ورودٌ عَنْ منابِتِها تُقْتَلع
مِنْ مُذكرات إِنْسَانَة
ــ مُجْتمع ــ / 4
الأحد 29 ـ 11 ـ 2009 / الثلاثاء 16 ـ 2 ـ 2010
( نُتفٌ عَنْ أَحْوالِ وأَوْضاعِ النِساء ـ تماساً مَعَ الأَقلِيَّات )
( في اخْتِطافِ فتياتِ الأَقلِيَّات )
......... دَخَلَتْ عَلَيْنا المُوَظَّفَةُ في القِسْمِ المُجاوِرِ لِقِسْمِنا وأَلْقَتْ عَلَيْنا تَحِيَّة الصَبَاحِ ، وتَجَاذَبَتْ مَعنا أَطْرافَ الحَدِيثِ وجَرَّتْهُ إِلى حَيْثُ يَنْتَهِي غَالِباً أَوْ دَائماً في مُعْظَمِ تِلكَ البُلدان ذَات الأَقلِيَّاتِ الدِينِيَّة والأَغْلَبِيَّة مِن دِينِ الدَوْلَةِ الرَسْمِيّ ، كَانَ في جُعْبَتِها الكَثِير لِتَقُولَهُ وتَحْكِيهِ وتَتَباهَى بِهِ أَيْضاً ، فهي في النِهايَةِ قَدْ أَفْلَحَتْ وانْتَصَرَتْ ونَصَرَتْ دِينَها حِيْنَ اسْتَدْرَجَتْ إِحْدَى الفَتياتِ الصَغيرات البَرِيئاتِ أَوْ السَاذِجاتِ مِمَّنْ لايُشَكِّكن في نَوايا الآخَرِين السَيِّئة مِنْ إِحْدَى الأَقلِيَّاتِ الدِينِيَّة الأُخْرَى إِلى بَيْتِ أَحدِ أَقارِبِها وحَاصَرَتْها ويَبْدو إِنَّها هَدَّدَتْها أَيْضاً ، وقَالَت لَنا تِبْياناً لِسُلْطَتِها إِنَّ الفَتاة تَحْتَ سَيْطَرَتها التَامَّة وإِنَّها لَيْست بِقَادِرَة على النَبْسِ بِبنْتِ شَفَة فَفَهِمْنا إِنَّ الفَتاة في حَالَةِ رُعْبٍ مِنْها بَعْدَ أَنْ ضَرَبَتْها ورَوَّعَتْها بِما يَكْفي وإِنَّ بُكاءَ الفَتاةِ وتَوسًلاتِها إِلَيْها بِتَسْرِيحِها لِلعَوْدَةِ إِلى أَهْلِها لَمْ تُفْلِح .
سَأَلَتْها إِحْدَى المُوَظَّفات وهي على نَفْسِ دِينِها ـ دِين الدَوْلَة الرَسْمِي ـ وكَأَنَّها تَبْحَثُ عَن حُجَّة لِتُبَرِّر لَها فِعْلَتها هذهِ : ـ هَلْ هذهِ الفَتَاة تُرِيدهُ ( تُحِبَّهُ ) ؟
أَجابَتْها بِغَباءٍ مُنْفِرٍ :
ـ لا أَهمِيَّة لِذلك لأَنَّها ستُحِبَّهُ بَعْدَ الزَواج فهي صَغِيرَة السِنِّ يُمْكِنُ تَشْكِيلها كَالعَجِينَةِ بِما نَرْغَب .
وأَضافَتْ إِنَّ الفتاة لَيْسَت بِخاسِرَة بَلْ مِن الرَابِحات فزَواجها بِرَجُلٍ مِنْ أَفْضَلِ الأَدْيانِ قَاطِبَةً حُلُمٌ تَتَمنَّاه كُلُّ فَتاة ، بَيْنَما نَبيُّها ( ...... ) أَيْ نَبيُّ الطائِفَةِ الَّتِي تَنْتَمي لَها الفَتاة لَيْسَ بِخاتِمِ الأَنْبِياء ، كما إِنَّها ستَسْتَريحُ مِنْ عناءِ الاغْتِسال في النَهْرِ .
فعادَتْ وسألَتْها :
ـ ما عُمْرها ؟
فعَرَّفَتْنا كمَزْهوةً نَالَتْ مِنْ عَدوٍ لَها ، ثَمِلَة بانْتِصارِها المَزْعوم :
ـ أَرْبَعةَ عَشَر أَوْ خَمْسَةَ عَشَر .
سأَلَتْها أُخْرَى :
ـ ماذَا عَنْ أَهْلِ الفَتاة وهُم جِيرانكِ ؟
مَرْجَحَتْ يَدَها دلِيل عَدَمِ إِكْتِراثِها بِذلِك ، وقَلَبَتْ شَفَتَها السُفْلى اسْتِرْخاصاً بِهذا الهَمّ وقالَتْ :
ـ سيَثُورون في البِداية لكِنْ ؛ مَنْ يَهْتَمُّ لِذلِك ؟
وواصَلَتْ :
ـ في النِهايَة سَيَرْضَخون رُغْماً عَنْهُم فَأَيُّ خيارٍ لَدَيهم .
مِنْ خِلالِ حَدِيثِها وكذلك جَوابِها هذا تَبَيَّنَ لَنا جَمِيعاً مِنْ مُخْتَلَفِ الأَدْيانِ إِنَّ الفَتاة خُطِفَت خَطْفَاً ولَيْس بِإِرادَتِها ، وأَجْبَرَتْها على الزَواجِ مِنْ أَحَدِ الأَقْرِباءِ أَوْ المَعارِفِ لَها ، والحَدِيثُ يَدُّلُ على مَكامِنِ المَخْفِيّ والمُبَطَّنِ مِن الكَلامِ ......
