هل سيكرر الكلدان والسريان ذات الأخطاء التي إقترفها بعض الأخوة من الأشوريين
الذي يقرأ ما يكتبه ابناء شعبنا الواحد من الكلدان والأشوريين والسريان من مقالات او تعاليق في منتدياتنا قد يصاب بالهلع والخوف والخشية من الحاضر والمستقبل.
إن كان الخطاب إنعكاسا للواقع الإجتماعي لأي امة او مجموعة او حتى فرد – كما يقول علماء اللغة والإجتماع وعلم النفس – فإننا كشعب وحتى كنيسة في "حيص بيص". أي قراءة لخطابنا ستخرج بنتائج سلبية للغاية لأنها ستظهرنا شعبا لا ننظر أبعد من أنوفنا واننا مصابون بقصر نظر ونعاني من كل الأمراض والمسببات التي ادت إلى إندثار الحضارات والثقافات واللغات – أي شعوب بأكملها.
خلط عجيب وغريب
نحن شعب نعيش ضمن واقع إجتماعي هو مزيج وخلط اصبحنا لا نميز فيه بين أمور اساسية في حياة اي شعب او أمة. نحن مزجنا الكنيسة والهوية والقومية والطائفية واللغة والتاريخ والثقافة والعلم وتقريبا كل شيء مع بعض.
ولهذا الذي يقرأ خطابنا – أي الإطلاع على واقعنا الإجتماعي – ليس بإمكانه فهم او فرز ماذا نريد نحن او من نحن. مرة يرانا متدينين واخرى مذهبيين واخرى طائقيين وأخرى كنسيين وأخرى قوميين وأخرى متعصبين وأخرى منفتحين وهكذا دواليك.
مأساة
لم يكن بودي إستخدام هذه الكلمة ولكنها قد تكون الأقرب للوضع الذي نحن فيه إن نظرنا إلى أنفسنا كشعب واحد ذو تسميات ومذاهب مختلفة وكذلك إن نظرنا إلى مكوناتنا المختلفة بصورة مستقلة. فمثلا واقعنا الإجتماعي نحن الكلدان ليس على ما يرام من كافة الأوجه وهو يسير من سيء إلى أسواء – في أقل تقدير حسب وجهة نظري.
والأمر سيان إن نظرنا إلى مكونات شعبنا الأخرى. لا أظن ان الواقع الإجتماعي لأشقائنا الأشوريين يختلف كثيرا عن واقعنا نحن الكلدان. ويبدو لي ان إشقائنا السريان في طريقهم إلى واقع إجتماعي مماثل.
الخطأ الأشوري القاتل
أمل من أشقائنا الأشوريين قبول ما سأتي به من نقد بسعة صدر. بعد كل ما كتبته في مواقع شعبنا أظن ان الغالبية الساحقة لا تشك في منطلقاتي الوحدوية التي أساسها اننا شعب واحد وكنيسة مشرقية مجيدة مقدسة رسولية واحدة.
منطلقي الفكري بخصوص شعبنا هو ان أسمائنا متساوية القيمة – فأنا كلداني بالقدر الذي أنا فيه أشوري وسرياني. وكنسيا أرى ان مذاهبنا المختلفة متساوية القيمة من حيث القداسة لأنها كلها رسولية مقدسة جامعة (كاثوليكية).
وضمن هذا المنطلق أرى أننا شعب واحد لأننا نشترك في لغة واحدة وتراث واحد وليتورجيا واحدة وثقافة واحدة وتاريخ واحد وفنون واحدة ووجدان واحد – المقومات الأساسية لأي أمة او هوية.
ماذا حصل؟
في العصر الحديث شأت الظروف ان يكون الأشقاء الأشوريين اول من ينهض في صفوفنا من حيث المفهوم القومي في العصر الحديث. هذا النهوض فخر لشعبنا ونقطة مضيئة في تاريخه المعاصر وله الكثير من الإيجابيات.
بيد ان هذه النهضة رافقتها سلبيات جمة كان لها أثرا بالغا في مسيرة شعبنا وهنا أنا أشير إلى النكبات التي حصلت من الناحية السياسية، أسميها نكبات ولكنها في واقع الأمر إنتفاضات قومية ستكتب بحروف من النور في تاريخ شعبنا ولكن لم يكتب لها النجاح.
