بشدة أي تغيير في الرقم الذي لم يكن سوى اتفاق إعتباطي مع أياد علاوي وبريمر، ولا يستند على أية إحصاءات من أي نوع! أي كأنها تقول للعرب:نعم نحن 12.6% لكننا سنأخذ 17% غصباً!
هذا ا لموضوع لم يطرح أساساً في المؤتمر لأنه قد تم إخراجه من المناقشات من خلال تنازلات سابقة أثناء مفاوضات الميزانية، لذلك ليس هناك "مشكلة" فيه... سوى إحساس العرب بأن المالكي وحكومته تخذلهم وتقبل تمييزاً عرقياً ضدهم يجعل حق كل عربي يعادل ثلثي الكردي أو ربما نصفه! وهذه حقائق بالأرقام لايمكن إنكارها ولا التلاعب بها ولا المراوغة حولها أو الأمل بنسيانها! فمحافظة بغداد تخسر لكردستان بسبب هذا الإبتزاز حوالي مليار دولار في العام، وتخسر كل من البصرة والموصل أكثر من ربع مليار دولار كل عام، وتخسر بقية المحافظات مبالغ اقل حسب نسبة سكانها.
والسؤال يبقى، كيف يأمل المالكي أن يتناسى العرب هذه النقطة ويقنعهم بالتعامل مع كردستان كأصدقاء و "مشتركات" الخ؟ ألن تبدو هذه كلها كأكاذيب واحتيالات لإبتزازهم؟
7- رواتب البيشمركه:
المشكلة هي أن بغداد (وكل العراقيين في الحقيقة، بضمنهم الكرد) ترى أن البيشمركة ميليشيات لا علاقة لها بالجيش العراقي، ولا توجد للجيش العراقي أية سلطة عليها، بل أن أسلحتها هي أسلحة الجيش العراقي التي سرقتها واحتفظت بها بالقوة. كذلك فأن البيشمركة ومنذ "التحرير" لم تشتبك مع أية جهة كانت إلا مع الجيش العراقي ولم تقف بوجه أي جهة سوى سلطة القانون العراقي وقامت بالإستيلاء على مناطق خارج كردستان وطرد فرق النفط العراقية من كركوك واستجلاب شركات نفط أجنبية محلها، الخ... فالبيشمركة في حقيقة الأمر ومن الناحية العملية، جيش آخر، بل وجيش معادي، لا سلطة لبغداد لا على منتسبيه ولا على عدده ولا على تشكيلاته وهي غير قادرة أن توجه الأوامر إليه، وكل ما تأمل به أن تتجنب الإشتباك معه. وقلق كردستان الهستيري من شراء الأسلحة الروسية لم يكن إلا اعترافاً بأن البيشمركة هي العدو الأكثر احتمالاً للإشتباك معه في المستقبل! وبالتالي فأن دفع رواتبه لا يشبه في شيء سوى إبتزاز آخر ويذكر العراقيين بنظام صدام حينما كان يجبر الأهالي على دفع ثمن رصاصات إعدام ذويهم إمعاناً في إذلالهم.
يبدو أن المالكي قد قرر أن يصرف مبالغ للبيشمركه، رغم أنه يقول أنه لا يوجد نص دستوري يسمح بذلك، ولكن الأهم كيف سيبرر ذلك لناخبيه العرب؟ ويخطر ببالي هنا سؤال خاص بالمالكي: كيف سيشرح ذلك للتيار الصدري الذي قام المالكي بقصف ميليشياته من جيش المهدي وتمزيقه عسكريا، بدعوى (سليمة) بأن القوات المسلحة يجب أن تكون بيد الحكومة فقط، بينما يذهب إلى حد دفع رواتب لميليشيات كردستان؟ أن تسمية البيشمركة بأي إسم آخر، تلاعب بالألفاظ من أجل تجنب الإحراج ليس إلا! فإلى أي حد ستخدم هذه الألاعيب المالكي لتبرير تراجعاته؟
8- تعويضات انفال وغيرها
لقد تم ابتزاز العراق بالتعويضات كما لم يبتز أي بلد آخر في العالم، ولا تبدو أن هناك لهذه "التعويضات"، ويبدو وكأنها جزء من الآليات المصممة لتدمير اقتصاده، وكردستان تتكلم بشكل عام هنا ولا تحدد مبلغاً محدداً لتلك التعويضات. والحقيقة أن المالكي وحكومته مشتركة في الذنب في هذه النقطة ففي حملة شعبوية كبرى، قامت الحكومة بتوزيع "التعويضات" حتى على نزلاء المخيمات بعد أن اعتبرتها "سجناً" ونزلائها مناضلين، ولم نسمع يوماً بمناضلين يطلبون تعويضاً.
