هل لبعض من هم في السلطة أو على رأسها أن يحظى بثقة الشعب وتأييده؟
بعد نشر مقالتي الموسومة " هل نحن أمام لعبة صدق أو لا تصدق؟ وأين دور الحكومة في نشر الحقيقة ؟ وصلتني عشرات الرسائل المؤيدة ومن أخوة في داخل الوطن وخارجه, كما نشرت تعليقات في مواقع إلكترونية نشرت هذه المقالة. وإحدى هذه الرسائل المهمة, التي اخترتها لأهمية ما جاء فيها, تقول ما يلي:" تحية أخوية... قرأت موضوعك في الجيران وأريد أن أضعك في صورة الحقيقة فيما يتعلق الأمر بالأجهزة الفاشلة لكشف المتفجرات والتي عندما كنت أذهب لمكان ما خلال ... يمسكون هذه الأجهزة ويبدأ الشخص يدور حول السيارة وبيده جهاز صغير مثل لعبة الأطفال كما تقول. ذلك في شهر مايس – حزيران من عام 2009 وقد التقيت مسئولا في حزب الدعوة زارني في منطقة ... وتوطدت علاقتي به حيث يسكن في نفس منطقة ... الحكومية – الرئاسية سابقاً. وذات ليلة وفي معرض حديثنا عن الفساد المستشري في الدولة، كشف لي أنهم وجدوا بأن هذه الأجهزة التي تستعمل في كشف المتفجرات فاشلة وأنها مستوردة بقيمة 65 ألف دولار للجهاز الواحد فيما سعر بيع الجهاز بالمفرد في بيروت بخمسة آلاف دولار وسعره في تايلاند ألف دولار للجهاز الواحد بالمفرد وبالجملة 500 دولار. ومن هذه الأجهزة استوردوا الآلاف ففي كل نقطة تفتيش في العراق هناك جهاز من هذه الأجهزة التي لا تكشف شيئا .. وهكذا الوطن المستباح أمام أعيننا والخافي أعظم .. محبتي .." (انتهى نص الرسالة, ك. حبيب).
أين تكمن أهمية هذه الرسالة؟ إنها تشير بوضوح إلى أن الشخص المقصود هنا هو أحد أعضاء حزب الدعوة, وهو عضو في حزب حاكم, ويعيش في المنطقة الخضراء, أي من المسئولين, ويعرف بأن هذه الأجهزة غير صالحة, وهذا يعني أن حزب الدعوة المشارك في الحكم يفترض أن يكون قد عرف ذلك أيضاً, ويفترض أن يكون رئيس الحكومة قد وصله هذا الخبر, فلِمَ إذن هذا التهاون في التحري عن الحقيقة وإيقاف استيراد هذه الأجهزة ومنع استخدامها بسبب عجزها عن الكشف عن المتفجرات, ولِمَ لم تبذل الجهود للكشف عنالحقيقة في حينها؟ لا أمتلك إجابة قاطعة عن هذه الأسئلة, ولكن الإجابة اليقينية عند الحكومة ورئيسها السيد نوري المالكي وحزب الدعوة الحاكم حالياً وعند الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور علي الدباغ, فهل سيمنحنا الإجابة أم يجعلنا نتحرك بين مدينتي "نعم ولا" على حد تعبير الشاعر الروسي افتوشنكو.
في الوقت الذي يخرج إلينا الدكتور على الدباغ في كل مناسبة وغير مناسبة بتصريحاته المشوشة, سكت هذه المرة سكوت أبي الهول, فلم هذا السكوت؟ الجواب عنده أيضاً!
يشعر الإنسان بالغثيان مما يجري في العراق الراهن ومن سياسات الحكومة ومن الخطب النارية بسبب الحملة الانتخابية والتي غالباً ما تحمل وعوداً فارغة من لدن الحاكمين.
يبدو لي أن الإرهابيين ما زالوا يستفيدون من فشل تلك الأجهزة في الكشف عن المتفجرات والانتحاريين مما يتسبب بالمزيد من الموتى والجرحى والمعوقين والخراب. ويتمنى الإنسان أن لا يكون تفجير اليوم الإجرامي قد نجم عن فشل تلك الأجهزة في الكشف عن المتفجرات التي استخدمت في العملية أيضاً.
أليس من حقي وحق غيري أن نتساءل: هل يمكن لبنات وأنباء الشعب العراقي, الذين يتلظون يومياً ويحترقون بنيران قوى الإرهاب ويحصدون الموت أو الإعاقة بسبب سيادة الفساد في الدولة وفي الأوساط الحكومية وأجهزة الدولة ووجود الكثير والكثير جداً من المتسللين إلى مواقع المسئولية حيث سمحوا بما حصل اليوم في العراق مثلاً, أن يثقوا بقوى الإسلام السياسية الحاكمة, وهي تشكل الأكثرية في الحكم, وتحالفاتها التي لا تصب, كما برهنت السنوات السبع المنصرمة, في مصلحة الشعب, بل في مصلحة أفرادها.
كم أتمنى أن يكون الشعب العراقي قد استفاد من خبرة السنوات السبع المنصرمة وأدرك بأهمية الذهاب إلى صناديق الاقتراع ومنح أصواته لمن يجسدون مصالح الشعب والوطن, لمن يبتعدون عن الشوفينية والتمييز الديني والمذهبي والطائفية المقيتة, لمن يتبنون مبدأ المواطنة المتساوية للجميع وكذلك للنساء والرجال على حد سواء, لمن يكافحون الفساد والإرهاب في آن واحد.
كم أتمنى أن تكون السنوات المنصرمة كافية لرفع مستوى الوعي التنويري لدى الجماهير الكادحة لكي تعرف وتميز بين من وقف ويقف إلى جانبها في السراء والضراء, ومن يقف إلى جانب مصالحه الخاصة ويغرف بالمال الحرام ليملأ به جيبه ولو على حساب موت وبؤس الناس, كما في حالة شراء الأجهزة غير الكاشفة عن المتفجرات والمضللة لقوى الأمن والجيش والشرطة, وضحيتها لم يكن سوى أبناء وبنات هذا الشعب المستباح!
25/1/2010
كاظم حبيب