هل كتب الشيخ السعدي هذه الرسالة لأوباما؟
بأسف وألم وتشكيك، قرأت خبر استقبال الشيخ الدكتور عبد الملك السعدي لنائب السفير الأمريكي (1) قبل اسبوع (2013/2/19 )، وتقديمه له "شكاوي" عديدة واضعاً السفير أو نائبه في مصاف الحاكم على العراق، أو المندوب السامي، وسلمه رسالة إلى الرئيس الأمريكي أوباما، يبدو من خلالها، إن صحت، أن السعدي يعتبر أوباما قائماً بأمر العراق، بل العالم!
أود أن أكرر أولاً تحفظي الذي أبديته في مقالة سابقة حول احتمال تزوير خطابات الشيخ السعدي من المحيطين به، وقد تابعت المزيد من ما وصلت إليه من خطابات الشيخ السعدي، وفي كل مرة يتأكد لي هذا الفرق الواضح المثير للقلق والشك، بين الخطابات المسجلة بالفيديو، وتلك التي تنقل بشكل نص خبري سواء في الصحف مثل المدى أو من خلال موقع الشيخ السعدي. ورغم كل هذه الشكوك، فليس لنا إلا أن نناقش تلك الرسالة ونرد على صاحبها، فإن كانت مزورة، فلا يتحمل الشيخ وزرها ولا نتحمل وزر انتقاده عليها ظلماً.
يقول صاحب الرسالة تلك:
"ونصّبت أمريكا على العراقيين حكوماتٍ ظالمة في عشر سنوات من فوضى الاحتلال ذاق العراقيون فيها أنواعا من انتهاك حقوق الإنسان في صفوف الرجال والنساء".
إن مراجعاتنا لخطابات الشيخ السعدي لا تدل بأي شكل من الأشكال أنه يعتبر الحكومة "ظالمة"، ولم يشر إلى أن من نصبها هو الإحتلال، بل كان يتوجه بالنصح، بل قال :إن استجابت الحكومة للمطالب البسيطة من الشعب فأن على المتظاهرين أن يتظاهروا لصالحها؟ كيف يدعوا الشيخ للتظاهر لصالح حكومة يرى أنها "ظالمة نصبها الإحتلال"، لمجرد استجابتها لمطالب بسيطة؟
وجاء في الرسالة: "وتركت أمريكا العراق يعاني من مشاكل جسيمة، وخلفت دمارا شاملا وفسادا كبيرا ، وأصبحت متفرجة لا تنصر مظلوما ولا توقف ظالما عند حده ، مما ولّد في نفوس العرب والمسلمين موقفا سلبيا تجاه الولايات المتحدة الأمريكية وتركت يأسا عند العالم الحر في أن أمريكا لا تحقق خيرا للشعوب".
ونقول لصاحب الرسالة: متى نصرت أميركا مظلوما أو أوقفت ظالما عند حده، مالم تكن راغبة باستبداله بظلم لصالحها؟ أين دخلت أميركا في بلاد ولم تترك الخراب والفساد؟ هل قرأت كتاب "قتل الأمل" لوليام بلوم مثلاً لتعرف ما فعلوه خلال نصف القرن الماضي بالشعوب، أو آثار أقدام هذا البلد الذي لم يتوقف عن التدمير والغزو منذ وطأت أقدام مؤسسيه القارة الجديدة، وكما بين أكبر مثقفيها البروفسور نعوم جومسكي؟
أن من كتب الرسالة يريد أن يوحي بـ "خير الولايات المتحدة" عموماً، وأن "الموقف السلبي تجاهها" لدى العرب والمسلمين قد تولد اليوم فقط! ربما لم يسمع الكاتب قبلاً بفلسطين مثلاً؟ أو ربما كنت تصور أن الولايات المتحدة كانت مناصرة للحق العربي والإسلامي فيما مضى، وأن العرب والمسلمون يكنون لها موقفاً إيجابياً في الماضي؟ وأي عالم "حر" هذا الذي كان يتصور أن أميركا تحقق خيراً للشعوب وخاب أمله اليوم؟