لَمْ يكُنْ في الأَمْرِ مِنْ جدِيد فبَيْنَ الفيْنَةِ والفيْنَة تُداهِمنا أَخْبَارُ اخْتِطافِ فتياتٍ مِن الأَقليات وإِجْبارِهن على اعْتِناقِ دِين الدَوْلة الرَسْميِّ وتَزْويجهِنَّ مِنْ رِجالِ أُمَّةِ خاتِمِ الأَنْبِياء ، هذا السُلوك المُتَجذِّرِ في مَدَى قُرونِها ، الحاضِرِ الواقِع ، المُتَجدِّد على مَدَى وِلادَة الأَيامِ والمُتواصِلِ إِلى أَجلٍ مُبْهم .
كَيْفَ يُمْكِنُ لِعَوائِلَ الأَقلِيَّاتِ الدِينِيَّة حِمايَة بَناتَها مِنْ حَالاتِ الاخْتِطافِ هذهِ والتَعَدِّي إِنْ لم يَكُنْ هُناكَ قَانُونٌ يَحْمِي الجَمِيع ويُساوِيهم ويَحْفَظُ حُقُوقَهُم كَمُواطنِين دُوْنَ النَظَرِ إِلى أَدْيانِهِم وطَوائِفِهِم ، وإِنْ كَانَ مَوْجُوداً فالعَمَلُ بِهِ ضَرورَةٌ مُلِّحة ولا يَجُوزُ أَنْ يَبْقَى حَبِيسَ السُطُور ، وهُنا تَبْرُزُ أَهمِيَّةَ إِلْغاءِ حَقْلِ الدِيانَةِ أَوْ المُعْتَقَد مِنْ هَوِيَةِ الأَحْوالِ المَدنِيَّة والهوِيَّة الوطنِيَّة لأَنَّه أَمْرٌ خَاصٌّ بِالفَرْدِ وَحْدَه ، والاصْرارِ على إِبْقائِهِ يَسِيرُ بالشُعُوبِ نَحْوَ الطَائفِيَة والعُنْصُرِيَة والتَمَزُّقِ .
سُلوك اخْتِطافِ فتياتِ الأَقلِّياتِ لايُرْضي الوَعْي السلِيم ، هو سُلوكٌ مَرْفوضٌ لايَجوزُ تَغْطِيَتِهِ ولايَجِبُ اسْتِمْرارِهِ لأَنَّهُ اعْتِداءٌ على حَقِّ الآخَرِ المُخْتَلِف وتَخْرِيبٌ فاضِحٌ لِلنَسيجِ الاجْتِماعِيّ ، إِنَّهُ سُلوكٌ مُتَقهقِر تَحُفُّ بِهِ أَدْران الغَنِيمةِ والسَبي والغَزو .
كُلَّما كَتَبَ البَعْض عَن هذا المَوْضُوع صَبَّ اللَوْمَ على أَهْلِ الفَتاةِ وطَرِيقَةِ تَرْبِيَتِها وعلى الفَتاةِ ، بِدَعْوى إِنَّ التَرْبِيَةَ ( والمَقْصود التَرْبِيَة الَّتِي تَعْتَمِدُ شَطْرَها الدِينيّ كعامِلَ حَسْمٍ في التَرْبِيَةِ الحَسَنَةِ ) هي المانِعُ الحاسِم لِوُقُوعِ حَالاتٍ كَهذهِ .
هَلْ فيما يُقَالُ الصَواب أَوْ مِنْهُ حَفنات ؟
لايُمْكِنُ لِلعَوائِلِ أَنْ تَحْجُرَ على أَبْنَائِها ، ولَيْستِ العَائِلَة الفاصِلُ الحَسْم في التَرْبِيَةِ ، فالأَبْنَاء يَجِبُ أَنْ يَخْتَلِطُوا بِالمُجْتَمعِ الَّذِي حَوْلَهُم أَرادَ الأَهْلُ أَمْ لا ، عَلَيْهم أَنْ يَذْهَبُوا إِلى المَدارِسِ أَوْ إِلى أَعْمالِهِم ، أَوْ يَزُوروا جِيرانَهُم ، أَوْ يُراجِعوا الدَوائِر ، أَوْ يُزاوِلُوا نَشَاطاتَهُم الحَيَاتِيَّة العَادِيَّة ، في كُلِّ هذهِ الحَرَكَةِ الحَيَاتِيَّة تُوجَدُ الكَثِيرُ مِن العَوامِلِ والظُرُوفِ والأَحْداثِ والوَقائِعِ .
في كُلِّ الأَحْوالِ لَنْ تَتَمَكَّنَ أَيُّة أُسْرَة مِن السَيْطَرَةِ على مُجْرياتِ الأُمُورِ مَعَ أَبْنَائِها مَهْما حَاوَلَتْ ، أَوْ تَمْنَعَ عَنهُم الشُرُور والمَشاكل والمَطَبات الَّتِي يَقَعُونَ بِها كَضَحِيَّة أَوْ بِالاحْتِيالِ عَلَيْهم أَوْ بِإِرادَتِهم أَوْ بِالتَغْريرِ بِهم ، ولَوْ كَانَ الأَمْرُ كذلك لَمَنَعَ النَّاسُ جَمِيعاً عَن أَبْنَائِهِم وعَن أَنْفُسِهِم التَعَرُّضَ لِحَوادِث كَثِيرَة ، على سَبِيلِ المِثالِ : الخَطْف ، الابْتِزار ، الاحْتِيال ، السَرِقَة والسَطْو ، بَلْ وحَتَّى الحَوادِثَ اليَوْمِيَّة الصَغِيرَة في ضَرَرِها المَحْدود وتَأْثِيرِها المُؤْقت .