(وهنا انا لست في خضمها ولكنني أقول لنفترض ان الأشوريين في إنتفاضتهم القومية لم يكونوا لوحدهم بل ساندتهم بقوة كل فئات ومكونات شعبنا في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين – كوننا شعب واحد – أظن لكان لنا واقع إجتماعي مختلف تماما عما نعاني منه اليوم – اي كيان سياسي يمتد من سهل نينوى إلى سواحل البحر المتوسط.)
ما أريد الوصول إليه هو ان هذه النهضة رافقتها بصورة متوازية حركة سلبية جدا ديدنها التعصب والغلو تشوبها بعض العنصرية حيث نظرت إلى الأشورية وكأنها كل شيء وأنها تختزل كل شي ودونها ليس هناك شيء. وجرى مد ومط كل شيء من تاريخ ولغة وحتى الكنيسة كي يوائم هذا الشيء دون وعي او إدراك لنتائجه السلبية على الأخوة الأشوريين أنفسهم اولا وعلى أشقائهم من المكونات الأخرى ثانيا.
هذا المد الأشوري المتعصب – شأنه شأن أي فكر متعصب أخر – كان قصير النظر ولم يستند إلى دراسة علمية وأكاديمية من حيث التاريخ واللغة وتحوّل بمرور الزمن إلى مثالية بعيدة عن الواقع الإجتماعي لشعبنا لا بل تعاكسه وتؤثر عليه سلبا.
وأثر هذا المد على الكنيسة الشرقية ذاتها حيث دخلت في مزاريب التعصب القومي قبل حوالي أربعين سنة. واقول جازما ان كنيسة المشرق – الفرع الأشوري – دفعت ثمنا باهضا نتيجة إقحامها للمفهوم القومي الأشوري في أدبياتها الكنسية. كنيسة المشرق كنيسة جامعة مقدسة رسولية ذو خصوصية طقسية ليتورجية ولاهويتة وفكرية وفلسفية ولغوية خاصة بها ولهذا كان من الخطأ إقحامها في مزاريب القومية. المنحى القومي لكنيسة المشرق الأشورية ابعدها عن المكونات الأخرى رغم أنها كنيستهم.
إقحام كنيسة المشرق في القومية بالمفهوم العصري للأشورية كهوية قومية كان خطاءا فادحا دفعنا وسندفع ثمنه كلنا سوية – والثمن باهض جدا.
الواقع اليوم
شخصيا أرى توجها قوميا وحدويا لدى الكثير من الأخوة الأشوريين اليوم الذين ينظرون إلى مكونات شعبنا ومذاهبة وكأنها أغصان يانعة لجذع شجرة باسقة جذورها في أعماق الأرض.
ولكن لا زالت هناك مجموعة من الأشقاء الأشوريين لم يستوعبوا حتى الأن الواقع الإجتماعي لشعبنا في العصر الحديث ولكن لنكن منصفين ان هذه المجموعة بدأت تفقد بريقها حتى في صفوف أشقائنا الأشوريين.
ولنكن منصفين هناك نهضة أشورية جديدة تنبذ التعصب وترى أن كيانها ووجودها ومستقبلها مرتبط بشقيقها الكلداني والسرياني وان دونهما سينهار البنيان الأشوري.
ولنكن منصفين هناك نهضة في كنيسة المشرق – الفرع الأشوري – ترى أن إقحام الكنيسة في مزاريب القومية قد أثر عليها سلبا وأنها تريد إخراجها من هذه المزاريب ووضعت يدها بيد البطريرك الكلداني لويس روفائيل ونهجه في إنقاذ كنيسة المشرق برمتها من الإنهيار والنهوض بها بالعودة إلى الجذور من ليتورجيا وأداب وفنون ولغة وطقوس ولاهوت وفلسفة وفكر بشراكة إيمانية رسولية مع الكنيسة الجامعة.
الخطأ الكلداني القاتل
الخطأ القاتل هو عندما ينظر بعض الأخوة الكلدان إلى واقعهم الإجتماعي وكأنه ردة فعل للتعصب الأشوري الذي شرحناه أعلاه. هذا هو الخطأ القاتل. الأشوريون كانوا على خطأ وأغلبهم اليوم وحدويون وبدأوا يدركون الأخطاء التي إرتكبوها في مسيرتهم القومية لا سيما مفاهيم التقوقع من حيث التسمية والمذهب.
ما يحز في قلبي ويؤلمني كثيرا عندما ارى او أقرأ لبعض المثقفين الكلدان او رجال دينهم وهم يؤكدون على هويتنا الكلدانية – هوية شعبنا الواحد لأنها هوية واحدة – وكأنها ردة فعل معاكسة لما لدى الأخوة الأشوريين.