يقول الكاتب:
"لقد أصبح العراق في طليعة الدول التي حلّ فيها الفساد الإنساني والإداري والمالي والقضائي والسياسي والاجتماعي" وكأن الكاتب لا يعلم أن تأسيس الفساد كان متعمداً، وكأنه لم يسمع بالفاسدين الذين قامت أميركا بتهريبهم بعد القبض عليهم وإدانتهم؟ وكأنه لم يعلم أن أي مكان فرضت فيه أميركا وأمنت "حرية السوق" فإنها أمنت في حقيقة الأمر "حرية الفساد"؟
يضيف الكاتب:
"وفُرض على العراقيين دستورٌ طائفي لايحقق مصالح الشعب العراقي ولا يحمي حقوق الإنسان، مما تسبب بنفاد صبر العراقيين ولم يعد أحد منهم يحتمل الظلم الواقع عليه"
يفهم من كلام كاتب الرسالة أن هذا الظلم موجود في الدستور الذي "فرض" على العراقيين، أي أنه "دستوري"، يقره "الدستور الطائفي"، في إحدى فقراته. أنا من الناس غير الراضين عن الدستور لكن لتخبرني أيها الكاتب أين الطائفية في الدستور لكي تتوسل بالسفير الأمريكي لكي يغيره لك؟ أية فقرة تعتبر طائفية فيه؟ لا بد أن السفير، إن كان جاداً في الإستماع إليك، وأراد أن يساعدك، فأنه سألك أية فقرة بالضبط تقصد؟ فماذا أجبت؟ أنا بحثت في كل نص الدستور عن الطائفية فلم اجد سوى العكس:
ففي الديباجة نقرأ:
"مُستذكرينَ مَواجِعَ القَمْعِ الطائفي من قِبَلِ الطُغْمةِ المستبدةِ، ومُسْتلهمين فَجَائعَ شُهداءِ العراقِ شيعةً وسنةً، عرباً وَكورداً وَتُركُماناً، وَمن مُكَوِنَاتِ الشَعبِ جَمِيعِها، وَمُستوحِينَ ظُلامةَ اسْتِبَاحَةِ المُدُنِ المُقَدَسةِ وَالجنُوبِ في الانتِفَاضَةِ الشَعْبانيةِ، وَمُكَتوينَ بِلظى شَجَنِ المَقاَبرِ الجَمَاعيةِ وَالأَهْوارِ وَالدِجيلِ وَغيرها، وَمُسْتَنْطِقينَ عَذاباتِ القَمْعِ القَومي في مَجَازرِ حَلَبْجةَ وَبارزانَ وَالأنْفَال وَالكُوردِ الفَيلِيينَ، وَمُسْتَرجِعينَ مَآسِي التُركُمَانِ في بَشِير، وَمُعَانَاةِ أَهَالي المنْطَقَةِ الغَربيةِ كبقيةِ مَنَاطِقِ العِراقِ منْ تَصْفيةِ قيِاداتها وَرُمُوزها وَشُيوخِها وَتَشريدِ كفاءاتها وَتَجفيفِ مَنابِعها الفِكْرِيَةِ وَالثَقافيةِ"
وفي المادة (7): جاء:
اولاً :ـ يحظر كل كيانٍ او نهجٍ يتبنى العنصرية او الارهاب او التكفير أو التطهير الطائفي، او يحرض أو يمهد أو يمجد او يروج أو يبرر له،
وفي المادة:(3) جاء:
العراق بلدٌ متعدد القوميات والأديان والمذاهب،
وفي المادة 14 جاء:
العراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي.
وفي المادة (41): جاء:
العراقيون احرارٌ في الالتزام باحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم،
وفي المادة 43: جاء:
اولاً :ـ اتباع كل دينٍ او مذهبٍ احرارٌ في:
أ ـ ممارسة الشعائر الدينية، بما فيها الشعائر الحسينية.