القَوْل بِأَنَّ التَرْبِيَة الَّتِي تَعْتَمِدُ شَطْرَها الدِينيّ كعامِلِ حَسْمٍ في التَرْبِيَةِ الحَسَنَةِ تُشَكِّلُ المانِعُ الحاسِم لِوُقُوعِ حَالاتٍ الاخْتِطافِ ، هذهِ النَّظْرَة هي تَهَرُّبٌ ولَيٌّ لِعُنْقِ الحَقِيقَةِ واللَّفِ حَوْلَها دُوْنَ نَوالِ جَوْهَرِها ، كَيْفَ يُمْكِنُ لِعائِلةٍ صَغِيرَة تَتَلاطَمُ في مَوْجاتِ مُجْتَمَعِها أَنْ تُواجِه تَحَدِّي هذا المُجْتَمع الكَبِير ؟
أَلنْ يُساعِد سَنَّ القَوانِينِ والعَمَل بِها لِحِمايَةِ حُقُوقِ الأَفْراد على تَقْنِينِ هذا السُلوك حَدَّ إِلْغائِهِ ؟
وإِنْ تَوَفَّرَ الدسْتُورُ عَلَيْها فالضَرورَة تَدْعو لِلعَملِ بِها وتَطْبِيقها .
أَليْسَتْ القَوانين هي الوسِيلَة المُثْلى والخُطْوَةُ الأَهَمّ نَحْوَ مَنْعِ وُقُوعِ وتَفاقُمِ مِثْلَ هذهِ الحَالات ، بالتَأْكيد الإِشَارَة هُنا هي إِلى قَوانِين صالِحة عادِلَة تَحْفَظُ حَقَّ كُلِّ فَرْد دُوْنَ تَحَفُظات ومُفاضلات وتَمْييز .
عَنِ الأُسْرِ الَّتِي تُرَبِّي أَوْلادَها ، بَنِيناً وبَناتاً ، تَرْبِيَةً مَأْمُونَة في نِسبٍ مُتفاوِتةٍ ، فيَتَعَلَّمُونَ الحَمِيدَ مِنْ الحَيثِياتِ كَالصِدْقِ ، الأَمانَةِ ، عَدَم السَرِقَةِ ، مَحَبَّة الآخَرِين ومُسامَحَتِهِم ، تَفَهُّم المُقابِلِ ، المَرُونَةِ وعَدَم التَشَنُّجِ في التَعامُلِ مَعَ الآخَرِين ، حُسْنَ الظَنِّ بِالآخَرِين ، مدّ يَدَ العَوْنِ لِمَنْ يَحْتَاج ، التَعَاضُدِ مَعَ الآخَرِين في مِحَنِهِم ، وغَيْرٌ مِنْ هذا كَثِيرٌ وكَثِير لكِنْ ؛ هَلْ كُلُّ هذهِ التَرْبِيَةِ الحَمِيدَة ومَهْما كَانَت عَالِيَة قَادِرَة على دَرْءِ الشَرِّ القَابِعِ عِنْدَ المُنْعَطفِ ، أَوْ في أَيَّةِ زَاوِيَةٍ خَارِجَ جُدرانِ الأُسْرَةِ الآمِنةِ في العَالَمِ الخَارِجِيِّ المُحِيطِ بِها والَّذِي تَحْيَا فيه ؟
لايُمْكِن الإِجابَة بِنَعم قَطْعِيَّة ، فعَدَمِ السَرِقَةِ والأَمانَة على سبيلِ المِثال لاتَحْمِي الشَخْص مِنْ أَنْ يُصْبِحَ مَسْرُوقاً .
أَلا تَتَساوَى هذهِ الأُسْر في نَصِيبِها مِن شَاكِلَةِ الأَحْداثِ ( إِنْ لَمْ تَتَفَوَّقْ وأَكْثَر ) مَعَ تِلكَ الأُسْرِ الَّتِي لا تَعْتَني كُلَّ تِلكَ العِنايَةِ بِأَوْلادِها ؟
هُناكَ أَحْداثٌ كَثِيرَة في الحَيَاةِ يَتَعَرَّضُ إِلَيْها الإِنْسَان الفَرْد ولاصِلَة لَها مِنْ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ بِالتَرْبِيَةِ الَّتِي تَلَقَّاها ، فمَنْ تُسْرَقُ مِحْفَظَتَهُ وهو ذَاهِبٌ إِلى مَدْرَسَتِهِ أَوْ لِزِيارَةِ صَدِيقِهِ بِيَدِ أَحَدِ اللُصُوصِ لادَخْلَ لِتَرْبِيَتِهِ فيها فكُلُّ البَشَرِ مُعرَّضُون إِلى كُلِّ الأُمُورِ أَيَّاً كَانَت ولا أَحَدَ يَعْلُو على ذلك أَوْ يَنْجُو ، ومَنْ يَتَعَرَّضُ لِحادِثَةِ دَهْسٍ لادَخْلَ لِتَرْبِيَتِهِ في ذلك ، ومَنْ يَتَعرَّضُ لِمُضايقاتٍ مِنْ عدوانيٍّ عنِيف هَمَّهُ الاعْتِداء على أَيٍّ يَلْتقِيهِ لِيُفْرِغَ فيهِ عِدْوانِيتَه بِالضَرْبِ أَوْ بَذِيء الكلامِ أَوْ بِطُرُقٍ أُخْرَى لادَخْلَ لِتَرْبِيَتِهِ في ذلك ، ومَنْ يُسْتَهْدَفُ كرَهِينَةٍ لَدَى جِهَةٍ ما بِغْيَةَ ابْتِزاز المَالِ مِنْ أَهْلِهِ لادَخْلَ لِتَرْبِيَتِهِ في ذلك ، ومَنْ يَقعُ على وَجْهِهِ ويُغْشَى عَلَيْه في الشَارِعِ جَراءَ تَعَثُّرِهِ بِشَيْءٍ ما لادَخْلَ لِتَرْبِيَتِهِ في إِغْماءَتِهِ .