الصحيح ان تتجه "المساعدات" (وليس التعويضات) إلى المحتاجين والفقراء من الناس وليس بالضرورة من تضرر من جهة معينة مثل "صدام حسين" أو غيره، فسواء ما أصاب المرء من ضرر كان من الأمطار أم من الظروف أم صدام حسين فالنتيجة واحدة وهو يستحق المساعدة.
كيف سيجيب المالكي عن هذا، وأين سيقف سيل التعويضات الذي لا ينقطع والذي صار يثقل حتى ميزانية ضخمة كميزانية العراق؟
9- التواجد العسكري الكردستاني في مناطق متنازع عليها
واحتلال اراضي خارج حتى المناطق المتنازع عليها والتنقيب عن النفط والمعادن فيها.
هذه المشكلة، والمشكلات التالية، لا تحتاج إلى أية إضافة لتوضيحها. أين أتفقوا أن يضعوا الخطوط الفاصلة؟
10- استيلاء كردستان على كميات كبيرة من أموال العراق العامة من الكمارك وغيرها...
ستتنازل كردستان عنها؟ أم أن السرقة ستستمر ويتم التغاضي عنها من قبل الحكومة؟ ماذا لو فعلت كل محافظة حدودية مثل كردستان؟
11- سرقة أموال بشكل نفط مهرب أو استعمال النفط الخام المستخرج وبيعه داخلياً للمصافي بدون موافقة أو علم بغداد
نفس السؤال السابق...
12- تعامل كردستان مع الجهات الأجنبية خارج إطار سلطة العراق مثل تعاملها مع تركيا
ووصل الأمر إلى قبول مسلحين (من حزب العمال الكردستاني) داخل العراق باتفاق ثنائي مع تركيا!
هل ستجد كردستان تخريجة لهذا؟ وما موقف الحكومة من ذلك؟ كيف ستقنع ناخبيها بسيادتها؟
13- قلق عراقي قوي جداً من تواجد إسرائيلي مدني وعسكري في كردستان..
واحتمال قوي جداً تدريب إسرائيل لمسلحين كما يبين أحد أفلام البي بي سي، وقد يكونوا الإرهابيين الذي يفجرون العراق، وهذا يتناغم تماماً مع كل من العلاقة القوية مع أميركا والجيدة (على الأقل) مع إسرائيل، وأهداف كل من هاتين الدولتين في تدمير العراق وتفتيته كما كشفت العديد من الوثائق والتصريحات الرسمية. ولا يمكن الإطمئنان على إخلاء كردستان من هذه العلاقة إلا بتواجد عسكري عراقي يمكنه أن يصل إلى كل نقطة في كردستان.
هل قبلت كردستان بهذا التواجد، أم أن المالكي قد قرر أن ينساه؟ كيف إن كان المتدربين هم إرهابيين فعلاً؟ وحتى لو كانوا من البيشمركه كما يدعي فلم البي بي سي الوثائقي، (وينكر ساسة كردستان جميعاً) فهل سيتغاضى المالكي عن أن إسرائيل تدرب إذن "الجيش العراقي"! إن اعتبر أن البيشمركه جزء من الجيش العراقي. ما موقف المالكي إن أحدث له تواجد إسرائيلي في كردستان مشكلة مع جيرانه؟14- مطالبة الحكومة الإتحادية بالسيطرة على المطارات والحدود في كردستان..
فبدونها يكون العراق مفتوحاً لجميع أصدقاء كردستان، وهم ليسوا بالضرورة اصدقاء العراق، وبضمنهم إسرائيل. وقد اعترف أحد الضباط الإسرائيليين الذين قابلتهم البي بي سي ، بأنه تم إدخالهم إلى كردستان عن طريق تركيا بدون فيزا وبدون ختم جوازات سفرهم، كما أن هناك شهوداً بأن مطار السليمانية كان يضع لافتة شركة العال الإسرائيلية في قاعته ضمن أول ثلاث شركات طيران تتواجد فيه.