ب ـ ادارة الاوقاف وشؤونها ومؤسساتها الدينية، وينظم ذلك بقانون.
ثانياً :ـ تكفل الدولة حرية العبادة وحماية اماكنها.
فهل هي في الإشارة الإضافية البسيطة "بما فيها الشعائر الحسينية"؟ لا أتصور أنك تدعي أن الأنبار خرجت في تظاهراتها لأنها "لم تعد تحتمل الظلم الواقع عليها" من هذه المادة، فعن أية مادة أو مواد تتحدث إذن؟
وتقول أيها الكاتب: "وقد تأمل العراقيون منكم خيرا بعد أن توليتم زمام الحكم ، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل إذ لم يجدوا منكم تصرفا ملومسا ينقذهم مما هم فيه من الانتهاكات".
من الصعب يا شيخنا أن تجد مصيبة حلت في العراق منذ نصف قرن حتى الآن لم يكن لأميركا يد فيها، فمن أين يأتي هذا الأمل إلا للبسطاء من الناس، وحتى هؤلاء انتهوا من الموضوع بعد أشهر من الإحتلال، بل في الأيام الأولى التي فتح فيها الأمريكان ابواب العراق للنهب بما فيها المتحف، ولم يحموا سوى وزارة النفط! أين كنت حينها؟
وعن المعتصمين تقول: "فقابلتهم الحكومة العراقية بالقتل والنار حتى أزهقت أرواح كثيرة في ظل الديمقراطية الجديدة."
صحيح أنه الجيش الحكومي الذي أطلق النار وقتل عدد من المتظاهرين وهي جريمة، ونحن نطالب الحكومة بكشف الحقيقة مثلك، لكن الحكومة أيضاً وقبل ذلك بادرت إلى تلبية عدد من المطالب ويفترض الإستفادة منها والبناء عليها وتطويرها نحو ما يمكن تحقيقه من تلك الحقوق، فلماذا تم تجاهل الردود الإيجابية للحكومة وكأن الهدف هو إثارة الصراع وليس تحقيق المطالب؟
تقول: "إننا نعرض عليكم مأساة العراق ومصائب العراقيين التي حلّت بهم في عشر سنوات من الاحتلال لتأخذوا دوركم في إنقاذ الشعب العراقي الذي يرزح تحت وطاة الظلم والفساد والاضطهاد والتهميش وزرع الطائفية بين مكونات الشعب العراقي دينا ومذهبا وقومية، وكانت الولايات المتحدة الأمريكية هي المتسببة في هذا الدمار، والتي ينبغي أن تأخذ دورها في إنصاف العراقيين من حكومتهم الظالمة بحقهم، خاصة وأن العراق لا يزال تحت البند السابع الذي يُلزم المنظمة الدولية بحماية الشعب العراقي الذي يتطلع إلى نظام ديمقراطي يحقق مصالح كل فرد عراقي على حد سواء."
ويحار المرء فيما يقوله عن هذا الكلام! ما هو يا هذا "دورهم"؟ هل نصبتهم حكاماً على العراق وولاة عليه؟ وحين تقول أن أميركا هي المتسببة في هذا الدمار، فهل كان ذلك في رأيك صدفة أو خطأ أو أنها كانت سياسة بوش دون أوباما؟ أم هي الأجندة الأمريكية لكل بلد عربي ومسلم، بل لكل بلد في العالم إن أمكنها ذلك، عدا إسرائيل، التي تقود أميركا ولا تقودها أميركا؟
هل يحقق النظام الديمقراطي الأمريكي "مصالح كل فرد أمريكي على حد سواء" يا صاحب الرسالة لكي يقيموا لك نظاماً ديمقراطياً يفعل ذلك في العراق؟
تقول: "كانت صياغة الدستور العراقي بطريقة غير واضحة للشعب العراقي لأنه أنجز تحت سلطة الاحتلال" و "الدستور صيغ خارج العراق"
وها أنت تطلب من "سلطة الإحتلال" العودة لإستلام مقدرات الشعب العراقي، وأن "تصيغ" لهم نظاماً جديداً، فهل سيصيغ الأمريكان الدستور الجديد "داخل العراق"؟ أي منطق هذا بحق الله؟ ولنفترض أن أمريكانك قد لبوا طلباتك وغيروا الدستور، فأي احترام سيكون لهذا الدستور؟ ما سيكون الموقف إن طلب منهم جماعة أخرى "تغيير الدستور" لأن هذا الجديد، جاء بضغط من مجموعة من الناس؟ ومادام الأمريكان مخولون استجابة لطلبك بكتابة الدستور ثانية، فسيكونون مخولين بالضرورة بكتابته استجابة لأي شخص آخر، فتخيل الفوضى السياسية التي ستحل بالبلاد، أكثر مما هي فيه الآن!