أَنْ تَحْرِصَ الأُسْرَة على تَلْقينِ أَفْرادِها الكلِمات المُهذَّبَة اللائقَة لايُشَكِّلُ عائِقاً صامِداً أَمامَ تَلقُّفَهُم الأَلْفاظ البَذِيئة مِمَّنْ في المَدْرسَةِ أَوْ الأَسْواق أَوْ ..... إلخ ، ومَنْ يُصِرُّ على إِنَّ تَأْثِيرَ العائِلةِ أَشَدُّ ويُغالِبُ كُلَّ هذهِ المُمْكِنات فهو يَتَحدَّثُ بِمِثالِيَّةٍ مُكثَّفَة لَيْسَ لَها مِن الواقِعِ إِلاَّ النَصِيبُ الشَحِيح ، فلَوْ كانَ الأَمْرُ كذلِك لَما وَجَدْنا أُسراً تُربِّي أَوْلادها التَرْبِيَةَ المَحْمودَة لكِنَّ ذلِك لايُعِيقُ انْحِرافَ أَحَدِ أَبْنائِها بِتَأْثِيرِ الأَصْدِقاء ، أَوْ اسْتِغْلالِ إِحْدَى الجِهاتِ لَهُ في سُوءٍ ما ، أَوْ حَشْوِ ذِهْنِهِ بِأُمورٍ لَيْسَت صَالِحَة أَوْ نَافِعة ...... إلخ .
يُمْكِنُ أَنْ تَتَعرَّضَ العوائلُ الَّتِي تُربِّي أَوْلادها بِالاسْتِنادِ إِلى الهَمِّ الدِينيِّ كركيزَةٍ أَساسِيَّة في التَرْبيَةِ لاخْتِطافِ بناتِها بِنَفْسِ القَدْرِ ( إِنْ لَمْ يكُنْ أَكْثَر ) الَّذِي تَتَعرَّضُ إِلَيْه العوائِل الَّتِي لاتُعيرُ ذاكَ الهَمّ شَأْناً في تَرْبيَةِ أَبْنائها لِلأَمْرِ ذاته .
التَرْبِية الحَسَنَة والتَوْعية ، وأَيْضاً التَثْقِيف والتَرْبِية الدِينِيَّة لَنْ تَمْنَع مُسَلْسَل الاخْتِطافات ولَنْ تَحْمي الفتيات مِن التَغْرِيرِ بِهِنَّ والتَعرُّضِ لِلحِيلةِ والغَدْرِ طالما إِنَّ الدَوْلَة الدِينِيَّة قائِمَة ، وتَجْعلُ مِن الشَرِيعةِ مَصْدراً لِلقوانِينِ وتَرْفُضُ مايَتَعارضُ مَعَها ، وتُؤشِرُ دِيانةَ المُواطِنِ في هوِيَّةِ الأَحْوالِ المدنِيَّة والهوِيَّة الوطنِيَّة ، وتُصِرُّ على تَعْرِيفِ دِينِ الدَوْلَة الرَسْميِّ ، وتُواصِلُ تَرْسيخ مادَةِ التَرْبيَةِ الدِينِيَّة في المناهجِ الدِراسِيَّة ، في ظِلِّ هذا كُلِّهِ يَنْتفِي الأَمَل في تعايُشٍ سلْميٍّ بَيْنَ الأَدْيانِ دُوْنَ اعْتِداءاتٍ وسيَبْقَى مُسلْسَلُ خَطْفِ الفتياتِ دَيْدناً مُسْتَمِرَّاً .
القَوانِين الَّتِي تَحْمي حُرِيَّة الفَرْدِ وكرَامتِهِ بِغَضِّ النَظَرِ عَنْ دِينِهِ وطائفتِهِ وعشِيرتِهِ ومَذْهبهِ ..... إلخ أَيْ الإِنْسان الفَرْد كمُواطِن تَحْتَ خيْمةِ فَصْلِ الدِينِ عَنْ الدَوْلةِ يُحقِّقُ الغَرض ، أَمَّا الإِصْرار على فَقرَةِ دِينِ الدَوْلةِ الرَسْمِيِّ فلَنْ يَجْلُبَ في أَذْيالِهِ إِلاَّ المزِيد مِن المُضايقاتِ والنكباتِ والاعْتِداءاتِ على الأَقلِيَّاتِ الأُخْرَى .
أيْضاً ضَرورَة إِلْغاء خانَة الدِيانَة مِنْ هَويَّة الأَحْوال المَدنِيَّة والهَويَّة الوَطنِيَّة ضَرورَة عادِلَة وصالِحة .
كما إِنَّ إِلْغاء مادَة التَرْبِية الدِينِيَّة مِن المَناهجِ المَدْرسِيَّة لازِمَةً تُرافِقُ ذلك لابُدَّ مِنْها ومُلِحَّة لِبِناءِ مُجْتمعٍ سلِيمٍ مُعافَى مِن التَمْييزِ والتَشْخِيص .