هذا امر مؤلم جدا، لأن التعصب بدأ يفقد بريقه لدى أشقائنا الأشوريين ولكنه بدأ بالظهور مجددا لدى بعض الأخوة من الكلدان. كل خطابهم يركز على لازمة مفادها: "لماذا الأشوري" وهنا يقصدون الأشوري المتعصب الذي لا يمثل الغالبية اليوم. الأشوري المنفتح والقومي الوحدوي ينظر إلى الكلداني اليوم كأخيه وشقيقه يشترك معه في كل المقومات التي تمير أمة واحدة.
الخطاب الكارثة
أقول "كارثة" لأن الأخوة المتعصبين من الكلدان يريدون إقحام كنيسة المشرق الكلدانية في مزاريب القومية كما فعلت كنيسة المشرق الأشورية. كنيسة المشرق الأشورية أخطأت لا بل سببت كارثة لنفسها ولنا بإقحام نفسها في مزاريب القومية.
كارثة بعض الأخوة من الكلدان هي إنهم يريدون من البطريرك المتنور والعالم لويس روفائيل إقحام كنيسته المشرقية المرتبطة بالكنيسة الجامعة بشراكة إيمانية إنجيلية في ذات المزاريب. والأمر المؤسف حقا هو ان هؤلاء الأخوة من الكلدان عندما يأتون إلى الأسباب التي تدعوهم إلى إتخاذ موقف كهذا يذكرون موقف البطريرك الأشوري: "لماذا هذا (البطريرك الأشوري ) يقول كذا وكذا وأنت (البطريرك الكلداني) لا تقول ذات الشيء).
بمعنى اخر انهم يطلبون من البطريرك الكلداني ويطلبون من الوحدويين من الكلدان وهم كثر – ومع الأسف يسمونهم غير أصلاء او متأشورين – ان يقبلوا على أنفسهم السير على ذات المنحى المتعصب لبعض الأخوة الأشوريين.
هذا هو الخطأ الكلداني القاتل. الوحدوي الكلداني لن يتأثر بهكذا خطاب لأنه يرى الأشوري والسرياني جزء من كيانه ووجوده وتاريخه وإرثه وثقافته ولغته وطقوسه وفنونه ووجدانه.
والرئاسة الكنيسة بزعامة البطريرك المحبوب لويس روفائيل لا أظن أنها ستقبل هذا التوجه الكارثي للمتعصبين من الكلدان لأن البطريرك يقرأ التاريخ ويعرف نقاطه السلبية وسيعمل جهده ويستغل علمه ومكانته لدى كل مكونات شعبنا وعلاقته المميزة مع الكرسي الرسولي في روما لمنع شعبنا بتسمياته ومذاهبه المختلفة إعادة أخطاء الماضي.
بشائر
هناك أخبار سارة في صفوف شعبنا لأن الكثير من الأشوريين والكلدان والسريان اليوم بدأوا نبذ التعصب تسمية ومذهبا. وكم كانت فرحتي عامرة ان أرى اصواتا بارزة في المؤتمر الكلداني الأخير ترى أننا شعب واحد وكنيسة واحدة وبدأ بعضهع ومن المنظمين الأساسيين للمؤتمر – رغم قلتهم – يردد: "نعم الوحدة ... ثم الوحدة ... ثم الوحدة." فبارك الله فيكم ولقد أثلجتم صدري ككلداني يتعتز بتسميته وهويته ولغته التي يراها مكملة لما لدى أخيه الأشوري والسرياني لأنها قواسم مشتركة لا يستطيع أي مكون الوقوف على قدميه دونها.
وإلى أشقائي السريان أقول: حذار ... حذار ... من الوقوع في مصيدة التعصب التي وقع فيها اول من وقع كانوا اشقائنا من الأشوريين ووقع في ذات المصيدة بعض الأشقاء من الكلدان. أبقوا بعيدين عن هذه المصيدة وأرفعوا شعار الوحدة مثلما رفعه البطريرك الكلداني وتشبثوا بلغتنا السريانية الملائكية لأنها الطريق إلى وجودنا وهويتنا وحاضرنا ومستقبلنا.
أقول "سريانية" لأن هذا إسمها التاريخي والعلمي والأكاديمي ولكن لنمارسها وهذا الأهم ولنسمها ما نشأ.