وتقول : "إن أمريكا احتلت العراق وسلمته إلى إيران وأتباعها وتركته يعاني من التعسف الإيراني"، وأكون ممنوناً لك لو حدثتني عن بعض هذا "التعسف" فأنا أبحث عنه من سنين ولم اجد من يرشدني إليه، وكل ما قالوه أنه "كالهواء، لا نراه لكننا نعلم أنه موجود". فأي تعسف هذا الذي لا يستطيع أي إنسان أن يراه؟ هل تعلم كم قتل من الزوار الإيرانيين للعتبات المقدسة في العراق؟ هل تعلم كم من الأكاذيب والأخبار الملفقة التي لا مصدر لها تدور عن إيران في الإعلام العراقي والعالمي؟ هل تعلم أن أحمدي نجاد يصطحب مترجمه الخاص حيثما قدم مقابلة لكثرة ما زور عملاء إسرائيل من كلامه؟ هل تعلم أن إرهابيي خلق الذين اصبحوا خدما لإسرائيل في اغتيال علماء إيران النوويين، مازالوا في العراق رغم أنهم يصرحون بعدائهم للحكومة أيضاً ولم يستطع لا "التعسف" الإيراني ولا "الحكومة العميلة لإيران" أن تطردهم حتى اليوم؟ وهل تعلم أن العراق لم يدفع حتى اليوم ما عليه من ديون لإيران كثمن للكهرباء والغاز التين اشتراها منها، لكنه يدفع صاغراً لعملاء أميركا ثمن الرصاصات التي اعطوها لصدام ليضرب بها شعبه والجيران لحسابهم؟ هل تعلم يا فضيلة الشيخ أن البنك العراقي التجاري يمتنع عن دفع ديون إيران التي هي حقها الكامل، لأنه مقيد ببنك جي بي موركان الأمريكي الذي فرضه الإحتلال عليه وأن العراق لا يستطيع أن يشتري من أحد إلا بموافقته إلا بمبالغ صغيرة؟ فمن الذي يقوم بالتعسف على العراق، ومن هو الذي يفرض نفسه على "القرار العراقي" كما تقول، من تشتكي منه أم من تشتكي له؟
وتقول: "وقد رأى العراقيون ما يقوم به السفير الإيراني من جولات في المؤسسات العراقية وزيارات لجهات عراقية رسمية وشعبية مما يخالف الأعراف الدبلوماسية، وأدرك العراقيون التدخل الإيراني السافر في القرار العراقي".
أنا عراقي ولم أر تلك الجولات "مما يخالف الأعراف الدبلوماسية" رغم أني "فاتح أربع عيون" كما يقولون، ومتابع لكل ما يحدث في العراق ويكتب، فإن كنت قد رأيتها فارجوك أن توجهني لها، أو أن لا تكرر كلاماً القته الماكنة الإعلامية الإسرائيلية لتفرقة الشعوب والمسلمين بالذات. أنا أطالبك أمام قراءي بتحديد الأماكن التي زارها ذلك السفير خارج العرف الدولي، فإن لم تفعل فأنا معذور أن أعتبر كلامك جزء من الدعاية الإعلامية الغربية الظالمة ضد إيران.