أَغْلَبِية العَوائِل مِن الأَقلِيَّاتِ لاتَثِقُ بِعَدَالَةِ القَضاءِ ولِهذا فهي تَعْزِفُ عن الذِهابِ إِلى مَرْكَزِ الشُرْطَةِ في حَالِ اخْتِطافِ بَناتِها ، أَمَّا القَلِيلُون مِمَّنْ يَفْعَلُون ذلك يَحْصِدُون الخَيْبَة والخِذْلان .
عِنْدَما تَذْهَبُ عَائِلَةُ الفَتاةِ إِلى مَرْكَزِ الشُرْطَةِ وتُقَدِّمُ بَلاغاً بِاخْتِطافِ ابْنَتِها ، لايَهْتَمُ المُوَظَّفُون فيه بِالحَالَةِ بِاعْتِبارِهِم ( أَيْ الخَاطِفُون ) قَدْ فَعلوا حَسَناً بِهَدْي كَافِرَةٍ مُضَلَّلَة إِلى دِينِ الحَقِّ حَتَّى ولَوْ بِالإِجْبارِ والإِكْراهِ ، ولِهذا كَانَت العَوائِلُ تَخْرُجُ مِن المَرْكَزِ تَجُرُّ خَلْفَها أَذْيالَ الخَيْبَةِ والخِزْي والإِذْلالِ وأَيْضاً سُخْرِيَةَ المُوَظَّفِين مِنْها ، وفي أَحْسَنِ الأَحْوالِ يَأْتُون بِالفَتاةِ لِتَنْطقُ أَمامَ أَهْلِها وبِحُضُورِ الشُرْطَةِ إِنَّها لَحِقَتْ بِالفَتَى رَغْبَةً مِنْها ولَيْسَ اخْتِطافاً مَعَ تَجاهُلِ أَسْبابِ إِدْلائِها بِذلك كَكَوْنِ الفَتاة قَدْ تَعَرَّضَتْ لِلتَرْهِيبِ والتَهْدِيدِ مِنْ جِهَةِ الخَاطِفين ، أَوْ الخَوْف من تَصْفِيَتِها أَوْ تَصْفِيةِ أَحَدِ أَفْرادِ أَسْرَتِها ، أَوْ الثَأْر مِنْها بِتَشْويهها أَوْ مُلاحَقَتِها ........ إلخ لَوْ قَالَتْ بِغَيْرِ ذلك ، أَوْ خَوْف الفَتاةِ مِنْ نَتَائِج غَيْر مَحْمُودَة العَواقِب لِعَودَتِها لأَهْلِها كَعَدَم تَفَهُّمِهِم أَوْ عَدَمِ تَصْدِيقِهِم لَها ، أَوْ سُوْءِ المُعامَلَةِ مِنْ ضَرْبٍ وتَحْقِيرٍ ونَبْذٍ وغَيْر ذلك ، أَوْ خَوْفَها مِنْ رَفْضِ المُجْتَمَعِ لَها بَعْدَ أَنْ فَقَدَتْ سُمْعَتَها فلا أَمْلَ في مُسْتَقَبَلِ يَسْمَحُ لَها بِتَكْوِينِ عَائِلَة مَعَ شَابٍ ما ، أَوْ كُلُّ هذهِ العَوامِل مُجْتَمِعَة ، أَوْ أَسْبابَ أُخْرَى مُتَشَعِّبَة ومُتَعَدِّدَة ......... إلخ ، فنَسْتَخْلِصُ مِنْ كُلِّ هذا كَمْ إِنَّ الفَتاةَ الضَحِيَّة وَحِيدَة في مِحْنَتِها بَيْنَما تَدَّعي كُلُّ الأَطْرافِ اهْتِمامَها بِها وتَتنازَعُ عَلَيْها ، وأَحْياناً يَتَمادَى الخاطِف وَقاحةً ويُمْعِنُ في إِذْلالِ أُسْرَةِ المَخْطُوفَة فيَأْتي بِها ويُسْكِنُها قَبَالَة أَهْلِها ، بَيْنَما إِنْ ْتَجَرَّأَت فَتاةٌ مِنْ دِينِ الأَغْلَبِيةِ المُؤْمِنةِ ( دِينُ الدَوْلَة ) وأَحَبَّتْ فَتىً مِنْ دِينِ إِحْدَى الأَقلِيَّات فإِما تُقْتَل أَوْ على الفَتى أَنْ يَعْتَنِقَ دِين الأَغْلَبِيةِ هذا .
