Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

يا ويح الوطن ان خرج منه اصحاب المبادئ

في سنة 1991 كنت في مقتبل الشباب، كنت يائسا كحال كل الناس من اوضاع البلد ولكن مبادئي وعنادي واشياء اخرى في نفسي لا اعرف ان اعطيها مسميات مناسبة، كل هذه كانت قيودي وسلاحي في ان واحد وانا في هذا التخبط من العمل السياسي السري احيانا والجرئ احيانا اخرى، جائني ابن اخت احد اصدقائي المقربين لي جدا وكان اخا لصديق الطفولة الذي مات في نهر جاسم ابان الحرب الايرانية- العراقية مات جنديا وهو لم يحصل بعد على دفتر الخدمة العسكرية( من مواليد 1968)،جائني وقال لي:(( لقد اتيت من تركيا الى هنا لاخذك معي فقد ارسلني خالي( جوني) لاصطحبك اليه فهو ينتظرك لانه طلب من خالته في استراليا ان تسحبك معنا فقبلت))، تحججت بان ليس معي نقود فقال:((لا تهتم فقط انت وحقيبة ملابسك))،وكنت للتو قد قررت ان ارتبط بمن احب لابعد عني عيون الواشين (الامن والاستخبارات) علاسة اليوم لما كنا نفعله من نضال بسيط (ولكنه اكبر من عمل كثير ممن هم الان في مجلس النواب يكنون انفسهم بالمناضلين) من توزيع بعض المنشورات في مناطق تواجد ابناء شعبنا وتحديدا في (الصناعة والكمب الكيلاني والدورة والنعيرية)التي تحث على مساعدة من هم في شمال العراق من مناضلي الحركة الديمقراطية الاشورية ودعمهم بكل الوسائل واعمال اخرى لا مجال لذكرها، فرفضت ((يمعود منا منا))،اصريت على موقفي وتشاجر معي عمي واخي الكبير ((هذه فرصة لن تعوض هل انت مجنون)) وما الى ذلك من كلمات عتب وملامة ولكنها كانت هباءا امام عنادي (مبادئي) فبقيت وخطبت وجرت الامور كما جرت من خلال انخراطنا وتحويل نشاطنا من الكنيسة الى جمعية اشوربانيبال الثقافية، وهناك فعلنا ما فعلنا وغنينا وكتبنا وانشدنا وحوربنا من قبل من تحججوا بانهم يخافون علينا من انفسنا (من مبادئنا) الى ان جاء التحرير في سنة 2003 وتخلصنا من الطاغية واعوانه، وحضرنا اللافتات والزورنا والطبل والاعلام والشعارات ولكن فوجئنا بان الشعب بدلا من ان يفرح بدء يسرق (حواسم)،وامام مصرف قرب بيتي كان يحتشد مئات العراقيين من مختلف الطبقات والاجناس ينتظرون القاصات ان تفتح ويجلسون كما يجلس عمال المسطر كنت اقول لهم ((هذه ساعة الفرحة ساعة العمل ساعة البناء)) ولكن لا حياة لمن تنادي واخرون يسرقون ويحرقون ما لايستطيعون سرقته من الطابوق والبنايات اضعف الايمان اسرقوا ان كانت هذه فتوى لكن لا تحرقوا كان الجواب دائما:(( ليش هيه مالتك لو مال ابوك))، كاد اليائس يغلبني لكن منظرا واحدا نشط عندي الامل واعاد الي التمسك ببلدي، كان منظر احد عمال المطافئ الذي ابى ان يشارك في (الحواسم) فكان ياتي بسيارته يطفئ الحريق الذي اذكره لحد الان في المسرح الوطني ويذهب لوحده بدون معاون ليملئ سيارة الاطفاء بالماء ويعود ليطفئ الحريق ،فقلت لنفسي ولرفاقي ((حسنا انها مرحلة تعويض من الحرمان وتنتهي))،ولكن المرحلة تحولت الى خطف وتصفية حسابات وقطع الرؤوس وانفجارات وعبوات ناسفة والى ان وصلت الى القتل بالهوية، قاومت فقلت:(( كلها ضريبة الحرية وان الفرج بعد الشدة وان الانسان يمكن ان يتغير وثقافة الشعوب تتغير بالتطور))،ولكن التطور انحرف الى تطرف، فبدأت المحاصصات واختلط الحابل بالنابل وظاع الحق وتعب السنين والحفاظ على المبادئ اتعبني فلم يبقى من سبيل، في العاصمة لا حياة وبالجنوب تحجبات وفي الشمال بارتيات وكأن التاريخ يعيد نفسه والظلم والاضطهاد يزورون امتنا ولكن بصورة مزوقة ومتطورة الى ان كدت ان اذهب لاشتري حقيبة سفر لاحضر اغراضي فيها فاذا بي ارى منظرا اخر نشط في الامل مرة اخرى وذكرني بمبادئي التي كادت ان تذوب من عويل سيارات الشرطة والحمايات التي اصبحت اكثر من الناس وسنفونيات المولدات واستغلال اصحابها واستغلال الشعب للشعب نفسه، منظر اطفال يذهبون الى المدرسة المهددة بالتفجير ليفتحوا صفا باللغة السريانية بعددهم البسيط المهمش ذو الكرسي الواحد في البرلمان الضخم دون وزير في بلد كثرت فيه وزاراته دون عمل وموظفين، اطفال يقرأون لغة عمرها الاف السنين يثبتون للعالم انهم اصحاب حضارة، فاتيت بابنتي والحقتها بهذا السرب وقلت لها:((ان كان زماني حروبا ونضال وصراع على الحقوق فزمانك الامل وميراثك مني المبادئ كما ورثتها انا منذ الازل))….
Opinions