بالمقابل اقدم لك إنتهاكات لا يقبلها العقل والضمير والكرامة للسفارة التي تقدم شكواك وتظلمك إلى أحد موظفيها، حين كان السفير الأمريكي يضغط على مختلف المؤسسات العراقية ليفرض عليها قبول المرشحين البعثيين، وحين يدور على كل فرد في مجلس الوزراء، يعارض طلباً أمريكيا ليضغط عليهم واحداً واحداً، ولدي شهود سنة على هذا، فمن لديك من شهود على ما تقول، وما لديك من أدلة؟
وتشتكي للسفير من رفع العراقيين لصور قادة إيرانيين، وأنا قد لا اجد هذا مستساغاً أيضاً بعض الأحيان، لكن من هذا الذي يشكو "غير المستساغ" للأجنبي المحتل؟ فهل تريد من السفير أن يخصص فرق شرطة أمريكية تدور في بيوت العراقيين وأزقتهم ومؤسساتهم لتفتش عن الصور وتسمح لهم بما ترضى به وتمنعهم مما لا ترضى به؟
وتقول أنه "دليل الهيمنة الإيرانية"، فإن كان هذا كل ما لديك من أدلة، فيعني هذا أن تلك الهيمنة، إن وجدت، فهي هيمنة فكرية، مثلما كان للسوفيت هيمنة فكرية على الشيوعيين في أماكن مختلفة وللصين في اماكن أخرى، ومثلما يرفع صور جيفارا أناس لا يربطهم به إلا كرامة أفكاره، وكان هوشي منه يضع صورة لرئيس أمريكي سابق يراه قدوة في أفكاره، فهل العراقيين وحدهم يعلقون صوراً أجنبية؟ وعلى اية حال، ما الذي تريده من أميركا؟ أن تحاكم العراقيين على أفكارهم وقناعاتهم مهما كانت؟
وتشتكي من أن الدستور قد عانى من الشرعية لأنه "جرى التصويت عليه بصورة غير نظامية" فأية شرعية لدستور تدعو الأمريكان أن يضعوه للعراق ويفرضوه عليه؟ وإن كانت كتابة الدستور هي المشكلة فلماذا لا يكتبه العراقيون؟ أية إهانة هذه للعراقيين؟ ألا يستطيعون أن يأخذوا نسخة من دساتير أية دولة متقدمة ويحوروه بما يناسب العراق؟ أم أننا صرنا أيتاماً لا نستطيع أن نشرب الحليب إلا من ضرع ماما أميركا؟
وتقول، ويا للعجب إن كنت فعلاً الشيخ السعدي، لمن يعرف تاريخك النظيف بوجه ظلم صدام،"كان القضاء العراقي قبل عام 2003 من المؤسسات القضائية المشهود لها عالميا في تطبيق القانون بكل عدل وحيادية" فهل كان القضاة الذي حكموا على سكان المقابر الجماعية وأبطال الإنتفاضة حياديين؟ نعم لقد سيست هذه الحكومات القضاء، وصار يحكم لصالحها، فهل حكم يوماً ضد الحكومة قبل عام 2003؟ تقول أن الإنتربول قرر "عدم الاعتراف بما يقرره القضاء العراقي" وليس هناك قرار من هذا، بل هي إحدى الأكاذيب الإعلامية الكثيرة التي أطلقت، وهاهي تصل إليك وتمرر عليك، فاعلم أي إعلام يدور في العراق وأية مجموعة تحيط بك إذن، إن كنت الشيخ السعدي فعلاً.
وتكمل: " لأنه قضاء خاضع للحكومة وغير نزيه،والعراقيون المتظاهرون يطالبون بإعادة القضاء العراقي إلى عهده السابق عدلا ونزاهة وحرية"، ومن هذا أكاد أقسم أنك لا تمت إلى الشيخ السعدي بصلة!