تَعِيشُ الأَقلِيَّات في مُجْتَمَعِ دِينِ الأَغْلَبِية وهو مُجْتَمعٌ قَائِمٌ على أَعْرافٍ وتَقالِيدٍ وقِيمِ دِينِ الأَغْلَبِية فكَيْفَ لَها أَنْ تَبْنِي كِيانَها وتُحافِظُ على أَبْنَائِها دُوْنَ أَضْرار ؟
أَيَّةُ حِمايَةٍ وأَيُّ حَجْمٍ مِنْها تَسْتَطِيعُ عَوائِلُ الأَقلِياتِ تَوْفِيرَها لأَبْنَائِها لِدَرْءِ المَخَاطِرِ عنها في مُجْتَمعاتٍ تَزُخُّ بِالمَشاكِلِ زَخّاً وفي ظِلِّ غِيابِ القَوانِينِ الَّتِي تَحْمي حُقُوقَ الأَقلِياتِ وحُقُوقَ الأُنْثَى ؟
إِنَّ حَجْمَ الحِمايَةِ المَعْنَوِيَّة مَهْما كَانَ كَبِيراً سيَظَلُّ مَحْدُوداً إِزاء المُحِيطِ الأَكْبَر ( المُجْتَمع ) ، هَلْ هو الدَعْم الأَخْلاقيِّ الدِينيِّ الَّذِي يَنْحازُ إِلَيْهِ الكَثِيرون في التَعْليلِ والتَأْثير ؟
الأَدْيان لَمْ تَخْلُق الأَخْلاق ولم تُوْجِدها فلِكُلِّ مُجْتَمعٍ معاييرهُ الأَخْلاقِيَّة غابَ عَنْهُ الدِين أَوْ حَضَر ، إِنَّما أَضَافَتْ إِلى بَعْضِها واقْتَصَتْ مِنْ بَعْضِها الآخَر أَوْ نَقَضَتْهُ ، حَوَّرَتْ في جُزْءٍ مِنْها ..... إلخ وكُلُّ ذلِك بِما يُناسِبُ تَعالِيمها ، فالمُجْتَمعات الَّتِي لا دَوْرَ لِلدِينِ فيها أَيْضاً لَها أَخْلاقها ومعاييرها الإِنْسَانِيَّة ، ولَقَدْ أَثْبَتَ تَارِيخُ المَسِيرَةِ الإِنْسَانِيَّة إِنَّ الدِينَ لايُشَكِّلُ رَادِعاً أَخْلاقِيَّاً أَوْ حَامِياً بِالدَرَجِةِ الَّتِي تُنْسَبُ إِلَيْهِ .
أَيْضاً في المُجْتَمعاتِ الَّتِي لَمْ يَعُدْ الدِين يُشَكِّلُ فيها مِفْصلاً قائِماً وحاداً نُلاحِظُ غِيابَ سُلوك اخْتِطافِ فتياتِ الأَقلِيَّاتِ الأُخْرَى وإِجْبارِهِنَّ على اعْتِناقِ دِينٍ آخَر غِياباً مُلفِتاً نابِعاً مِنْ تَجاوزِها ، مَعَ تَدْوينِ وجودِ أَسْبابٍ أُخْرَى لاعلاقَةَ لَها بِالدينِ إِطْلاقاً خَلْفَ حوادِثِ خَطْفِ الأَفْرادِ في وقوعِها .
السَبَب في غِيابِ هذا السُلوك يَعودُ لِكَوْنِ هذه المُجْتَمعات تُؤمِّنُ الحُرِيَّة الفَرْدِيَّة وتُؤْمِنُ بِها وقَدْ وثَبَتْ بِوَعْيها إِلى الضِفَةِ الآمِنة تَحاذِياً مَعَ تَجاوزها الأَدْيان كمِفْصلٍ حادٍ وقائم ، وظَنُّ البَعْض بِغِيابِ المعاييرِ الأَخْلاقِيَّة فيها هو ظَنٌّ غافِل ، فلِهذِهِ المُجْتَمعات مقاييسها الأَخْلاقِيَّة ، والحُرِيَّة في مَفْهومِها هي بِمَعْنَى المَسْؤولِيَّة والقَرار وتَحَمُّلِ النتائج واحْتِرام القَوانين وما إِلى ذلك ، ولَيْسَ بِمَعْنَى المَفْهوم المُضْطرِب والمُشَوَّه ( الانْحِلال والانْفِلات ) الَّذِي صُرِّفَ عَنْها لأَسْبابٍ تَتَماوجُ بَيْنَ السِياسيَّة ، الدِينِيَّة ، العلاقات الدولِيَّة ، سُوءَ فِهْمٍ لِطَبِيعةِ المُجْتَمعِ المُخْتَلِف ، و ما إِلى غُيْر ذلِك مِنْ تَشَعُّبِ الأَسْبابِ .
في مِثْلِ هذِهِ القَضايَا يَجِبُ الاحْتِكام لِلقَوانِين الَّتِي تَحْفَظُ حُقُوقِ الأُنْثَى كَفَرْدٍ مُساوٍ لِلذَكرِ ولَيْسَ ككَوْنِ الرَّجُلِ هو الأَصْل والأُنْثَى تَابِعٌ وفَرْعٌ ، وبِتَأْمِينِ حُقُوقِ الأُنْثَى يُضْمَنُ حَقَّها في الاخْتِيارِ وفي القَرارِ وفي الاحْتِفاظِ بِدِينِها أَوْ تَغْيِيرِهِ ، كما يَجِبُ التَعامُل بِجِدِّيَّةٍ تَامَّة مَعَ دَعْوَى الأُنْثَى بِاخْتِطافِها ومُعاقَبَةَ الجَانِي دُوْنَ التَحَيُّزِ لِطَائِفَةٍ أَوْ مَذْهبٍ أَوْ دِين الأَغْلَبِية .
المَسْؤولِيَّة وكما هي في كُلِّ الأَحْوالِ الأُخْرَى تَتَوزَّعُ على الجَميعِ أَفْراداً ، أُسراً ، مُنظَّمات ، مُؤسسات ، سُلْطَة ......... إلخ ، كُلٌّ يَتَحمَّلُ الجُزْءَ المُناط بِهِ مَعَ الإِشَارَة إِلى أَنَّ هذا الجَميع في مُجْمَلِهِ يُشَكِّلُ مُجْتَمعاً .