من الذي سيتنازل للآخر هنا أيضاً، كردستان أم بغداد؟
15- الصلاحيات التي أعطاها الدستور العراقي لكردستان...
لا يمكن إعطاءها لأي إقليم قادم دون تحطيم حكومة بغداد نهائياً ،
هل ستتنازل كردستان عنها أم ستقبل بغداد أن تحطم نفسها؟
16- الصلاحيات التي أخذتها كردستان عنوة
... لا يمكن أن يحصل عليها أي إقليم قادم دون تحطيم بغداد،
هل ستتنازل كردستان عنها أم ستقبل بغداد أن تحطم نفسها؟
17- قلة المشتركات.. وربما أنعدامها
فما يطمئن كردستان يثير قلق العرب والعكس بالعكس.. أنظر مثلاً الموقف من القوات الأمريكية وانظر العلاقة مع إسرائيل وانظر شراء الأسلحة الروسية، والترحيب بالقرضاوي كـ "صديق" ضيف في كردستان (تم منعه في اللحظة الأخيرة) وكذلك سمير جعجع، والموقف الخطير من الصراع في سوريا، وكل شيء تقريباً...
صحيح أن للطرفين مصالح مشتركة كثيرة في الرفاهية والتكامل الإقتصادي، لكن هذا يتطلب أجندة مختلفة تماماً، كما تبين بوضوح مضاربة كردستان لبغداد في الشركات النفطية مثلاً، والذي لا يحدث حتى في الدول المتعادية التي تتمكن من تنسيق الحد الأدنى من العلاقة بينها لتأمين مصالحها.
ما الذي تم الإتفاق عليه لحل هذه المشكلة الأساسية؟ ما هي المشتركات التي تحدث المالكي عنها، وهل ستغير كردستان كل أجندتها وأصدقاءها لخاطر بغداد، أم ستفعل بغداد ذلك لخاطرها، أم أكتشفا طريقة جديدة للعيش المشترك مع بقاء تناقض مصالحهما وأجنداتهما وأصدقائهما وأعدائهما؟
هناك بلا شك إشكالات عديدة أخرى لكن لنكتف بهذه النقاط. كيف تم الإتفاق ولو بشكل أولي، على حل كل هذه الإشكالات وما هي مبررات السعادة الغامرة والتفاؤل المفاجئ بوجود حلول مقبولة للطرفين؟ إننا نعلم أن خير ما يمكن ان يحدث بين طرفين مختلفين هو أتفاق (مؤلم بالضرورة) على تقاسم الخسائر وهذا بحد ذاته إنجاز هائل لا يستطيعه إلا القليلون وبعد جهود طويلة تستغرق سنيناً وتجري في أجواء إيجابية وطيبة ضمن مؤسسات حضارية متطورة، فمتى تحققت تلك الأجواء ومتى بدأت تلك الجهود البناءة وأية مؤسسات قامت بإجراء المفاوضات دون أن يعلم بها أحد؟
لنخرج من هذه المسرحية الهزلية، فلا توجد أية معجزات، وما يزال العالم كما كان، وما يربحه أي من الطرفين يخسره الآخر بالضرورة، خاصة مع عدم وجود مشتركات في الأجندات.
عندما يكون العالم وردياً أكثر من اللازم، فإنه يثير الريبة!
وإننا نخشى أن ما تم الإتفاق عليه هو ، على الأقل بالنسبة لجهة من الجهتين، أسوأ من أن يقال بصراحة، فليستعد الناس لمفاجآت غير سارة أبداً، وليقرروا منذ الآن موقفهم وما هم فاعلون حين يرفع الستار عن الحقائق المرة، لأنها ربما تأتي مدوية ومصحوبة بالكثير من الصدمات... وإن غداً لناظره لقريب...
(1) http://www.almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=12404
(2) http://shafaaq.com/sh2/index.php/news/iraq-news/59092--qq-.html
(3) http://qanon302.net/news/news.php?action=view&id=24050
(4) http://www.youtube.com/watch?v=WK5WjRDkmEo
(5) http://www.alestiqama.com/news.php?cat=siasy&id=9055
12 حزيران 2013