أتفق معك على معظم شكواك من الحكومة تحت عنواني "إنتهاكات حقوق الإنسان" و "تأصيل الطائفية" لكن بعضها ظالم بشكل مؤسف. فأنا أستغرب احتجاجك على المثال الذي سقته حول "ما جرى في كلية القانون في جامعة ديالى من وضع أسئلة امتحانية طائفية تثير حفيظة أهل السنة وتزرع الكراهية بين الشعب العراقي"، ففي هذه الحادثة بالذات تصرف وزير التعليم العالي (الذي لدي عليه الكثير من التحفظات) بشكل مثالي ورائع وعاقب المدرس بأشد عقوبة يتيحها له القانون، وهي طرد الأستاذ من الوزارة، فماذا كنت تريد منه أكثر؟ ولو كنت مكانه ماذا كنت ستفعل اكثر؟ أليس الشيخ هو القائل في ساحة الإعتصام أن "على من يخطئ أن يتراجع"، هكذا بكل بساطة وسلمية، فأين أنت من هذا الكلام، وهل كنت تريدهم أن يعدموه؟
تشير ايضاً أيها الكاتب، مهما كنت، إلى إساءة الحكومة إلى المتظاهرين بكلمات مثل (طفح، ونتنة ، وفقاعات....) فأين إنصافك في الإشارة إلى الكلمات التي قالها بعض المتظاهرين وبعض قادتهم؟ هل كانوا حقاً جميعاً كما قلت "وقد تحلى المتظاهرون بأرقى صور الحضارة والانضباط"؟ إنني رأيت بعض قادتهم يكاد يعوي كالكلب المسعور في التلفزيون، ورأيت "دكتوراً" في الإنترنت يخجل الإنسان أمام سوء أدبه ووحشية خطابه، ورأيت متظاهرين يرفعون صور صدام وبلا خجل أو كرامة، أعلام برزاني الذي يحتل أراضيهم وأعلام عصابات الناتو المتوحشة في سوريا، ويهتفون "طالعلك يا عدوي طالع" و يريدون "تحرير بغداد" (من الشيعة) وهذا "غيض من فيض" إن سمحت لي باستعمال مقولتك... فأين هذا من كلمات مثل (طفح، ونتنة ، وفقاعات....)، وأين الحضارة والإنضباط؟ ألم يخصص الشيخ السعدي نصف خطابه في الساحة داعياً الناس لنبذ الخشونة والكلمات الجارحة والطائفية، وهل كان فعل ذلك لو لم يكن قد تأسف على ما قيل فيها؟
تقول "وقد دست الحكومة العراقية بين صفوف المتظاهرين ... وإصدرت توجيهها إليهم برفع ما يسيئ إلى المظاهرات من شعارات طائفية حتى تنسب إلى المتظاهرين كذبا وزرا." فلماذا لم يلق المتظاهرون "الحضاريون المنضبطون" القبض على هؤلاء الذي اندسوا بينهم ليسيؤوا إليهم عندما رفعوا تلك الشعارات؟ لماذا لم تدعوهم، إن كنت الشيخ سعدي فعلاً لإلقاء القبض على هؤلاء حين وجهت خطابك إليهم؟
وأخيرا تقول لأوباما "إن الواجب القانوني والأخلاقي يحتم عليكم باعتباركم عنصرا فاعلا في السياسة الدولية...."الخ..وأنا أعجب من إنسان مازال يتحدث عن "الواجب الأخلاقي" للأمريكان، فمن أنت؟
....