الابْتِعاد عن إِطْلاقِ الأَحْكامِ العَشْوائِيَّةِ والقَاسِيةِ بِحَقِّ العَائلَةِ الَّتِي تَتَعَرَّضُ لِهكذا حَالَة ، وتَفَهُّمِ الظَرْف الَّذِي تَمُرُّ بِهِ ، والتَعامُل مَعَها مُؤَازَرَةً بَعِيداً عن الاحْتِقارِ والاسْتِخْفافِ واللَوْمِ سُلُوكٌ مُنْصِف ، وهذهِ العَائلَةُ بِدَوْرِها عَلَيْها بِالتَعاضُدِ مَعَ ابْنَتِها بَعِيداً عن اللَوْمِ والتَقْرِيعِ وسُوءِ الظَنِّ والتَشْكِيكِ ....... إلخ .
فبِأَيِّ مَنْطِق يُسْرَقُ إِنْسَانٌ ذو كيانٍ كما تُسْرَقُ تُفاحَة أَوْ قِطْعة أَثاثٍ أَوْ أَيَّة حاجةٍ أُخْرَى ..........
يُعاقَبُ الفاعِل على سَرِقتِهِ التُفاحَة أَوْ قِطْعةَ الأَثاثِ أَوْ أَيَّة حاجةٍ أُخْرَى ، بَيْنَما يُكافأُ عِنْدما يَخْتَطِفُ إِنْسَانَة سَرَقَها مِنْ عائِلتِها ومُحيطِها واقْتَلعها مِنْ مَنْبَتِها عُنْوَةً وخَدِيعةً بِتَزْويجها مِنْهُ .
فَقَطْ المُجْتَمع النائي عَن الحَقِّ يُداوي السُلوكَ الأَشْوَه بِشُّوهَةٍ أَفْظع .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تَثْنِية لابُدَّ مِنْها عَن ادْعاءاتٍ باهِتة :
يَصِفُ البَعْضُ الكِتابات الَّتِي تَتَناولُ سُلوك اخْتِطافِ فتيات الأَقلِيَّاتِ في مادتِها وتُشيرُ إِلى ذلك الهَمّ بِأَنَّها كِتاباتٌ مُغْرِضَة تَبُثُّ التَفْرِقَة بَيْنَ مُكوناتِ النَسِيج الاجْتِماعيِّ الواحِد وتَحُثُّ عَلَيْها ، مُتجاهلين بِأَنَّ التَفْرِقَة حَقِيقَة قائِمة في الدُولِ ذاتِ الأَدْيانِ المُعَرَّفة ولايُمْكِنُ لأَحدٍ نُكْرانَها ولا تَحْتاجُ لِكتاباتٍ تَبُثُّها ، تُمارِسُها الأَغْلبِيَّة ضِدَّ المُكوِنات الأُخْرَى مِن الأَقلِيَّاتِ كما هو تَهْمِيشها لَها حَقِيقَةٌ أُخْرَى .
المُدارَةُ والتَزْوِيق لِلواقِعِ لايُنْتِجُ حُلولاً نَاجِعة ، المُكاشَفَةُ الحَقَّة وتَعْرِيَةُ الحَقِيقَة مَطْلبٌ مُلِحَّ .
هكذا يُصْبِحُ الحَدِيث عَنْ هذا السُلوك ضَرُورَة لايُمْكِنُ تَجاهُلَها أَوْ تَزْويقَها ، هي مُشْكِلَة قائِمَة بِحاجةٍ إِلى حَلٍّ في الدُولِ ذاتِ الدِيانَةِ المُعَرَّفة والَّتِي تَسْتَمِدُ قَوانِينَها مِنْ شَرِيعتِها ، ولِذلك فالكِتابات الَّتِي تَخُوضُ فيها بَرِيئةٌ مِمَّا تُوصَمُ بِهِ مِنْ قِبَلِ ذاك البَعْض، بَيْنَما يكونُ الحَدِيثُ عَنْ هذا السُلوك في المُجْتَمعاتِ الَّتِي تَجاوزَتْ أَدْيانَها فَرْطٌ مِن الوَهْمِ لأَنَّ حالاتِ الاخْتِطافِ لَيْسَ لَها هذه الصِفَة الدِينِيَّة وتَخْتَلِفُ أَسْبابَها وتَداعِياتِ حُدوثِها .
أَمَّا مَنْ يُصِرُّ على تَخْدِيشِ الحَقِيقَة ويُنادِي بِأَنَّ الاخْتِطافات مِنْ هذا النَوْع لا أَسْبابَ دِينِيَّة تُحَرِّرُها ، وإِنَّما المَسْأَلَة لاتَخْرُجُ عَنْ إِطارِ الاعْتِداءِ على قَاصِرات ، ولاعَلاقَةَ لَها بِالدِينِ إِطْلاقاً ، إِنَّما يُحَرِّفُ الحَقِيقَة ويَصْبُغها ويُلْبِسُها قِناعَ الكذِب على الذاتِ أَوَّلاً قَبْلَ الآخَر ، هو طَرْحٌ أَنِيقٌ لِلقَضِيَّة يُخالِفُ الحَقِيقَة الجَارِية ويُدارِيها عَنْ أَسْبابِها ودَواعِيها ، ويَهْربُ بِها إِلى غَيْرِ مَجْرَاها ، ويُسرِّبُ منْها حَقِيقَة فَحْواها ، إِنَّهُ طَرْحٌ تَجْميليِّ يُكذِّبُ الحَقِيقة ويَتَبنَّى الكذِب على الذاتِ وعلى الآخَر ، فكُلَّ مَنْ عاشُوا في دُولٍ تُعَرِّف أَدْيانَها وتُصِرُّ عَلَيْها يُدْرِكُ مَدَى سَريانِ هذا السُلوك لِجُذورِه الدِينِيَّة المُتَأصِّلَة تَماماً ، ووَصْف المَسْأَلة بِكوْنِها اعْتِداء على قاصِر لَيْسَ إِلاَّ ، إِنَّما هو وَصْفٌ لِلحالاتِ الَّتِي تَحْدُثُ في المُجْتَمعاتِ الَّتِي تجاوزَتْ أَدْيانَها ، ولايُمْكِنُ إِحالَة هذهِ الصُورَة أَبَداً على المُجْتَمعات في الدُولِ ذاتِ الدِيانةِ التَحْدِيديَّة المُعَرَّفةِ لأَنَّها لاتُعَرِّفُ بِالحقيقة ولا تَعْتَرِفُ بِها ، رُبَّما يُمْكِنُ الاسْتِفادة مِنْ التَعْبِير في إِطارِ هذهِ الصُورَة لِلتَعْرِيفِ بِالقَضِيَّة لَدَى المُجْتَمعات الَّتِي شُفِيت مِنْ أَدْيانِها وفي المَحافِل الدولِيَّة .
