امنية غربـــــــــــــة !!
لقد بدأت هذه الغربة حين تسلق الطاغية الى سدة الحكم في بلادي ..اكتشفناها ونحن طلبة الاعدادية في لعبة الدومينو حين كنا نهرب من جحيم الدرس الممل للرفاق البعثية الممسوخين الى المقهى لنشرب قدح الشاي وندخن السيكارة سرا ..واخذت الامنية الصغيرة تنمو في تلافيف عقولنا ..امنية تداعب حلمنا بالخلاص من هذه الغربة التي تنال من هويتنا الوطنية ..لم نكن مقتنعين بالحرب ولا الحروب التي تلتها ..وكبرت هذه الامنية وكبرت غربتنا في رحم مدننا ..وفجأة تغيرت الصورة ،وظهرت جموع عسكرية غريبة تعلن تحرير اسرنا ..ووقفنا مشدوهين ..هل نفرح بأن امنيتنا قد نالت متنفسا لتحقيقها ام نحزن لاننا سمحنا للاغراب ان يدخلوا بيوتنا بلا استئذان كأزلام الطاغية صدام ..وبعد سنوات ضاعت حتى صورة هذه الامنية في مخيلتنا وباتت محض سراب ولم نعد نتذكرها في خليط السجون السابقة والاعدامات التي قام بها المقبور وفوضى الكواتم والمفخخات حاليا..وعدنا الى اغتراب اشد واعقد مما كان ..فهي دوائر لالون لها ومغلقة في نفوسنا لايفك رموزها نشيد الفضائيات ..ففي ذلك الزمن الفاشستي كنا ندرك ماهية غربتنا لكن في هذا الزمن تحولت الى خطوات مهمله ومترهلة لاتقوى على الاحلام ..وأخذنا نفتش عنها في مفترقات الازقة في احيائنا المتعبة وفي وجوه الفقراء الكالحة وحتى في صغار مدننا وهم يتراصون على ارضية صفوفهم القذرة لكي يفهموا درسا لايمكن ان يفهمه حتى عقلاء بلدي ..نعم نحن في وجع البحث يوميا عن ملامح تلك الامنية في وجوه وعيون الارامل وعند قبور شبابنا الذين انتهت غربتهم اما بأنفجار او ورم سرطاني ..نحن نتوسل بكل الذين يضحكون ويتسامرون في شاشات وجعنا ..ان يدلونا فقط كيف نستعيد امنيتنا ..نحن نتوسل بكل الذين سرقوا جيوبنا كيف نفهم غربتنا من جديد ..نحن نتوسل بكل الذين جففوا انهارنا كيف تكون خطواتنا واثبة من جديد ..نحن نتوسل بكل الذين زوروا عملتنا كيف نحصد حقولنا ومزارعنا المتصحره ..نحن نتوسل بكل الذين اطعمونا مرارة الاكاذيب كيف نبني انفسنا من جديد ..نحن نتوسل بأقلامنا كل صباح وننتهي في المساء متوسدين وجعنا بأننا فقدنا روح الامنيات الى الابد!!