لقد كتبت هذه المقالة موجهة في البداية إلى الشيخ السعدي، باعتبار رسالة أوباما منشورة على موقعه، لكني عدت فراجعت كل ما أستطيع الوصول إليه من الخطابات المسجلة بالفيديو للشيخ السعدي، فلم أجد أي منها إلا ما أكد لي أن الشكوك بأنه معزول من قبل من يحيط به. فكل ما قال السعدي وسجل له يختلف تماماً ويناقض في الإسلوب والأفكار ما "نقل عنه" كتابة، وقد كتبت مقالة خاصة لذلك بعنوان:
مقابلته مع البغدادية التي أثارت انتباهنا في البداية (10) ."هل تم تزوير خطاب الشيخ عبد الملك السعدي وهل هو في خطر؟"(2) وهنا أضيف إلى الأدلة المزيد. ففي مقابلة مع الشرقية، يوصي بتجنب الكلمات النابية أو الجارحة سواء ضد السياسيين أو غيرهم لأن علينا أن نوحد الأمة، وكذلك يلاحظ أن بياناته تدعو للتوحيد وعدم التهميش والإبتعاد عن المحاصصة والكلام النابي.(3) وفي فيديو آخر له، نلاحظ رقة العتب: "أن الأنباريون نواصب، فقد أخطأ وعليه أن يتراجع"، ويوصي :"ترفعوا عن الألفاظ التي لا تليق بكم في هذا المكان المبارك" ويدعوا إلى التفاهم والحل والنظر إلى الإيجابيات: "تغافلوا عن السلبيات وخذوا من الشخص الإيجابيات، لعل يكون له موقف ترتاحون له" ويؤكد بعكس ما نقل عنه كتابة حول موقفه من الحكومة والمالكي: "نحن لا نريد أن نغير الأشخاص، هم قابلون للإصلاح.." ويؤكد للمتظاهرين: "إنهم يسمعون ما تريدون، وإلا فإن لم يسمعوا فهو تعنت لا مبرر له" ويضيف مكرراً: "إياكم أن تدافعوا عن شخص أو جماعة..إياكم أن تقولوا نحن الأنبار." الخ(4) وحتى في الكلمات المسجلة عن من ينوبه، لا نجد أثراً للعنف اللفضي والتحريض: فهذه كلمة السعدي يلقيها ممثله، (5) وهذا الناطق باسمه، عندما يتحدث للمتظاهرين (6) لا يبدو هناك أي تهجم، وهذه كلمة لنائبه في سامراءتؤكد ما نقول(7) ، وهذهكلمة الشيخ عبد الملك السعدي يلقيها الشيخ ثامر العسافي(8) وهنا ايضاً كلمه للشيخ عبدالملك السعدي(9) وفي كل الأحوال نحن نجد رجلاً مختلفاً تماماً في كلمته في المتظاهرين في الأنبار، مثلما وجدناه في
إن كان الشيخ السعدي قد كتب فعلا تلك الرسالة فهذا ما يؤسفنا، لكنه يتحمل مسؤوليتها، وإن لم يكن، وهذا أملنا وما يقلقنا فأن من واجب من يجد طريقاً للإتصال به إبلاغه بكل ما يجري لاستيضاح الأمر، ولذلك فأنني أكرر ندائي إلى الجميع للمساعدة في استجلاء الحقيقة.
(1) نائب السفير الأمريكي في بغداد يزور سماحة الشيخ السعدي
http://alomah-alwasat.com/newsMore.php?id=99
(2) http://www.facebook.com/saiebkhalil
(3) الشيخ عبدالملك السعدي بين متظاهري الانبار يوم الاحد -
https://www.youtube.com/watch?v=ZVP6Fjgxvmw
(4) كلمة الشيخ عبدالملك السعدي بمتظاهري ثورة الكرامة
https://www.youtube.com/watch?v=287oQy9O5f0&NR=1&feature=endscreen
(5) https://www.youtube.com/watch?v=c4IX_7Rz2M8
(6) https://www.youtube.com/watch?v=z40-TTot97Y
(7) https://www.youtube.com/watch?v=rA1VRFqO7qs
(8) https://www.youtube.com/watch?v=onelVKp-vS0
(9) https://www.youtube.com/watch?v=S5KI0tfMIC4
(10) لقاء الشيخ عبد الملك السعدي مع قناة البغدادية
http://www.youtube.com/watch?v=lHnO58LX8_A
28 شباط 2013