كُلّ مَنْ يُحاوِلُ تَحْدِيدَ القَضِيَّة بِمَرْمَى الاعْتِداءِ على قَاصِر إِنَّما يَسْلُخها عَنْ كُلِّ حَقِيقتِها ، ويُزوِّرُ أَسْبابَها ، ويُبدِّدُ عَنْها غاياتَها وأَبْعادَها .
في ارْتِياءِ وَصْفٍ آخَرٍ لِهذِهِ المُحاولَة التَخْدِيشِيَّة يُمْكِنُ بِالتَالي :
عملِيَة سَطْوٍ واحْتِيالٍ على حَقِيقَةِ القَضِيَّة لإِفْراغِها مِنْ مُحْتَواها وجَزِّ عُنُقِ الضَحِيَّة قُرْباناً لِمُرْتَكِبِها .
جذرٌ آخَرٌ يَتأَزرُ ويَتَشابَكُ مَعَ الجُذورِ الدِينِيَّة في سُلوكِ اخْتِطافِ فتيات الأَقلِيَّاتِ لَهُ مَوْضِع قَدَمٍ أَلاَ وهو إِنَّ الإِنْسَان يُحِبُّ التَسيُّد والسَيْطرَةِ ومُمارَسَةِ القُوَّة والسُلْطة على الآخَرِين ، هكذا تَشْعُرُ مُجامِيعُ الأَغْلبِيَّة في الدُولِ المُعَرَّفةِ أَدْيانها وتَسِيرُ بِشَرِيعتِها إِنَّها في مَوْقِعِ القُوَّة ، وهذهِ القُوَّة تُعْطِيها الحَقّ في تَنْظِيمِ حيَاةِ الآخَرِ المُخْتَلِف وتَسْييرها ولَوْ إِكْراهاً تَماشِياً مَعَ ماجاءَ في قَوانينِها الَّتِي تَسْتَمِدُّ نُصوصَها مِنْ شَرِيعةِ دِينِها .
آوان تَصيرُ تِلك المُجْتَمعات إِلى حالةِ التَلائُم الاجْتِماعيِّ السَلْمِيِّ بَيْنَ كُلِّ مُكوِّناتِهِا دُوْنَ الإِشارَةِ إِلى الدِينِ أَوْ المَذْهب أَوْ المِلَّة ...... إلخ ، فيكونُ زَواج فَرْدينِ مِنْ هذهِ المُكوِّنات قُبولاً وتَراضِياً لا اخْتِطافاً أَوْ اغْتِصاباً ولايُلْحِقُ المُجْتَمعُ عاراً بِالعائِلةِ لأَجْلِ ذلك ، آوانها فَقَطْ يُمْكنُ الحدِيثُ عَنْ سُلوكِ اخْتِطافِ القَاصِرات مِنْ أَيِّ مُكوِّنٍ كان بِتَعْرِيفِها حالاتُ اعْتِداءٍ على قَاصِرات ، وحَتَّى ذلك الآوان يَبْقَى هذا السُلوك مُضافاً إِلى اعْتِداءٍ على القَاصِرات ( الَّذِي يُمثِّلُ وجْهاً مِنْ أَوْجُهِ هذا السُلوك ) وفي ذاتِ الوَقْتِ أَبْعَدَ مِنْهُ ، ووَشْمُ الدِينِ يَظُلُّ مَقْروءاً على اليَدِ الَّتِي امْتَدَّتْ فاعْتَدَتْ واخْتَطفَتْ وسَرَقَتْ بِغِيرِ حَقٍّ مالَيْسَ لَها وسَبَّبَتْ الأَذَى لِلآخَر كَوْنَهُ المُخْتَلِف لَيْسَ إِلاَّ ........
مِنِّي لكُم وَصْلاً ومَحَبَّةً عزِيزاتي ، أَعزائي ، مِن القَارِئاتِ والقُرَّاء .
Shatham@hotmail.de
هامش :
ــــــــــــــــــ
الأَشْوَه : القبيح الوجهِ .
الأسْم مِنْهُ هو الشُّوهَة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ردود :
القَارِئ
Azher Aliraqi
شكراً للمرور وللاهتمام بالمقالة ، أقدر كثيراً مرورك والتعليق الذي دوَّنته لي على الفيس بوك في مقالة ـ مصارعة الثيران ـ
مع المحبة والود
شذى
القَارِئة
مروة خليفة
شُكراً جزيلاً على اهتمامكِ وعلى التعليق الذي دونتيهِ لي في صفحة الفيس بوك عن مقالة ــ بمناسبة اليوم العالمي للطبيب البيطري ــ
تمنياتي لكِ بكل الخير مع الود
شذى