وثيقة بلسان نبي
في لحظة فراغ مجتزأة استعرضت بعض عناوين الكتب المرصوفة على رف من رفوف مكتبة الجريدة، وبدون تعيين تصفحت احد تلك الكتب الضخمة، وكوني في تلك الظهرية الرمضانية ضجرا ومتخما من القراءة والكتابة والتصميم حد الملل فقد اخذت بتقليب الصور والخرائط المثبتة في نهاية الكتاب، كانت جميع تلك المنسوخات جديدة على نظري ومعلوماتي كونها تتحدث عن تراث الدولة الأرمنية وحدود رقعتها الجغرافية الواسعة وحضارتها وما تبقّى من موروثها الفني والأدبي والاجتماعي والسياسي. وفجأة تسمرت عيوني على وثيقة مصورة يعلو زاويتها اليمنى ختم جميل بيضوي الشكل وقد خط بعناية فائقة "الديوان الهاشمي" ثم رسم المضمون بخط يد رائع تحت ذلك الختم:بسم الله الرحمن الرحيم
من الحسين بن علي ملك البلاد العربية وشريف مكة وأميرها
الى/ الأمراء فيصل وعبد العزيز الجربا 18 رجب 1336 هـ،1917م.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
------------------------------
---------------------- المتحقق من طلبنا هذا هو المحافظة على من يتواجد في عشائركم واطرافكم وجهاتكم من الطائفة اليعقوبية والأرمنية كما تحافظون على انفسكم واولادكم واموالكم وتسهلون كل ما يحتاجون اليه في ظعنهم واقامتهم فانهم أهل ذمة المسلمين وهم الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من اخذ عليهم عقال بعير كنت خصمه يوم القيامة".
هذا أهم ما نكلفكم وننتظره من شيمكم وهممكم
والله يتولانا واياكم بتوفيقه
والسلام.
ومع ان الوثيقة جلية الصورة واضحة المعاني صريحة العبارة والمطلب والمضمون بسيطة التركيب إلا ان عباراتها استوقفتني كثيرا وكأني امام احدى المعلقات الروائع.. أو مقطوعة من نصوص نهج البلاغة.. لا بل آي من ايات الانسانية والرحمة.
استوقفتني الوثيقة بتأريخها الذي مضى عليه قرابة قرن من الزمن حين كانت بلاد العرب تشهد بداية التقسيم والناس فيها على فطرتهم التي فطرهم الله عليها وسجاياهم الحميدة.. استوقفني أسلوب الملك الراحل في استدرار عواطف وشهامة وشيمة ونخوة الأمراء العرب ليتفانوا في حفظ حقوق أخوانهم من الأديان والقوميات والطوائف المتعايشة معهم حين قصد كل المسيحيين باستخدام مصطلح "اليعقوبية والأرمنية".
استوقفني استشهاده المحذر المنذر بحديث قدسي يملأ الصدور رعبا ويؤرق العيون سهادا. فيا لتعسه وشقائه من كان رسول الله خصمه يوم القيامة لانه اغتصب حق فرد من هذه الشريحة "السريان الكلدان الآشوريين" حتى وإن كان هذا الحق حبلا تافها يربط به البعير.
تذكرت ما جرى على هذه الطوائف وما يجري الآن في الموصل وسهل نينوى والدورة وفيما لا نعرفه من الأماكن ولا ندري به من اخبار الأقليات كما يحلو للبعض تسميتها.
تُرى هل مر على دعاة التكفير والتهجير والخطف والذبح والجزية والترويع هذا الحديث المقدس:
"من أخذ عليهم عقال بعير كنت خصمه يوم القيامة"؟!.